نعم .. نحن الأحباش سودان المدار

تركت الشمس كل الكرة الارضية واتخذت لها مدارا ثابتا بين خطي السرطان والجدي، لا تبرحه.

هذه حدودنا من الأرض نحن الاحباش سودان المدار الذي يمتد في أفريقيا وحدها من الصومال إلى السنغال، غير امتداداته في آسيا وأمريكا اللاتينية.

ولن تقوم الساعة حتى نسود العالم لأننا سلة غذائه وخزينة معادنه ومرتع حيواناته الألفية والبرية.

بذور مأساة السودان وجدت في تربة الشيفونية العربية المفتقرة للتفكير الاستراتيجي عند الآباء المؤسسين في التيار الاتحادي العروبي والتيار الاستقلالي الاسلامي وأفندية المدن صناع الرأي العام.

أخذوا بلدا عملاقا واتجهوا به شمالا صوب العالم العربي الركيك سياسيا واجتماعيا وحضاريا ليوىثونا ما نعاني منه اليوم من عنصرية عربية بغيضة فرخرت بالمجاورة والتلامس وهد الألوان في الألوان، عنصرية أكثر عماءا وسط العرقيات التي لا تدعي العروبة..

كان يتعين أن أشرح عنوان البوست أولا وقبل الاسترسال.

الآن استدرك هذا الخطأ التكنيكي.

العرب كانوا يسمون تونس أفريقية.

ويسمون شعوب الساحل الغربي للبحر الأحمر (الأحباش).

وهم يعرفون الأحباش جيدا لأن الامبراطورية الحبشية كانت ثالثة ثلاث قوى عظمى في العالم وكانت تحتل جنوب جزيرة العرب لمئات السنين، حتى أنه يحق للشعب الموجود الآن في اليمن أن يقول بأنه حبشي، إذا حق لشعوب السودان أن يقولوا أنهم عرب.

والعرب كانوا يسمون شعوب أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى بالسودان.

لهذا، وباللغة العربية التي لم تتخلص بعد من محمولاتها الثقافية منذ عرف العرب أفريقيا للمرة الاولى، لا معنى لقولنا أننا افارقة، فهذا مفهوم جغرافي حديث يشمل الشعوب من مدينة الكاب وحتى مدينة الاسكندرية.

فنحن إذن أحباش الشاطئ الغربي للبحر الاحمر ونحن أيضا سودان جنوب الصحراء الكبرى.

المحيط الجيولوليتيكي الطبيعي للدولة التي نالت استقلالها مطلع العام 1956، غرب البحر الأحمر وجنوب الصحراء الأفريقية الكبرى، هو منطقة الحزام المداري التي تأوي جميع شعوب السودان العظيم، من البحر إلى المحيط، من الصومال وحتى السنغال مرورا بأثيوبيا وتشاد وموريتانيا.

ترى ماذا فقد السودان جراء التوجه شمالا، إلى العالم العربي؟؟

وهل في الامكان إصلاح الخطأ الاستراتيجي الذي أوقعنا فيه الآباء المؤسسون من قادة التيار الاتحادي العروبي والتيار الاستقلالي الاسلامي الذين كانا ولا يزالان، لحد كبير، يهيمنان على الحياة السياسية؟؟

إذا تعامل السودانيون إيجابيا مع ثقافاتهم المحلية الأصلية التي تستبطن مظاهر الحياة كلها وتعطيها لونها وطعمها وراحتها،

إذا لم يعاندوا الاندياح التلقائي للذات،

إذا لم يتطلعوا إلى خارج ذاتهم،

إذا أحبوا كونهم سودانيين،

لوجدوا أنهم يمتدون من الشرق إلى الغرب عبر السودان المداري العظيم.