صراع الأفيال ... قصة طريق شريان الشمال ..(ملكة سبأ )

http://www.khartoumtimes.com/cgi-bin/sdb/2bb....822301&func=flatview

ابوضلوع .. عملاق من الرمل
هال الرحالة الغربيين وعورة الطريق وهم يشقون صحراء بيوضة في طريقهم من الدبة إلى الى امدرمان ، وانهكت رمال ابو ضلوع كافة أنواع السيارات التي حاولت عبورها ..
امدرمان العاصمة الوطنية محكمة التحصين فمن ناحية الشمال الغربي تؤمنها تلال ابوضلوع ن ويؤمنها النيل من الشرق ، تلك هى عاصمة الدولة المهدية في السودان.
خرج ابناء الشمالية في هجرات لا حصر لها لداخل السودان وخارجه ونهلوا من العلوم وتخصصوا حتى اصبحوا نجوما ترصع صدر بلادهم في الداخل وفي المحافل الدولية في الخارج.
ذلك الفتى الأسمر الذي انصتت له كافة الوفود في اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة فى نيويورك وهو يمثل الدول العربية تارة وتارة الأفريقية وهو يصف مشاكل العالم المتحضر ويصف الدواء .. انتزع التصفيق من بين ايدي العالم.
وفي المساء غصت داره في نيويورك بالدبلوماسيين من مشارق الأرض ومغاربها ، استمعوا في صالونه الفاخر للسياسة ومستقبل العالم ومآلات الإقتصاد في ظل الإحتراب ، والفن والأدب وعادات الشعوب وثقافاتها ، كان قد نهل من كل بحر جرعة .. كان الوداع حارا والأمنيات بقضاء عطلة سعيدة بين الاهل والأحباب.
اكثر المتشائمين كان يحسب ان سعادة سيعبر المحيط الاطلسي إلى افريقيا وساعات من الطيران الى عاصمته ومنها بالقطار السريع إلى بلدته ..
إنهم لم يسمعوا بابى ضلوع !! ...
منذ ان دلف سفيرنا الى الطائرة تذكر الأيام القادمة التي سيقضيها على ظهر اللواري (الشاحنة) ، تذكر الصاجات والمساعدية والكوريك .. ابوضلوع .. شاى ام الحسن والباجا ... مر شريط الذكريات بسرعة كبيرة ، الآف المناظر منذ أيام الدراسة ...
نظر إلى بذلته اللامعة ونظفها بيده دون ان تكون عليهاذرة رمل واحدة والطائرة تقترب من مطار الخرطوم ... عاصفة ترابية عاتية منعت الرؤية عن الطيار فإضطر إلى اللجوء لأقرب مطار ... مطار جدة السعودي على بعد ساعة ونصف الساعة من الطيران ..
عصر الخميس استقل سعادة السفير لوري خير السيد المتجه إلى دنقلا ، احتل المقعد الامامي مع زوجته وطفليه وامامهم كرتونة متوسطة فيها زاد الرحلة (جبن – بيض – قطع اللحم المحمر – المربى والطحنية) وعلى جانب اللوري ربط المساعد قربتين كبيرتين من جلد البقر تحملان برميلا من الماء
خير السيد عمل مساعدا في اللواري التي تجوب هذا الطريق لمدة خمسة عشر سنة ثم سائقا لعشرة سنين صارع خلالها رمال ابو ضلوع ، وهزمته في كل المرات .. ومن الذي لم تهزمه رمال ابو ضلوع الناعمة الدقيقة ؟
نور الدين وصلاح مساعدي خير السيد تأكدا من برميلي الوقود الذين تم شراؤهما من السوق الأسود بسعر مضاعف لرحلة ما بعد ابوضلوع.
الطريق من امدرمان الى دنقلا يمتد بطول (594) كيلومتر ، يخترق تلال ابوضلوع على بعد 68 كيلومترا شمال غرب ام درمان والتي تمتد لمسافة سبعة كيلومترات تتصارع فيها الحياة والموت في كل حالة عبور ... الداخل فيها مفقود والخارج منها مولود ، منها يمتد الطريق حتى قهوة التمتام على بعد مائتى كيلو متر ، ثم ام الحسن على بعد (50) كيلو مترا اخرى ، ثم يبدأ الصراع الحقيقي مع صحراء بيوضة التي تمتد من غرب النيل حتى الصحراء الكبرى التي تشمل الصحراء الغربية في مصر والصحراء الليبية .
السفر في صحراء بيوضة يكون دائما بالليل فاللواري لاتحتمل حرارة الشمس والضغط الهائل الذي تواجهه محركاتها وهى تعبر الصحراء بحمولتها الثقيلة (وقود – سكر – زيوت – دقيق – ملح – صابون ) وكافة المصنوعات التي تأتى من ام درمان .
كتب السفير في مفكرته : فى كل بلاد الله الواسعة السفر متعة ، طرق معبدة ولوحات إرشادية وإستراحات على الطريق يجد فيها المسافر المأكولات والمشروبات ساخنة وباردة ، والغرف المجهزة والبقالات إلا فى بلادنا ، اللهم افرغ علينا صبرا ، واقل عثرة بلادنا ، فلا خطط خمسية افادت ولا عشرية ، فالعبرة ليست بالمسميات ولكن بالعمل ، كل كبارنا سافروا في بلاد الله وادهشتهم البنيات الاساسية في كل بلاد العالم ولكن لماذا حبل دهشتهم قصير هكذا؟ ام هى قلة الحيلة والهوان على الناس !! قطعنا عشر ساعات بالطائرة من نيويورك الى لندن (ثلاثة الاف كيلو متر) وقضينا عشر ساعات في قوز ابو ضلوع لنقطع كيلو مترين لا غير ! ، اكثر من سبعة وعشرين شاحنة واكثر من أربعمائة مسافر ، الآف اللترات من الجازولين والاف السعرات الحرارية التي جمعها الناس بشق الأنفس تتبخر في ابى ضلوع ، كم من عابر لابى ضلوع داهمته الملاريا بعد ان عبر ، فقد استنفذ كل طاقته .. كم عدد الشاحنات المتعطلة وسط القيزان ، كم تكلفة قطع الغيار التي ترهق ميزاينة الدولة بالعملات الحرة الشحيحة اصلا ، وكم تكلفة الوقود الذي تستورده بلادنا بمبلغ يضاهي حجم صادراتنا كل عام ؟!! الوقت المهدر لاقيمه له ، ولا معنى للحديث عن توفير الحد الادنى من وسائل الراحة والرفاهية .
قضينا الليل بحالة في محاولة لعبور ابو ضلوع ، نام المسافرون على الأرض والشاحنة تتحرك بمقدار الصاجة في كل مرة ( ثلاثة امتار) عشرات مساعدي الشاحنات تجمعوا لإخراج شاحنتنا ثم التي تليها ، الكثبان لا آخر لها ولا حد والعطش يتحكم بهم برغم الليل ، فالمجهود الذي يبذلونه خرافي .. شاحنة محمد نور كسرت كرونة ، تناهى إلى سمعي حديث وجل يدور بين المساعدين (حاج عبد الله سيلعن ابو خاشه) قال مساعد يرتدي سروالا بنيا تتدلى منه تكه ملونه في آخرها كتله من الصوف المكور ، كان يتكى على الرمل وينفث دخان سيجارته بإستمتاع وأردف قائلا ( دى الكرونة التانية في الشهر دا .. حاج عبد الله بيتو اتخرب) صغاري انهكهم البكاء فناموا ، عبير غرقت في بحر من العرق فمقاعدنا بجانب السائق وقريبة من ماكينة الشاحنة التي تعاني ضغطا هائلا .. قومي مظلومون فهم لايدرون ان هنالك وسائل اخرى للسفر غير الشاحنات المخصصة لنقل البضائع والبهائم ، كم هو ممتع ومريح سفر بلاد الله الأخرى ، كم نحن متخلفون ، كم هى بسيطة آمالنا ، ويالضعف خيالنا ومحدوديته .
طلع علينا الصباح ونحن نصارع الرمال ، تارة نتجه نحو الغرب واخرى على مسارنا إلى الشمال وتارة تتجه الشاحنة شرقا كأنها خطا كنتوريا يسير حسب منحيات الكثبان . عادت عبير الى البكاء سقتها امها من حافظة صغيرة امامنا نفذ منها الماء إلا جرعات قليلة... في العاشرة والنصف من صباح اليوم التالي كنا على مشارف مقاهي التمتام على بعد مائتي كليومترا شمال غرب امدرمان ، هو رجل يتحدث بطريقة متقطعة يتاتا فى الكلام فأسموه التمتام واخذت المقاهي اسمها منه .. هى ليست مقاهي بالمعني الذي يعرفه الناس ، عرائش من القش مهلهلة لا يكسو جوانبها شىء حوئط قصيرة من الطين اللين لا تحجب شمسا ولا غبارا ولا هوام الأرض ، يقدم فيها الشاي الاحمر .. والماء هنا سلعة غالية الثمن ، بابكر العواهني يمتلك احدى هذه المقاهي قال لي وقد حملت اسرتي الي فنائه (قهوتنا هذه افضل قهوة في العالم .. عناقريب مجلدة بجلد البقر وماء بارد من الزير وشاى صاموطي لن تجده حتى في كينيا بلاده الأصلية !! اتفضل ياسيد .. )

على ساتي .. وفتح المسار

كيف كانت الرحلة تتم في القرن الماضي وبشاحنات صغيرة محدودة القوة ؟
تلك هى قصة العم علي محمد ساتي اول من عبر هذا الطريق عام 1935م عاش على ساتي في أُوربي ثم انتقل الى الخرطوم وسكن حى السجانة ومارس التجارة وامتلك شاحنة فورد موديل 1934 وكان السفر الى ولاية الشمالية عن طريق السكك الحديدية ثم بالجمال للقرى التي تبعد عن شريط القطار ، وكان ان سافر على ساتي بالقطار للشمالية لقضاء بعض حوائجه وعاد من هناك بالجمال هذه المرة الى امدرمان في رحلة شاقة استغرقت اسبوعين كاملين لاقى فيها الأهوال وخطر الضياع في صحراء بيوضة ، حينها راودت على ساتي فكرة ان يقطع الطريق من امدرمان الى دنقلا بعربته الفورد .
واستغرق الإعداد للرحلة وقتا ليس بالقصير في المشاورات والترتيبات فتحصل على بوصلة لتحديد الإتجاهات وجهز كمية من الجير الابيض لوضعها كعامات على الطريق لتسهيل العودة ، وكذلك كثير من الزاد والماء ، ولكن كان لزاما عليه ان يحصل على تصريح من سلطات الإستعمار الإنجليزي حسب القانون فتقدم بطلب للسفر بعربته من امدرمان إلى دنقلا فإعترضت الإدارة البريطانية بادىء الأمر ، ثم وافق مفتش امدرمان بعد ان كتب على ساتي تعهدا تحمل بموجبه اى عواقب وخيمة تحدث له في هذا الطريق الوعر والغير مطروق وكانت رحلة الأهوال استغرقت سبعة أيام من امدرمان إلى الدبة ولكنها فتحت الطريق...

الرحلة الثانية .. عمر عبد السلام

سيداحمد عبد المجيد يتصدر اسمه قائمة أوائل السائقين الذين فتحوا الطريق بعد على محمد ساتي مما مهد الطريق لرجلات الشركة المصرية التي جاء من مصر بقيادة حسن صبري بعد عامين .. يروي سيد احمد عبد المجيد رحلته قائلا : اول رحلة كانت عام 1947 مع عمر عبد السلام صاحب اللوري وكانت عربة جديدة لنج على الشاسي مافيها صندوق ، ماركة فورد موديل 1946 كنا شاحنين شاي ، والشاي كان يوزع بالتموين والإنجليز بسموا التهريب بالبرشوت ، التموين فكوه خرجنا بالشاي (برشوت) من امدرمان قبل ان يصل خبر فك التموين إلى حمرة الوز وتصبح أسعار الشاي عادية ، ركب معنا عربي اسمه (ود ابو جبة) قال ماشى حمرة الوز .. طلعت من امدرمان بعد المغرب عشان البضاعة ممنوعة .. ووقفنا غرب المرخيات حوالي الساعة العاشرة او الحادية عشر ليلا للعشاء واثناء العشاء تذكرنا ان حمرة الوز فيها تلفون وخبر فك التموين أكيد سيصلها سريعا وبها نقطة بوليس ايضا .. فغيرنا راينا وقلنا نمشى دنقلا – كانت المحطة الواقعة بين كريمة وكرمة كلها تسمى دنقلا – سألنا العربي المعانا (ود اب جبة) إذا كان يعرف طريق يوصلنا دنقلا فقال انه لم ير دنقلا إلا مع ابوه وكان عمره وقتها عشرة سنوات وكان مشى سوق تنقاسي مع ابوه ولكنه قال انه ممكن يودينا سعمة البحر (اتجاه البحر) لكن ماعارفين تنزلوا في اى منطقة، ولم اسلك هذا الطريق في حياتي ولا حتى عمر عبد السلام .
تحركنا من غرب المرخيات وأصبحنا في قوز ابوضلوع ثم جبرة ومنها قطعنا وادي المقدم وخليناه في يميننا مشينا غربه حتى بوحات في يومين فقطعناه ايضا ، بعد ربع ساعة او اكثر قليل مشينا وادي ابوعشر وكان اثر سير العربات التي تبعناه قد اوصلنا حتى جبرة حيث كانت تاتي من امدرمان تحل سم الجراد إلى جبرة وكان يخزن في مخزن خاص قبل ان يوزع بالجمال إلى المناطق الأخرى . ابو عشر لقيناه وادي وسيع فيه رملة شديدة وفيه جمام ( مثل الماء النابع) عندما وصلنا منتصفه العربية غطست حتى الشاسي والعجلات بقت لافة في الهواء ، طبعا العرب في امنطقة ديك متجمعين لانه في موية بهائمهم واوالادهم وهم عرب هواوير لميناهم وفزعناهم شالو البضاعة او حاجة (شوالات وصناديق ) مرقوها بغادي ، لمينا الجمال وجبنا حبال الشعر وفتلناها مع بعضها وربطناها في التصادم ومع حركة المكنة قدرنا نمرق العربية بعد ساعتين كده يعني ، وكنا قد وصلنا ابو عشر هذه (بعد بوحات) حوالي الساعة عشرة صباحا لما مرقنا منها الشمس كانت غابت ، إشترينا خروف من العرب من راجل اسمه (حماد على) ذبحناه للعشاء وعندنا طبعا السكر والشاي والتمر والرغيف ، اتعشوا معانا العرب ساهرنا واصبحنا قبلنا لليوم الثالث ، وفي الصباح تلنا حبال تاني عشان نربط بيها البضاعة بعد صلاة الظهر ، كان فى قدامنا فى تبس شديد والوادي وسيع كما نمشي شوية العربية تطلع في التبس تقطع الحبال وتقع البضاعة ، لما مرقنا من الوادي الشمس كانت غابت وتعبنا تعب شديد في وادي ابو عشر ، لما غابت الشمس لينا رقدنا في السهلة ديك من التعب وكان رغيفنا كمل ، عندنا دقيق قمح ولعنا النار وعملنا قراصة وكنا اشترينا السمن من العرب فأكلنا القراصة بالمسسن وأصبحنا على اليوم الرابع ، الحقيقة شفقنا لان اغلب زوادتنا كملت ، فطرنا تاني بالقراصة بالسمن وبعد الفطور دخلنا وادي الملح هذا لم نتعب فيه كثيرا .. مرقنا مرقنا منه فى حوالي ساعتين ووصلنا بئر الآخريت ودي فيها سيال كتير كان فيها شوية عرب وموية لكنها مرة وعفنة ، قيلنا معاهم واسترحنا ثم نزلنا بعد داك وادي النعام مشينا فيه زى ساعتين الشمس غابت قلنا احسن نمشي بالنهار وقلنا المشي بالليل ما كويس ، رغم أننا ختينا النجمة في يميننا لكن برضو خفنا وفضلنا المشي بالنهار ، في وادي النعام نطلع قلعة وننزل قلعة ، مشينا زى ساعة او اقل ظهر لينا ترى (نجم) اسمه ابو بان قريب للبلد لقينا جنب جبل (التدي) بئر اسمها بئر النور منها في ديداب (درب بهائم) وان الديداب دا نازل سوق قوشابي ، نزلنا عن طريق هذا الديداب قوشابي وإتجهنا إلى القوبلاب (سميت على اسم خبير الطرق ايام السفر بالدواب عباس القبولي من عرب قنتي والآن اصبحت آثار وانتقلت القبولاب إلى موقعها الحالي يمين مسار الطريق القديم ) لانه فيها سوق الاحد ، وصلنا القبولاب وأرسلنا في طلب عباس القبولي من سوق الاحد سالناه عن خير التموين فكوه ولا ما فكوه لانه نحن أخذنا خمسة أيام في الطريق فوجدنا خبر فك التموين لم يصل إلى هناك ، قسمنا الشاي قسمين قسم وديناه دبة الفقراء جنوب الدبة وأخذنا النص التاني إلى قرية اسمها الغريبة جوار كورتي ، الكلام دا كلو في يوم واحد تقريبا سلمنا الشاي للتجار وإستلمنا قروشنا واخذنا راجة حوالي ستة ايام فكرنا بعدها في الرجعة قمنا لقطنا الجلود الموجودة في البلد ، زمان كانت الجلود بتشحن عن طريق الجلود ربطناها كويس ، عندى كنبة عند اهلي في قنتي اختها لكي يجلس غليها الركاب ورجعنا بنفس الطريق وان ذلك أسهل قليلا رغم ان الجلود كانت تتقطع حبالها وتسقط ، وعدنا هذه المرة في ثلاثة ايام.



وفي الرحلة الثانية لأن لوري عمر عبد السلام كان في الورشة لعمل الصندوق فقد أجرنا لوري آخر وركبت انا معهم كخبير ولم يسافر عمر عبد السلام في هذه الرحلة ، ولكن هذا الوري كسر جربكس في (الآخريت) نتيجة للتخاريم ومحالة تفادي التبس الكثير وكنا اقرب للبلد منها الى الخرطوم فأجرت انا جمل وإتجهت إلى الشمالية ووصلتها في يومين لم انم خلالهما ومن هناك ركبت بابور البحر ثم القطر فعدت إلى الخرطوم وأحضرت الأسبير (الجربكس) وعدت بنفس الطريقة عن طريق القطر ثم بابور البحر ، ومن الشمالية أجرت جملين بصاحبهما ربطنا الجربكس في جمل وركبت انا فى الجمل الآخر فوصلنا محل اللوري المكسور بعد أربعة أيام تقريبا وخلال الرحلة كنا نايمين تحت احد الأشجار فقام هواء شديد وشرد احد الجمال فذهب العربي خلفه من الصباح عاد في المغرب ، وصلنا وربطنا الجربكس وواصلنا الرحلة إلى الشمالية ، وقد بقي صاحب اللوري والمساعدين والركاب 16 يوم في الخلا لكن زوادتهم كانت كافية فضلا عن وجود العرب حيث وجود اللبن والذبائح .
في الرحلة الثالثة كنا راكبين لوري مؤجر أيضا لأن لوري عمر عبد السلام مازال في عمل الصندوق وسافرت انا وعمر عبد السلام في ذه الرحلة وشاء القدر هذه المرة أيضا ان يكسر اللوري الكرونة في وادي ابو عشر ، هذه المرة ركبت الجمل وعدت إلى الخرطوم لشراء الاسبير أجرت الجمل من واحد عربي هناك وقال لى بعد ما تصل سلم الجمل لحوش الهواوير في امدرمان ، قمت الظهر ووصلت جبرة بالليل وتعبت من ركوب الجمل وجولي (اتظلطت) من السرج وكانت زوادتي تمرات ورغيفات فى كرتوب او جراب . لم انم طوال الليل إلى ان جاء جماعة شايلين حطب في طريقهم إلى امدرمان ، ركبت جملي معاهم ومشينا الليل كله وعندما أصبح الصباح لم استطيع المواصلة فتخلفت منهم ورقدت تحت ضل شجرو وعملت كباية شاي ورقدت نمن حتى العصر وبعدها واصلت مسير ي حتى وصلت امدرمان في اليوم الثالث عصرا ، وصلت دائخ تمام سلمت الجمل لحوش الهواوير وركبت تاكسي مشيت البيت رقدت أربعة أيام مريض من رحلة الجمل ولم يكن هناك خوف على الجماعة الموجودين مع اللوري المكسور حيث كانت زوادتهم كافية وحولهم العرب والبهائم ، بعد الأربعة أيام مشيت الورشة أسال من اللوري وجدته في التشطيب وقالوا لي بكرة ممكن نسلمك ليهو .. رئيس الورشة واحد يوناني ملقب بفار الحديد إستلمت اللوري بالفعل تاني يوم ، اشتريت الاسبير للوري المكسور (الكرونة) و مشينا حوش زريبة البهائم اشترينا خروف كبير بثلاثة جنيه ورفعناه واتوكلنا باللوري وطبعا هو جديد فاضي قمت الصباح الساعة ثمانية ونص بالليل وصلت وادي ابو عشر محل اللوري المكسور ، الجماعة شافوا نور العربية قعدوا يعرضوا وينططوا طبعا انا رجعت ليهم بعد سبعة يوم تقريبا من فارقتهم وطبعا الخروف ،تانيي الصباح ربطنا الكرونة وقسمنا البضاعة على العربيتين وإتجهنا إل الشمالية ولقينا عرب قال أنا المرة دي بوديكم ...

الموت بالجملة

في كل رحلة يخيم شبح الموت على المسافرين .. العشرات ضلوا الطريق في صحراء بيوضة وهلكوا .. أسر بكاملها إختفت في الرمال هذا هو الجزء الوحيد في السودان الذي تبتلع رماله الرجال والنساء والاطفال والسيارات .. لاشىء يشبعها ...
زين العابدين البدري عمل إداريا في الكثير من أقاليم السودان وجاء أخيرا إلى الدبة عاش فيها أشهر معدودة زار خلالها اكثر مدن الولاية وعاشر اهلها فاحبهم واحبوه ، ودخل ابناؤه المدارس وشاركت زوجته أهل الدبة الأفراح والأتراح .. وفي العطلة الصيفية تحرك زين العابدين بأسرته قاصدا ام درمان لتقضي اسرته العطلة مع الاهل ...
بدأت الرحلة بعد صلاة الفجر ولكنها لمن تنته ، فالصحراء تمتد امامهم في بساط لا آخر له وكل الإتجاهات تشبه بعضها ، الشمس ترتفع إلى كبد السماء ورياح خفيفة ساخنة تلفح الوجوه وتثير الأتربة ، وبعد مسيرة امتدت لاربع ساعات توقف زين العابدين لأخذ قسط من الراحة وتحديد الإتجاه فقد شك فى انه يسير في الإتجاه الصحيح توقف العربة في رمال ناعمة جدا ظنها زين العابدين أرضا صلبة وما ان وصلت قدمه الأرض غاصت لأعلى الحذاء ، نظر إلى اطارات السيارة فإذا هى ايضا غاصت حتى منتصفها في الرمال ، نظر زين العابدين حوله وقد داخله الخوف وهو ينظر إلى زوجته واطفاله امامه ، اللهم يسر امرنا واخرجنا من هذا المأزق ، اللهم رحم ضعفنا ويسر امرنا..
حاول زين العابدين لا جدوى تحريك السيارة من مكانها ، كانت تغوص في الرمال كلما حاول تحريكها . تذكر جهاز اللاسكي المثبت في سيارته ، حول تشغيله لساعة كاملة الى ان التقط صوت احد المحطات القريبة من امدرمان ، دب الأمل في نفس زين العابدين واسرته وأخذوا يشربون كميات اكبر من الماء بعد ان كان يصرف لهم بمقدار ضئيل منذ ان توقفوا في الصباح ، كانت الساعة تجاوزت الواحدة ظهرا عندما تمكن من إجراء اول إتصال لاسلكي نقل فيه الوضع بكلمات واضحة : غاصت سيارتنا في الرمال ونحن في طريقنا من الدبة الى امدمان ، فجاءه السؤال أين موقعكم بالضبط ؟ نظر زين العابدين في كل الإتجاهات ولكن ليس هناك معلم يمكن ان يصف به موقعهم .. بدأ صراخ الأطفال يعلو فالجو اصبح حارا جدا وإرتفعت درجة الحرارة كثيرا داخل العربة وأصبح حديدها ساخنا وخارجها ذرات الرمال الساخنة تلفح الوجوه ولا شيء غير الرمال.
بعد قرابة الساعة عاود زين العابدين الإتصال ولكن المعضلة انه لا يستطيع تحديد موقعه في الصحراء !! اقفل الجهاز خوفا من نفاذ بطاريته وعاد ففتحه لعل اتصالا يأتي ، بعد الثالثة مساء اصدر الجهاز صفيرا متقطعا وكان المتحدث كبير المسؤولين في الدبة اخطر زين العابدين ان طائرة عمودية قد تحركت من الخرطوم للبحث عنهم وعليه نشر اى أشياء ملونة خارج السيارة وحرق مادة بلاستيكية يمكن ان تثير دخانا كثيفا . .
عاد الامل لأسرة زين العابدين وشعروا بالراحة بالرغم من حرارة الجو وقلة الماء ونفاذ الزاد ، وتطاولت الساعات دون أن تظهر الطائرة ، وكان زين العابدين قد احرق الاطار الإحتياطي فإرتفع الدخان لعنان السماء كثيفا ، ارتفع ازيز جهاز الإتصال مرة أخرى من وكان الإتصال هذه المرة من الطائرة العمودية والطيار يقول انه يبحث حول مسار الطريق منذ ساعتين دون ان يرى شيئا ويسأل زين العابدين عن الإتجاه ولفرط الإجهاد لم تسعفه الذاكرة فصمت ..
في الطائرة كان الكابتن محمد خير متوترا جدا فكثيرا ما خرج بطائرته في مهمات لإنقاذ في صحراء بيوضة كان يبحث عن أناس لا يدري أهم احياء ام اموات لكنه هذه المرة يبحث عن أشخاص بينه وبينهم اتصال لاسلكي ، يسمع صراخ الأطفال يسمع انينهم ولا يستطيع موقعهم ، كانت معاناة محمد خير وطاقمه تزداد كلما مالت الشمس للمغيب ..
في الرابعة والنصف من مساء اليوم التالي كان الماء نفد في عربة زين العابدين رغم سخونته ، زوجته محاسن تضم إليها صغيرها الرضيع ذي التسعة أشهر الذي اعياه البكاء فقد أصبح ثديها جافا من الإرهاق والخوف ولا ماء للطفل ..
عبد الرحمن وشذى اعمارهم 5 سنوات و 3 سنوات كانوا قد دخلوا في اغماء من شدة الحر والعطش والخوف .. وكان الإتصال اللاسلكي بالطائرة قد إنقطع منذ التاسعة صباحا اذ نفذت الطاقة من بطارية السيارة ، ومن دنقلا تحركت ثلاثة سيارات منذ الفجر لتنضم الى مجموعة سيارات البحث التي كانت تجوب الصحراء منذ ظهر الامس ...
استمر البحث ليومين وفي الواحدة من ظهر اليوم الثالث وجدت سيارة زين العابدين على بعد مائة كيلو متر غرب الدبة بواسطة اعراب يركبون الجمال .. الجميع داخل السيارة وقد فارقوا الحياة وشهاب لايزال ممسكا بثدى امه وقد غطت الرمال نصف السيارة..
هزت الحادثة كل البلاد ، وفي أقسام الشرطة اضيفت الحادثة الى عشرات الملفات المشابهة ، مئات الأنفس هلكت فلمن الشكوى ؟ فبعد كل حادثة ترتفع الأكف بالدعاء والتضرع ..
عندما قال الخليفة الراشد عمر بن الخطاب لو ان بغلة عثرت في العراق لخشيت ان يسألني الله لم لم اسو لها الطريق ، كان ابن الخطاب رحمه الله حاكما يدرك اولويات التنمية ويدرك قيمة النفس اذ ان في كل كبدة رطب اجر ...

Quote: وفي عام 1980 نالت البلاد عونا هولنديا بقيمة 50 مليون جلدر وكان إهتمام الهولنديين منصبا على طريق الشمال ، فإنتعشت آمال اهل الشمالية بقرب الفرج وقيام هذا الطريق الشرياني الذي يتوقع له حسب الدراسات والواقع ان يربط الشمال بالجنوب واوربا بالسودان ، جاء العون الهولندي وجاء الأمل للطريق القادم ولكن وزارة التخطيط حولت العون لإنشاء طريق آخر .

Quote: إستفز هذا العمل شباب الشمالية فتكونت عدة لجان وجُمعت الدراسات العديدة التي اعدت للطريق لتفعيل المطالبة ببدء العمل فيه ووقف حالات الموت الجماعي التي تحدث كل يوم ، عشرات الرجال والأطفال والنساء تبتلعهم صحراء بيوضة ، آلاف الاطنان من الفواكه والخضر يصيبها التلف في رحلة طولها 400 كيلومترا ولكنها تتم في يومين أو أكثر !!

الرئيس في تنقسي :

عندما برز العام 1986 تمت دعوة لإجتماع في نادي تنقسي الجزيرة بالخرطوم برئاسة محمد كيلاني (وكيل وزارة التجارة بالمعاش) لمطالبة الحكومة لوضع طريق الشمال ضمن إهتماماتها .
غض نادي تنقسي يومها بالشباب وبعض الشيوخ يحدوهم الأمل في ان تكلل مساعيهم بنجاح ولو قليل ، محمد احمد مكي والنذير محمد عبد الهادي كانا من ابرز النشطاء ، جلس على المنصة محمد كيلاني وبعد مقدمات وشروحات اجمع الحضور على تكوين لجنة تتولى دفع أمر الطريق ووقف الموت الجماعي والجميع من خلفها ، وتم ترشيح كيلاني لرئاستها لكنه اعتذر ، اصر الجميع واعتذر وفي تلك اللحظة دخل من بوابة النادي د. سوار الدهب وكان قد عاد في ذات اليوم من رحلة خارج البلاد فقال كيلاني : هاهو الرئيس قد حضر ، وترأس د. سوار الدهب احمد عيسى مدي مركز تكوير الغدارة في ذلك الوقت لجنة الطريق فصفق الحضور ، واجتمعت اللجنة ووضعت في اول اجتماع لها بعد تكوينها في 7/3/1986 شروطا محددة لعضويتها :
اولا : العمل طوعي .
ثانيا : التجرد التام .
ثالثا : لا حوافز ولا اجر ولا مبالغ تسيير ، وذلك لتثبيت الثقة في نفوس المواطنين الذين يفقدون ثقتهم دائما في اللجان بإعتبارها وسيلة للتكسب ولا عمل لها ..
كما وضعت اللجنة ثلاثة أهداف :
1.إداراج الطريق في ميزانية الدولة .
2.حث الدولة على البدء في الطريق بأي شكل .
3.يبدأ إستنفار الجهد الشعبي بعد أن تبدأ الدولة .

حجر الأساس :

قبل الإنتخابات التشريعية في أبريل 1986 اتخذت اللجنة قرارا بأن يكون نواب الشمالية اعضاء في اللجنة وبعد الإنتخابات قاد نواب الشمالية حملة داخل قبة البرلمان لم تسفر عن أى نتائج ملموسة حتى كان عام 1988 عندما إجتاحت البلاد تلك الفيضانات الشهيرة وأصبحت الشمالية مخيما كبيرا لإيواء النازحين ن ديارهم ومزارعهم التي دمرها الفيضان العارم
قد ينعم الله بالبلوى وان عظمت *** ويبتلى الله بعض اقوم بالنعم
ادت الفيضانات والدمار الذي أحدثته دفعة قوية للجنة الطريق فطالبت بالصوت العالي ، وكان هو الطريق الوحيد الذي اعدت له دراسة متكاملة اقتصادية واجتماعية .
لم يكن طريق الشمال من اولويات الحكومة الديمقراطية عام 1986 ومع ذلك يضع رأس الدولة السيد احمد الميرغني حجر الأساس عند نهاية شارع الجميعاب غرب امبدة في اجتماع كبير نحرت فيه النوق وعمت الفرحة اهل الشمال .
وبعد إلحاح شديد من اللجنة وضغط متواصل تم إدراج (إصلاحات) لطريق الشمال في ميزانية 88 -1989 وتعني (إصلاحات) عمل كباري في بعص الأودية المنخفضة وبعض الردميات .. لكن الطريق الذي لم تشذبه آلة من قبل لم يكن ليقبل بإصلاحات فقط ... كانت المعالم التي تتركها آثار السيارات في الصباح تكون قد إختفت عند الضحى .. رمال الصحراء تبتلع كل شيء ..
وعندما يسيل وادي المقدم المنحدر من شمال كردفان شاقا الصحراء ليصب قرب كورتي يرتفع الماء حتى أغصان الأشجار العملاقة التي تقف على ضفتيه ويعلو الزبد فتنفق الحويانات العابرة وتتوقف حركة السيارات لأيام وينقطع الطريق !! بضعة أمتار توقف حركة التجارة وتتلف اطنان من الفاكهة والحضروات والمحاصيل ، وكم من مريض نصبت له عريشة على جانب الخور حتى يجف تعبر السيارات ... وديان كبيرة يتراوح عرضها بين 600 متر إلى 2 كيلومتر يصعب عبورها اثناء الخريف ، وخيران صغيرة وعميقة المجرى يتراوح عرضها بين 4 الى 8 امتار وبدورها تعوق حركة النقل : وادي العدارة (2 كيلو متر) ووادي محريب (2 كيلومتر) ووادى فاس (نصف كيلو متر) ووادي الهشيم (كيلو متر ونصف) .. ان كان السفر قطعة من نار .. فالسفر إلى الشمال أشد لظى ..
بدأت الجهود ضعيفة اذ دفع اللواء سر الختم حاكم الشمالية خلال الفترة الإنتقالية (85 -1986) العمل بتحريك بلدوزر لخور وادي جبرة وتم ردمه بالحجر ، واصدر مجذوب طبحة فى ولاية الخرطوم امرا تدفع بموجبه كل سيارة تجارية متجهة إلى إلى الشمالية مبلف 50 جينها عند استخراج تصريح الجازولين وذلك لدعم المعدات والعاملين في الإصلاحات الذين اصبحت تصلهم المؤن في مخيمات وادي المقدم وخور جبرة بصورة اسبوعية بواسطة اللجنة ..
اصبحت اللجنة تكسب أرضية كلما تم إصلاح موقع في طريق الصعاب .. طريق الشمال أشبة بسباقات السفاري والرالي التي نشاهدها في التلفزيون كلها مصاعب وعوائق ، ولكن في السباقات يكون في السيارة شخص واحد مغامر وبعربة قوية اما في طريق الشمال فتتم المغامرة بالأطفال والنساء وكبار السن والطلاب .. إنها مغامرة مفروضة وهي نتاج للتنمية الغير متوازنة وضعف التخطيط .
اشفق الكثيرون على الدكتور سوار الدهب وهو يقود هذه اللجنة فقد شئم الناس اللجان ورسخ في اذهانهم ان اللجنة هى تجمع لافائدة منه تُشكل لتقوم بعمل لن يُنجز ويقودها اناس لا عمل لهم .. الكثيرون اعتذروا عن دعم اللجنة وقالوا لن ندخل في طريق تشيده لجنة شعبية ، فالطرق تحتاج إلى تمويل تعجز عنه الدول فكيف تقود بناء طريق بطول الف كيلو متر لجنة !! ، انها عين المهزلة !!
وعلى الرغم من تلك الدراسات التي اجريت لهذا الطريق إلا ان المسؤولين بالطرق والكباري راوا إجراء المزيد من الدراسات فاوكلوا إلى شركة استبي الإيطالية إجراء دراسة أخرى للجدوى الإقتصادية والفنية فنفذتها وسلمتها للطرق والكباري في ديسمبر 1991م .

الأمانة العامة لشريان الشمال :
بعد ان جاءت الحكومة الحالية عرضت الجنة جهدها وتجربتها الفريدة فلقيت القبول ، وفي عام 1994 صدر قرار جمهوري بتشكيل الأمانة العامة لشريان الشمال برئاسة عز الدين السيد والدكتور سوار الدهب نائبا له ، وكان اللواء الزبير محمد صالح قد قاد إستنفارا كبيرا بقاعة الصداقة بالخرطوم كان نتيجته إستقطاب دعم شعبي كبير ومن ثم تكون جهاز شعبي داخل الأمانة لإستقطاب الدعم الشعبي لبناء طريق الشمال كما كان يطلق عليه وأحيانا طريق امدرمان القبولاب – مروي – دنقلا حلفا ، حتى جاء محمد احمد مكي باإسم شريان الشمال ولم يكن الاسم مطروقا من قبل ..
تكونت الأمانة بلجانها وأصبحت واجهة ، ومؤسسة الطرق والكباري منفذة
تزايدت ضغوط اللجنة الشعبية في متابعة مؤسسة الطرق التي تعمل في الطريق بصورة بطيئة جدا ، تاج السر منوفلي يتحرك لإعداد الطائرة التي تقوم باعمال المساحة الجوية ويذلل مشاكلها ومحمد إبراهيم والنذير محمد عبد الهادي في معسكرات مؤسسة الطرق التي يقودها المهندس عبدالله خليل في الخلاء يحضرون قطع الغيار للمعدات المتعطلة فكل يوم تعطل يعني تاخير الطريق أشهر ، عانت اللجنة الشعبية معاناة لا حد لها وضغطت حتى تم شراء المعدات المساندة بعد ان كانوا يستأجرون معدات كلما تعطلت بعض معدات المؤسسة ، فتم شراء 2 اسكريبر وواحد قريدر وكان دعم اهل الشمال يتواصل ففي الدخل تم تبرع الناس بالسكر والتمور وفي الخارج قاد ابناء الشمال حملة غير مسبوقة في إستقطاب الدعم وعندما اغترب محمد احمد مكي ارسل عربة بوكس من السعودية .. انه الوفاء..
في هذه المرحلة جاء الباشمهندس الحاج عطا المنان من دارفور حيث كان محافظا لنيالا وإنضم للامانة ، جاء الحاج عطا المنان وحسين إبراهيم بفكرة إنشاء شركة تنفذ أعمال الطريق كمقاول للأمانة ولاقت الفكرة إستحسان الجميع فقد عانوا كثيرا ودُفعت مبالغ كثيرة لإصلاح معدات المؤسسة القديمة ولاستئجار معدات بديلة احيانا ، فتكونت شركة شريان الشمال للطرق والجسور فإمتلكت المعدات واقامت المدن على الطريق وأنارت بالكهرباء مدن وقرى الولاية كما شيدت المدارس والمشروعات ونشأت شركات عديدة تعمل بكفاءة عالية فكيف تم ذلك ؟
في البدء دفعت الولاية الشمالية 50 الف دولار قيمة اراضى كان إشتراها مغتربوها لصالح الطريق ودفعة قوية تم بها شراء المعدات التأسيسة للشركة وكان هذا نصيب الولاية .. وسعت الشركة لتشغيل آلياتها في السوق لتقوم بتمويل أعمالها فعملت على رصف طرق الخرطوم الداخلية ومقاولا في طريق عطبرة بربر وطريق النيل الغربي والنيل الجنوبي في ولاية الخرطوم ، ويبيع خلاط الشركة الخلطات الساخنة لشركات الطرق والخرسانة المغربلة ، ومن المشاريع التمويلية الكبرى فوز الشركة بعطاء في طريق نيالا الفاشر ، ولسنين تبرع أهل الشمال بالسكر والتمور كما تمت إستقطاعات شهرية راتبة من مرتبات أبناء الشمالية في كآفة الهيئات والشركات تخصم دفعة واحدة مرة واحدة او مرتين في العام ، وجمعيات المغتربين تبعث بمئات الآلاف من الدلوار كل حين ومن كل بلاد المهجر حتى الجاليات الصغيرة في أقاصي الأرض ، كما ان العمل في الأمانة ومجلس الإدارة بالتطوع بدون أجر .
تجربة شريان الشمال أصيلة ويجب ان تعمم في مشروعات أخرى فهى تجربة سودانية خالصة .

ام حروت .. اول معسكر

والشمس تدنو للمغيب خلف نهر النيل ، كانوا في امدرمان يبحثون عن غداء وقبل ان يلامس قرصها الماء عثروا على مكان يمكن ان يقدم وجبة في مثل هذا الوقت ، المهندس الحاج عطا المنان رئيس مجلس ادارة الشركة والكل يعمل كفريق واحد الكل يؤدي كل الاعمال ، الشركة في حالة تأسيس ، لازالت الأنظمة لم تظهر معالمها .. جاء الغداء هم يجلسون قبالة النيل (الحاج وكمال محمد خير وصلاح عشرات) قال م. الحاج يجب ان يكون لنا معسكر ثابت على مسار الطريق تنطلق منه المعدات وتخزن فيه المواد ويقيم فيه العاملون ، فمن منكم يقوم بهذه المهمة ؟؟ كان الحماس دافقا والتحدي أكبر من الإمكانيات الماثلة امامهم كل الآليات لاتزيد عن خمس والحديث يدور عن طريق بطول 1050 كيلومترا وشق الطرق دائما يتصف بالصعوبة فهو تشذيب للطيبعة ، الحجر والصخر والصحارى والوديان ، النحت في الصخر تلك هى صناعة الطرق ، تبارد للإذهان الشركات الاجنبية التي كانت تنفذ الطرق في الستينات والسبعينات في بلادنا بكل زخمها : معدات ثقيلة ، سيارات ، معسكرات مجهزة تجهيزا عاليا ، وقال (ان العمل عبادة ، والإيمان بالعمل مع ترشيد الموارد يمكن ان يفعل الكثير الذي يحسبه الناس معجزات وكل ذلك بإذن الله ، فكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله ، فشماعة الإمكانيات يعلق عليها الكسالى)
تم إختيار كمال محمد خير لتنفيذ معسكر ام حروت ، هى صحراء لاشىء فيها غير الرمال وفي الصباح الباكر كان م . الحاج قد أعد رسما كروكيا للمعسكر ، اماكن مستودعات الوقود والماء والمساكن واماكن اصطفاف المعدات .. واستلم كمال محمد خير سيارة بوكس جديدة وانطلق ..
بعد شهر جمعت امسية صافية اركان حرب معسكر ام حروت ، في الجانب الغربي تصطف غرف المهندسين ، اربعة غرف تعلو عن الأرض ستين سنتمترا بنواف من شبك دقيق منعا للحشرات ، ومن الناحية الشمالية غرف العاملين ، وفى الجنوب صهاريح الوقود ، وفى الشمال الشرقي صهاريج للماء ومخزن ، وبالقرب منهما مسجد صغير ومن الشرق موقف الاليات والسيارات ..
وفي وسط المعسكر كان العشاء قد تم إعداده ورصت الموائد والبهجة تعلو وجوه العاملين وكافة ادارة الشركة.
في كافة معسكرات الشركة اللاحقة جرت العادة ان يكون يوم الجمعة يوما ترفيهيا يتم فيه ذبح عدد من الخراف ، يقضى العاملون بقية اليوم في صيانة المعدات وتغيير زيوتها ومراجعتها .وغالبا ما يكون هنالك احد اداريي القطاع . وعندما دخلت المحطات الفضائية أصبح هنالك طبق التقاط في كل معسكر وجهاز تلفاز ، فالترويح يزود الجسم بسعرات نفسية تقويه وتدفعه للبذل ، وفي جلسات السمر تلوح اطياف الذين ترطوا العمل لإصابات حدثت أثناء تادية الواجب او غيرها ومنهم من احال قوز ابو ضلوع لمزرعة خضراء وارفة الظلال تغطي 25 فدان (غابة المروج).

غرفة العمليات :
في قاعة الإجتماعات الكبرى في رئاسة شركة شريان الشمال كانت الساعة قد تجاوزت الثامنة ليلا ، جمع من المهندسون يحتلون مقاعدهم حول الطاولة وجهاز عرض إلكتروني يستعرض صورا وخرائط لمسار الطريق على شاشة بيضاء كبيرة في صدر القاعة ، كثبان رملية كالموج المتلاطم .. تتحرك الكاميرا فى كل الإتجاهات ولاشيء .. تصدرت الشاشة خريطة تبين منطقة أعلى صحراء بيوضة ، أشار رئيس الشركة لفني التشغيل بتكبير الصورة .. الخريطة تكبر وتكبر ، وعندها أشار الرئيس بمؤشر في يده على نقطة في الخريطة وقال هذه معركتنا القادمة ، معركة الباجا ..

الباجا ... صراع الأفيال
كل الذين عبروا طريق دنقلا أم درمان علقت ذكرى الباجا فى أذهانهن وإنطبعت ، لا يتعدى طول منطقة الباجا ثمانية عشر كيلو مترا على الأرض لكنها تتعدى ذلك بكثير في الذاكرة .. رمال ناعمة جدا يصعب السير فيها بالأقدام وتعاني منها الدواب الامرين ، وتمكث فيها السيارات يوما بحاله في محاولة يائسة للعبور ..
الصاجات المعدنية معلم بارز فى الباجا .. لابد من وضعها أسفل الإطارات لتتمكن السيارة من الحركة بطول الصاجة !!
عشرات مساعدي الشحنات يقفون على على جانبي الطريق الغائر في الأرض كنحت أثري يتأهبون لرمي الصاجات ... ومحرك الشاحنة يهدر حتى تكاد أنفاسها تتقطع ... وقلوب الركاب تخفق ، فأى عطل يصيبها وسط هذه الرمال يعني أهوال وأهوال .. وصاحب الشاحنة يشخص ببصر إلأى السماء ويتمتم بالدعاء .
في قاعة الإجتماعات تم إستعراض خرائط كنتورية والنتائج التي أجراها مركز دراسات التربة حول طبيعة الارض هذه المنطقة تختلف عن مناطق الطريق الأخرى تغطيها رمال ناعمة جدا يصعب على الدواب عبورها ، هى أشبه بالرمال المتحركة ، وعبورها بالشاحنة يستهلك من الوقود أضعاف ما يستهلك في نفس المسافة في أماكن أخرى في الصحراء .. عدد المعدات المطلوبة .. كميات الحجر لردم المسار .. والحصى ، كم الف متر مكعب من الحجر يجب تكسيرها بالكسارة لطبقات الأساس .. كم برميل من الجاولين تتطلبها الباجا .. كيف يتم نقل الماء لرش الردميات في هذه التربة الوعرة .. والشاحنات التي تحمل الحجر الثقيل والماء يجب ان تمهد لها طرق فرعية وتسوى جيدا لتتمكن من الوصول من مصادر الحجر والماء الى منطقة الطريق .. عدد العاملين والفنيين والمهندسين .. عدد ونوع الآليات المطلوبة وقطع الغيار وبناء المعسكر وتجهيز المؤن وتامين الإتصال اللاسلكي ..
هذا كان مايدور في قاعات الإجتماعات بعد ان تم جمع البيانات والمعلومات من علي الأرض في الباجا ، ثلاث أمتار هو عمق الرمال قبل ان تعثر على تربة متماسكة ..
كان الهم والرهق يصيب سائقي الشاحنات ومساعديهم وهم مقبلون عل الباجا ، ثمانية عشر كيلومترا من الرمال المخيفة .. ماذا تعني كلمة الباجا في اللغات القديمة ؟
لكنها للمسافرين تعني نصف يوم أو أكثر من التعب والمعاناة ، فعندما تقترب السيارات من الباجا تنطلق بأقصى سرعتها وكلما إشتدت الرمال قلت السرعة وإزداد الضغط على الماكينة بإستعمال السائق لتروس أكبر وأقوى فإشتهرت بين المسافرين مصطلحات مثل نمر واحد ونمرة اثنين والتعاشيق والجربوكس وعمود الطوالي وتروس الكرونة المسماة بأولاد الحرام بسبب الأعطال الجسيمة التي تسببها حال إنكسارها نتيجة للضغط الكبير الذي يقع عليها ..
معركة الباجا معركة حقيقة ، قال محمد صالح الذي عمل مساعدا ثم سائقا في الستينات من القرن الماضي : عملت في مختلف أنحاء السودان ولكن لم تقابلني منطق إمتحنت فيها إمتحانا مثل الباجا ، فعندما كنت مساعدا كنا نتحرك من دنقلا عصرا في طريقنا إلى ام درمان وقبل المغيب نكون نصارع الباجا ، فكل خبرات اليابان وإنجلترا والألمان في الصناعة تذوب في رمال الباجا ، جربت قيادة أنواع مختلفة من الشاحنات لكنها كلها رسبت في إمتحان الباجا .. وجدنا ثلاث سيارات صحراوية ذات دفع رباعي يقودها خواجات ، غاصت إحداها فى الرمال وفشلت كل محاولاتهم في إخراجها وربطوها باخرى وحاولوا سحبا إلا انها لم تتحرك وغاصت في الرمل أكثر ، وبحثوا عن شجرة او أى جسم ثابت لربطها إليه بسلك معدني عبر ماكينة سحب مثبتة في مقدمة السيارات لسحبها نحو الجسم الثابت ، لكن لاشيء ثابت في الباجا ، يوما بحاله قضوه في دون أي نتائج إيجابية ، حاولوا ان يحفروا عميقا ليصلوا إلى سطح ثابت ، لا أدري لماذا ولكنهم حفروا لثلاثة امتار دون جدوى كلها ذات الرمال الناعمة ، واصلنا المسير دون ان نتمكن من تقديم مساعدة تذكر لهم ولكن عندما عدنا بعد خمسة أيام لم يكونوا هناك ، تمنيت لو اعرف كيف تخلصوا من مأزق الباجا ، ولكني لم أعرف حتى اليوم .
ومن أبرز ما وثقته وسائل الإعلام في الباجا قصة الضابط الإداري عبد الباسط بخيت الذي تاه في رمال الباجا وهو في طريقه من دنقلا إلى الدبة حاملا مرتبات العاملين هناك ، ولما لم يصل الدبة ثارت الأقاويل ، منهم من إتهم عبد الباسط بالهروب بالمال ونشرت الصحف أخبارا مختلفة وبعضها مختلق ، حتى اظهر الله ظلم العباد لبعضهم وبراءة عبد الباسط وعنت أهل الشمال في الأسفار ، فقد وجدت عربة عبد الباسط بعد عامين مدفونة في الرمال وبها كامل الأموال .أقاويل ، منهم من إتهم عبد الباسط بالهروب بالمال ونشرت الصحف أخبارا مختلفة وبعضها مختلق ، حتى اظهر الله ظلم العباد لبعضهم وبراءة عبد الباسط وعنت أهل الشمال في الأسفار ، فقد وجدت عربة عبد الباسط بعد عامين مدفونة في الرمال وبها كامل الأموال .

طريق شريان الشمال أن طريق شريان الشمال بدأ عام 1983م بالجهد الشعبي الخالص ومن هوان الغربة
تم تأسيس شركة شريان الشمال ليتولى تكملة هذا الطريق وبقدرة قادر تحولت الشركة التي تم تأسيسها
على عاتق أبناء الشمال الى مؤسسة وقفية تحت إدارة بعض رموز النظام .

الاخ رضا
تحياتى لك وانت تفتح بابا مهما عن ذكرى قيام شريان الشمال او طريق امدرمان دنقلا ..
ومن خلال ما قرات احسست بانك ملم بكثير مما جرى منذ البداية مع انك اغفلت جوانب مهمة تحاشيت من الدخول فيها واعتقد انها مهمة ..
وبما اننى كنت ضمن اللجنة الاعلامية التى روجت لهذا الطريق المهم فقد عاصرت قيام اللجنة الاولى بقيادة الاخ سوار الذهب احمد عيسى وهو رجل وطنى عرفنا فيه الروح الوثابة من اجل اهله فى الشمال عمل بكل جد واخلاص من اجل الوطن وساعد فى استجلاب الاموال من الداخل والخارج وتحرك مع لجان السعودية التى جمعت المال واتصلت بالقيادة السعودية والتى تعهدت بتمويل المتبقى من المبلغ المطلوب اهداءا لابناء شمال السودان الذين خدموا فى المملكة منذ قديم الزمان وعرفانا لهم ولاسرهم التى قدمت الكثير للملكة ..
وتفاعلت روابط الشمال فى المملكة مع هذا التعهد وبذلت جهدا مقدرا فى جمع مبلغ محترم من المال ..
وكانت اللجنة قد قامت برصف الطريق من مدينة امدرمان الى الدونكى ووضع حجر الاساس السيد احمد الميرغنى بصفته الراعى لهذا الطريق وتم اختياره من اعضاء اللجنة ولم يعترض احد
لاحظت ان تسلسللك للاحداث اغفل كيفية تحويل الاسم من طريق امدرمان امدرمان دنقلا الى شريان الشمال وعملية الاسم رافقت اختيار المرحوم السيد احمد الميرغنى وادخال منطقة الشايقية ليكونوا معنا فى المشاركة فى هذا الجهد الوطنى اذلم يشاركوا فى اللجان الاولى واللجنة الرئيسية وانما تم الحاقهم بعد تغيير الاسم الى شريان الشمال ..
هناك تحول مهم حدث لم يذكره الاخ رضا وهو عقب انقلاب اهل الانقاذ اذ وضع اهل الحكم يدهم على اموال الطريق والاليات التى كانت تعمل وتم حل اللجنة وهى لجنة شعبية لا علاقة لها بالحكومة بل وصل الامر ان ذهب الزبير محمد صالح وصلاح كرار الى السعودية وطالبوا بالاموال التى تم جمعها هناك وعندما تم الرفض من قبل الاخوة فى السعودية لانهم انما يتعاملون مع لجنة شعبية وليس حكومة الخرطوم فى هذا الشان وان تعهدهم بالتمويل لهذه اللجنة وليس لحكومة الخرطوم عاد الوفد غاضبا واعلنوا ان السعودية غير متعاونة مع النظام الجديد وانهم سوف يقيمون الطريق تحديا لهم واسموا مشروعهم باسم طريق التحدى وحول مسار الطريق بقدرة قادر من طريق امدرمان دنقلا الى طريق التحدى الجيلى شندى عطبرة بنفس اليات طريق امدرمان دنقلا التى تحولت لتعمل ضمن اليات المعارض السعودى اسامة بن لادن وباسلوب الدغمسة والشتائم تمت تغطية هذا الامر بهذا الاسلوب الاستكراتى الذى حيرنا جميعا واهل الجيلى شندى عطبرة لم تكن عندهم مشكلة فى التواصل البرى اذ لديهم خط السكة حديد ولم يطالبوا بطريق او حتى يسعوا له ..
هذه الخدعة وهذا الاستكراد من اهل الانقاذ مر بعد اسكات الجميع وشتم ملك السعودية ليلا ونهارا من خلال الاعلام الحكومى مع تخويف الجميع من التحدث عن طريق امدرمان دنقلا وانما اصبح التوجه نحو طريق التحدى الذى اقيم على حساب اهل دنقلا واهل الشمال ..
نتواصل

الأخ يحيى ابنعوف
سلام ....

شكرا للمداخلة ..

تحياتي .

الأخ الكيك

سلام ..

هذا البوست من الارشيف للأخت ملكة سبأ للأسف بدأته ولم تكمله
نظرا للأرشفة ....أتمنى أن ترجع لرابط البوست ....وأتمنى أن تكمل
مابدأته الأخت ملكة سبأ حتى تكتمل الصورة لهذا الطريق التاريخي
وياحبذا لو دعمته بصور .

خالص تحياتي .

اشكرك
لان الرابط لم يفتح معى اعتقدت انك كاتب الموضوع وتحياتى للاخت ملكة سبا التى اختفت منذ مدة
الحديث عن طريق شريان الشمال يطول .. بعد ان هدات اعصاب اهل الانقاذ بعد ثورتهم على الجميع وهجومهم غير المبرر على الاخرين بالشتم والنعل تم لقاء ودى بين اشخاص من اعضاء اللجنة الشعبية لطريق امدرمان دنقلا بالزبير محمد صالح ايام احد الاعياد بمنطقته حيث كان يقضى اجازته بالشمال وتم شرح الامر كله بالتفصيل وكيف ان الخدعة انطلت عليهم فى موضوع طريق الجيلى شندى عطبرة الذى ركب مسمار نص بطريقة سوف تكشف لنا الايام والتاريخ من قام بها وان كان الكثير من الناس يشير الى صلاح كرار وعمر البشير فى ما جرى ..
الوفد الشعبى قام بشرح الامر للزبير وطالبوا برد الاموال الى لجنة الطريق واحيائها من جديد ..ووعدهم الزبير بدراسة هذا الامر وتعهد لهم باعادة اللجنة للعمل ومن ثم الطريق هنا كان مدخل الحاج عطا المنان الى شريان الشمال اذ كون الزبير لجنة برئاسته لمتابعة امر الطريق ..
وبعد التمكين اصبحت الشركة شبه خاصة لحزب المؤتمر الوطنى بعد ابتعاد اعضاء اللجنة السابقة ومجى الاخوان المسلمين للحكم الذين جعلوا من كل عمل هدفا للتمكين فى امر السلطة الى ان حصل الخلاف بينهم فى السلطة والجاه وبدات خلافاتهم تظهر على العلن خاصة المادية فتم طرد شركة شريان الشمال اثر صراع بين اعضاء حزب المؤتمر الوطنى قاده ميرغنى صالح مع الحاج عطا المنان فابعد شركة شريان الشمال واتهمها وتولت وزارة الطرق مهمة اكمال الطريق بالاشتراك مع الولاية الشمالية

Quote: شريان الشمال ... طريق الموت رشيد خالد إدريس موسي [email protected] شريان الشمال , إسم يوحي بالحياة و الأمل. و هذا الطريق يعتبر فعلاً بمثابة شريان لمنطقة شمال السودان, التي كان يعاني أهلها الأمرين , في سبيل الوصول إلي داخل البلاد, أو في رحلة العودة إلي مسقط رأسهم في الشمال. إن سبب التخلف الذي تعانيه بلادنا, يعزي إلي ضعف البنية الأساسية , و أعني بها شبكة الطرق و الطاقة و الإتصال, إذ يكثر الحديث عن التنمية, و لكنه حديث, مثل الحرث في البحر, ذلك أنه في غياب هذه البنية التحتية, لن تتحقق التنمية المنشودة. لقد تم تعبيد طريق شريان الشمال ( حلفا – السكوت – المحس – دنقلا – مروي - أم درمان) , تم تعبيده بعد جهد جهيد, وبعد زمن طويل, إذ بدئ العمل في تعبيد هذا الطريق من جهة أم درمان, في بداية عام 1990م . و رغم سفلتة جزء كبير من هذا الطريق, إلا إنه يعاني من أخطاء عديدة في التصميم و التشييد, عملت علي بروز عيوب عديدة, تسببت في وقوع عديد من حوادث الموت و الإعاقة لكثير من المسافرين, إذ لا يمر إسبوع , إلا و نسمع عن وقوع حادث هنا أو هناك, بسبب إنقلاب السيارات أو إصطدامها. إن عيوب هذا الطريق, تتمثل في : 1/ ضيق عرض الطريق, الأمر الذي لا يسمح بتخطي السيارات لبعضها, و ما ينتج عن هذا الضيق من حوادث حين التخطي. 2/ عدم إزدواجية الطريق, و هذا يؤدي إلي إصطدام السيارات ببعضها في بعض الأحيان. 3/ الإنحناءات الكثيرة في هذا الطريق, و هذه تؤدي إلي إنقلاب السيارات, و خاصة لمن يقودون هذه السيارات, و ليست لديهم معرفة بأحوال هذا الطريق, بسبب عدم وجود لوحات إرشادية. و يبدو أن المخطط عمل علي تفادي التلال الرملية, من أجل تقليل التكلفة, و لكنه تسبب في خلق عيب لهذا الطريق, يتمثل في هذه الإنحناءات الخطرة. و كان ينبغي تدارك هذا الخطأ منذ البداية, إذ لا فائدة في طريق لا تتوفر فيه إشتراطات السلامة. 4/ عدم وجود لوحات إرشادية, تشير إلي هذه الإنحناءات الخطرة, و إلي أماكن رعي الأبل, و خاصة في قوز أبوضلوع في طرف أم درمان من ناحية الشمال, و في وادي جبرة شمال أبوضلوع . لقد وقعت بعض حوادث إصطدام لبعض السيارات مع الإبل التي ترعي بجانب هذا الطريق, و نتج عنها وفيات و إعاقة لبعض المسافرين. هذا إضافة إلي ما سببته من مشكلات مع أصحاب هذه الإبل. 5/ عدم إنارة الطريق, و خاصة في المناطق التي توجد بها إلتواءات, و تلك التي ترعي فيها الإبل,أي في قوز أبوضلوع ووادي جبرة. و هذه ينتج عنها حوادث كما قلنا و بالذات في الليل. 6/ عدم وجود الطبقة الإسمنتية في مجاري السيول, إذ تعمل مياه السيول علي جرف الطبقة الإسفلتية الضعيفة , في بعض المناطق, و تتسبب في إعاقة الحركة بسبب جرف الطريق, و في وقوع الحوادث. 7/ عدم وجود مصدات الرمال, التي تهدد الطريق بالدفن في بعض المناطق, مثل قوز أبوضلوع. لا يخالجني شك, أن مثل هذه الأخطاء الفنية, في التصميم و التنفيذ تحدث في طرق أخري , سريعة و داخلية. هذا يؤدي إلي وقوع حوادث الطرق, و إزدياد التكلفة التي تنتج عن الصيانة. إن بلادنا ذات تاريخ طويل , في مجال الإنشاءات و أعمال المقاولات, و لكن رغم هذه الخبرات الطويلة تحدث, مثل هذه الأخطاء, و هي أخطاء فاضحة, و فادحة في الأضرار التي تنتج عنها, فإلي متي سيستمر هذا الهدر للموارد البشرية و المادية , التي تروح بسبب هذه الأخطاء التي كان يمكن تداركها بشئي من الجدية في التنفيذ. منذ شهر, تعرض أبناء عمي لحادث مروري مروع, عند محطة الملتقي في الدبة, و هي النقطة التي يتفرع عنها الطريق إلي منطقة الشايقية, و بها منحني خطر. وقع الحادث عند الفجر, و هم في طريقهم إلي دنقلا لتقديم واجب العزاء في وفاة أحد أفراد الأسرة, لكن تداركتهم العناية الإلهية, و نجوا من موت محقق, فقط أصيبوا بكسور طفيفة, و تحطمت السيارة تماماً, و هي من نوع بوكس. و المصابون هم : اللواء/ إدريس موسي إدريس, و شقيقه الأكبر, محمد موسي إدريس بوزارة المالية , و زوجه و إبنه الأكبر, و شقيقتهم الكبري. تم نقل المصابين إلي مستشفي التضامن في قنتي, و من ثم إسعافهم بطائرة هيليكوبتر إلي ام درمان, حيث تلقوا العلاج. هذا مثال للحوادث و الأخطار التي تنتج عن العيوب التي توجد بهذا الطريق. اقل شئي كان يمكن عمله, هو تثبيت لوحة إرشادية في هذه المناطق الخطرة لتوعية السائقين. لا ادري , إلي متي نظل نشكو من مثل هذه الأخطاء البسيطة, و التي ينتج عنها مصائب كبيرة و مؤلمة و أحزان هنا و هناك, في حين أن العالم من حولنا وصل إلي درجات عالية في دقة و ضبط و تجويد الأداء. نسمع و نقرأ عن ضبط الجودة و تقليل الأخطاء إلي الحد الأدني بإستخدام تقنيات عالية, مثل تأكيد الجودة, ومثل سيجما ستة Sigma 6 و غيرها من التقنيات. و يتحدث الناس حولنا عن إقتصاديات الثقة Economics of trust لإضفاء الثقة في ما يقدم من إنتاج و خدمات. و لكن في بلادنا , يصاب المرء بالقرف مرة, و بالسخرية أخري بسبب ما ينتج من منشآت معيبة, يتحمل عبؤها المواطن, و لا يتمتع بها علي النحو الذي ينبغي , بل تتسبب في مآساته؟ لكم الله. الرياض / السعودية

الخرطوم: حسام الدين ميرغني :
يونيو الجاري، تكمل عربة المرحوم علي ساتي «الفورد» عامها الخامس والسبعين بعد ان سجلها التاريخ في صفحاته انها اول عربة ميكانيكية تدخل الولاية الشمالية وتقدل بين كثبان رملها...
هكر العربات متناثر هنا وهناك في ورشة اكل عليها الدهر وشرب بدنقلا في ناحيتها الشمالية بحي ارتدي، كأن المكان مقبرة عربات تنتظر نصيبها من الثواب والعقاب بعد أن أبطل عزرائيل الحديد فعاليتها.. فاحالها بعد حياة الى موات لم يبقى منها إلا الشاسية وذكرى عطرة لاناس امتطوا ظهرها ورحلوا وبقى نفر قليل من معاصريها وهي مدورة.
ورشة المرحوم علي ساتي أول رجل أدخل سيارة للولاية الشمالية في العام 5391م تقع في حي ارتدي شمالا بدنقلا.. العربة تستظل بنيمة ظليلة يعاند حديدها في البقاء رغم قدمه.. وما زال بها بعض لساتك وطبلون يحتفظ بعداد السرعة ومقاس الزيت وساعة احتلت مساحة مسؤولة من مقدمتها.. (كبوتها) كبرطوش صنع على عجل أو وجه رجل غاضب.. بل شديد الغضب.. دواساتها بطول ذراع رجل هزيل.. تتلصصها الاعين بزهو وفخر اذ انها اول عربة تسير في رمال الشمالية كلها. لم يك عليها لوحة مرور ولم تقطع إيصالاً! في حياتها.. اظن ذلك!
احمد عثمان باهي «44» عاما قال لـ «الرأي العام» ان ورشة المرحوم ساتي هي الاقدم في الشمال وأسست في العام 4391م، كان يصلح الوابورات الزراعية والبنطون والعربات على قلتها، وهو أول سائق عربة في الشمال وعربته أول عربة تطأ لساتكها أرض الشمال مضيفاً: لم يبق من أثر عظمة الورشة سوى حديد بائس تتلاعب بسطحه رصعات الرياح.. وسمعة على ساتي المهنية الميكانيكية التي توزعت هنا وهناك الى أن وصلت نباهته في الحرفة أن أصبح يصنع اللنشات النهرية بكفاءة عالية ويصين الكوامر واللواري واللاندروفرات.
فقسوة رمال الصحراء لا يقدر عليها سوى الكوامر إذ منذ حقبة الثلاثينيات الى الستينيات كان فعلا زمن الكوامر قبل ظهور الركوب المائع.. العربة الفورد التي هي أول من وطأة ارض الشمال.. جاء بها صاحبها على ساتي من جهة الخرطوم في مسيرة شهرين كاملين.. يربط على ظهرها برميلي جاز وبرميل ماء، وهو أول من عبر إلى هناك بالغرب حيث ممر طريق شريان الشمال الحالي.. ثم تلاه في امتلاك العربات المرحوم شنان وكان له كومر متميز ببوريه الهوائي وصوت ماكينة كأنها أنف تمخط.. ثم كومر لعبد الحميد الشروني، أما صاحب أول عربة لنقل الركاب امتلكها «رومر».. الأستاذ علي ساتي حفيد المرحوم علي ساتي قال إن والده ورث المهنة من جده فأجاد فيها وأوسع مدركها وسمعتها بين الركبان والمركبات.. وحدد تاريخ 5391م بأنه مجيء العربة وافتتاح الورشة بعد أن قال الانجليز لجدى بأن عليك أن تتحمل نتائج وعثاء الطريق وعدم خلوه من الشفتة وقطاع الطرق.. فغامر بمسيرة شهرين حتى وصل دنقلا.. وكان جدي يعمل سائقاً في الجنوب لمصلحة الجيش الإنجليزي فتركهم وبحقوقه اشترى العربة!!.. والورشة..
العربة الفورد آخر مشوار لها اواخر ثمانيات القرن الماضي.. بعدها اتخذت من تحت النيم مرقدا ابديا.. بعد ان كان صوتها القوى يفزع البهائم اصبحت (تكرش) عليها ظهرها دون خوف أو رهبة.. انه حال الدنيا!!!

http://webcache.googleusercontent.com/search?...ource=www.google.com