Post: #1
Title: الحمار السكران نسخة معدلة بمناسبة عودة سودانيزأون لاين
Author: Abuelgassim Gor
Date: 08-11-2011, 12:39 PM
الحمار السكران قصة قصير بقلم د.ابو القاسم قور ظل حمار خالتى (أم مخيان) ينعم دون غيره من الحمير بكد شجرة الصهب التى نمت غرب حلتنا بلا عنت. شجرة الصهب تقف بعناد غرب حلتنا مخضرة صيفا ورشاشا وعز المطر . أما حمار خالتى (أم مخيان) كان حمار أغبش برقبة تخينة من نوع يسمى عندنا فى غرب السودان بالحمار (الدبلاوى) ... يخرج الحمار كل يوم بانتظام لكد شجرة الصهب حتى صار لموضع اسنانه الامامية شارة حمارية على جذع الشجرة لا يضهاهيه فيها حمار آخر. فى احد الايام ....كالعادة لم تتوانى ( جانقودى) ابنة خالتى فى دلق مخلفات المريسة (الجعة المحلية) وتسمى (الكجانة) خلف قطيتنا ...بالطبع كان ذلك مكان مفيد للتخلص من فضلات الجعة المحلية ، حيث تظل الطيور تحظى بتلك الفضلات بانتظام تام. فى هذا اليوم بالتحديد - الذى ظلت فيه الكجانة خلف قطيتنا أشبه بمديده - تخلفت عمتى هى الاخرى وتسمى( الضهباية) من زيارة جدتى (ترفانه) التى بدأت تدخل سكرات الموت منذ سنة كاملة.لقد بلغت جدتى نحو مئة وخمسين عام وهى تعيش داخل كوخها القصبى جنوب المستنقع ..كان موتها بطيئا جدا ومملا فمنذ سنة وهى غائبة عن الوعى تماما لكنها ظلت ترسم بيدها اليمنى علامات تدل على شكل قبرها ..فهى تعتقد لابد أن يكون القبر طويلا تحت شجرة (خشخاش)، لأن روح الميت وفقا لديانة جدتى الافريقية تحل فى شجرة الخشاش ...أهم ما فى الامر هو ان حمار خالتى أم مخيان هو الوسيلة الوحيدة للتنقل من منزلنا شمال المستنقع الى منزل جدتى جنوب المستنقع .. كان فى الغالب ما يسير حمارنا بصورة راتبة فهو يحفظ الطريقة عن ظهر قلب..فى ذلك اليوم بالتحديد تناول حمارُنا كميةً كبيرة مقدرة ومركزة من الكجانة مخلوطة بكمية لا باس بها من المُشك...فما أن أمتطته خالتى ( الضهباية ) وتدلت قدماها النحيفتان على جانبيه وهى تنتعل صندلها البلدى( أم جنق) ..الذى تمت صناعته من جلد البقر...حتى صار الحمار ينهق ، ويجرى ، ويرفس و( يقفِْط) و يرفس بأرجله الخلفية..ويصهل مثل الحصان بالطبع لم يكن ذلك أمر معهود لدى هذا النوع من الحمير الذى اشتهر بغبائه ، وهدوئه ، وهو فى الغالب لا يكترث لما يدور من حوله ......كان من المتوقع ان يسير حمارنا مباشرة نحو كوخ جدتى على الطرف الجنوبى من المستنقع. وهى الطريقة المعهوده اذ فى الغالب ما يعبِرْ الحمار المستنقع فتفر الطيور زرافات ووحدانا. صفق شجر ( ام قاتو) يطفو على النهر يلصق على بطن حمارنا عند بزوغه جنوب المستنقع وهو ينفض اذنيه كسباح ماهر. انه مستنقع مليئ ببعض الحشرات ، والناموس وبعض انواع السلاحف الافريقية الدامعة.ليس هناك أى مبرر لوجود هذا المستنقع عند هذا المكان منذ آلاف السنين ، لكن ثمة اسطورة وحكاية قديمة تداولها الناس هنا تقول : كان المستنقع فى الماضى يفصل بين عالم الشر وعالم الخير، و كان الناس من قبيلة ( فيروشانى) تعيش عند الطرف الجنوبى ، ثم حدثت معركة بين القبيلة و وحش كاسر بسبعين راس ، فرحل أجدادنا الاوائل نحو شمال المستنقع . لكن جدتى آثرت أن تظل فى كوخها القصبى فى الجنوب . كوخ جدتى غريب فى نوعه أشبه بالقطية لكنه اوسع بقليل، تم تشييده فوق جذوع بعض الاشجار .يوجد هناك سلم مصنوع من الحبال ، فانك لا تكاد تصل الكوخ ذاته الا بعد أن تتسلق السلم و(تخرت الوقر ) أى تتصبب عرقا...كانت جدتى تقول :لا شيئ يتم فى هذا العالم دون خرت الوقر، الحقيقة ليس هناك شيئ مزعج لجدى اكثر من رفض جدتى لسكرات الموت فهى تقاوم سكرات الموت لدرجة انها وفى كثير من الاحيان ترفع صوتها المتحشرج بالغناء ..(انها لا تموت ابدا) هذا ما كان يردده جدى وهو يغطى راسه الاشيب بطاقية كبيرة مصنوعه من سعف الدوم ومشفاة بسبيب حمارناا!!. فى ذلك اليوم لم يتجه الحمار جنوب المستنقع بل افرد اذنيه نحو الشرق ثم اطلق نهيقا اشبه بصهيل الخيول ، وما هى الا لحظات حتى انطلق حمارنا كما الريح .. ظلت خالتى الضهباية و ابنتها ( جانقودى ) تعملان على تهدأة الحمار السكران دون جدوى. كان الامر فى بدايته اشبه بهزار ، لكن رويدا رويدا اختفى الحمار عن الابصار ... اختفى الحمار ومن فوقه خالتى الضهباية وابنتها جانقودى ... لم يكن امر مثل هذا الامر سهل التجاوز من رجال قريتنا فاعلنوا عن اجتماع طاريئ..فى الغالب يتم الاعلان عن الاجتماع الطاريئ بنفخ بوق كبير ،و يستمر النفخ حتى يتنادى ويجتمع كل الرجال وهم جاهزين للحرب باسلحتهم من حراب وفؤوس. أعلن شيخ حلتنا وهو رجل طاعن فى السن ، باسنان سوداء ، لا يلبس غير ازار من الجلد القديم، قال :الذى حدث يدل على ان الحمار اصلا لم يكن حمارا بل هو عفريتا مدسوس. بعض الرجال استنكروا ذلك وقالوا ان حمار خالتى هو فى الحقيقة حمار ولد حماره أصيلة تم تمهيره من اب حر على مرأى واعين الاشهاد. لكن كل ماحدث ان حمار خالتى تناول كمية كبيرة من الكجانة التى تم خلطها بالُمشك فسكر ولم يقوى على السيطرة على نفسه. هكذا اشتد الخلاف بين الطرفين فانقسم سكان القرية الى حزبين. اطلق الحزب الاول على نفسه اسم حزب الحمار السكران ، أما الحزب الثانى اسمه حزب الحمار العفريت .بينما ظل الحمار يختفى عن الانظار وعلى ظهره خالتى الضهباية وابنتها جانقودى منطلقا مثل صاروخ ذكى بين البرارى والفيافى ،اشتد الخلاف بين سكان القرية ، وبدأ البحث عن آلية لفض النزاع ، فلجأنا الى التصويت الذى انتهى الى مزيدِ من الاختلافات فنامت قريتنا تلك الليلة على غيابِ تام لنهيق حمارنا. فى اليوم التالى قرر فرسان وشباب قريتنا (الفزع ) فى درب خالتى وابنتها جانقودى لانقاذهما الاثنين معا ، اما الحمار فقد بات واضحا انتمائه الى جنس حمير الوحش الكاسر ( الغول) ، فهو اذا حمار عفريت كما اوضح شيخ القرية. هناك غول كبير يعيش شرق قريتنا فى مكان ما بعيد ، ذلك بالطبع هو الجانب الشرقى من العالم الذى يُسمى (دارصباح) حيث ظل الغول يدبر مكائده لاختطاف بعض السكان من قريتنا الى دار صباح فيسحلهم سحلا ، ويعذبهم عذابا اليما ثم ياكلهم جميعا.كان الناس فى قريتنا يسمون دار صباح كرش الفيل.ما حدث لخالتى الضهباية وابنتهاجانقودى هى مكيدة محكمة من مكائد الغول الكبير منتوج دار صباح، حيث استطاع الغول ان يدهن ظهر الحمار بمادة( الديدبان) وهى مادة لا صقة اشبه بالسلسيون ، فما أن أمتطت خالتى الضهباية وابنتها ظهر الحمار حتى لصقتا دون فكاك. فظل الحمار يعدو بهما ليل ونهار ، حتى وصل الى منزل الغول بدار صباح.كان هدف الغول هو اكل خالتى الضهباية وابنتها جانقودى. لا يقوى احد من سكان قريتنا على مواجهة الغول . فمنذ آلاف السنين والعالم يعيش حالات الخوف والرعب بذنب هذا الغول الكاسر السعالة. للغول سبع ررؤوس ، فى كل راس سبع عين ، وفى كل عين سبع ولد عين. للغول سبع ازيال وفى كل زيل سبع فتلة وفى كل فتلة سبع طبقة وفى كل طبقة سبع شعرات ، وللغول سبع ارجل وفى كل رجل سبع اصابع ، وفى كل اصبع سبع ظفر وبكل ظفر سبع (قوقيعانه) ...لقد ظلت قبيلة الفيروشانى تلبى طلبات هذا الغول كل عام بتقديم فتاة فيروشانية قربانا له .. . كانت هجمات الغول عنيفة على قبيلتنا الفيروشان ، مثل هجمات الانسان الابيض الذى يعيش فى مكان ما خلف دار صباح ..قيل انه مكان بعيد خلف البحار ، يأتى كل مرة فيختار اقوياء شباب قبيلتنا ، يأخذهم عنوة وقسرا يسترقهم ويستعبدهم ، اما الغول فكان يأكلهم لذلك كان افراد الفيرشان يتمنون الموت على يد الغول من عذاب الانسان الابيض فيقولون فى مثلهم(الموت ولا طولة العمر)..لقد نزر الشباب ذبح نعجات بنقالة السبعة فى حفل كبير فى حالة نجاح الفزع وانقاذ خالتى وابنتها.هكذا بدأ النفخ فى البوق....كان النفخ هذه المرة من اماكن مختلفة من فوق الجبل عند الجانب الغربى ، ومن حيث المستنقع عند الجانب الجنوبى ومن الجانب الشرقى حيث جهات دار صباح التى (عرد) اليها الحمار!!
|
|