قاتل الله الساسة الذين مزقوا الأوطان، وفرقوا الخلان

قاتل الله الساسة الذين مزقوا الأوطان، وفرقوا الخلان


07-04-2011, 11:03 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=340&msg=1309817015&rn=0


Post: #1
Title: قاتل الله الساسة الذين مزقوا الأوطان، وفرقوا الخلان
Author: الطيب عبدالرازق النقر
Date: 07-04-2011, 11:03 PM



بسم الله الرحمن الرحيم

غداة الاثنين

قاتل الله الساسة الذين مزقوا الأوطان، وفرقوا الخلان


كانت تربطه بتوماس وليم العالم الجهبذ الذي تشرئب لمقدمه الأعناق، وتشخص لطلعته الأبصار، علائق ود شفيف وصداقة تأكدت أسبابها على الخفض والشدة، ورسخت قواعدها على الإكبار والحب، فلقد أقذيا أعينهم تحت أضواء المصابيح في تلك المنارة السامقة التي لا تجد بين عرصاتها عراء ولا خلاء ولا وحشة.
دأب الشاب الطرير الفارع الطول، الحلو القسمات، الذي تعلوه سمرة لا تدركها الأعين إلا حينما يشع بهاء ثغره، على أن يُدخِل على صاحبه الماركسي الذي أتاه الشيطان حظاً وافراً من الخلاعة، وقدراً هائلاً من المجون، قبس من نور التشجيع، ويُلهِمهُ بلفظه الموشى بالصراحة وتعابيره التي يغلب عليها الصدق ما يرفع عنه أثار الضعة التي يأنسها في نفسه، وأغلال الصغار الذي جعل من حياته أتون يحتدم بالكره، ويضطرم بالعداوة.
كفّ توماس وليم الذي ينحدر من بيت رفيع الدعائم، أثيل المنبت في الجنوب عن التردد على مجلس الشيوعي ياسر بعد أن كان ملازماً له ملازمة رفعت عنه آصار العجمة، وجعلته متمكناً من ناصية العربية، فلقد أضحى مجلس الرفيق ياسر يفيض بالتذمر، ويضجُ بالشكوى من نتائج الانتخابات التي قوضت حصون الأمل في دواخله بأن تقوم للشيوعية العجفاء قائمة في تلك البقعة المحاطة بسياج العلم والفكر، والمزدانة بآكام النور والمعرفة، بعد أن قيض الله زمرة من الطلاب المنتسبين للواء الإسلام مسحوا الكرى عن الجفون، والقذى عن العيون، وأبقوا على جذوة لم يطفئ وميضها توالي السنون، أو يخمد بريقها تعاقب القرون، نعم لقد جدد أولئك الفتيان الذين يخطرون في مطارف الشباب، ويختالون في حُميا النشاط ما رثّ من حبل الدين، وجمعوا ما شتّ من شمل القيم والأخلاق، فلم يجد الماركسي الممعن في عمايته، والمُنكب على غوايته، مراغما ولا سعة سوى ترك الجامعة التي أُشتُهِرَ فيها بالذكاء والنباهة.
هجر ياسر الذي يرى أن الإسلام لم يساوي بين كل الناس في الغني والحرية، بل ساوى بعضهم في الفقر والعبودية، قاعات التحصيل وهو في السنة الرابعة ولم يأبه لرجاء منقذه الذي أنزله منزلة الأبرار في جنته، لقد طالبه توماس الذي أوغل في البحث، وأمعن في التنقيب، حتى صار من أساطين العلم، وأرباب الاجتهاد فيما بعد أن يرسل طرفه الكليل إلي مستقبله المدلهم، وأن يسعف نفسه بفيض من التفكير العميق الهادئ فيما يؤول إليه حاله بعد نبذ العلم، وقطيعة المعرفة.
مضى ياسر في نزقه ومجونه لا ينشد غير العُهر، ولايبتغي غير اللذة، حتى انتشلته يد حانية بعد عقد ونيف من وهدة القنوط، والتردي في غياهب الفسق والانحلال، لقد كانت حياة اليساري الغارق في أوضار الانحراف عبارة عن ضباب لا يشع في جنباته أمل، حتى أطلّ بقوامه السمهري توماس فأحالها إلي جنة وارفة الظلال، صديقه توماس الرجل العذب الروح، السليم الصدر، الحاد الذكاء، الذي يهش للعلم هشاشة البخيل للمال، توماس الذي قضى عقد من الزمان في بلاد العم سام أفناها في العمل الدائب، والعناء المرهق، والكسب العلمي المتواصل، حتى أضحى من العلماء الذين يرجع إليهم في المشكلات، ويستصبح بسناهم في الملمات.
توماس الذي صقله العلم، وهذبه التمدن، حصد منجل الوغى السواد الأعظم من عترته في تلك الحرب اليباب التي لم تكن تأصرها آصرة، أو تدركها شفقة بين الأشقاء الذي يعيشون في كنف وطن واحد. ولكن الهيجاء أخفقت في جعل توماس تستفزه طيرة الغضب، أو تستخفه فورة الحقد، فصدره لم يكن موبوء بجراثيم السخائم والبغضاء، بل ظلّ كما عهده الناس سليم الجوانح، عفيف الجوارح، لا يبسط لسانه بأذى، أو يطوي صدره على ضغينة، نعم لم يكن توماس كرصفائه من أقطاب العلم في جنوب الوادي الذين قدحوا زناد الحرب، وأشعلوا فتيلها، لا..لم يكن قط وحشٌ تبدى على جبلته يتحلب الريق من أنيابه، أو يقطر الدم من أظفاره، بل كان يقلب كفيه أسى وحسرة، ويحرك لسانه بالإنكار والدهشة، كلما شاهد وطنه الذي عصفت به الأنواء، وشعبه الذي يتخطفه الموت، ودياره التي يستبيحها الغريب.
أخذ توماس يبحث بهمة ماضية، وعزم أكيد عن صديقه ياسر حتى وجده بعد نصب وعنت في مواخير الفساد، يعاقر الخمر، ويضاجع رزائل البغاء، وجده كما تركه لا يشغل ذهنه بفكر، أو يده بعمل، فتعهده بخيره، وأرضعه أفاويق بره، ولم يتركه حتى التأم شمله مع الناس، وانتظم عقده بالمجتمع.
هاهو ياسر الآن مُدثراً بلفائف المرض، فقد أثخنته جراح لا تندمل إلا برؤية من يسري عنه الهموم، ويهون عليه متاعب الحياة، فصديقه الذي يلازمه ملازمة الفصيل لأمه أمست رؤيتة أُمنية دونها خرط القتاد، فمحض وداده توماس الذي لا يضاهيه أحد عنده في جوده ونجدته، وصدق لهجته، وكرم عشيرته، قد شحط عن الديار، وبات يقاسي لأواء الحياة وقسوتها في تلك الأراضي التي تركض فيها المصائب، وتتسابق إليها النكبات...
قاتل الله الساسة الذين مزقوا الأوطان، وفرقوا الخلان.

الطيب عبد الرازق النقر عبد الكريم
ولاية النيل الأزرق-الدمازين