هضبة الأسعار وسهل القدرة الشرائية!

هضبة الأسعار وسهل القدرة الشرائية!


07-03-2011, 10:39 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=340&msg=1309689575&rn=0


Post: #1
Title: هضبة الأسعار وسهل القدرة الشرائية!
Author: راشد مصطفي بخيت
Date: 07-03-2011, 10:39 AM

هضبة الأسعار وسهل القُدرة الشرائية!
راشد مصطفي بخيت.

(1)
كعادة معظم أرباب البيوت السودانية من فئة محدودي الدخل (أُوْ فَلَسِفْ)! توجهت صباح الجمعة الماضية للتسوق طلباً لزاد نصف الشهر الذي نبتاعه جملةً لأجل خفض مصروفات الشراء المتقطع، بعد أن ألهبت جيوبنا سياط الارتفاع الجنوني للأسعار الذي نشهده هذه الأيام!
أحمل في معيتي خمسمائة جنيه سوداني لا غير؛ أخذتها عظةً لما حدث لي من إحراج الجمعة الفائتة للتسوق، بعد أن توقفت لأكثر من دقيقة يقهرني الصمت، مبرأٌ من فضيلة حسن التصرف التي كنت إلي ذلك الحين أحسبني أجيدها، أمام تاجر يطلب قيمة مشتروات بلغت إحدى عشر جنيها ولم أجد معي أكثر من سبعة جنيهات ونصف! فاضطررت إرجاع صابونتين لايفبوي وأحرجني صاحب المحل بأن (تصدَّق)! لي بواحدة وأرجع الأخرى، فقبلت مضطراً بعد إلحاحه الشديد! وعدم قدرتي التخلي عن غريزة الاستحمام متصبَّناً مع كل هذا المناخ الداهن!
حتى لا نمضي في هذه الحكاية بعيداً عن ما حولها، أحيطكم علماً سادتي، أن هذه الأسرة التي أتحدث عنها مكونة من ثلاثة أفراد هم أنا وزوجتي وطفلنا الوحيد الذي قارب إتمام العامين!
(2)
قلت في نفسي مستعيداً ذلك الحرج البالغ الذي أوقعتني فيه الزيادة المفاجئة لأسعار السلع في الأسبوعين الذين لم أذهب فيهما للتسوق؛ قلتُ متمتماً وأنا أطمئن مخاوف النفس الأمارة بالشراء: سأمضي للسوق هذه المرة وأنا أحمل أربعمائة جنيه بالتمام والكمال! درءاً لأي حرج متوقع؛ تحسباً من زيادة أخرى قد تكون طرأت خلال فترة الغياب الدورية لي! طمأنت نفسي أن ما سيتبقي من (باقٍ) حتماً سيرجع معي، ولن يضرني ذلك في شيء ما لم أقع فريسة لطريقة عرض بائع ماهر أنفق فجر اليوم بكامله في عرض تجارته ليغريني بأخذ ما يزيد عن الحاجة وأفرِح به أهل بيتي! وأنا اعلم عن نفسي حبها لهذا النوع من العرض المسبوك!
بدأت بالخضروات متخيراً خمسة من أنواعها الرئيسة بعد أن تأكَّد لي أن (العدس) سيخرجني سالماً من ورطة (النقة) التي تنتظرني إن أغفلت خضاراً ما! ذلك لأن كيلو الطماطم الذي اضطررت للشجار بسببه المرة الماضية عندما بلغ سعره العشرة جنيهات! زاد فوقها جنيهين عزيزين هذه المرة أيضاً!
(3)
أخذت جولتي كاملة محتقباً خضرواتي وزيادة كثيفة في ضربات القلب! قبل أن أهم بالمغادرة ناحية سوق اللحوم الذي يتوجب علي بعده المضي أيضاً لشراء (النواشف) من بهار وزيوت ومرق الدجاج! في المسافة بين المكانين، دخلتُ زمناً صوفياً محضاً أحاطتني فيه هالة من القدسية التي لا ألجأ لها عادةً، وبدأت في نسج ضفيرة التمني علي حبال العجز الذي أحاطتني طيوفه فجأة! تلحقنا وتفزعنا أيها السيِّد الذي لا أعرفه! فتذكرت مقولة الإمام علي: عجبتُ لمن لا يجد قوت يومه ولا يخرُج علي الناس شاهراً سيفه!
مرحب يا أستاذ، داير كم كيلو؟ أخرجني صوت الجزَّار من حالة القهر التي أورثتني التصوف فجأةً ورددت عليه، كيلو ضان، وكيلو عجالي! لا أعلم ما الذي أنساني علم الحساب في تلك البرهة التي أوقعتني في الفخ مرةً أخرى! فبعد أن أجهز الجزار علي اللحم محولاً كتلته لحبات سبحة من اللالوب تتدلي علي رقبة كيس من النايلون! أكتشفت للتو أن كيلو اللحم من الضان عندنا أصبح أغلي من رطل لحم أنطونيو! مع جشاعة شايلوك الذي يحكمنا هذا!
قلتة لي كم؟
إتنين وتلتين جنيه بس يا أستاذ.
يا راجل! أها العجالي بي كم؟ سبعة وعشرين جنيه يا أستاذ. طبعاً تحولت جُمعتي في برهة من الزمان الخاطف واستقرت تحت اسم (جمعة الفلس)! ذلك لأن كيلو اللحم من الضأن بلغ الجمعة الأخيرة للتسوق ثمانٍ وعشرون جنيها! بينما كيلو العجالي لم يتجاوز الستة عشر بتوقيت جزارات السودان إلي حينها!
(4)
الفكرة الوحيدة التي استقرت في جمجمتي وقتها بعد أن نقصت دريهماتي الأربعمائة هذه المرة، عشرون جنيها! أنني سأستغل ثقافة زوجتي الرصينة وولعها البائن بقضايا الحقوق، فأهمُ بإقناعها علي الإقلاع عن تناول اللحوم الحمراء لأن في ذلك أذيةً لحقوق الخراف والأبقار المسكينة، تذبحُ بقسوةٍ بالغة لترضي رغائب إنسان متوحش! وأشجعها علي تأسيس جمعية في هذا الحقل الحقوقي الجديد، وحتماً ستجد آلاف المناصرين بذريعة العجز لا القناعة! وأخرج أنا من ورطة عجزي علي التسوق مرةٌ أخرى قبل نهاية هذا الشهر!

Post: #2
Title: Re: هضبة الأسعار وسهل القدرة الشرائية!
Author: راشد مصطفي بخيت
Date: 07-03-2011, 12:06 PM
Parent: #1

صحيفة الجريدة 3/6/2011