عبرات أمير دارفوري..!

عبرات أمير دارفوري..!


06-28-2011, 07:08 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=330&msg=1309284526&rn=0


Post: #1
Title: عبرات أمير دارفوري..!
Author: عبد الله الشيخ
Date: 06-28-2011, 07:08 PM

خط الاستواء
عبد الله الشيخ

عبرات أمير دارفوري..!

صديقي لقمان أحمد، مراسل ( بي بي سي) فى واشنطون ، كان كبيراً منذ أن رأيته ، كان يحيا بيننا حياة النبلاء التى قرأناها فى الكتب.. هذا صحيح ، فلقمان أمير من أُمراء سلطنة الفور ، تلاشت السلطنة ، لكن سيماء الأمارة ظلت باقية فى دواخله، لا تخفيها البساطة ، ولا الغربة ..!
الطريقة التى يتحدث بها، دقة تعامله مع الأشياء التى نراها صغيرة ، ابتسامته العذبة ، مثابرته وعدم تعجله للنتائج .. كل هذا ينبيك عن خُلق أمير..
شاب رشيق،مثل ( أريل الملم) لا ينسى الأوتكيت ، مع من يعرف ومن لا يعرف ، جغرافيته الداخلية خالية من الغضب ومن الغل ، رجلٌ فارقت حاجبيه الدهشة.. (أخلى طرفه منها) للأعاريب من أمثالنا الذين جاءوا الى العاصمة ـ على حين غرة ــ للتفسح ،أو التبضع، أو الدراسة ..! هو مثلنا جاء من الريف ، من ( الملم) ، لكنه فى هذه الخرطوم التى كانت يانعة، استثمر وقته فى المثابرة ، فهو إما يقرأ ، أو يكتب، أو يستمع الى (أحمد المصطفى) ..أو يجالس صاحب لسان العرب،أو يعلق فى ضحى السبت فى مقهى النشاط بالجامعة، صحيفته (بساط الريح)..
قبل أن تدق مزيكة الانقاذ بأيام تلاقينا فى شارع الموردة ، وافترقنا..التقيته العام الماضي فى واشنطون ، نقلني لقمان مباشرة إلى أجواء لقاءنا ذاك العابر ، قال أنه جاء ساعتها لشراء التبغ من (جورج مشرقي)..! كأن ذلك اللقاء كان بالأمس..!
إنها (نبلة) واحدة لسهم الزمان ،فاذا بنا سوياً مرة أخرى فوق ذلك الجسر الذي يقطع قلب واشنطون الى نصفين من ناحية البنتاغون.. هنا عاش لقمان أكثر من سبعة عشر عاماً ، لم ير خلالها السودان ، ومع ذلك يحدثنى فى تلك الآفاق عن ذكرياته مع (حسن عطية) ، وأنا اتبسمل و أتحوقل مأخوذاً بجمال مدينة بيضاء ،مصنوعة من نسل حجر كريم..!
كنت أقول لصديقي أن يتوقف قليلاً حتى أُشاهد ( عن كثب) هذا الكرملين..! فيضحك لقمان ، ويقول لى : ( ما تلخبط الكيمان، هذا هو مبنى البنتاغون)..!
يضحك لقمان وقد كان يحدثنى قبل حين عن مقتل غالبية أهله فى دارفور..!
لقد تهدج صوت لقمان بالفعل عندما أتى على ذكر عمته التى قُتلت فى بدايات الحرب.. تذكر حُنُّوها عليه فى لحظة الوداع الأخير، وهي تضع فى جيبه صُرة ملاليم كانت تُسمى فى السودان القديم بـ ( حق اللبن) ..!
سلسلة من التفاعلات تجري، هدير الاخبار يتحرك بين يدي مراسل (بي بي سي ) لقمان أحمد، وهو فى حياده الأبدي، يحتفظ باشواقه وأحاسيسه إلى يوم ما ، إلى اليوم الذي يتقاعد فيه..!
حين عبرنا الجسر كان لقمان أحمد يقول ملاحظة فى غاية الأهمية ، بأننا كصحفيين ، فى داخل السودان، لا نفصل بين العمل المهني، وبين توجهاتنا ورؤانا السياسية..!
كانت حيادية هذا المراسل تغيظني تماماً، لذا كنت حاضراً للإجابة ، قلت له:ـ يا صديقي ، ليس لنا فى ذلك السودان إلا أن نتماحك بهذه (البصارة) ، نحن كصحفيين فى الداخل لسنا سوى إمتداد لدكان ود البصير، فى وطن يقال أنه يسع الجميع..!
ذلك هو لقمان ،قد يختلف معك فى الرأي ، لكنه لا يعترك معك ، رجل مثابر، لا تأتى كثافته أبداً .. يدخل كل معترك لينتصر وحسب..! كنا وما زلنا على خلاف جذري فى رؤانا قبل وبعد ترنُح سلطان النميري.. فصديقى لقمان يحب النميري.. وكنا نحن، وما زلنا نعتقد، أننا نمثل الشعب الذي يريد تغيير النظام..!
سيبقى وهج الامارة خايلاً فى لقمان أحمد ، أميز أولاد دفعتي ..
إنه رجل فريد، يمتلئ بحب السودان ، السودان بكل تناقضاته..!