Post: #1
Title: الطريق الآبق ..
Author: سفيان بشير نابرى
Date: 06-18-2011, 05:34 AM
الطريق الآبق أعتصرُ ذاكرتي كقميصى المُبتل في محاولةِ لتذُكُر: سهام.. سناء.. ربما
سهي. الذاكرة تمور كحفل صاخب الملامح، تتحقق بصعوبة أنت نفسك، من وجودك
فيه، أمدُ يدي ونصِف ضحكة لتمرير حرف السين مضغوطاً مع حروفٍ مبهمه
مُراعياً متوسط اﻟﻤﺨارج الثلاثة لإيهامها؛ لكِنها ضبطت أوراق الغِش في
صوتي.تهزُ رأسها لتطلي وجهي بنظرة لومٍ مرح وتنتظر إسمهاكأنه وديعه.
مضي نصف زمن صمتي علي أسئلتها الاجباريه، ورغم إستدراجها لذاكرتي بزمان
وأحداث مواربه وتتعمد إخفاء عنصر المكان، الي أن يئس وقوفي نصبت مفردة
كسلا بصوتٍ خفيض كخيام (الرشايده) وبأحرفٍ متباعده الأوتاد. مقلتيها تبرق
ونيرونات دماغي تضاء خلية إثر أخري.. نعم؛ هي من قطع إتكاءتي في صخرة
رحيمة تعلو جبل التاكا، حيث أرمق شفقاً ذهبياً متدرج الألوان خلف دوائر
بخور (الجاولي) الُمعد مع طقوسِ القهوة، عندما كانت الشمسُ الفاترة تفاحة
السماء، تغوي بها أديم الأرض، يدي بها سجارة رخيصه يعانق دخانها كثافة
دخان البخور في رقصةٍ بذيئه ويذهبا جفاءاً؛ لتبقى نكهه البن العتيقه تتسكع
بداخلي.
- لو سمحت ممكن تصورنا
- جداً، نطقتها بتكاسل احتجاجاً علي اقتحامها هدوئي، كانت مع عريس وعروس
متواضعة الجمال تراصوا ثلاثتهم بإبتسامات مؤقتة تخصُ التصوير، بعد ان أخذت
لقطتين لصورة خلفيتها سلسله الجبال والأخري مقهي، أعدت
الكاميرا، ذهب العروسان لأمر ما ووقفنا نفتعل الأحاديث كما يحدث في حلبة
الرقص بين أغنيه وأخري للوقوف بدون مهام، أولتبرير عدم إجادة الرقص.
- إنت من هنا ولا ضيف؟
- انا ضيف؟
- وين نازل؟
- نازل هنا في الجبل ده؟
- ضَحِكت بشفاهٍ مرحة : طيب جاي كسلا هنا عشان شنو؟
ذهَبَت بالحوار حيث لا أرغب ، فقلت علي الفور لستُ أدري، وأضفتُ أناهكذا
كعادة الطريق والنفس الأماره بالسفر أمضي مايوقفني هوثمن تذكرة لمكان لم
أزره مسبقاً. قالت بإندهاش أين تقضي الليل؟ قلت لا أدري ولا أفكر في ذلك
لأن أي خطط مسبقة في سفر كهذا تفقده روح المغامرة. دعتني للمبيت في منزلهم
علي إستحياء، او كمقترح لايرجي تنفيذه، إعتذرت بإن لي أصدقاءٌ كثر ولكني
لا أقصدهم؛ أنا هنا متبتلٌ لوجه السفر، وأحبُ اكتشاف الأمكنه لوحدي.
إتهمتني بالجنون، ورددْتُ التهمة بأن عيونها نهرين من القهوة. تبادلنا
التهم وأرقام الهواتف ، ذهبت جهة العروسين وغابوا في هاويه الليل .
رجعت لصخرتي محاولاَ إستعادة هدوئي الداخلي،أشعلتُ سِجارةً أخري وطلبت قهوة.
بدأ الناس ينزلون عبر المدرج الصخري إلي كل فج عميق، مكثتُ حتي توحدتُ مع
الليل والصمت والجبال، داعبتُ نفسي أحياناً لأحس بشموخي فوق الجبل وأحيانا
ضآلتي بين الصخور! ، نويتُ المبيت في الأعالي لولا أن فراغ معدتي أجبرني
علي النزول درج عن درج. إنتظرت في المحطه قليلاً وركبت دون سؤال فالحافلات
لامصب لها غير السوق وإن كان لها خيار آخر فليس لدي ما أخسره.
جلستُ بقهوه (الرياضين) التي سمعت بها من قبل عند أصدقائي فغادرتها الي
قهوه (باكاش) خوفاً من ملاقاة أحدهم ثم إلي (أم الحفر) لنفس الأسباب.
فكرت بالرجوع إلي الجبل وعدلتها بالذهاب للنوم في منتصف طريق نهر القاش
الموسمي اسفل الكوبري تماما إتقاءاً لسياط شمس الغد. وضعت حقيبتي الزاهده
تحت رأسي، حقيبه بها قميص وبنطال نصف نظيف، ونصف
زجاجه من الفلكلور الحبشي، وديوان غرفة بملايين الجدران لمحمد الماغوط. ثملت حتي غصت داخل الرمل وتلاشيت.
فتحتُ عيناي بماتبقي فيهما من كوابيس مزعجه وشخوص متداخله، لم أزل مستلقي
والكحول كرواسب كربونيه تلتصق بجدار معدتي، أعدتُ ترتيب حقيبتي وغادرت
ماشياً، صادفتني حدائق اكتشفت فيما بعد أنها السواقي الجنوبيبة، دلفت وقمت
بمايشبه الإستحمام في خرطوم بلاستيكي عريض مربوط في مضخه البئر، قطفت
برتقاله أملاً في إذابة ذلك الجدار قليلاً. تجولت بحثا عن قدِاحه لم
أجدها، وفي الشارع الموزاي للحدائق، وقفت بجانبي عربة بوكس مكتظة بالبشر،
تبينت من صمتهم وعدم تجانسهم أنها للركاب فركبتها لتوزع ارتجاجها عبر طرق
ترابيه الي خارج كسلا تلقاء قري (اللفه) و (ادم بشاره) و( تاجوج ) ، وعلمت
أن مدينة ( تسني ) الأرتريه، أقرب من كسلا ! تحسست جزلاني وطفقت بالحسرة!
رجعت السوق في الثالثة عصراً مترامناً مع وقت وجبة السلات ( لحمة مطهوة
بالنار والحجارة )، وأثناء الأكل أخذ هاتفي في الإهتزاز لمرتين، لم اكترث
فيهما حتي لرؤية رقم المتصل حرصاً علي طقوس الرحله. فأنا لا أريد (أيادٍ
خارجية) تفسد نشوة عالمي المنسوج وفق هوي اللحظة. أخرجته كي أغلقه، فاهتز
مرة ثالثة! إنها نحلة الجبال كما دونها سجل هاتفي،تسأل لترضي فضولها
فأرضيت غموضي.ولتحديد لقاء مع النساء يمكنك مقايضه شهر كامل بساعه غموص!
صعدت المدرج متجاهلاً تأخرها، فالإنتظار رهان النساء، من أجل تكثيف قلق
الترقب بداخلك، تسكعت بين صخور نقشت عليها تذكارات من فلان وعلان في يوم
كذا وكذا. اخترت صخرة بعيدة لكتابة تذكاري، أحسست بالسذاجه واكتفيت
بالتبول خلفها.
أشَّرت بيدي لتنبيهها بمكاني ولتنظيف الفراغ لإبتسامتها، انتقت جلسة من
يريد مشاهدة فلم ، طلبت عصير مانجو متبوعاً بقهوة كاملة
الطقوس، بادرت بتعريف نفسها بأنها ..... - لا أذكر- تسكن بحي الختمية
القديمة، وأضافت بقليل من الزهو أنها تدرس بكليه الآداب بجامعه الخرطوم،
فاكتفيت بزهوها، ولم أقل أنا أدرس بكلية الهندسه لتجنب كثرة الأسئله.
- إنت أصلا من وين؟
- انا أصلاً أجزاء موزعة علي مدن وقري بعيده!
- ردت بسخرية: حتكتمل متين؟
- عندما تذبل شهوة السفر المتقدة في نفسي حينها
سأكتمل.
- إنت فيلسوف ولاشنو؟
- أنا لم أكتمل بعد لأكون فيلسوفاً!.
الحوار يتوغل عميقاً ونبرات الصوت تنخفض مع نزول الشمس لآخر خيط ضوء هامس إختلط بأنفاسٍ حامية.
أصرت علي أن أشرب من عين ماء توتيل لأرجع مرة أخري كما تقول أسطورتهم،
فشربت وفي بالي الحقيقة، فأغاني البجا عميقة الشجو تذيب الصخور لتتجمع تحت توتيل؛ لذا سأرتوي بالمكان لابالماء.
ارتدت السوق لمقايضة هاتفي بثمن تذكرة الرجوع للخرطوم، سهرتُ حتي هفهفات
الصبح أسفل إناره عمود كهرباء بحي الميرغنية، ولم يبخل أعدائي وحلفائي في
لعبه الورق بكاسات حبشية.
دوخة خمر ونعاس يتسرب إلي ذهني، كأن أجفاني مرتعاً تتمرغ فيه أفيال
مسترخية، ولكن؛ لاخيار لي، سأقاوم للحاق ببص السادسة، فمواعيد وصولى
ومغادرتى لا أتدخل فيها بل يحددها مؤقت خاص كالذى يتحكم في مزاج الطيور.
ترجلت بخطوات مغنطيسيه أجتر ساقاي كخراف عنيدة إلي السوق الشعبي،حيث صيحات
دَلَّالي البصات تتساوى فى مضمونها رغم إختلاف البصات، وفي الشباك المزدحم
حصلت بصعوبه بالغه علي تذكرة، بحثت على رقم البص المدون في التذكره
وبتثاقل بالغ بحثت عن المقعد 32وأغمضت عيناي قبل توسده.
أحس بتحرك البص أثناء نومي، وأحياناً أفتح عيني بتكاسل شديد، تحديداً في فترات التعرجات الحاده للطريق.
ضغط السائق علي الكابح بقوه في تخط فاشل،أزحت ستارة النافذة، تراءت لي
الإتجاهات معكوسة رددت ذلك الي إرهاقي، فأخرجت التذكرة لأعرف زمن
الوصول؛!!!!!
التذكره مدونه كالتالي:
(سفريات التيه)
(كسلا - بورتسودان)....
بورتسودان!!!... هكذا إذن الإتجاه صحيح، ولكن عكس توقعاتي، إنفلتت مني ضحكة هازئة يبللها فرح دافق، أزحت المقعد للخلف ونمت .....
أبريل ٢٠٠٨
بقلم :- محمد حمد
تصحيح لاسم الكاتب
|
Post: #2
Title: Re: الطريق الآبق ..
Author: توما
Date: 06-18-2011, 07:23 AM
Parent: #1
What a beautiful piece of Writing! Thank you for sharing
ya sufian
and thanks mohamed hamid
|
Post: #3
Title: Re: الطريق الآبق ..
Author: abubakr salih
Date: 06-18-2011, 07:29 AM
Parent: #2
سلامات يا سفيان. شكرا على نقل هذا الجمال الي هنا.
تنبيه صغير لكنه مهم شوية. الشاب الكاتب يدعي محمد حمد ليس حامد.
|
Post: #5
Title: Re: الطريق الآبق ..
Author: محمد عبد الماجد الصايم
Date: 06-18-2011, 07:48 AM
Parent: #3
سوفيان وبكري عمكم محمد حمد دا مش الخلاّنا المرة الفاتت في كرسي آداب وشتت لحدي الليلة؟
|
Post: #6
Title: Re: الطريق الآبق ..
Author: سفيان بشير نابرى
Date: 06-19-2011, 06:55 AM
Parent: #5
Quote: عمكم محمد حمد دا مش الخلاّنا المرة الفاتت في كرسي آداب وشتت لحدي الليلة؟ |
أنت يا الزين لسه مكتول في البينش!!!!!؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ إي نعم ياهو بس هو ما عمك ياخ دا اصغر من محمد صباحي أب رأس .
|
Post: #4
Title: Re: الطريق الآبق ..
Author: سفيان بشير نابرى
Date: 06-18-2011, 07:44 AM
Parent: #2
شكراً يا توما على القراية والمتابعة وبالجد محمد حمد شاب مبدع في الكتابة وله كذلك افلام قصيرة مصورة يكتب لها السناريوهات لوحده. الف شكر
يا ابوبكر صالح ياخ ليك شوق شديد آزول بلد الخواجات مسكتك مسكه شينه ليه؟
يا ابوبكر لو ما الجن والغبى انا اغلط في اسم محمد حمد !!!؟ شكرا للتنبيه .
|
|