كرة القدم.. ومغناطيس جهاز الأمن!

كرة القدم ومغناطيس جهاز الأمن!
راشد مصطفي بخيت.

لم أصدق نفسي وأنا أُحدِّق في ذلك الخبر الطريف الذي وصلني عبر البريد الإليكتروني يوم أمس بعنوان غاية في الغرابة. لم أصدقه لأنه من عينة الأخبار التي تصيبك بالدهشة والحزن معاً وتتركك في حيرةٍ من أمرك تذهب بعقلك بعيدا،ً حتى دون أن تنتبه لذلك! علي الرغم من إنك تحسبُ نفسك تحيا في زمنٍ استنفدت فيه نصيبك من الدهشة كاملاً! وأنت من تفتحت عيناه ودرس الابتدائي مردداً في طابور الصباح نشيد في حماك ربنا! وفي الثانوية اقتاده معلمه لوكر جهاز الأمن بعض أن ظهرت عليه بعض أعراض (شيوعية)، وشادد وتخرَّج وتعطَّل وسافر ثم عاد وهاج وماج وخرج وتناسل وتكاثر وأنجب واحتسب! في زمن حكومة المؤتمر الوطني هذه! الدهشة مصدرها أن الخبر لم تألف الأذن سماعه حتى في بلاد العجائب خاصتنا هذه! مع امتلاكها لأكبر عجيبة في وجه التاريخ وهي حكومتها الراشدة! نعم سادتي راشدة رغم أنفكم إلي أن تُعرِّفوا لنا كيف يكون الطَيْش!
والحزن مصدره أننا وصلنا إلي درجةٍ من الخوف ترتجف الأرض تحت أقدامنا بموجبه، ونحن لا نشعر! بدأنا بحرب (النوايا) وأصبحنا نحاكم من يَشْرعُ في الزنا، لا الزاني! وبين الاثنين مسافة مقدارها جُهد ألف فقيه شرح كيفية إثبات عقوبة الزنا! ونحن منهمكون في حرب النوايا هذه لأنها بالضبط، تدرأ عنا المفاسد! لكنها لا تجرؤ علي درء الفساد! ولذلك نحن نعيش الآن في مجتمع المدينة الفاضلة الأفلاطوني، تطوقنا مثاليته ونرفل في نعيم عالم المُثل الذي بنيناه! فليس بيننا سارق اليوم ولا تعجز دور إيواء الأطفال مجهولي الأبوين عن استضافة المزيد، ولم يصبح الكذب سلوكاً معتاداً بالنسبة لنا ولا تفيض شوارعنا بالمتسولين القادرين علي العمل ولا ولا..!!
عذراً سادتي فقد أخذني التغزل في مفاتن دولتنا الفاضلة هذه بعيداً عن أمر ذلك الخبر المضحك المبكي الذي يفيد بأن (جهاز الأمن والمخابرات)! اعتقل لاعباً لكرة القدم! يوم الأربعاء الماضي إثر مباراة ضمن الدوري المحلي بمدينة (دوكا) بمعتمدية القلابات الكائنة في ولاية القضارف، تلك الولاية التي استبقت رصيفاتها في محاربة المفاسد! عبر صكَّها لقانون (تزكية المجتمع)! بينما يعجز خريفها عن جلب محصول جيِّد يسد به رمق الحاجة ويقي زُرَّاعه مغبة السجن إثر تهمة فشل الموسم الزراعي لسنوات!
في هذه المباراة لعب فريق (الشباب) الرياضي ضد فريق (الإنقاذ)، حيث تقدم فريق الإنقاذ بهدف واحد علي الشباب، إلي أن حقق التعادل اللاعب (أنس عبد الله)، واتجه جرياً ناحية الجمهور يقاسمه فرحة التعادل حاملاً ورقة كورقة محمد ابراهيم تقد المزعومة تلك، خطَّ عليها عبارة (يسقط الانقاذ)!
بعد انتهاء المباراة بفوز الشباب بهدفين مقابل هدف واحد للإنقاذ، اعتقل جهاز الأمن والمخابرات اللاعب أنس عبد الرحمن من داخل سور نادي الشباب واقتاده إلي مبانيه.
مكث اللاعب أنس حيناً من الوقت ثم خرج ليخبرنا أن منسوبي الأمن قالوا له أثناء فترة التحري أنه يعني بورقته تلك سقوط حكومة الإنقاذ! وطلبوا منه أن لا يغادر مدينة دوكة على أن يعاودهم في الجهاز يوم الأحد القادم! ما رأيكم دام فضلكم؟
يبدوا أن جهاز الأمن وعلي خلفية ثورات الشباب العارمة هذه، أصبح يستشعر سوءاً متى ما وردت كلمة الشباب هذه حتى وإن كانت مجرد اسم، لفريق كرة قدم! خصوصاً وإن كان هذا الفريق يلعب ضد خصم يتسمي بالمشروع الحضاري وهو فريق (الإنقاذ)!
علي جهاز الأمن إذاً أن يعيد فحص منسوبيه في هذه المدينة بالكامل، خوفاً من أن يكون بعضهم قد شجَّع فريق (الشباب) هذا ضد فريق (الإنقاذ) وبالتالي يكون قد أسهم إسهاماً كبيراً في (تحريض هذا الشاب والاستجابة له! بالله عليكم أفيدونا: هل تمت هذه المباراة في ميدان لكرة القدم؟ أم في ميدان الفيسبوك؟!

عمودي اليومي بأخيرة (الجريدة)، سأحاول المواظبة علي إنزاله يومياً بقدر المستطاع فلا تألوا جهداً لمناصحتي متى ما رأيتم عرجاً يلم بي يا أصدقاء.
تحياتي.