مقيلٌ بصدرِ أُمي

مقيلٌ بصدرِ أُمي


03-23-2011, 08:07 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=320&msg=1300864047&rn=1


Post: #1
Title: مقيلٌ بصدرِ أُمي
Author: بله محمد الفاضل
Date: 03-23-2011, 08:07 AM
Parent: #0

مقيلٌ بصدرِ أُمي




إلى أمي هُناااااااك




في هذا اليومِ البارِدِ يا أُمي،
في هذا اليومِ والشمسِ تدلّتْ لتُلاحِقَ جسدي الهزيلَ بالطُرقاتِ،
في هذا اليومِ كما كُلُّ يومٍ يا أُمي أبدأُ من حيثُ انتهيتُ معكِ هُناك،
نعم أُمي،
من حيثُ انتهيتُ أبدأُ:
في ليلةٍ لم يتوقفْ المطرُ فيها عن رشقِ جِدرانِ بيتِنا المُتآكِلِ،
كأنه يهزأُ من إدعائِهِ الصلابةْ،
أو ربما يختبرُ ثقتَنا بالجُدرانِ،
أو لمآرِبٍ أُخرٍ كالانسيابِ،
كالخضرةِ،
كالنماءِ الذي لا نطال سوى رأفتَهُ بالبصرِ والرُّوحِ ويقطفهُ الجُباةُ،
في تلك الليلةِ يا أُمي،
والقلقُ أحكمَ قبضتَهُ علينا ودسَّ الجُحوظَ بعيونِنا،
في تلك الليلةِ يا أُمي تسربَ بعضُ الماءِ إلى فِراشِكِ من ثُقبٍ حاكْهُ المطرُ في السَّطحِ،
وكدأبي في ذاك الحينَ إذ كانت تلفُّ جسدي فُحولةٌ تعبئُ روحي بالنخوةِ ويسبقُ ذلك كُلهُ هلعي من أن يمسّكِ سوءٌ،
تلفعتُ بملاءتي بعد أن أزحتَكِ وفِراشَكِ عن تصويباتِ الثُّقبِ المائيةِ،
وحملتُكِ إلى فِراشي البعيدِ عن موقعِ الخطرِ،
ودفعتُ بنفسٍ عميقٍ من دفءِ الغُرفةِ المملوءِ بأنفاسِكِ وأنتِ تسعلينَ في تلك الليلةُ لتأثيرِ ماءِ وهواءِ المطرِ على رئتيكِ،
دفعتُهُ إلى صدري شبه العاري لانشغالي بالإمساكِ والخبط على بطاريةٍ متأرجحة الضوء،
خرجتُ أعني السَّطحَ لسدِّ الثُقبِ، فانزلقتْ قدمي اليُمنى، وسقطتُ، فشججتُ رأسي،
والتوتْ قدمي..
وما هي إلا هُنيهةً
-وقد علا صراخي-
حتى وجدتُني محمولاً بين ذراعيكِ الواهنينِ مغموراً بدفءِ صدرِكِ الحنونِ،
أمي،
أتذكرُ تلك الليلةَ ضمنَ ما أتذكرُ من ليالٍ لم تضِنينْ فيها علينا وأنتِ في أوجِ الإعياءِ بالرِّعايةِ والحنانِ،
أمي،
كأن الأقدارُ ارتضتْ هكذا مآلٍ لنا،
أنتِ هُناكَ،
ونحنُ هُناكَ،
وبين الهُناكَ والهُناكَ مسافاتٌ تفصلُ الأجسادَ لكنها لم تقدرْ على الأرواحِ فبقيتْ حائمةً حولكِ كيفما وأينما اتجهَ بصرُكِ أو قدماك.
أُمي،
أنه يومٌ في شرنقةِ العلقمِ،
يومٌ يا أُمي أورثنا عرجاً في الأحاسيسِ حيال الأشياء المحدقة بنا،
عرجاً بقدمِ جدتي،
عرجاً بجدرانِ بيتنا وسقفه،
عرجاً في البقاءِ بمعيتِكِ،
عرجاً عرجاً عرجاً لا هوادة فيه بتفاصيلٍ ماكِثةٍ تفاصيلها فينا ونورثها يا أمي..
أُمي،
في هذا اليوم البارِد يا أمي،
يتبادرُ إلى ذهني كما كُلّ يومٍ يا أمي وصوتُكِ المشروخُ بدمعِ الشوقِ يتغلغلُ بمسامِ روحي،
يتبادرُ إلى ذهني يا أمي أن أضعَ قلمَ الترحالِ،
أن أُكسّرَهُ فيسيلُ مِدادُهُ القاني،
يتبادرُ إلى ذهني أن أتغلبَ على الحياءِ الذي يغمرُني من الإيابِ حامِلاً حقائبَ الخيبةِ مُنتعلاً جسداً تسولتَهُ الأرزاءُ وعقلاً أضحى مثقوباً كثيف الضوضاء وروحاً نهشتها أفاعيلُ العُزلةِ والحنين ولطماتُ الاغترابِ والحاجة،
يتبادرُ إلى ذهني يا أمي أن أحتويكِ لا كما تفعلُ كل يومٍ خيالاتي،
وإنما شوقاً لشوقٍ،



ولتشتعلَ المسافاتُ يا أمي..