(الألفة) .. وما أدراك ما (الألفة)

(الألفة) .. وما أدراك ما (الألفة)


03-19-2011, 06:45 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=320&msg=1300556723&rn=0


Post: #1
Title: (الألفة) .. وما أدراك ما (الألفة)
Author: ادريس عوض
Date: 03-19-2011, 06:45 PM

كل الشعوب المتحضرة تهتم اهتماما متعاظماً بالسلوك الإنساني لمعرفتها الأصيلة بمدى أهميته في بناء مجتمعات حرة ونزيهة وصادقة،
حيث أن الصدق هو مقياس تعامل تلكم الشعوب وتيرموميتر عملها الجاد في بناء مجتمعاتها،
لذلك من النادر وقد يكون من المستحيل أن تجد من يكذب ويتحرى الكذب في الدول المتقدمة..
وأقول الدول المتقدمة دون ذكر لديانة أو جنس أو إثنيات عرقية
لأن هذه الأشياء أثبتت التجارب ألا علاقة لها بأن يكون الإنسان ذو أخلاق مترفعاً عن ذميمها مستمسكاً بفضائلها.
ولكن .. كيف اتفق هؤلاء القوم على التمسك بخصلة أضحت فريدة في عالم اليوم ألا وهي الصدق ؟؟، ..
الإجابة في منتهى البساطة أنهم لم يتعودوا على العمل تحت عين الرقيب، أيَّا كان هذا الرقيب،
وعلى النقيض تماماً نجد أن الرقيب قد ترعرع في دواخلنا نحن الشرقيون
حتى أصبح البعبع الذي لا يمكن أن نؤدي عملاً بإخلاص دون وجوده فوق رؤوسنا ..
وإذا تتبعنا تاريخ (ولادة) هذا البعبع لوجدناه يرافقنا قسراَ منذ الصغر في أولى سني حياواتنا
ونحن نخطو خارج عالمنا المنزلي إلى رحاب التعليم والمدارس،
حيث أذكر أول يوم دراسة لنا في مدرستنا الإبتدائية (وقتذاك)
عندما استمعنا من مرشد الفصل لقائمة من التعليمات التي وجب علينا اتباعها طيلة بقائنا داخل فناء المدرسة ..
القائمة تطول وتطول ولعمري فهي تشبه كثيراً تعليمات المعتقلات سيئة الذكر (غوانتنامو أو سجن أبوغريب)،
هذه القائمة تعنى بسلوكيات التلاميذ داخل أسوار المدرسة،
أما داخل الفصل فالأمر متروك لذلك الكائن الهلامي المصنوع وهو (الألفة) ..
سلطان الفصل. الذي فجأة ودون سابق انذار وجد نفسه ملكاَ متوجاً على التلاميذ
بالتعيين وليس انتخاباً (أو اختياراً حتى تتواءم الكلمة مع ذلك الزمان)،
وأصبحنا نتفق مع شاعرنا العظيم محي الدين الفاتح حتى قبل أن نسمع به،
في تقربنا زلفى لذلك (الألفة) الذي يتم اختياره وفقاً لتكوينه الجسماني الضخم،
وقلة عقلة في كثير من الأحيان، ومنذ تلك اللحظة انطلقت فينا جذوة التخفي
و الحديث سراً والهمس والخنوع والكذب هرباً من قائمة (الألفة) وخوفا من العقاب.
يا سادتي هذا (الألفة) زرع فينا خصالاً لا يمكن نزعها بسهولة
لأنها زرعت في وقت (النقش في الحجر) وهي مرحلة يتوخى فيها أولي الأمر في الدول المتقدمة
أن يعلموا أبناءهم في الصغر فضائل الأخلاق حتى يشيبوا عليها لأنهم شبَّوا على الصدق وتوخي الصدق ليس خوفاً من أحد ..
ولا محاباة لكائن من كان ..بل من أجل الصدق واحترام الذات ..
تلك الذات التي أهانها (الألفة) في بلادنا العربية فأصبحنا لا نفعل شيئاً إذا لم يكن لدينا رقيب،
الموظف يتحرى الكذب كي يظفر بإجازة (غير مستحقة) إذا وجد الرقيب لاهياً عنه،
الطالب في الامتحان لا يخجل أن يسرق مجهود غيره إذا وجد الرقيب مشغولاً،
المتحصل (الكمساري) في المواصلات العامة تحدثه نفسه أن يستأثر بالمتبقي من أجرة الركاب إذا لم يكن مراقباً من الرقيب،
تفشت الرشاوي وتفنن المرتشون في تسميتها (تساهيل، حركة) وذلك بالطبع بعيداً عن الرقيب..
بكل بساطة أصبحنا نتحدى أنفسنا في ابتكار الحيل والألاعيب
التي نستطيع أن نخدع بها الرقيب (الألفة) ومن بعد ذلك نمشي مزهوين بما فعلناه ويملؤنا الفخر والإعزاز ..
بدلاَ من الخزي وتأنيب الضمير.
هل رأيتم ما فعله فينا (الألفة)؟؟ ..
نعم هذا هو حالنا بعد التأثيرات المباشرة وغير المباشرة لتلكم الشخصية الدراماتيكية
التي ألقت بظلالها السالبة على شخصيتنا التي أصبحت أبعد ما يكون عن السوية ..
خلقت فينا الآلاف من (محمود الكذاب)،
وأحرقت كل ثمرة طيبة (لمريم الشجاعة) فينا،
فيا ليتنا لحقنا (ب###### عبدالجليل) حتى نتوارى عن سوءاتنا ..
فليراجع كل منا ما خلفه فيه (الألفة) ولنحاول معاً التخلص من كل السلبيات،
حتى نلحق بركب الأمم المتقدمة التي وصلت إلى ما هي فيه الآن بتحري الصدق واحترام الرقابة الذاتية ..أتمنى ذلك.

مع ودي