(خيرك يا سوداني، إنت بِتِحكي سياسة)..؟!

خط الاستواء
عبدالله الشيخ
مهام اشتراكية عظمى!
القنابل (الاشتراكية العظمى) تنهال على الزاوية، هذه المدينة عشت فيها على أيام الشباب.. لا دفء فى ذلك البيت العربي الكائن بجوار جسر يدفع بالسيارة نحو (صرمان).. عند مدخل صرمان رأيتهم في الأخبار يحرقون مركز دراسات للكتاب الاخضر..! كنت امضى الى جوار ذلك المبنى صامتاً، لا أنبس ببنت شفة، فقد تسمعنى اللجان، التى فى كل مكان..! مرة ركبت على ( القيطون) مع ليبي يبدو أنه من مرافيد الصالح العام هناك .. كان يستمع الى (كعب حصان) لفنان شامي شهير، فإذا بالقائد يطل فجأة على مايكرفون الاذاعة ويقول(.........) فى امريكا)..!
وقبل أن يكمل الجملة كان صاحب القيطون قد اغلق مذياع السيارة ، هنا اكتشفت ان هذه مدينة يمكن أن تغنى الاكتوبريات يوماً ما ، لكن ليس الآن..!
محسوبكم تقلد في هذه المدينة مناصب انتاجية كثيرة جداً ، منها ، فرَّان في مخبز الحاج الفيتوري، كنت أعجن الخبز مع لفيف من المروكيين والتوانسة قبل شروق الشمس وحتى غسق الليل.. ثم أدخل فى المساء الى بيت الحاج الفيتوري لتدريس أنجاله المنهج الدراسي للجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية العظمى!
كيف لا أكون اشتراكياً عظيماً وأنا ما زلت احفظ عن ظهر قلب عبارة
وجدتها منسوخة على أسوار المدارس.. (التعليم الاجباري تجهيل اجباري)..! كيف لا أكون من أكابر الجاهلين ايها الثوار، وأنا أقرأ على يوافعكم قوانين الفيزياء والجبر، والخط المستقيم الواصل بين نقطتين ،وأنا من أبلد خلق الله فى الحساب..!?
فى الزاوية التى تحترق الآن إلتقيت (الرب)، رب العمل.. هكذا يسمونه..! سألني الرب عن اسمي، قلت له انني شيخ ابن شيخ! قال لي: يا عبدالله السوداني.. لما ترجع بسلامتك السودان يمكنك ان تتمشيخ حتى على البشير والزبير معاً، فى بلادك يمكنك أن تتمشيخ حتى على الترابي ، لكن أنا هنا أبغيك تخدم..!
قلت له، وأنا على ظن بأن اشتراكيتهم العظمى تحتفي بأسئلة من النوع الذي طرحته الماركسية..! قلت له بصريح العبارة وكنت أعنى ما أقول ناسباً نسل السؤال الى سيدنا لينين: (ما العمل)..؟
استراح (ربي) في اليوم الأول للقاءنا، اعتدل فى جلسته وقال: (تبدأ غُدوة بعد صلاة الفجر، وتخدم الخُبزة مع المروكيين والتوانسة، أن أجيكم بعد طلعة الشمس، ألاقي الخبز باهي)!.. باهي؟
قررت أن (أتداغل عليه) فالعبد الأجير لن يخسر سوى قيوده حين يمارس الدغالة..! قلت لكن يا حاج الفيتوري أنا لا اصلى الفجر ، ولا افهم نوعية ( البهاء) الذي تريده فى الخبز، ساصنع لك خبزاً، وإن شئت العصيدة أو (الكُرارة) فأنا (تربية جبوبات)..!
ابتسم ، لكنه قال بحزم : يا سودانى، فِكَّنا من (هاي الدُوَّة).. عرفت فيما بعد أن هذه العبارة تعني( خلى الكلام الكتير) ..! قلت له: (باهي)..! وأضفت: يا حاج الفيتوري، أنا ما داير امشي أي جامع من جوامع البلد دي..! صمت برهة وقال لي: (و، باهي)..! فقد التقط مقصدي، وكان هذا كافياً ألا يصنفنى ضمن ( الكلاب الضالة)..! هذا وضع مريح بالنسبة لي ،وبالنسبة له ، وبالنسبة لثورة الفاتح العظيم !.... هذا كافٍ جداً حتى يعرف أننى ضد الاُخوان المسلمين بصورة حاسمة..! اطمأن لي ربي بعد ذلك، فقد أيقن أننى مجرد عبد أجير، ومضى مسترسلاً في تعداد مهامي الوظيفية او ما تسمونه أنتم أيها المثاقِفة بالـ (Job description) قال: (يا عبدالله ،يا سوداني.. أنا نِبي( أي أنا أُريد) ، إنسان يخدم ، يصنع خبزاً، يكنس الدار،، مش قلت لي إنك شيخ.. ؟الاسلام يقول بأن النظافة من الايمان.. خلاص،، بعد ما تخلِص شغل الخبز مع المروكيين والتوانسة تكنس المحل وتنظف المكان..!
قلت له: من قال لك يا حاج الفيتوري أننى مسلم الى هذه الدرجة..؟ لقد كتبوا فى شهادة ميلادي أننى مسلم، هذا شأنهم،، إننى بعد ذلك الميلاد فعلت بي المقادير فعلتها..!
ابتسم كمن يعزي نفسه ، وقال: باهي، فكنا من هاي (الدُوَّة) يا سوداني..! لكنه ضحك موارباً ضحكته منى .. فقلت بفرح من خرج فى مظاهرة تمكنت من اقتلاع هذا النظام من جذوره،، قلت بصوت صريح ،فهو قطعاً لن يفهمنى: ( تضحك ؟ يضحك السمك..! تفصل يا فردة)..!؟ ان ربي يعلم أننى عبد أجير رغم أنف اللافتة المكتوبة( شركاء لا أُجراء) على باب المخبز..!
قلت: (باهي)..! لم يغب عن خاطري أنه يحاول الآن أدلجة وظيفتي على نحو ما تفعل الانقاذ في اسلمتها حتى لأكياس الدقيق، قلت أجيهو من الآخر حتى لا يثقل كاهلى بمهام رسالية على طرائق( ربنا يجعل هذا العمل الطيب ليك في ميزان حسناتك)..! قبل أن أسرح بعيداً مع روحي المغتربة في الزاوية التي تهشمت بفعل القصف الآن، مضى ربي يضيف الى مهام وظيفتي أثقالاً جديدة: (نِبوك تبنشر اللستك ، نِبوك ترفع شوالات الدقيق، نِبوك تحسب وترُصْ الجوالات الفارغة، نِبوك تصب الجاز في الخزان، نِبوك تعبي الخبز الناشف في سيارة الحاج معتوق..)..!
قلت له بلغة عربية جزلة: باهي، هل هناك شئ آخر..؟ قال: (يا عبدالله ،يا سوداني ، والله انت تِحكي عربى كويس.. أنا آبيك تدرس أولادي، أنا أعرف السودانيين ،أذكياء ، فاهمين ومتعلمين)..!
أعجبني هذا الاطراء! قلت له، وقد أعجبتني نفسي حين قلت: يا حاج الفيتوري.. كيف يكون السوداني ذكياً وفاهماً ومتعلماً إذا كان يحيا فى وطن أضيق من (مجروس) يتمختر داخله جندٌ لله وجندٌ للوطن..!؟
لا أدري ان كان ربي ساعتها قد غضب بالفعل، لكنه قال هامساً خشية أن تلفح همساته رياح الثورة العظمى ،،اقترب من اذني اليسرى وقال لي: (خيرك يا سوداني، إنت بِتِحكي سياسة)..؟!
نواصل

وطن أضيق من (مجروس)

ود الشيخ
حكي و سرد جميل ..



واصل يا سوداني

خالد عبد الله ..
يا صديقي

سأواصل السرد لأن (الأجير لن يخسر سوى قيوده حين يمارس الدغالة)..!

Quote: ( تضحك ؟ يضحك السمك..! تفصل يا فردة)

متابعنك يا فنان

ياعبدالله الشيخ ياخي مقالك مبالغة... واصل هذا السرد الممتع..


سؤال هل كنت هناك عندما تم الاعتداء على السودانين؟؟

اذا نعم او اذا كنت تعرف تفاصيل هذه الحادثة بالله نورنا..

تسلم..

عزيزي مرتضى ..
شكراً على المتابعة ..
اقرأ غداً بقية الحكاية فى اجراس الحرية ..
عزيزي حسن نوباتيا ..
تحية ..
لم اكن فى ليبيا اثناء حوادث الزاوية ..
انا قضيت سنة تقريباً فى تلك البلاد ، بالتالى لا استغرب اي شيئ يحدث رغم قساوة ظلم الانسان لأخيه الانسان..
شكراً لكما ..

ود الشيخ يا باهي تمشيخ