فى العام 1989 و بعد الانقلاب المشؤوم الذى "غمر" انتفاضة ابريل المجيدة و اطاح بحكومة "ابوالكلام"....قررنا انا و صديق عمرى ان نهرب قبل أم نرى الكارثة التى تلمسناخطاها منذ اليوم الاول و البيان الاول و الخراب الاول.....فقررنا و بكامل اردتنا أن نهاجر الى بلاد الله الواسعة.....
صديقى اقترح على أن نذهب الى ليبيا و منها الى اوربا ثم الى اى بلد يحترمنا و يوفر لنا العيش الكريم....
و العلم و المعرفة و الحياة الكريمة ...
دعمته الفكرة و معنا صديق ثالث و قررنا الرحيل الى الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية العظمى....
تحركنا فى بوم جمعة الساعة الخامسة صبحاً نمنى نفسنا "بخروج مشرف" قبل أن نتبهدل فى مشاق حياة جمهورية السودان الديمقراطية.... و من محطة قطار الخرطوم المركزية....
رايت لاول مرة الريف الشمالى و شندى و عطبرة و ابوحمد "مسقط راس جدودى" و الجزيرة "مقرات" و تعرفته على التهميش الذى يعيش فيه الشمال قبل الجنوب...ثم تعدينا صحراء العتمور الى حلفا "الجديدة" الخراب...
و من هناك الى اسوان...و اسنا و ادفو و كومببو......وقنا و الاقصر ليلاً ثم الى القاهرة...و الاسكندرية...ثم عن طريق التاكسى الى مرسى مطروح و السلوم المصرية ..وصلناها الساعة الثانية عشر ليلاً و دخلنا الى ارض المجد....
وصلنا الى مساعد الليبية...فى تمام الساعة الواحدة ليلاً...فلم نرى إلا الظلام....
التجانأ الى فندق فى بلدة مساعد و التى هى اكبر و اجمل من حلفا الجديدة "بالف مرة" و لكن لم نرى حقيقة جمالها إلا الصباح الباكر...عنما صحوت مبركاً لكى نبتدئ رحلة الاحلام....
جلست امام الفندق المتواضع الذى قضينا فيه ليلتنا الاولى فى ارض المجد...و أنا كلى أمل فى اننا سوف نبدأ رحلة المجد الى الاحلام....
على البعد لمحته اثنين من الطلبة فى عمر العاشرة و هم يلبسون جلاببيهم و يحملون حقائب مدارسهم على ظهورهم و يتوجوهون الى مدرسة تبدو على البعد....و عندما اقتربا منى....توقفا...و جلسا على الارض و اخرجوأ بعض قطع الاوراق من حقائبهم...وجعلوها امامهم ثم اخرج كل واحد منهم "باكيت كامل" من سجائر "الرياضى" والتى تشتهر به ليبيا....و تم رصها بشكل متناسق لعرضها على المارة و بسعر واحد دينار ليبى "للصندوق" و حيث يحصل عليه المواطنون الليبيون بميلغ 25 فلس من الجمعيات المدعومة و المنتشرة فى اصقاع ليبيا...نظرته الى صديقى الذى يجلس بجنبى و نظر الىِ....و لم نقل شئياً....فالموقف يحكى عن نفسه....
توجهت اليهم و طلبت "علبة سجائر" و دفعت الدينار و سالتهم:
أنا قاعد فى مساعد الليبية فى تمام الساعة السابعة صباحاً..بتاريخ 1 ديسمبر 1989.المجد صبية المدارس يبيعون "السبيسى/السجائر" على قارعة الطريق و هم فى طريفهم الى المدرسة.....الى الغد...الى المجد....