لا شئ يحدث فى مصر !!

من أغرب اللقطات في خضم ثورة شباب مصر مشهد عجوز يبدو أنه مصاب بالخرف يأتي وسط حشود المتظاهرين ويتجاوز مدرعات الجيش ويسأل مستغربا هذا الجمع المليوني: (كل دا عشان واحد ضرب مراتو؟!) ويقترح على الشخص الذي يتحدث معه حل المشكلة الزوجية من أساسها عن طريق (حكم من أهله وحكم من أهلها!)، فيرد عليه هذا ساخرا: (بس ابن خالتها دخل في الموضوع)!.
واليوم تتعامل الدول العربية مع ما يحدث في مصر وكأنه حادث مروري عابر أو مشاجرة أمام مدرسة ثانوية!، لا أحد يكترث بهذا الطوفان البشري الهادر الذي يعبر شوارع الدولة العربية الأشد تأثيرا، لا أحد يريد استلهام الدروس والعبر، لا أحد يفكر في إصلاح المجرى قبل أن يبتلعه السيل الكبير.
يبدو العالم العربي في هذه اللحظة مثل أسرة خرجت للتنزه عند سفح بركان صامت، حيث جلب أفرادها المكسرات والشاي وأوراق اللعب وبدأوا بتبادل الأحاديث المسلية حول كرة القدم ومسلسلات التلفزيون وهم واثقون تمام الثقة أن تدفق الحمم البركانية أمر لا يمكن أن يحدث إلا مرة واحدة كل مائة عام ولا يتخيلون أبدا أن حظهم السيئ جاء بهم إلى هنا في اليوم الذي أكمل فيه البركان دورة الصمت الطويلة وقرر أن يعبر عن نفسه.. ويالها من مصادفة تحرق الأخضر واليابس!.
وإذا كانت تونس البلد العربي المغاربي الصغير قد قلبت المزاج العربي رأسا على عقب فما الذي يمكن أن تفعله مصر الدولة العربية الكبرى ذات التأثير الحاسم على فؤاد وضمير كل فرد عربي؟، لذلك فإن الإصلاح السياسي الشامل هو الأمر الوحيد الذي يقي الدول العربية من المفاجآت الكبرى التي قد تدخلها في دوامة التشرذم والتفكك وربما الانهيار والحرب الأهلية، فإذا كانت ثورة شباب مصر تميزت باحتجاجاتها السلمية البعيدة عن التخريب والفوضى فإن تكرار هذا اللون من الثورات السلمية أمر غير مضمون!.
إن الدولة العربية اليوم تواجه استحقاقا تاريخيا سوف يؤدي تأجيله إلى ضياع الأمة وتدمير ما تبقى من تماسك وطني ما يساعد القوى الدولية والإقليمية للتدخل في هذه (الفوضى الخلاقة) وتمرير أجنداتها المرعبة، وحينها لن يرحم التاريخ من أغمضوا أعينهم وأصروا على عدم قراءة الواقع .. بل وحاولوا إقناع أنفسهم بأن ما يحدث في مصر مجرد (واحد ضرب مراتو)!.
البارحة قضت الشعوب العربية ليلتها وهي تهتف: تحيا مصر حرة أبية والمجد للشهداء.