متى يبكي المؤتمر الوطني؟

من وحي الرسالة :

بعض البكاء مفيد لصحة الجسم والنفس، فهو وسيلة ناجعة للتخلص من
مخلفات الجسد ورواسب الروح ، والبكاء صفة للأنبياء والصالحين فقد
جاء عن ابن مَسعودٍ رضي اللَّه عنه قالَ :قال لي النبيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم:
اقْرَأْ علي القُرآنَ قلتُ : يا رسُولَ اللَّه ، أَقْرَأُ عَلَيْكَ ، وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ ؟
قالَ : (إِني أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي
(فقرَأْتُ عليه سورَةَ النِّساء ، حتى جِئْتُ إلى هذِهِ الآية )
فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّة بِشَهيد وِجئْنا بِكَ عَلى هَؤلاءِ شَهِيداً)
قال " حَسْبُكَ الآن ..
فَالْتَفَتُّ إِليْهِ ،
فَإِذَا عِيْناهُ تَذْرِفانِ 0

من وحي الذاكرة ...

توقعت أن يبدا تاريخ البكاء في الانقاذ بانتهاء فترة التمكين في منتصف التسعينات،
وذلك بعد تمايلت وجهة الانقاذ نتيجة لزيادة الضغوط وتفاقم الأحداث والافعال، مما أنتج
تغيراً بارزاً في السياسات والتوجه على غير ما خططت له الحركة الاسلامية عند الانقلاب في م89.

العام 97م شهد آخر الانتصارات المهمة لجيوش الانقاذ ودفاعها الشعبي في أرض العمليات،
بعد ذلك بدأت مرحلة جديدة قوامها أن الحركة الشعبية تغزو ولا تغزى، تمرحلت الأحداث بعدها
مابين كر وفر بين الطرفين حتى توقفت في الميل أربعيـن والذي يعتبر أبرز حدث في آخر عام
شهده التنظيم قبل أن يبدل ثيابه في 98م ويرتدى جلبابا فضفاضاً تهزه الرياح يمنة ويسرة،
وترفعه أحيانا فيكشف ما تحته .

بكائية الانفصال ...

*توقعت أن يبكي المؤتمر الوطني بدل الدموع دماً وهو يرى بعيد تكوينه بقليل المدن والمعسكرات في الجنوب تتساقط كأوراق الخريف والجيوش الوطنية تتراجع وتتفلت وتتقهقر نحو الشمال، بل وتنسحب من مواقع آمنة نتيجة لتعليمات خاطئة ومغرضة صادرة من طوابير مندسة من الضباط والمجاهدين، حتى أخلت معظم المواقع الاستراتيجية في العمليات والتي بذلت في فتحها وحمايتها عصارة تجربتها وخلاصة جندها وثمرة إعدادها للقوة طوال فترة انقاذها الأولى، توقعت عند اكتشاف هذه الاخطاء ومعرفة حقيقة التفلت الاخلاقي والسياسي في العضوية مزيداً من الاخلاص والتوكل والتوبة في خشوع والأوبة بمزلة للرب حتى يغير الله الحال لأفضل حال، ولكني صدمت بالفرحة والبهجة في القيادة والأمل في البقاء .

* توقعت أن يبكي المؤتمر الوطني ما تبقى من عمره -أو عمر اسمه على الاقل-حزناً وكمداً بعد انقلاب قصره على أمانته، وانفصال شيخه وزعيمه ومؤسسه الترابي عن أصله عشية الرابع من آخر رمضان قبيل الألفية الثانية، ولكن خاب ظني إذ رأيت الفرح والسرور بادياً على عضويته -خاصة الجدد- احتفالاً بانفصال الحزب كما يحتفي مريض تنسم عبير العافية حديثاً بعد أن أراحه الطبيب من عضو فاسد ألهب جسده بالسهر والحمى.

*توقعت بعد ذلك بكاءا وعويلاً طويلاً على ما فرط فيه الحزب من حقوق الوطن بالتوقيع على أسواء اتفاقية في التاريخ، أوردت البلاد موارد الضيق والتخبط والهلاك،وسلطت عليه سيوف القهر والفوضى، ولكن خاب ظني عندما رايت بأم عيني الاحتفالات والأهازيح بتسليم كامل الجنوب وثلث الشمال لمن كان يصفهم الحزب بانهم أسواء متمردين على على مدار التاريخ والوطن والدين.

* توقعت بكاءا مراً ونحيباً صاخباً من قيادات المؤتمر الوطني وهي ترى قطار الاتفاقية البائسة يسير بالوطن نحو الهاوية والتمزق وانفراط الأمن وضياع هيبة الوطن، فظلوا يوزعون الابتسامات وأموال لجان الوحدة الجاذبة حتى وصل القطار محطة الانفصال النهائية بنسبة لا يخالطها أي شك في أن كلا الطرفين لم يعملا إلا لوحدة نافرة .

* توقعت بكاء عارماً لعضوية المؤتمر الوطني وهي ترى الوطن يتمزق من أطرافه في جو من اتفاقيات الصمت القاتل، فتقطعت حلايب وشلاتين والفشقة وعوينات وتقلصت البلاد من شمالها وشرقها وغربها وجنوبها، ورغم ذلك تفاجات بقيادات للوطن تتزين بالفرح والمرح يجملها التحدي الكاذب والبطولات الفارغة ولايجملها الصبر.

* توقعت انهيارا باكياً ونشيجا حاداً من عضوية المؤتمر وهي ترى قيادتها تنحني أمام تيارات عديدة وتنصاع للعصا الأمريكية والاسرائلية والفرنسية، بل وتتلقى الضربات العسكرية والأمنية داخل أراضايها وهي مبتسمة راضية بقضائها وقدر الوطن بحكمها.

* توقعت بكاءا ونحيباً صاخباً من عضوية المؤتمر المستأسدين على كراسي مجلس الشعب حينما مرت بهم موجة الزيادة والغلاء الطاحن على الشعب، ولكني تفاجأت بتصفيقهم الحار طرباً وفرحاً في تلك اليلية التي تنزلت فيها الزيادات على الشعب كانها الملائكة والروح في ليلة القدر، فكان ذلك التنزيل مكافأة خالصة للذين لم ينتخبوهم .

ختاماً بكيت وبكى ظني وهو يلمس خيبة التوقع بالدخول إلى مآتم الانفصال، حيث خلت أن أرى في نهاية شهر يناير المشؤوم من العام 2010 سرداقاً ضخمة للعزاء سوداء داكن لونها تبكي الناظرين، تضج منها أصوات الانين والنحيب والشهيق ألماً وحزناً عند لحظة الاعلان الرسمي لانفصال الجنوب، ولكني تفاجأت حتى كدت أن أفقد الوعي والمنطق على فرحة المؤتمر الوطني بالتنفيذ الأعمى المضل لاتفاقية الضلال والتمزق والتيه، تفاجأت حقيقة بوجوه منشرحة تمجد رضاء الرب – أقصد رضاء الغرب- عن سير الاستفتاء بشفافية ووطنية تقود للانفصال السلس والتمزق الحميم ...

..
..
بكيت وتعجبت وأدمنت هوايتي في السؤال ...
متى سيجرب المؤتمر الوطني البكاء ...
ومتى وكيف سيعرف موطن الألم عندما يحس به الشعب .