قمرية وحمامة و الحزن

قمرية وحمامة و الحزن


01-06-2011, 06:59 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=320&msg=1294336763&rn=1


Post: #1
Title: قمرية وحمامة و الحزن
Author: هلال زاهر الساداتي
Date: 01-06-2011, 06:59 PM
Parent: #0

أغدق الخالق على القماري و الحمائم من بين سائر مخلوقاته قدرا عظيما من الوسامة في خلقها , و قدرا باذخا من الوداعة و الألفة و الوفاء في طبعها , فلم نعاين اثنين منهم يشتجران , ولا نجد وليفين يفترقان , ولا نشهد أنثى منهم ترتكب الفاحشة أو تخون رفيقها مثل بقية الحيوانات أو بعض إناث البشر , و هذا الطبع متأصل في الذكور منها كما في الإناث .
في كل مطلع صباح جديد و في ساعة محددة منه كان يطل من نافذة سكنه في إحدى الدور العالية المشرفة على عماير قبالتها و أخرى أسفلها ليملأ رئتيه من نسمات هواء الصباح النقي قبل أن يلوثه دخان عوادم السيارات و الملوثات و الأبخرة الصاعده من مصادر أخرى , فكان يرى قمرية وحيدة تحط في تلك الساعة فوق الجزء البارز من جهاز التكييف في الحائط من ذلك المبنى المقابل , و تلبث هناك خاشعة و كأنها مستغرقة في صلاة ضارعة , ثم تفرد جناحيها و تطير بعيدا في الفضاء , و ظل الحال على هذا المنوال في كل يوم و ظل دأب القمرية يتكرر بإخلاص لا تخلف فيه الميعاد كالصوفي المتبتل الغارق المواظب على أوراده .
و للصدفة الغريبة كانت هناك حمامة تحط في نفس الموضع بعد برهة يسيرة و هي وحيدة كذلك , فتمكث هنيهات ساكنة كمن يمطر الرحمات على فقيد عزيز في قبره , و هي في وقفتها المترحمة تلك حط إلى جانبها طائر بدا كأنه ذكر فقد اخذ يستعرض نافشا ريشه و يهدل بأصوات و كأنه يتحبب بها إليها , و لكنها لم تهتم به و كلما أقترب منها بخطى مضطربه أبتعدت منه نافرة , ثم أعتلت الحائط الذي يعلو جهاز التكييف , و تبعها الطائر في إلحاح سمج و لكن في ذات اللحظة حط إلى جانبهما ذكر حمام آخر و اطلق هديلا عاليا و آتى بحركات أستعراضية حتى يلفت نظر الحمامة الحسناء إليه , و لكن الطائر الأول جابهه و علا هديله , فما كان من الحمامة إلا أن تركتهما معا و طارت بعيدا غير مستجيبة لكليهما .
غمرت صاحبنا حيرة متسائلة : لقد وضح أن القمرية و الحمامة فقدت كل واحدة منهما صاحبها أو رفيق حياتها , و غالبا ما يكون قد راحا ضحية صبي عابث أصابهما في مقتل بنبلته , و كأن الضحيتان وقعا في نفس المكان , و هذا يفسر سر الزيارة الصباحية اليومية للحمامة و القمرية لذلك الموقع و كأنه قبر الحبيب الذي قضى وراح بلا عودة و خلف وراءه اللوعة و الآسى , و لم ينقص تلك الوقفة الحزينة سوى فيض الدموع من عيونيهما إن كان للدموع مجال! فقد ملأ الحزن النبيل قلبيهما و لم يترك في القلب المترع بالحزن حيزا لحب جديد أو مكانا لرفيق , فالحزن قتّال قد يورد أحيانا صاحبه الهلاك أو أعتزال الحياة و الزهد فيها , و لكن هل يدرك الحيوان الأعجم هذا المعنى !
و هل تجرد من الإحساس و الشعور ؟ و هل يبقى هذا الوفاء النادر وقفا على طيور القمري و الحمام ؟!
لست أدري !

هلال زاهر الساداتي
[email protected]

Post: #2
Title: Re: قمرية وحمامة و الحزن
Author: Hamid Elsawi
Date: 01-07-2011, 11:10 AM

Quote: و لكن هل يدرك الحيوان الأعجم هذا المعنى !


شكراً استاذنا و والدنا لهذا السؤال النبيه