قادة دولة الجنوب المستقلة : ماهو عملهم صبيحة اليوم الثاني للإستقلال ؟

أثار استغرابي تعليق أحد قادة الحركة الشعبية وهو يعترض على تصريح أحد قادة المؤتمر الوطني بأن أعضاء المؤتمر الوطني من الجنوبيين سيتم منحهم الجنسية السودانية بعد الإنفصال .
قال السياسي الجنوبي إن السودان ليس ملكا للمؤتمر الوطني ووصف الخطوة بأنها خطيرة.
لم أفهم هذه الغلوتية ، واستعصى الفهم على عقلي ‼ صحيح القول أن السودان ليس ملكا للمؤتمر الوطني ، ولكن الصحيح أيضا أن هذا الأمر سيكون في ذلك التاريخ أمرا سياديا يخص دولة السودان صاحبة الإسم ، فهل سيظل السياسي الجنوبي حتى في ذلك التاريخ يفكر بنفس عقليةالصراع السياسي الذي أدمنه طيلة عقود سابقة ؟!.
والغريب أنني إطلعت قبل ايام على مقال لأحد الإخوة الجنوبيين من منسوبي جامعة جوبا وهو يستبق الأحداث ويتحدث عن الحرج الذي ستدخل فيه الدولة الجديدة إذا قام الرئيس البشير بحضور إحتفال إعلان الإستقلال ، وليت السياسي الجنوبي الأخير وهو يعترض على أمر سيكون من صميم القرارات السيادية للسودان بعد إنفصال جزئه الجنوبي أن يشغل نفسه بالتهيئة للعودة المستمرة المبرمجة المتقنة لكل من يرغب من الجنوبيين من الشمال بدلا من خوض المعارك من أجل بقائهم في نفس الوقت الذي يتم فيه تشجيعهم للتوجه جنوبا للإدلاء بأصواتهم من هناك.
قدر لي في الأسبوع الماضي أن أمر مصادفة بأحد مراكز تجمع الإخوة الجنوبيين المغادرين ، وشاهدتهم للمرة الأولى بالقرب من الباصات السفرية ، وشاهدت أغراضهم وعفشهم ، وانتابني حزن عميق وأنا أشاهد هذا المنظر ، ولوهلة خطر في بالي أن أذهب إلى واحد منهم مررت بالقرب منه لأمسك بيده وأقول له : ما هذا الذي تفعلونه بأنفسكم وبنا ؟ أليست هذه بلدكم أيضا ، لماذ تقرروا أن تبتروها وتبتروا أنفسكم منها ؟
قلت لولدي الذي كان بجانبي : أنظر إلى العفش والأغراض التي يحملها هؤلاء الناس ، إنها تثبت أنهم قد ساروا في درب بناء الذات وانطبقت عليهم سنن الحياة بكل تدرجها ، ومن المؤكد أن الكثيرين منهم استطاع أن يشق طريقه ويؤسس لنفسه حياة مستقرة في الخرطوم ومدن الشمال تماما كما حدث لآبائنا الذين جاءوا من مختلف قرى الشمال نحو العواصم منذ عشرات السنين وبدأوا بالمهن الهامشية والبسيطة ورويدا رويدا استقرت حياتهم بالكفاح والكد ونمت وتطورت ، لماذا يقطع هؤلاء على أنفسهم دورة الحياة وسنة التطور ليعودا و يبدأوا من جديد ؟
أحزنني ان يفقد الشمال جزءا من تنوعه الذي وهبه الله تعالى له جراء المماحكات والطموحات السياسية لقلة أنانية ، وبعد الإنفصال المتوقع فمن المؤكد أن عددا كبيرا من الجنوبيين سيبقون في الشمال سواء بجنسية أو بغير جنسية ، فهذا البلد ظل دائما كريما ومتسامحا تجاه الوجود الأجنبي من دول الجوار.
وطفقت أحدث إبني عن المزايا الإيجابية للجنوبيين ، وسألته متحديا : أنظر بنفسك للمتسولين الكثر في شوارع الخرطوم ، هل تشاهد بينهم جنوبيا رجلا كان أو إمرأة إلان نادرا جدا ؟ بل أندر من النادر .
قلت له : الجنوبيين يا إبني يتحملون العمل الشاق وقسوة الحياة وهم صريحون ومنضبطون إداريا ، ولو أحسن قادتهم صبيحة اليوم التالي للإنفصال استغلال هذه السجيايا الفطرية فسيكون بإمكانهم البدء في تأسيس دول ناجحة فورا.
هذا أفضل لهم من الإنغماس في إدمان المناكفات مع وطن لن تعود بينهم وبينه صلة سوى تاريخ سبق وصفحة طويت .