اقتراح للحالمين بقيام دولة الشريعة الإسلامية في شمال السودان بعد الانفصال

اقتراحنا لهؤلاء الحالمين بقيام دولة الشريعة الإسلامية في شمال السودان بعد الانفصال ، سائلين الله أن يثبت أجرنا عليه إنه ولي ذلك والقادر عليه ، وشاكرين لمن أصغى إليه منهم حسن استماعهم إليه ، هو ما يلي : عليهم بالتوضؤ والارتحال فوراً ودون تراخ ٍ إلى مصر والحجاز والشام واليمن !مع كامل احترامنا – الأكيد ، طبعاً – لأهل تلك البلاد ولخياراتهم ولنظرتهم لهؤلاء الملتحين المرتحلين إليهم من بلادنا الغبراء هذه !

وهو اقتراح ، ويا ليت قومي يعلمون ، لم ينبع من تراكم المرارات بقدر ما نبت من حقائق الدين والتاريخ والجغرافيا والمنطق العادي البسيط ، فطالماأن الأمر هو أمر حكم إسلامي (سياسي) صادق ورشيد فالأولى باستعادته (إن كانت بهاتين الوجوبية والإمكانية الشديدتين!) المناطق التي استولى عليها المسلمون الأوائل بقوة السلاح وأخضعوها قرونا متطاولة لسلطة الدولة الإسلامية المركزية أو الخلافة الإسلامية - إن صحت التمسية - والكل يعلم ، رغم اعتناق غالبية السودانيين للاسلام اليوم أن الدولة الإسلامية المركزية لم تخضع السودان سياسيا وعسكريا إلا في أوائل القرن التاسع عشر الميلادي (1821م) وحتى هذا الإخضاع لم يكن من أهدافه المعلنة ولا المضمرة (إقامة شرع الله) كما يعلم الجميع !

فعقدة العرب والمسلمين و(الآخرين عموما) مع هذا السودان على مر تحولاته الثقافية والجينية هي الرجال المقاتلين الأشداء الأشاوس ، ومن أهم الدوافع التي حدت بمحمد علي باشا لفتح السودان هو (تجنيد!) السودانيين لقتال (الدولة الإسلامية؛ التي قامت لتطبيق الشريعة الإسلامية في الجزيرة العربية آنذاك) فتأمل بالله عليك يا عزيزي القارئ : تم اخضاع السودان للمرة الأولى لدولة اسلامية مركزية بدافع تجنيد السودانيين لمقاتلة دولة عربية إسلامية مركزية أخرى !!

وإن ألحد أقوام (مظلمون) أن هذا ليس هو السبب و ليس هو الدافع من فتح محمد علي للسودان فستظل الحقيقة بلقاء ناصعة غير قابلة للإنكار أو الإلحاد : أن محمد علي كان يقاتل الدولة الوهابية (الإسلامية) في السعودية الحالية عندما فتح السودان فكيف يتسنى ادعاء أو اعتقاد أنه فتح السودان بدافع إسلاموسياسي ؟ أما آن لهؤلاء الحالمين المظلمين أن يتدبروا حقائق التاريخ والجغرافيا ، وحقائق الدين البسيطة على أقل تقدير ؟؟

وحتى لا يسارع المظلمون المترفون في إعطاء هذا الاقتراح ما لا يناسب (مقاسه) من ظنون واوهام وأحكام واتهام نقول أن دخول افراد من المسلمين للسودان والذي ترتب عليه دخول جماعات من السودانيين الإسلام شيء .. وتحول أرض السودان لأرض اسلامية شيء آخر مختلف .. ومن حكمة الله البالغة أنه لا تكاد توجد دولة أخرى في العالم بهذه الخصوصية (سوى السودان وامتداداته الغرب - إفريقية في تشاد والسنغال ونيجيريا إلخ ) والمتأمل في هذه الحقيقة يرى أن المسلمين الأوائل ربما نظروا إلى هذا السودان الكبير باعتباره( مزرعة) ومنبعا لا ينضب للقوة البشرية العاملة والمقاتلة.. ليس إلا !! واستمرت هذه النظرة على مر القرون وهي التي وفرت لاتفاقية البقط التي عقدها عبدالله بن ابي السرح (رضي الله عنه) مع ملك النوبة أن تستمر دون خروقات تقريبا مئات السنين وهذا - أيضا - أمر يكاد يكون متفردا وشاذا في التاريخ البشري أجمع

فإن وعينا هذه الحقيقة التاريخية والبديهية بحمد الله وتوفيقه لزم أن (نفهم) أن السودان– هذه المزرعة البشرية الخلفية للمسلمين - ليس خياراً متقدماً للمكان الذي يتم فيه تجريب استعادة هذا الزمن الخلافوي الجميل .. لأنه لم يكن جزءا منه في يوم من الأيام أصلاً . ولا يصلح قادته الإسلاميون لأن يكونوا طليعين وروادا في هكذا مهمة .. كما لا يصلح مواطنوه – وإن حسن وصح وسما إسلامهم – للوضع في هكذا اختبار (أكثر) من صلاحية المجتمعات التي تنسمت عبير الحكم الإسلامي السياسي في بعض (قرون) عمرها المديد ... أليس كذلك ؟

هذا عن التاريخ ، فإن وضعناه جانبا والتفتنا إلى ما نحن فيه من واقع مرير جدا من حيث العلاقة بين حالة المواطن البسيط (بغض النظر عن درجة صفائه العرقي والجيني) وبين حالة الخطاب الإسلاموسياسي (المحلي) وتجليات وتداعيات (تجريبه الفاشل) الماثلة من حيث مسئولية هذه الخطاب وما تشكل عنه من تنظيمات وواجهات وأنظمة سيطرت على حياة السودانيين فأنهكتهم وأرهقتهم إفقارا وتجهيلا وترويعا وتجويعا وتقتيلا فإننا نصل إلى حقيقة تنتمي للمنطق البسيط مفادها أن أي إصرار على مفردات هذا الخطاب في الوقت الحاضر هو بمثابة دفع لمن بقي من المواطنين للفرار شمالا (نحو مصر المؤمنة)، أو جنوبا (نحو دولة الجنوب الجديدة الواعدة والتي لن ترفض – قطعا- إعطاء مواطني الغرب والشمال والشرق جنسيتها كما اتضح) أوشرقا أو غربا أو إلى اتجاه سوى البقاء في دولة يظل الفساد والتجويع في دمها وأيديها وادعاء تطبيق الشريعة الإسلامية في لسانها

دع هذا كله ، عزيزي القارئ الكريم ، وتخيل معي أن هذا الفضاء السوداني لا يزال بكراً وجاهزا لتجريب ظنون وأوهام وأحلام اسلاموسياسية ، وتخيل معي أنه أولى بلاد الأرض بهكذا تجريب ، أين هم المجرِّبون المؤتمنون المأمونون على روح العدل في هذا الدين وعلى أرواح الناس ومواردهم وممتلكاتهم ومقدراتهم؟ إن الواقفين بالباب الآن غير مؤهلين على الإطلاق لما نعلم وتعلم ويعلمون وإن من يليهم من المنتظرين لا يملك أن يتجاوزهم ويتجاوزنا (نحن عامة المواطنين) إلى سدة التجريب (بأخوي واخوك) ونعتقد جازمين أن جميع هؤلاء وأولئك لا يملكون الجدية والعزيمة والنضج الفكري اللازم لهكذا مهمة فضلا عن شكنا الكبير الجميل في أن نواياهم لا تتجاوز شهواتهم وهواجسهم الذاتية الخاصة بما نملك من رصيد كبير من الألم الوضيء والمرارات البهية الكاشفة. هذا الرصيد الذي سيجعلنا دون شك سدا منيعا أمام نواياهم الزنخة وطرائقهم الأشد رجسا بشكل يجعل كلفة استمرارهم (الذي لا يستحي) في الادعاء أكبر كثيرا مما يتخيلون ؛ سداً ليت لديهم قدرة على تصور منعته وصلابته وقسوته

لكل هذا ، نقترح عليهم صادقين ومخلصين أن يتوضأوا الآن وضوءاً سابغاً وأن يشدوا الرحال إلى أي من الأقطار التي كانت يوما من الآيام منضوية تحت راية الخلافة الإسلامية (راشدة كانت أو غير ذلك) وأن يجتهدوا في إقناع تلك البلاد بقبولهم مواطنين فيها أولا وبمشروعاتهم وطرائقهم الغامضة ثانيا فإن ذلك – على صعوبته – أسهل بكثير من الاستمرار في ركوب هذا الادعاء بين ظهرانينا وقد عرفنا ما فيه وما بداخله وما في أوله وما في آخره والله المستعان . ألا هل بلغت ؟

.