عيدُ الفقــير !!:من روائعِ أديب العربيةِ, صيرفيُّ الفقراء أحمد حسن الزيات رحمه الله

عيدُ الفقــير !!:من روائعِ أديب العربيةِ, صيرفيُّ الفقراء أحمد حسن الزيات رحمه الله


11-13-2010, 03:02 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=310&msg=1289656966&rn=1


Post: #1
Title: عيدُ الفقــير !!:من روائعِ أديب العربيةِ, صيرفيُّ الفقراء أحمد حسن الزيات رحمه الله
Author: عبد العزيز جامع
Date: 11-13-2010, 03:02 PM
Parent: #0



وا رحمتا للفقيرِ قُبَيْل العيد !! يرى متاجِرَ الملابس واللُّعَب والحلوى قد ازّينت واجِهاتُها البلّوريّة بالعروضِ الجذّابة والنماذج المُغْرِية’ فينظر إليها نظر الرّاغب المحروم’ ويَذكُر أطْفالَه وهم يحلمون بالثوبِ الجديد واللعبة المسلّية والأكلة الشهيّة والنزهة الممتعة’ ويعتقدون أنّ أباهم قادرٌ على أن يجْعلَ عيدهم سعيدًا وحلمهم يقظةً’ فيكرّ به الأسى وتصيحُ الحسرةُ في نفسه بهذه الشكوى:
حنانيْكَ يا ربّاه! هذه نعمةٌ واسِعةٌ سابغة’ ولكن القدرَ لحكمةٍ لا يُدْرِكُها البصرُ المحدود جعلها لغيري لذّةً بالقدرة, ولنفسي ألمًا بالعجز, ولأولادي شقاءً بالحرمان. فليتَ القدرةَ تعرفُ الرحمة, وليت العجزُ يُدْرِكُ المعونة, وليتَ الحرمان يخظئُ الطفولة, وليت الأيامَ تمضي إلى غايتها من غيرِ عيدٍ ولا موسم!!
إنّ الأعيادَ مذلّةٌ للفقير وفضيحةٌ للبائسِ! ففي الأيام الأُخر يستطيع العائلُ المسكين أن يُغْلِقَ بابَه على بؤسِه, ويروض أهلَه على مكروهه, ولكنّه في العيد لا يستطيع أن يضرب على الآذان, ولا أن يخيّم على العيون, فالمزاميرُ تعزفُ في الشوارع, والناسُ يمرحون في الملاهي, والأطفال في المراكب والمواكب يرفلون في الوشي ويلهون باللعب, فأولاده لا بد يسألون:
يا أبانا, أين الثوب الذي نلبس, واللحم الذي نأكل, والقرش الذي ننفق؟ أهذا العيدُ لناسٍ دون ناس, أم هو ذو وجوهٍ شتى منها العابس والباسم, ومنها الدميم والحسن؟ ولِمَ آثرنا نحنُ يا أبانا بهذا الوجه الشتيم الكالح؟
ولكنّه يجيبهم بالدمعة الباردة, والزفرة المحزنة والنظرة الحزينة فلا يفهمون إلا أنهم أحقر من هؤلاء الأطفال, وأنّ أباهم أفقر من هؤلاء الرجال. أما عِلّةُ التفاوت وإهنا واحد, وأبونا واحد, ورئيسُنا واحد, ووطننا واحد, فعلمها سيأتيهم مع الأيام إذا ما خرجوا بأنفسهم إلى الحياة فرأوا المكظوظ الذي غصب رغيف الجائع, والملفف الذي نهب كساء العاري, والمملول الذي سرق نصيب المحروم..
*****
عرفتُ رجلاً كان يشتغلُ مياومةً في مصلحةٍ من مصالح الحكومة فلما قلّ عليه العمل استغنوا عنه, ولكنّه لسوء حظه لم يستطع أن يستغني عن الأكل, ولا أن يُقنِع أولاده بالصوم, فراح يطلبُ العمل في كل مكان, والمعونة من كل إنسان, فلم يجد. ودخل عليه عيدُ الفطر من هذا العام وليس في يده مال, وكان قبل نكبته بأسبوع قد وعد الكبار بالبذل والصغار بالهدايا, فسبحت أخيِلةُ الأطفال في جو من الأحلام عجيب الألوان عبقري الصور, وأسرعت ألسنتهم الثرثارة إلى إشاعة ذلك في الرفاق والجيرة. فغمّ على الرجل الحال, واعتلجَ في صدره الهمّ, وأصبح حيران لايدري ما يقول ولا ما يفعل. تمنّى الخروج من هذا المأزِق بالمرض أو الموت, ولكن المرض أو الموت إذا أصبح أمنيةَ الفقير امتنع كالخير وعزّ كالسعادةّ! فاحتال على العلّةِ بالجوع, فصارع النهارَ والليل حتى هجعت عيناهُ وانسرقت قواهُ وبانت عليه نَهْكةُ المرض.
ودخل العيدُ بضوضائه وخُيَلائه على هذه الأسرة فوجدها عاكفةً على سرير مريضها الموجَع, مُضَرّمةً الأنفاس, لهيفةَ القلب, لا أملَ لها إلا أن يُعافى عميدُها ويحيا, فانكفأ العيدُ النشوان المرْخ خجلان عن هذا المنظر الأليم إلى مجالي البهجة والنعيم في قصور الكُبراء والأغنياء والسادة ولولا هذه الحيلة التي أنقذت هذا التعِسُ بالمرض من غيرِ موتٍ لأشفى به الخجلُ والهمُّ على الموتِ من غيرِ مرض!!

تباركتَ يا الله !! لقد جعلتَ في عيدِ الفطر زكاة, وفي عيدِ النحر تضحيةً..فهل فهِم ذوو القلوبِ الغُلْف والبصائر العمي من شرعِك العادل أنّ الفقير يُزكّي بقوتِه حتي يعجز والمسكين يُضَحّي بصحّته حتى يموت؟!

(المقتبس من وحي الرسالة) ص 82-83 ط/ دار الشروق, دار القلم - بتصرّفٍ يسير

Post: #2
Title: Re: عيدُ الفقــير !!:من روائعِ أديب العربيةِ, صيرفيُّ الفقراء أحمد حسن الزيات رحمه الله
Author: عبد العزيز جامع
Date: 11-14-2010, 09:25 AM

رحمَ اللهُ صاحب الرسالة...فقد كان أمّةً لوحده, في انبعاث الأدب العربي ونفخ روحه من جديد...ليت شعري هل من يطلعنا على الأعداد الكاملة لـ (الرسالة) فقد فاتتني منها مجلداتٌ كثيرة...وسمعتُ أنها طبعت بأخرة
لعلها من مكتبة الخانجي بالقاهرة, أو المدني بجدة...فهي تستحق أن تباعَ بوزنها ذهبا