عودة الأفندية (المملكة الثانية)

عودة الأفندية (المملكة الثانية)


11-09-2010, 08:45 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=310&msg=1289288714&rn=0


Post: #1
Title: عودة الأفندية (المملكة الثانية)
Author: سامى عبد الوهاب مكى
Date: 11-09-2010, 08:45 AM

ألمُلك في السودان وكيف تغير مابين ألأفندية , ضباط الجيش, التجار و المغتربين حتى عاد للافندية.

قصة ممالك سادت ثم بادت ، كانت من هذه الممالك مملكة (التجار) و(ضباط الجيش) وحكمت هذه الأسر المالكة بعد أثناء فترة (الاستغلال) وحتى ما بعد (الإستقلال)، وحظي أفرادها بالمجد والاحترام وبعض المال الذي أعانهم ولو قليلاً على مواجهه أشياء صعبت على غيرهم ، وامتدت فترة حكمهم التي اتسمت بالانضباط حتى الستينيات من القرن المنصرم.

وبعدهم سادت مملكة (الأفندية الأولى)

الأفندية مصطلح أظن انه عُرف للسودانيين في العهد التركي (لا اعلم معنى لها ولكني اربطها بالموظفين على جميع مستوياتهم) من أعلاهم لأدناهم درجة..دليلي مخاطبتهم لكبارهم في الموثق من تاريخ بـ(أفندينا)

وساهم الانجليز أيضا في ترسيخ مفهوم الأفندية وهم من منح القليل من التعليم للسودانيين حتى يستفيدوا منهم في بعض الوظائف.

لذا الأفندي بالضرورة متعلم بعض الشي في البداية حتى أصاب الأفندية في زماننا أعلى مراتب التعليم.

الأفندي التقليدي رجل بسيط وقته موزع بين بيته وعملة واجتماعياته التي يبرز فيها مقدراته كأفندي كلما سمحت الفرصة بأحاديث الدوواوين الحكومية التي لم يكن يعلم بها الكثيرين من أهلنا ومصطلحاهم الرنانة (الدرجة والاسكيل والعلاوة وما إلا ذلك) فيبهروا الجميع بحديثهم الغريب الذي ينضح ثقافة (وقتها)

مظهرهم دائماً في غاية النظافة مع بساطة ملابسهم ولكن العناية واضحة بما يلبسون من ناحية الكي والغسيل(البنطلون والقميص وحتى الجلابية)

فدانت لملكهم (الحسان) وأرهف لحديثهم السمع (الإنس والجان) ميزهم عن غيرهم (التشنيطة) أو ما يعرف ب(الشكة أو حشو القميص) والولع بالثقافة والحرص على تعليم الأبناء...


حياتهم كانت في غاية النظام وراتبهم يكفيهم شر مد اليد لأنهم فقد تم توزيعه بعدل مابين مستلزمات البيت ومصاريف الأبناء والتزامهم تجاه الحكومة (ماء وكهرباء) وبعض الشي للـ(واجب) أفراح وأتراح وقليـــــــــــــــــل للزمن وهذه أكذوبة فهم لم يتمكنوا أبدا من عمل حساب الزمن فديونهم قادرة على ابتلاع الفائض.

تغنت البنات للأفندي معلماً كان أو مهندس أو موظف فقالوا في أغانيهم

يا ماشي لـ باريس جيب لي معاك عريس شرطاً يكون لبيس من هيئة التدريس(أفندي)

الله لي بالله المهندس جأ ورسم البناية ياالله(افندي)

الدكاترة كشفو القلب ولقو قلبي زايد ضرب (افندي)

وفي ذاك الزمن الجميل كان الأفندي يعني الضمان المالي والتعليم وهذه ميزة كبيرة ميزت الأفندية عن سواهم ممن حكموا.

فإذا مثل التجار المال ومثل الضباط السلطة فقد جسد عهد الأفندية عهد الثقافة والانضباط المهنى والعلمي والاخلاق.

جيناتهم قوية جداً لذا قلما تجد أن من (نسلهم) غني أو تاجر!!

انتهت بكل أسف مملكتهم في بداية السبعينيات.

تلتهم مملكة (المغتربين) وتجار الشنطة أو (اشباه المغتربين) ولم تحظى أسرة مالكة قط بما حظيت به هذه الفئة من الحكام فقد (كان) قبولهم مضمون في أي محفل زيجاتهم (مرغوبة) و (مضمونة) و(مأمونة) من قبل البنات وبتأيد كبير من أولياء أمور الفتيات وتبتهل لترى مقدمهم كل الأمهات.

يأتي المتقدم منهم للزواج فيقبل طلبه ولا يُسأل عن شي مثل (الوظيفة) أو هذه الأسئلة السخيفة(يكفي انه مغترب) إن شاء الله شغال ودباندية عملاً بالمثل (لو سألوه طار ولو خلوه يسكن الدار وهذا هو المطلوب)

سيماهم واضحة جداً (يتراقش الواحد منهم أمام الفتيات) وتلمع في يده ساعة(ذهبية) وتعلوا الدخاخين حولة من سيجارة فاخرة (روثمان , مرلبورو او بينسون أو دنهل عند البعض)

جلابيبهم لامعة وقمصانهم لا تعرف الشماعة فهي محجوزة منذ الوصول...

ينشرون بشاكيرهم البيضاء على حبال الغسيل (تهفهف) مطلقة روائح زكية تجذب المارين (بخشم الباب) ليحمدلو السلامة مثنى وثلاث ورباع حتى يسافر المسكين بعد أن يستدين حق العودة مع وعد بتكرار الأمر العام القادم.

اشتهروا بحب التجديد فكان لهم عظيم الأثر في حفر (أبار السايفون) وتغير مداخل المنازل لأبواب حديد.

حديثهم غريب(بعضهم) يتحدث كمواليد جزيرة العرب (رغم سنين اغترابه القصيرة) ولكنه يملك من الأقاصيص الكثير وكلها بطولات على غرار (لخيت ليك الكفيل كف) لكن حنسني قال لي اصلوا ما بخليك تخلي الشغل.

فضلهم على الأمة عظيم جداً ساهموا في قوتنا ودراستنا بكل أريحية ولكن من عيوبهم أنهم ينقلون دعوى حب الاغتراب مما خلق حالة من الربكة بين الشباب.

اشتهروا في أخر أيامهم التي انتهت في منتصف التسعينيات بحب الـ(كريسيدا)

ومن بعدهم أتت مملكة (الأفندية الثانية)

أفنديو اليوم فئة لم تنل حظها من المُلك (بمعناه القديم) رغماً عن أنها بين الأجدر ولكن مع إسهامهم الكبير كانوا ولا زالوا مهشمين مهمشين..معظمهم من الفقراء جداً لا يذكرهم احد يقضي منهم الواحد حياته موظف حكومي يتلقى راتب لا يسمنه من جوع ولا يغنيه أو حتى يفي بأبسط متطلبات الحياة.

رغما عن هذا الأفندي لا يقل في نظام حياته من ناحية الإنضباط عن العسكري وبينهما أمور متشابهات، فالأفندي حريص كل الحرص على زرع قيم معينة في أبناءه الصغار وكذلك العسكري الذي يصل في بعض الأحيان لحد تطبيق العقوبات العسكرية عليهم مهما كانت أعمارهم صغيرة رأيت أصحابي ووالدهم ضابط صف الصعب جداً يوقفهم (إدارة) أمام صينية الغداء.

أهم ما يوصي به الأفندي أبناءه عدم الكذب والتحلي بالأمانة (أو هذه قد تكون من صفات أفندية زمان) وضرورة النظافة كقيمة مطلوبة في كل وقت وعدم الصرف فيما لايفيد.

فنحن أبناء الأفندية نعلم تماماً ماذا نفعل بما نملك من نقود على محدوديتها.

الأفندي تجده أكثر الناس حرصاً على المجاملة في كل المناسبات واظنة يفعل دائماً ولسان حالة يقول والعاقبة عندكم في المسرات تعبيراً عن خوفه من المستقبل و حاجته للتكافل كقيمة وشي يمكن الاحتياج له في وقت ما.