اكتوبر 21

لم نحضر ثورة اكتوبر ، وعندما اندلعت كنا فى رحم الغيب ، ولكن الادبيات التي خلدتها جعلتنا نعايش الاحداث لحظة بلحظة ، وعندما استمع للملحمة التى كتبها اليافع – آنذاك – هاشم صديق ولحنها وقدمها – مع المجموعة – الفنان محمد الامين ، تصيبني القشعريرة وبالبلدي كده (شعرة جلدي بتكلّب ) !
فى ذكرى ثورة اكتوبر التي اندلعت كما قيل بسبب ندوة تبحث اوضاع جنوب السودان ، نقف الآن أمام مازق تاريخي حقيقي ، فالبلاد فى طريقها لتصبح اكثر من بلد ، اتذكر الآن جيدا ً ماقاله الروائى الطيب صالح – والذى يعلن مركز عبدالكريم ميرغني فى الحادية عشرة من صباح اليوم جائزة الابداع الروائي التي تحمل اسمه – اتذكر ماقاله واخاف معه .
قال الطيب صالح فى قاعة الصداقة عندما حضر إدبان مهرجان العاصمة الثقافية ، قال : أخاف من الذين يرسمون خرائط جديدة للوطن " ومقولات الطيب صالح "لاتقع الواطة " ، فقد سار الركبان بمقولته عند مجيء الانقاذ (من اين أتى هؤلاء ؟) .
جاءت ثورة اكتوبر فى وقت كان الادباء والمثقفون والمفكرون يبحثون فيه عن صيغة جديدة للتعايش بين كافة ابناء الشعب السوداني ، وكانت الهوية هي المحرك الاساسي لانفعالتهم الوجدانية والفكرية ، المحتفلون بذكرى ثورة اكتوبر فى العام المقبل سوف يقتلهم الأسى ، بعد أن يكون الجنوب قد اصبح ددولة مستقلة !
السؤال الذى اقلق مضاجعي هو: لماذا حظيت ثورة اكتوبر بكل هذا التوثيق الابداعي من كبار الشعراء فضل الله محمد ، محمد المكي ايراهيم ، محجوب شريف وافذاذ الفنانين محمد وردي ومحمد الامين و لماذا لم تحظ ثورة ابريل التي فجرها الشعب فى منتصف ثمانينيات القرن الماضى بنفس الالق والحيوية والقدسية التي حظيت بهم ثورة اكتوبر ؟ .. ولعل الاجابة تكون عند من بيدهم القلم ومن عايشوا تلك الثورة .
البٌعد الوجداني لثورة اكتوبر ظهر عندما احتفلت مؤسسة سودانيز ساوند بروائع القرن قبل عدة سنوات وفازت الملحمة بالمركز الاول فى سباق الاغنية الوطنية ، وقد بللت الدموع ذلك الجيل من الذين شاركوا فى اداء الملحمة ، فبكى فى قاعة الصداقة هاشم صديق ومحمد الامين وكل الذين استمعوا للملحمة فى تجليات ثورة اكتوبر .
اطاحت اكتوبر بالحكم الديكتاتوري وكان الشعب ينعم بالرفاه فى حياته الاقتصادية والاجتماعية ، وهذا يؤكد أن "مبدأ الحرية أول " وأن "القصة ماقصة رغيف " وهذا موقف يجب قراءته جيدا ً واستخلاص نتائجه.
نحتاج لمن يكتب تاريخ ثورة اكتوبر برؤى جديدة تسقط من خلالها مقولة "المعاصرة حجاب " ونحمد الله ان كثيرا ً من الفاعلين فى هذه الثورة لازالوا احياء يرزقون .. نريد ان نستخلص الدروس وان نضع التاريخ امام معامل الفحص والتحليل ولتكن العناوين الرئيسية : من صنع اكتوبر ومن سرقها ومن يعمل على اقتلاعها من وجدان السودانيين ؟!.