حمودة فتح الرحمن: حياة تتحدى الموت وذكرى عصية على النسيان (موقف شخصي للذكرى والتأمل)

حمودة فتح الرحمن: حياة تتحدى الموت وذكرى عصية على النسيان (موقف شخصي للذكرى والتأمل)


10-09-2010, 05:10 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=310&msg=1286597449&rn=13


Post: #1
Title: حمودة فتح الرحمن: حياة تتحدى الموت وذكرى عصية على النسيان (موقف شخصي للذكرى والتأمل)
Author: طارق أحمد خالد
Date: 10-09-2010, 05:10 AM
Parent: #0

قليلون من يغادرون الحياة الفانية بأجسادهم ويبقون خالدين في ذاكرة الناس. حمودة بالنسبة لي إنسان إستثنائي فأثره في حياة باق لن يزول لأنة ببساطة لم يترك أثراً في النفس فقط وإنما نقش أثراً أبدياً في ذاكرة الجسد.
في أوائل الثمانينيات وكنت وقتها أستعد لإمتحانات الشهادة السودانية، أصابني مغص حاد حتى صرت أتلوى على الأرض من فرط الألم ولم يتبق وقتها للإمتحان سوى 48 ساعة. إتصلت والدتي (فاطمة تابر) بوالدي رحمه الله وذهبنا إلى الحلفايا لمقابلة د. حمودة وكان وقتها قد خرج لتوه من المعتقل كما تم فصله عن العمل. أجرى حمودة الفحوصات اللازمة وأشار إلى وجود إلتهاب زائدة حاد وأن على إجراء العملية في ظرف ساعات معدودة. وقع علينا الخبر كالصاعقة فهذا يعني إحتمال عدم الجلوس للإمتحانات. تحدث بحزم أن العملية هي الأولوية الآن وأن علينا الذهاب للمستشفى كما اقترح الذهاب لمستشفى الحياة بحي الميرغنية وكان وقتها ملء السمع والبصر. طلب مني أن أرافقه في سيارته الفلوكسواجن بينما ركب الباقون مع والدي. لم أكن أعلم أنه الأمر تم عن قصد إلا عندما تحركت السيارة وبدأ في التحدث معي عن أن الحياة مليئة بالصعاب وأن على الإنسان أن يضع دائما أسوأ الإحتمالات ويهيئ نفسه لمجابهتها وأهم شيئ على فعله الآن أن أتوقف عن التفكير في الإمتحان وأركز على إجراء العملية الجراحية والشفاء السريع وبعد العملية ننظر في كيفية أداء الإمتحان. ثم بدأ في التنقل من موضوع لآخر: الهلال، السينما، الغناء حنى إستطاع أن يخرجني من دوامة الهم وعدم التركيز. عندما وصلنا لمستشفى الحياة لم نجد أخصائي التخدير فقرر فوراً الذهاب لمستشفى بحري فالأمر لا يحتمل التأخير والبحث. عندما وصلنا لمستشفى بحري وكان آخر مستشفى عمل به وقتها لم نجد جراحاً واحداً فاستشعر خطورة الأمر. عندها طلب من الممرضين الموجودين، وكانوا جميعاً زملاء سابقين له، تحضير العملية التي سيجريها هو وليكن ما يكون. إجراء عملية بواسطة طبيب لا يعمل من خارج المستشفى بل مفصول عن العمل مخالفة ستعرضه للمساءلة ولكن إنقاذ حياة إنسان عند حمودة أهم وأعظم مما سواها. تم إجراء العملية بسلام ليشرع مباشرة في الخطوة التالية. في صباح اليوم التالي ذهب لمدرستي (بحري الحكومية) ليجد أستاذي العظيم السر الإمام فأخبره بالأمر فأقترح أستاذ السر الذهاب سوياً للوزارة ومقابلة سكرتير إمتحانات السودان (أستاذ الرفيع مصطفى) الذي رفض إجراء الإمتحان في المستشفي وأشترط تجهيز غرفة بالمدرسة بالمواصفات التي يراها الطبيب وإحضار ما يفيد بذلك في نفس اليوم حتى يتم التصديق والجلوس للإمتحان في اليوم التالي. عاد حمودة لإخباري بأن أمر الإمتحان أصبح مضموناً وأن على الآن فقط التفكير في الإمتحان. ثم ذهب لمنزلنا لإحضار سرير ومرتبة وتم تجهيز الغرفة ثم كتب تقريراً بذلك وحمله مرة أخرى للوزارة وطلب إذنا إضافيا بمرافقتي في اليوم الأول حتى يتجنب حدوث أي مضاعفات.
في صباح يوم الإمتحان أطل حمودة بإبتسامته العذبة وأعطاني حقنة مضادة للإستفراغ كما أخبرني بأنني لن أكون في كامل لياقتي الذهنية في اليوم الأول سيما وأن آثار البنج الكامل لا زالت في جسدي وأن على أن أضع هذا في الإعتبار عند إجابتي للأسئلة. مكث معي في غرفة الإمتحانات طوال اليوم الأول أصبح خلالها صديقاً للمراقبين ولجنة الإمتحانات بضحكاته ومعنوياته المرتفعة دائما. أنوه إلا أن السيد سكرتير الإمتحانات قد حضر في ذات اليوم للإطمئنان على الطالب المريض كما حضر المرحوم البروف النذير دفع الله وزير التربية والتعليم وقتها لذات الغرض وشخصي بالنسبة لهما مجهول بالطبع ولكنها المهنية العالية والإنسانية الصادقة التي باتت عراها تتفكك يوماً بعد يوم حتى وقفت بلدنا عارية منهما.
بحمد الله دخلت كلية الهندسة بجامعة الخرطوم ومرت السنوات ولا زلت أدين بالفضل للأخ الأكبر الحبيب طيب النفس نظيف السريرة بحياتي ومستقبلي المهني الذي شارك في تحقيقه كما لم ولن أنس الدروس التي تلقيتها منه وأنا في قمة الخوف والألم عن أهمية الثبات عند المصائب والتفكير في الأهم ثم المهم فالأقل أهمية. كيف لي أن أنساه وأنا أري في جسدي أثر العملية في كل يوم وهي تنطق بمن نذر حياته لإسعاد الناس. ألم أقل بأنه لم يترك أثرا في حياتي فقط بل نقش أثراُ أبدياً في ذاكرة جسدي؟.
رحمك الله يا عزيزنا الغالي وألهم أختى مأوى والأسرة الكريمة وألهمنا جميعاً الصبر والسلوان وحسن العزاء وأسكنك فسيح جناته وزاد في إحسانك وتجاوز عن سيئاتك وبارك في ذريتك إنه مجيب الدعاء.

Post: #2
Title: Re: حمودة فتح الرحمن: حياة تتحدى الموت وذكرى عصية على النسيان (موقف شخصي للذكرى والتأمل)
Author: Sinnary
Date: 10-09-2010, 06:58 AM
Parent: #1

له الله بقدر ما قدم للحياة

Post: #3
Title: Re: حمودة فتح الرحمن: حياة تتحدى الموت وذكرى عصية على النسيان (موقف شخصي للذكرى والتأمل)
Author: بكرى ابوبكر
Date: 10-09-2010, 06:59 AM
Parent: #2


Post: #4
Title: Re: حمودة فتح الرحمن: حياة تتحدى الموت وذكرى عصية على النسيان (موقف شخصي للذكرى والتأمل)
Author: Sidgi Kaballo
Date: 10-09-2010, 07:29 AM
Parent: #3

يا سلاك يا طارق
هذه قصة حقيقية تجسد ما نقول عن حمودة الإنسان

Post: #5
Title: Re: حمودة فتح الرحمن: حياة تتحدى الموت وذكرى عصية على النسيان (موقف شخصي للذكرى والتأمل)
Author: صلاح عباس فقير
Date: 10-09-2010, 11:54 AM
Parent: #4

موقف إنساني استثنائي،
لا يصدر إلا عن إنسان مترع بقيم إنسانية عالية!

شجعتني على قراءة البوستات الأخرى عن هذا الطبيب الإنسان!

Post: #6
Title: Re: حمودة فتح الرحمن: حياة تتحدى الموت وذكرى عصية على النسيان (موقف شخصي للذكرى والتأمل)
Author: Ishraga Mustafa
Date: 10-09-2010, 12:12 PM
Parent: #5

هو حموده المنتمى للناس

هو الذى عرفته عوالم الناس الناس



ياربى تولاه برحمتك
فقد كان رحيما بنا

Post: #7
Title: Re: حمودة فتح الرحمن: حياة تتحدى الموت وذكرى عصية على النسيان (موقف شخصي للذكرى والتأمل)
Author: طارق أحمد خالد
Date: 10-09-2010, 12:13 PM
Parent: #5

أستاذ صدقي.
البركة فيك

حمودة فقد لنا كأسرة وللبلد كمناضل من طراز نادر
له الرحمة والمغفرة

Post: #8
Title: Re: حمودة فتح الرحمن: حياة تتحدى الموت وذكرى عصية على النسيان (موقف شخصي للذكرى والتأمل)
Author: طارق أحمد خالد
Date: 10-09-2010, 12:17 PM
Parent: #7

أخ سناري
أخ بكري أبوبكر
شكرا لكم على الشعور النبيل

أخي صلاح فقير. تحياتي
د.حمودة كتاب شيق ونادر جدير بالإطلاع
ستجد فيه مزيج من طيبة ود البلد والثقافة الرفيعة والإنتماء العميق وفوق ذاك تواضع غير محدود
بإختصار ستجد فيه ما يعيد للإنسان ثقته بنفسه

Post: #9
Title: Re: حمودة فتح الرحمن: حياة تتحدى الموت وذكرى عصية على النسيان (موقف شخصي للذكرى والتأمل)
Author: الشامي الحبر عبدالوهاب
Date: 10-09-2010, 12:43 PM
Parent: #8

رحم الله الدكتور حمودة فتح الرحمن الطبيب
الانسان فمثل هذه المواقف هي التي تخلد الشخصيات العظام


رحمه الله وجعل الجنة متقلبه ومثواه

Post: #10
Title: Re: حمودة فتح الرحمن: حياة تتحدى الموت وذكرى عصية على النسيان (موقف شخصي للذكرى والتأمل)
Author: طارق أحمد خالد
Date: 10-10-2010, 07:21 AM
Parent: #9

شكرا اخي الشامي
مر أسبوع على فراقه رحمه الله

Post: #11
Title: Re: حمودة فتح الرحمن: حياة تتحدى الموت وذكرى عصية على النسيان (موقف شخصي للذكرى والتأمل)
Author: طارق الكوتش
Date: 10-10-2010, 12:26 PM
Parent: #10

Quote: الهلال، السينما، الغناء حنى إستطاع أن يخرجني من دوامة الهم وعدم التركيز.


Quote: عندما وصلنا لمستشفى الحياة لم نجد أخصائي التخدير فقرر فوراً الذهاب لمستشفى بحري
فالأمر لا يحتمل التأخير والبحث. عندما وصلنا لمستشفى بحري وكان آخر مستشفى عمل به وقتها لم نجد
جراحاً واحداً فاستشعر خطورة الأمر. عندها طلب من الممرضين الموجودين، وكانوا جميعاً زملاء سابقين له،
تحضير العملية التي سيجريها هو وليكن ما يكون. إجراء عملية بواسطة طبيب لا يعمل من خارج المستشفى بل
مفصول عن العمل مخالفة ستعرضه للمساءلة ولكن إنقاذ حياة إنسان عند حمودة أهم وأعظم مما سواها.


Quote: مكث معي في غرفة الإمتحانات طوال اليوم الأول أصبح خلالها صديقاً للمراقبين ولجنة الإمتحانات
بضحكاته ومعنوياته المرتفعة دائما. أنوه إلا أن السيد سكرتير الإمتحانات قد حضر في ذات اليوم للإطمئنان على الطالب
المريض كما حضر المرحوم البروف النذير دفع الله وزير التربية والتعليم وقتها لذات الغرض وشخصي بالنسبة لهما مجهول
بالطبع ولكنها المهنية العالية والإنسانية الصادقة


>>>>>>>>>>>>>> روعه و جمال وقمة فى المسئولية

ربنا يرحم الطبيب الانسان حموده فتح الرحمن برحمته الواسعه


____________

طارق احمد خالد الصديق النبيل ...
سلام كميات و اشواااااااق ما ليها حد

Post: #12
Title: Re: حمودة فتح الرحمن: حياة تتحدى الموت وذكرى عصية على النسيان (موقف شخصي للذكرى والتأمل)
Author: طارق أحمد خالد
Date: 10-10-2010, 08:48 PM
Parent: #11

اخي طارق الكوتش
هاهو الحزن يطل علينا من جديد
والله أني لازلت أحس بالغصة في حلقي. مرت 7 ايام ولازالت الدهشة سيدة الموقف.
شكرا على شعورك الطيب

Post: #13
Title: Re: حمودة فتح الرحمن: حياة تتحدى الموت وذكرى عصية على النسيان (موقف شخصي للذكرى والتأمل)
Author: Abdulmageed Gorashi
Date: 10-10-2010, 08:56 PM
Parent: #11

الاخ والزميل طارق احمد خالد:
البركة فى الجميع فى وفاة المرحوم الانسان والمناضل دكتور حمودة.

فى كل ذكرى خالدة لإنسان عظيم توجد ذكريات جميلة عن اشخاص لهم اثر فى كثير من الاجيال امثال المرحوم النزير دفع الله والاستاذ الرفيع مصطفى الذين كانوا يعملون بمهنية عالية واعتبارات إنسانية خالصة.

انها حقيقة قصة تلمس القلوب عن هذا الإنسان العظيم, له الرحمة عندالله.

Post: #14
Title: Re: حمودة فتح الرحمن: حياة تتحدى الموت وذكرى عصية على النسيان (موقف شخصي للذكرى والتأمل)
Author: طارق أحمد خالد
Date: 10-12-2010, 09:23 AM

الأخ عبد المجيد قرشي
سنوات طويلة لم نلتقي
أتمنى أن تكون بخير وموفق في حياتك
شكرا على الشعور النبيل