لندع الحديث حول ( الوحدة المجذوبة قسرا ) وولنتحدث عن حسن الجوار

ما زالت بعض أجهزتنا الاعلامية تطبل لما يسمى بالوحدة وما زال بعض مسئولي الحكومة يتحدثون بتفاؤل عن الوحدة وما أدراك , وما زال الخط العام للحكومة يدعو لتغليب خيار الوحدة والى آخر يوم قبل الاستفتاء كما أعلنوها صراحة .

هذا الهدر للوقت والمال لا يتسق مع تصريحات و توجهات الشعبية التي أعلنتها صراحة عن نيتها وعزمها على الانفصال وبناء دولة خاصة بهم .

هذا التباين بين موقف الحكومة وتوجهات الحركة الا يجعل الحكومة في موقف ضعف واستجداء للحركة ؟
ماذا تريد الحكومة من وحدة لا يريدها شعب الجنوب ؟

وما يدرينا أصلا أن شعب الجنوب يريد الوحدة أو الانفصال طالما أن الحركة هي التي تحكمه وتسيطر عليه؟

دون استجداء ودون مزايدات سياسية
يظل الجنوبيون أخوتنا الذين عايشناهم وجاورناهم وتداخلنا معهم اجتماعيا , وأن ما بيننا لا يبطل مفعوله بقرار سياسي طائش ولا باستفتاء غير مكتمل الاركان والعناصر , يظل ما بيننا أقوى من كل هذه الظروف .

ليس من الحكمة التغني للوحدة ولا للانفصال ان لم تكن توجد مبررات مقنعة .

لا تستطيع أن تقنع المواطن بأن الوحدة هي الخيار الأفضل مهما كررت من ترديد لهذه العبارة وبألفاظ وأساليب مختلفة ما لم يستصحب ذلك سرد تفصيلي يوضح لماذا الوحدة ولا غيرها هي الخيار الأفضل ؟

وبذات القدر للذين يطبلون للانفصال ويدعون له عليهم أن يوضحوا للمواطن وبذات الشفافية لماذا يرجحون خيار الانفصال واقامة دولة جديدة تخص شعب الجنوب فقط .

اذا امتلك المواطن الحقيقة كاملة يمكنه أن يتخذ القرار الصائب وفقا لقناعاته دون تدخل ولا اكراه ولا دفع قسري له من أي جهة كانت .

تصريح المسئول الجنوبي ( جالون البنزين ) والذي رد عليه المسئول الشمالي ( الابرة )
يجعلنا نتساءل عن جدوى مثل هذه التصريحات ومدى تأثيرها على صوت الناخب الجنوبي حول الاستفتاء , ويجعل مثل هذه التصريحات والتي تتوقع مآسيؤول اليه الحال اذا حدث الانفصال تخرج عن دائرة التثقيف القانوني الى دائرة الضغط لتغليب خيار على آخر , فضلا عن أنها تصب في خانة الفعل ورد الفعل بكل ما تحمله هذه الكلمة من تحدي للآخر الكسب منه سياسي فقط والخاسر الوحيد هو المواطن الجنوبي .

ليس من التشاؤم في شئ اذا قامت الحكومة بتبصير المواطن السوداني ( الجنوبي والشمالي ) بما سيكون عليه الحال ( اذا حدث الانفصال ) بعدأن أصبح حدوثه مسألة وقت ليس الا .

بل ان من واجب حكومة الشمال وحكومة الجنوب القيام بهذا الدور وفي هذا التوقيت بالذات أي قبل بدء الاستفتاء , لا بد للمواطن أن يعرف ما هي التغييرات التي ستحدث فيما يتعلق بالمواطنة والحقوق لأخوتنا الجنوبيين بالشمال والتغييرات التي ستواجه الشماليين بالجنوب .

لا بد من توضيح لمواد القانون التي تتحدث عن حقوق المواطن وحقوق الأجنبي , وهل سيعامل الجنوبي بالشمال على أنه أجنبي أم سيكون له تعامل خاص ؟

لا بد من توضيح ما يتعلق بحقوق الملكية وحق التملك لأخوتنا الجنوبيين بالشمال , وحق الاقامة والتنقل والتمتع بما يتمتع به المواطن الشمالي في الشمال من علاج وتعليم وكآفة الخدمات ( هذا اذا افترضنا أن الجنوبي سيعامل على أنه أجنبي ) في الشمال .

توضيح هذه الأشياء لا يتم من باب المزايدات السياسية ولا يجب ان ستخدم كورقة ضغط للتأثير على أي قرار ولا يجب أن يستحدم للتلويح للحصول على مكاسب معينة أو الحصول على تنازلات من الطرف الآخر .

اذا تم التعامل على هذا الأساس وفقا لما تنص عليه القوانين بتفسيراتها المعروفة ودون تأويل خاص , فلا شك أننا سنخرج من نفق هذا الاستفتاء مهما كانت نتيجته دون خسائر , فالكل يعرف حقوقه والكل ملم بواجباته ولم يتبق بعدها ( حال وقوع الانفصال ) الا الحديث حول علاقة حسن الجوار .

ترسيم الحدود وهي الخطوة التي كان يجب أن يتم الانتهاء منها والموافقة عليها من كل الأطراف , وترسيم الحدود بالطبع لا يعني الانفصال ولكن يعني بالضرورة حدود القطر ككل مع جيرانه من الاقطار الأخرى اضافة الى حدود كل ولاية داخل السودان , والاتفاق على الولايات التي تتبع لحكومة جنوب السودان والولايات التي تتبع لحكومة الشمال .

وبغير الاتفاق على ترسيم الحدود ستحدث الكثير من التعديات والتجاوزات ( حال وقوع الانفصال ) وقد يتعدى الأمر ذلك الى اعادة الحرب من جديد وكأننا لم نفعل شيئا .

ان لم تعالج الأمور بالحكمة المطلوبة ستعالج الأمور بهذه الكيفية

سلفاكير وطبول الحرب - مقال للطيب مصطفى

حسن الجوار يتطلب وجود قيادة رشيدة لا قيادة هوجاء قيادة تعرف معنى السلام لتبحث عنه وتحافظ عليه , لا قيادة يتم تعبئتها بالخارج لتحقيق أجندة خفية بالداخل , قيادة نظيفة من تمد يدها بيضاء , لا قيادة تمتلئ بالحقد والغل والكراهية .

قبل الانفصال : أيهما أكثر نيلاً لحقوق المواطنة ... الش... الجنوبي في الشمال ؟

تحية وتقدير عمر التاج