تجارب1 : قدرتي (العائدة) على العفو: يا تروح النميص يا تروح السودان!!

- ليه رفضت تروح النميص ؟؟؟
- أنا ما رفضت يا دكتور ، أنا قلت لا أستطيع .
- كيف لا تستطيع؟
- يستحيل أن أجد هناك سكن لأسرتي .
- ومين قالك تجيب أسرتك وأنت عارف أنك موزع للبر؟؟
- لأني توقعت أن تتكرموا بنقلي للداخل ، غيري كان موزع بالبر وجاب اسرته ونقلتوه للداخل.
- لكن أنت تدري أننا نحتاجك بالنميص ، لا أحد يدرس الحاسوب هناك غيرك.
- ايوة ، لكن أنا أصلا متعاقد مدرس رياضيات ، درست الحاسوب بالنميص العام الماضي حلا لمشكلتكم ، ولأننا عندنا في السودان مثل يقول قدم السبت تلقى الأحد ، وأنا أحتاج لتفهمكم لظرفي ونقلي للداخل ، ومن غير المعقول أن تتسبب زيادتي في نقصي
- لا تكثر الكلام ، لازم تروح الآن النميص
- ما أقدر يا سعادة المدير
- خلاص : يا تروح النميص يا تروح السودان!
- خلاص : أروح السودان .
المكان : مكتب المدير بإدارة تعليم وادي الدواسر
الزمان : يوم من أيام سنة 1998م الجميلة (على كل حال) مثل كل أيام عمري
المتحاوران : الدكتور علي بن ناصر دهش الوزرة ، مدير التعليم بوداي الدواسر آنذاك ، والوكيل بوزارة المعارف بالرياض بعدها بقليل ، والذي (مساه الله بالخير وصبحه) لا أدري أين هو الآن .
الدلالة : في تلك السنة كان الوضع في السودان في أقصى درجات السوء على الإطلاق . كنت قد أنهيت للتو سنتين بوادي الدواسر وتنتظرني أخريان . عريسا جديدا ، وشرعت في كتابة مقالات وأشعار ومداخلات بجريدة الخرطوم القاهرية تحرض على نظام الخرطوم ، صحيح أن جلها كان بأسماء مستعارة ، ولكنني كنت أعلم أن تلصصية أهل الإنقاذ لا يعييها أن تعلم أنه أنا وليس غيري صاحب هذه الأسماء الغاضبة. لا سيما : بشرى أبو عاقلة آدم.
وكانت النميص ، نقطة بالصحراء تتبع إداريا وقبليا لوادي الدواسر وتبعد عنها بحوالي 150 كيلومترا ، قضيت بها وبنقطة مجاورة لها سنتين من أجمل سنوات العمر ، بيد أنه منعني منها ما ذكرت لسعادة مدير التعليم يومها ومنعني أشد : ما ذكر لي هو يومها : يا تروح النميص يا تروح السودان! .
جالدت بعدها سنتين أن (لا أروح النميص) حتى إن أدى ذلك لأن ( أروح السودان) وقد كان ، رزقت خلال هاتين السنتين (سلام البحيري) التي ولدت بمستشفى السليل (جارة الوادي)في 28 ديسمبر 1999م .والتي لا تعرف الآن من كل جزيرة العرب سوى بعض أسمائها هذي المبهمة. وأنها ولدت هناك.

1992: جامعة الخرطوم في بيتي بأمبدة

تتوقف اللغة و(يحرن) التعبير كل ما جاءت الذاكرة إلى مطلع العام 1992م . إلى الحادثة نفسها ، وتداعياتها ودلالاتها ، وآثارها النفسية والمعيشية والاجتماعية ، وما إلى ذلك .
وما في المرء حاجة ولا طاقة من الاسترسال في هذه التجربة ذات الطعم الذي يختلف ، ولكن ، كما قلت ، مرور الوقت ينسي بعض الناس بعض الذي حدث ، وكيف حدث ، ولماذا حدث
وأكثر وجوه (تلك الحادثة) إشراقا ، أن كان لها ثمة وجه مشرق ، لدى الذي يكتب هذا ، هي أنها حملت إلى بيته المتواضع بالحارة الخامسة بأمبدة آنذاك ، جامعة الخرطوم بلحمها ودمها وتاريخها الطويل الفخيم ، وحملت إليه معها مدرسة علومها الرياضية بكل ما عنت له ، كلتاهما تتجسد في شخص البروفيسور محمد الأمين التوم ، أفضل مدراء جامعة الخرطوم وأكثرهم علما ومحبة لهذا الوطن .
ولئن عد هذا البعض الذي ينسى أن الطلاب الذين استمروا في تنفيذ مقاطعة الامتحانات حتى النهاية غير صادقين أو لا يحسنون التصرف وأنهم خسروا لأجل ذلك كثيرا ، فإن الذي حدث ، أنني تسلمت إنابة عن هؤلاء جميعا ، بمحض هذه الزيارة العزيزة المعزة ، وفي أثنائها ، شهادة جامعية قلبية من مديرها القديم ومؤسس مدرسة علومها أنني ، وكل زملائي المقاطعين ، كنا على كل الحق من حيث المبدأ ، ومن حيث الجدوى . وهي لعمري شهادة أكثر وثوقية وصدقا من كل الأوراق التي صدرت رسميا من هذه الجامعة في أو بعد 1992م
ذلك أنه ، ولا أعتقد أن هذه الحقيقة بحاجة إلى مغالطة ، قد تم ذبح أبسط الأعراف والقوانين الأكاديمية في امتحانات 92 فداء تثبيت النظام الظلامي المرتعدة فرائصه من الجامعة وطلابها وأساتذتها ، والمفتقد ، كما تبين حينها وبعدها ، إلى أدنى درجات الوطنية أو الأخلاق . فلم تعد ، بالضرورة ، جامعة الخرطوم جامعة الخرطوم بعد 92 .
ولا أقل من أن تقوم امتحانات في أم الجامعات الإفريقية وواحدة من أعرق جامعات العالم تحت مراقبة سفهاء عناصر أمن الإنقاذ ، وأن يدخل الطلاب إلى القاعة بدفاترهم ، وأن يحرم أعضاء هيئة التدريس من آداء أبسط مهامهم الروتينية .
سيكره البعض غدا والآن ذكر هذه الحادثة ، وإنا غير محبين لذكرها ، فقط البعض ينسى.
حكى لي أحد المنتسبين إلى ما يسمى بالشرطة الأمنية أنهم ظنوا إبان تلك الحادثة أن جون قرنق قد دخل الخرطوم من شدة ما أمروا به من استنفار ومن استعداد . ويكاد من رأى سبتئذ بداخليات البركس أن يحصي بضعة أفراد احتياطي مركزي وبضعة أفراد أمن ملكية مسلحين ..... لكل طالب !نعم فاقوا الطلاب ، ليس بالسلاح وحسب ، وإنما بالعدد أيضا ، فيا للرعب !!
وبكل ما تحمل أفئدتهم آنذاك ، وإلى أن يشاء الله ، من خسة ورعب ، ألقوا بالطلاب في العراء ، وفي مواجهة ذويهم الذين لم يكونوا في معظمهم يفهمون سوى المستقبل الأكاديمي السطحي وفي مواجهة مصائر مجهولة . ولم ينجحوا إلى في إظهار قبحهم الذي باعد ما بينهم وبين الصادقين من أبناء الوطن بأكثر مما بين السماء والأرض .وستظل هذه الحادثة وما ترتب عليها من تصفية كل الأساتذة الوطنيين تقريبا في قائمة واحدة شهيرة شملت فيما شملت بروفيسور محمد الأمين التوم نفسه (بيننا وبينهم) جنبا إلى جنب مع مجزرة رمضان واغتيالات الطلاب ومسلسل الفصل التعسفي الطويل وكافة خطايا أهل الإنقاذ .
وعندما ينظر المرء ، في هدوء ، إلى تفصيلات خطاب الإنقاذيين وهم في أخريات سنواتهم الكالحة ، لا يجد ولا مثقال ذرة من الاعتراف بأن ما فعلوه بهذا الوطن أمر يحتاج من عامة أهله عفوا ، ولكنني ،كواحد من هذه العامة ، أحاول الآن أن أكون جاهزا ، بالاجتهاد قدر المستطاع في استعادة قدرة كنت قد فقدتها ، على العفو.

+

العزيز فتحي
التحايا العطرة
تجاربك يا عزيز فيها مافيها من معاني وعبر.اتمنى ان تواصل ودون تفكر في حذف كلمة واحدة مما كتبت..انا اعلم ان هنالك (المثير الخطر)..
انتظرك بشوق وحب لحروفك الرائعات..

اعطيت عافيتي يا صديقي
وصدقني نحن هنا لتمثيل دورنا القدري كضحايا لهذا النظام
ضحايا وحسب

فوق ...

و الله مرقك من النميص و النماص و الوادي المقدس .....





ما عرفتا يا فتحي موضوع الجامعة و ام بدة ....

يعني مدير الجامعة جاب ليك شهادة التخرج في البيت و لا شنو ؟

Ya Fathi, I miss you so much and also I miss Shuhada and Omderman and Sudan and everything. You could not believe how I felt when I read what you had wrote, really I wanted to cry! I am wishing that Sudan will get better and that the future will be brighter (so really I hope that this government will go to hell). Miss you soooooo much

نعم يا حسين
والبورفيسور محمد الامين التوم لم يكن مدير الجامعة آنذاك
بل كان مديرها على ما أعتقد بوقت مضى
وهو هو مؤسس مدرسة العلوم الرياضية أيضا
وما (جابه لي) بالبيت لم يكن (ورقة)
كان محض اصراره على زيارتي (إبان الامتحانات التي كان يحرسها سفهاء أمن الانقاذ وويراقبونها، عندما علم أنني أحد المصرين على عدم التورط دخولها) شهادة أنني لم أكن درويشا ولا ساذجا وولا كذابا
ولك المعزة كلها

تسلم يا صديقي
أن الشهدا وامدرمان والسودان ليقتقدون ضحكتك الأنسانية مثلما تفتقدها
ولكن ستعود وهم أجمل أليس كذلك؟؟
دم مطمئنا

3
مايو 1989 : هل تُرَى يرجو الحياة ؟؟؟؟؟

رغمي العشرون أبلغها رغمي العشرون تنصرم .
فالصبا ذكرى تعاودني قد مشى في رسمها القدم .
والأماني الخضر ذاهبة باخترام العمر تنهزم .
إذ مضت عشرون من عمري ، كم به عشرون تخترم .
إن أمت من بعدها فبخ ٍ .. تنقضي الأحزان والألم .
هذه الدنيا الخؤونة ما صابني من تركها ندم
، روادتني قبل فانكشفت عن عجوز شحمها ورم .
المنى فيها معللة وبناء الرمل منهدم .
أو أعش ويل لعيش فتى لاؤه في الدنا نعم .
طلق الدنيا ومافتئت بحبال هواه تعتصم .
ميتا حيا بها وله بيديها طلبة ودم .
شاهر في وجهها قلما ، ثائر في كفه القلم
. إن يشأ يحيا بأسفحها أو يرد تعنو له القمم .
هل ترى يرجو الحياة ؟ بلى . لغير ما يرجو الألى سلموا
حاجة في النفس واحدة ، لم تزل بالقلب تضطرم
خاطر يأبى يراودني . في رؤاي الخضر يزدحم
وأنا ويحي يعذبني في الحياة الصحو والحلم
في ثنا العشرين منكفئ ، واحد في داخلي أمم
والصبا ذكرى تعاودني . قد مشى في رسمها القدم
والأماني الخضر ذاهبة . باخترام العمر تنهزم

?