الحِمار السكرانْ- الفصلُ الثانى (العودة)

الفصل الأول هو فصل (الغياب) انظر هذا اللينك
الحمار السكران - قصة قصيرة

الحِمارُ السكرانْ- الفصلُ الثانى (العودة)

بعد غيابٍ طويلٍ للحمار السكران امتد نحو شهرين كاملين ، ماتت جدتى (تُرفانه).الغريب فى الامر كان موتها هادئا .قيل انها التقطت بعينها و بتركيز عالٍ آخر صورة لخالى الذى لازمها سرير المرض سنوات طوال ، ابان المرض العضال. لم يكن موت جدتى حدثاً عابراً على الضفةِ الجنوبيةِ للمستنقع . وفور موتها أعلن شيخُ القبيلة عن ضرورة تَشيِعها فى حفل طقوسى وفقا لعادات قبيلتنا ( الفروشانى).هكذا بدأت طقوس التشيع..تشِيع جدتى (تُرفانه) . كان أكثر من سبعِ عرُافِ قد أُحضروا جميعا ، فذبحوا عجلاً أرقطاً ، ثم تبادلوا مص دمائه على التوالى وبطريقة منتظمة. ثم بدأ العرًافُ الكبير فى نفخ بوقه ايذانا بانطلاقة حفل التشيع .. فتبعه الآخرون ينفخون ابواقا أقل وأصقر حجماً لكنها حادة ، ومتنوعة الاصوات. ثم اذن العرافون لأتباعهم أجمعين بقرع الطبول . فتجمع سكانُ شاطيئ المستنقع جميعا ليشاهدوا عملية ( الكونجفاره) وهى لحظة قرأة مستقبل الميت .فى عرف قبيلة الفيروشانى ان كان مستقبلُ الميتِ عاثرا تتحول روحه الى شيطان فتظهر فى شكل ثعبان أو أو سحار أما ان كان حظه حسنا تتحول روحه الى كائن جميل مثل غزال أو طير ، أو فراشه .فى تلك اللحظة – لحظة (الكونجفاره)- حدث شيئٌ لم يكن فى الحسبان. فعندما بدأ العراف الأكبر فى خلع ثيابه والتعرى على شارب المستنقع ، والناس من حوله ، وبعد أن تعرى تماما ، فصار مثلما الله خلقه ، موليا وجهه للمستنقع وظهره للمواطنين ، وتحت ضوء القمر الخميل، ظهر الحمار السكران بتؤدة وتأنٍ مرعبين!

صرخَ العرافُ الاكبرْ وهو يرددُ مذعوراً بلغة قبيلتنا (ترفانه شوشانى أجوم فار سنفير).وتعنى (روح ترفانه روح شريره). فانقلبْ المواطنون وهم يَتَجَاعرونْ. كانتْ ليلةٌ عصيبة حيث ظلَ جثمانُ جِدتى (ترفانه) مسجياً داخلَ كوخِها القصبى دون حراك. أما من يرغبُ فى رؤيته عليه أن يتسلق السلمَ الذى تمت صناعته من الحبال.

تأخرت الشمس قليلا صباح غد ، لكنها ما لبثت أن بانت شرقا مثل قرص كبير أحمر تحت قعور الاشجار ، بينما لا زال القمر يخفرُ عند الجانب الغربى.ظل الحمار السكران يمارس عادته القديمة. حيث أعلن منذ الصباح الباكر تحركه البطيئ نحو شجرة الصهب بنهيق عالِ معهود ثم بدأ عملية الكد. لم يخطأ الحمار موقع اسنانه القديم ولكأنه يؤكد بعده التاريخى الموازى لتاريخ قبيلة الفيروشانى...بلاشك قد ياست الحمير من التسيب التاريخى فى ارجاء هذا المستنقع. تجمع بعض العابرين من القرية الى مزارعهم صباحا وندى العشب يغمر اقدامهم وأحذيتهم البالية حول الحمار وهم فى هول من أمر عودته وهو خالى الظهر الا من دبرة قديمة دون خالتى ( الضهباية ) وابنتها (جانقودى) .. سرت اشاعه فى كافة انحاء المستنقع ربما تخلص منهما الحمار السكران بعد أن تعفرت فصار حماراً غوليا فأكلهما،و قيل قد سقطتا عن ظهره جوعا وعطشاميتتين. فى ذلك اليوم اختفى السحرة والعرافون ، ولم تبق من العراف الأكبر فى أخيلة المستنقع غير صورة اليتيه الضخمتين المعكوفتين سؤددا. فى ذلك اليوم ضحك المستنقع بعد ان فرت كل السلاحف والضفادع

UP

UP

UP

UP

لم يَكُن نظامُ قبيلِة الفيروشانى السياسى نظاماً ثيوقراطيًا. فهو نظامٌ بدائى يتبع نظم تقليدية للحكم. بعد موت جدتى ترفانه اعلن العرافون عن ضرورة اجراء ترشيح لمنصب شيخ القرية. وفى الغالب يشترك كل الناس فى الترشيحات ، لكن ما لم يكن متوقعا هو أن يعلن حزب الحمار السكران عن ترشحه. تلك كانت مسالة فى غاية الغرابة. ولأول مرة يظهر ضربش الذى مات مسافدة معارضالحزب الحمار السكران. كان حجته انه من غير المعقول ان تعود قبيلة الفيروشانى الى عصر الحمير . فى الواقع لقد مرت قبيلة الفيروشانى باحقاب سياسية مختلفة ، وكان العصر الحميرى أخد العصور الضاربة فى سحيق التاريخ السياسى لها . عموما صار الأمر واقعا لا مفر منه.

فوق

يبدأ اختيار زعيم القبيلة بعد فوز المجموعة المعنية. بدأت المجموعات تتدفق من انحاء المستنقع المختلفة .