امونه... التقينا صدفة فى فصل دراسى واحد..فى زمان كانت فيه الكورسات الصيفية المختلطة.. اختلاط..برئ لا يمكن ان للشيطان ان يخترقه الا قليلا..المهم فى الأمر..بعض الناس بمجرد النظر اليهم..ينتابك شئ ما..وتدرك انه سيكون لك شأنا معهم ..لا محالة..
ابتداء مشوار ما بيننا..لا اعرف من اين..ولا كيف.. وزين بعض الأصدقاء الأمر..: خش يازول ما تلاوذ اها شوف اصلن والله.. من جات هنا ما حصل اتكلمت مع غيرك.. عدا واحد فقط.منهم...كامل.أو كيمو...لم ترق له ابدا تلك البنت.ولا الموضوع من أساسو...ولم يستحى ان يقول لى بصراحتة المرة:- انساها..يا خوى..بالله شوفا مقبلة على الحياة كيف..وعاين لى روحك..انتا ماشى لى ورا..من الله خلقك......وحتى عندما اصبحت اقرب اليها لدرجة الغرق كان يواصل احاديثة..ونظرياته..أسمع نوع زى دا ما بستاهل قداسة ياها مرة فى الاخر..شنو يعنى مختلفة.!!.حاول تحرك فيها أنثوتها..والا ح تخسرا..لم اشتغل بنظرياته الغريبة ..هو فى الاصل كان غاضبا منها....لأنها طلبت منى فى يوم ما : ياخ كلم صاحبك داخليهو يحلق دقنو دى ويهذبا..ولم أتردد ابدا فى ايصال المعلومة بحذافيرها.. ومن يومها اصبح كيمو مهتاجا كل ما ذكرت له سيرة أمونه..!
اتفق امونه وكيمو و(بت السعودى) فقط فى تلك الالوان والاوراق البيضاء..وكانوا هم الثلاثى الوحيد الذى أمتحن لمادة الفنون الجميلة عندما جلسنا سويا لامتحان الشهادة السودانية..والغريب ان كيمو الذى كان محترفا فى كل ما يختص بالتلوين والرسم لم يوفق..فى دخول كلية الفنون الجميلة وابتعد لمجال اخر....ولكنه لم يتوقف..عن هوايته المحببة واقام معارض للوحاته فى ارقى غاليرى فى الخرطوم وتصاحب رسوماته كتابات كبار اهل الادب فى السودان..الان... .كيمو كان جارا لى..وهو من أسرة موهوبة تماما.. امتلكت الحى بحسن اخلاقها..وخدماتها..للجميع..بدون اسثتناء..ولديه اثنان من الاخوة امتدت شهرتهم وكتبهم الى خارج الوطن..أضافة الى أب..ملائكى من طينة اخرى غير البشر..لدرجة انه هو ولى امر الكل ولو طلب منك فى المدرسة لأى سبب استدعاء والدك..فلا احد غيره ابدا..يمكن ان يخلصك من العقاب أو الطرد... بت السعودى هذه كانت حالة غريبة..جدا..مرهفة للدرجة التى تجعلها تبكى امام كل مشهد ويحكى ان اهلها حرموا عليها المسلسل اليومى..نهائيا..لانو جعيرا كل يوم ضاقى الحلة..كلها..من لا يعرفها جيدا..يعتقد انها سهلة ويمكن خداعها لكنها متسلحة بوعى نادر مع كل هذه العاطفية..لا يمكن لاى منا الا ان يرقص بعيدا عنها..تماما..اقل حركة مع بت السعودى ..تخبر اهلها..بكل بساطة.بالحاصل كـلـــــو...وتأتى امها وابوها وثلاث ارباع عائلتها الكريمة وتبقى فضيحتك بى جلاجل...خصوصا عندما يجبرك المدير على قراءة خطابك الغرامى امام كل الطلاب فى طابور نهارى خاص فى المدرسة..!
كانت امونه تتسلل الى يوميا ..تشاركنى فى كل شئ..كراسنا واحد..وكرسينا واحد اعمل فيها بكل حواسى..واحتويها كطفل رضيع..فلا تتحرك فى اى بذور للغريزة او لمحات شيطان الذكورة..المتوراث لدى كل الشباب..فى ذلك العمر الحساس.. ودائما ما اصر انها مختلفة حقا..لدرجة اننى لم اكن استطيع ان املاء فيها عيونى لكى ارى تفاصيلها مثل الاخرين الذين يصفونها فى جلساتهم الخاصة.العامرة بالنميمة..ورؤيتى فيها انها لا تمتلك اصلا جسدا..متمردا.. مثل الاخريات.. هذه الفكرة- فكرة القداسة- تسربت اليها هى تلقائيا..ومارست هى على سلطة مطلقة وحدود صارمة غير معلنة ..عندما اصافحها تسحب يدها بسرعة شديدة..وفى طريقنا للبيت فى نهاية اليوم تجلس جانبى لكن تحتفظ بمساحة كافية بينى وكتفيها..حتى يحدث ذلك الاصطدام المفاجئ والعفوى.. المهم أسلمت مفاتيح مملكتى لها..ومنحتها حق قيادتى الى منفى اسمه الحب ووضعنا قيدا ثقيلا وجميلا على قلبينا..
فى كل نهاية اسبوع كان لنا منتدى صغير.وفى ذلك الزمن كانت تسمى بالجمعيات الأدبية...نلتقى فيها مع بعض الاساتذة..وقليل من الموهوبين..كانت امونه منهم طبعا..تسحر الأنغام.والحضور بصوتها..الدافئ..كيمو..يتلو اشعاره الثورية..أو ينزوى فى صمت ليرسم بعض الوجوه بقلم الرصاص..فى دقة واخلاص غريب..خصوصا..غيداء..كان يحبها..فى صمت ..ولم يجد من يمهد له الطريق نحوها..ولم يجرؤ كذلك ان يريها بعض الاوضاع التى كان يرسمها فيها من خياله المشتعل
اها كلمتها..؟ انتو شكل البينكم دا شنو..؟ متلصقين الاربع وعشرين ساعة..وبالله لسه ما وريتا حاجة..؟ طيب هى ما لمحت ليك ..اصلو..؟ كل تلك الاسئلة كانت تثقب أذنى من الزملاء من الجنسين...وفى الغالب يعتقد اى سودانى.... انه خبير ومستشار فى الشؤؤن العاطفية.. .وكنت اتعجب ماذا يمكن ان اقول لها..؟ وما الذى يمكن ان اخفيه منها اصلا..وهى التى تسكن كل ملامحى.؟.كنت اكتب لها ..فقط..هى طريقتى..فى الحب..والبكاء..أجمع كل قصائد مصطفى فى دفتر ملون..واراجع..كل كلمة ..واشرح لها احيانا..وهى منتبهة لأقصى حد ممكن..وبينما استمتع بروعة المكان..رغم كل الضجيج فى الفصل لا اسمع الا صوت انفاسها تلفح وجهى..كـ دعاش فى ليلة ماطرة
استاذ التربية الاسلامية ..(رحمه الله الان)..يطلب منها هى وحدها ان ترتل القران ولا يسمح لغيرها ابدا...ويقول لها: يلا يا امونة يا حلاة وياعظمة أرح..سمعينا. -.لا اوعكم انتو اسكتو ساى أنصتو..الله يرضى عليكم. -.دى بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين..! ويضحك ويرمقها باعجاب ومحبة أب لأبنته.. كنت لا احب الدراسة واتلهف سريعا للعودة الى المنزل برفقة كيمو.. لا نركب المواصلات لكى نوفر ثمن سجائرنا التى ندخنها فى الشوراع الجانبية بعيدا عن العيون..بعد امونه توقفت عن التدخين..وأضحت الصباحات الباكرة والمدرسة التى كنت اكرهها..من احب الاشياء الى..بسببها..كما اصبحت الملابس اكثر نظافة.وعطرا...والحلاقة..بشكل شبه اسبوعى..من اجل عيون امونه
مرت الايام سريعا..وانتهت الى فرقة اجبارية.بسبب قرار صدر حينها بفصل الاولاد عن البنات فى الكورسات الصيفية وايقاف اى مدراس مخالفه.وبقى يوم ناس امنه براهو ويومنا احنا براهو..وعادت الفوضى من جديد..ولم يعد العلم نورا...وظهرت أكياس العمارى علانية..والسفة بقت دقار قطر...لأن الشباب بطبيعة الحال كانوا اكثر احتراما لأنفسهم ولهيئتهم العامة فى حضور الطالبات... .ولم تكن فى تلك الايام هواتف نقالة لكى..تطفئ نارك الى لقيا المحبوب..فكان لا بد من الحضور بشكل يومى.مع بعض العاشقين ..لأقتناص نظرة..من امونه..أو لتسليم خطابات غرامية فى سرعة ومهارة..لا تجعل احدهم يلاحظك..
انتقلنا الى مرحلة اكبر..كيمو الى جامعة الخرطوم..وامونه..لكلية الفنون الجميلة..وكانت الظروف معى لأدرس معها فى نفس الجامعة.و المبنى يجمعنا سويا...لكن كنت فى كلية مختلفة..طبعا ..لكنها لا تبتعد عن الفن كثيرا... فى الجامعة لم تكن هناك محاذير ولا انفصال..نجتمع فى أى ركن..او حتى داخل القسم الخاص بالتلوين ..أشياء لم نكن نحلم بها..وزمن لم يتوفر لنا من قبل..للحكى.. ورغم كل ذلك لم تكن امونه فى نظرى سوى طيف..طيف يتلاشى تماما عندما احاول ان احيطه بذراعى.. لم اكن اطلب منها شيئا ولا ارغب فى قول شئ لها يختص بشكل علاقتنا..كونها قريبة ومعى الى الان ..فى طريق واحد..وهوايات ورغبات متشابهة
حتى لا اظلم تلك البنت..هى لم تتغير ابدا..طيلة السنوات الى عرفتها فيها..المشكلة فى اننى لم اكن أيجابيا معها..وكنت مشوشا..فى ما يجمعنا..لم اكن اشعر حقا انها انثى رغم جمالها الباهر الذى لا تخطئه عين..وبصراحة ربما كنت ارى غيرها..أكثر اثارة واشتهاء..لكن هى فقط ذلك الضوء الغريب..الذى لم استطع ان افتح عيونى لمواجهته ابدا..
بالصدفة ظهر كائن جديد...لن اسميه.....فى وسط عالمنا انا وامونه..صديق قديم لى..وجمعتنى به مرة اخرى تلك الأيام.. وهو عازف ماهر على العود..واكثر وسامة..وابلغ لسانا..من العبد لله..وامونه ذات صوت دافئ وحنون. .لم يسرقها منى كما يتوقع البعض..!! بادرنى بالسؤال مرة عنها بشكل غريب.. عندك حاجة مع امونه ؟؟..لم استطع ان اقول لا او نعم..وكانت تلك الطريقة المبهمة فى الرد ..كلما تفاجئت بهذا الأستيضاح..من أحدهم..
أصبح صديقى...الجديد...القديم....يسبقنى..كل يوم..هوالان.. أسيرا لصوت امنه...وربما لعيونها ايضا.!!.ياتى حاملا عوده على ظهره..وتقبل هى..فى هاله من البريق..لتجلس فى وسطنا مع رفيقاتها..لا نهتم بأى عابر.. دنيانا هى التى نحياها فى اللحظة فقط.. أقترب كثيرا منها....كنت الاحظ ذلك... ولا يثير غضبى ابدا خلواتهما احيانا مع بعضهما..ولا حديثها..هى عنه احيانا..بطريقة..خجولة....لم اكن مخدوعا ولا نادما على اننى جعلت اشياء كثيرة تصل بينهم..وتقرب المساحات بينهم اكثر..واكثر..بدون اى حساسية لأننا كنا حزمة من الضوء..لا نعرف بيننا الخبث ولا الخيانة ابدا
تمنيتها ..له..وهو ايضا..صرح لى يوما بانها مناسبة لك..واكتفيت بالصمت امونه عندما تلتقيها عليك ان تفكر اولا فى الفراق..أمرأة الا يمكنها ان تكون تحت أقدام رجل....أقترب منها0(-) صديقى اكثر مما يجب..كانت هى من تمسك بالفرشاة..بأنامل ذهبية وتضع خطوط النهاية..كيفما تشاء.. أمونه.. غادرناها سويا ..بلا.أحساس بالخيبة..بدون تلك القصص المكررة..والمتشابكة.. عن الغدر..
لأسم امنه بالذات لدى كل السودانيين معزة خاصة..هى قاسم مشترك..فى كل اغانينا ومدائحنا..وهى أم ابو القاسم عليه الصلاة والسلام.. امنة لا تموت ..تولد فى كل يوم جديد..مرحبا بها.وبك..وبكل القادمين الصغار من اجل وطن أفضل...واليها فى مهدها الف سلام..
