غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل

غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل


05-31-2010, 07:25 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=300&msg=1279205613&rn=93


Post: #1
Title: غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل
Author: زهير الزناتي
Date: 05-31-2010, 07:25 PM
Parent: #0

نشرت صحيفة الأحداث مقال للكاتب مصطفي عبد العزيز البطل هذا نصه .....

Quote:

(1)

التقيت الأديب والسياسي والسفير والإعلامي الراحل الدكتور علي أبوسن مرة واحدة في حياتي (أفضِّل استخدام لقب الدكتور في الإشارة إليه برغم عدم ثبوت حصوله على درجة الدكتوراه. وفي كتابه موضوع المقال يرد عنوان رسالة الدكتوراه التي شرع في إعدادها بجامعة لندن وهو "العلاقات السودانية الاثيوبية في عهد الدولة المهدية"، بيد أنه ليس هناك ما يؤيد أنه أنجزها فعلاً). كان لقاءً عابراً غير ذي أثر أوجبته المصادفة المحضة. وقتها لم يكن الرجل في ذهني شيئاً مذكورا. لم أكن حتى قد سمعت باسمه، وإن كان وجوده في المكان الذي رأيته فيه دلّني على انه ربما كان من ذوي الهيئات. غير أنني تنبهت الى عبارة تناهت الى مسمعي عرضاً، صدرت عن وكيل وزارة الخارجية آنذاك، ميرغني سليمان خليل، إذ قال لبعض مجالسيه من الدبلوماسيين السودانيين: (إذا كان دكتور علي أبوسن قد أشاد بخطاب رئيس الوزراء أمام المؤتمر فلا بد انه كان خطاباً استثنائيا). واستنتجت من التعليق، ومن لغة الوجوه والأجساد، أن علي أبوسن هذا من الذين لا يعجبهم العجب، ولا الصيام في رجب. كل ما عَلَق بذهني عن الرجل بعد أن وقعت عيناي عليه انه كان بهيّ الطلعة، على درجة عالية من الوسامة. كان "منظرانياً جميل المنظر". (العبارة الأخيرة استخدمها الراحل البروفيسور عبد الله الطيب في كلمةٍ له يرثي فيها الراحل الآخر محمد عبد الحي).

(2)

الزمان: يونيو من العام 1986م، والمكان أديس أبابا. كنت ضمن آخرين جلوساً ووقوفاً في إحدى أبهاء القاعة الكبرى التي انعقد فيها مؤتمر القمة الإفريقي ذلك العام. لم يكن لي علم بالصفة التي أتت بعلي أبي سن الى هناك، ولا بالدور الذي نهض اليه، وأكبر الظن أنه دورٌ ذو واشجة بإحدى المنظمات الإقليمية أو الدولية التي كان الكثير من قادتها وكادراتها يصولون - مثل الطواويس - في حللهم الفاخرة بين القاعات والأبهاء والغرف المغلقة. غير أن الزمان دار دورته بعد ذلك فعرفت من هو الدكتور علي أبوسن. قرأت له وقرأت عنه. أعجبت به وتعجبت منه. ثمّنت بعض بضاعته فاشتريتها، وبخّست بعضها الآخر فرددتها. ولا ضرر ولا ضرار. تلك هي الحياة وذلك هو قانونها (‏ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين) 'البقرة 251'.

ينتمي الرجل أصلاً وأرومة الى أسرة أبي سن ذات الصيت والصدى. وبيت السنّاب، كما قد علم الناس، هو البيت القائد في قبيلة الشكرية العتيدة التي تضمها أكناف البطانة بين النيل الأزرق ونهر العطبرة . تخرَّج في كلية دار العلوم بمصر في العام 1958م ثم التحق مباشرة بهيئة الإذاعة البريطانية حيث عمل ردحاً من الزمان، تزامل خلاله مع بعضٍ من بني جلدته، ومن هؤلاء الراحلين الطيب صالح، وصلاح أحمد محمد صالح، وأحمد قبانى. وذلك قبل أن تستقطبه في سلكها الدبلوماسي وزارة الخارجية السودانية حيث كان عطاؤه ومعاشه سنين عددا، ألحقها بسنواتٍ أخريات عمل خلالها خبيراً بجامعة الدول العربية. ولما شارف على الربع الأخير من حياته، هبط بشمال الوادي، حيث معشوقته مصر، ونشط هناك في دوائر العمل السياسي الحزبي المناوئ لنظام الإنقاذ، فكانت داره بشارع فوزي رماح بمدينة المهندسين بالقاهرة خليةً نشطة من خلايا حركة المقاومة السياسية. ثم ألقى عصا التسيار بثغر مصر الشمالي الذي اختاره مستقراً ومقاماً ثاب اليه في خواتيم عهده بالدنيا التي فارقها متوسداً ثرى مقبرة المنيرة بالإسكندرية في منتصف أغسطس من العام 2004م. وقد كانت لصاحبنا في دنياه الفانية طموحاتٌ كبار، سياسية وأدبية ومهنية، أدرك بعضها فأصابه، واستعصى عليه بعضها الآخر فأخطأه. وذلك أيضاً منصوص عليه في قانون الدنيا ولوائحها.

(3)

هل سمعت، أعزك الله، بالحوار الذي دار، ذات يوم من أيام الديمقراطية الثالثة، بين الراحل الكاتب الصحافي الإسلاموي محمد طه محمد أحمد والسيد الصادق المهدي؟ كان محمد طه يملأ الدنيا بكتاباته السياسية التي تشبه القنابل العنقودية، وتتساقط بغير احتراس أو تمييز فوق رؤوس كثير من السياسيين والناشطين في العمل العام، ولكنه كان في ذات الوقت يُعنى ببعض جوانب الأدب والثقافة فيكتب عن أدب نجيب محفوظ وروايات إحسان عبد القدوس ويوسف السباعي وما أشبه. ويبدو أن السيد الصادق المهدي كان مطلعاً على بعض هذه الكتابات. وقد تصادف أن التقى المرحوم محمد طه بالسيد الصادق على حفافي مناسبة اجتماعية، فقال له السيد الصادق: (يا محمد كتاباتك في مجال الأدب كويسة جدا، حقو تركز على الأدب وتخلي الحاجات التانية). لم يخف على محمد طه بطبيعة الحال المعنى والمضمون الماكر القابع في عبارة المهدي، وقد كان رحمه الله ذكياً لمّاحاً حاضر البديهة، فسارع على الفور بالرد: (يا سيد الصادق كتّر خيرك. لكن خليني أكلمك النصيحة. أنا الأدب ما بخليهو، وقلة الأدب ما بخليها).

كانت عبارات الراحل العزيز في حواره الطريف الساخر مع حفيد المهدي هي أول ما تبادر الى ذهني وأنا أقلّب صفحات كتاب الدكتور علي أبوسن (المجذوب والذكريات: أحاديث الأدب والسياسة)، الذي لا يحمل أية إشارة الى الدار التي أصدرته، إذ إنه طبع ونشر، فيما يبدو، على نفقة المؤلف ووزعت منه نسخ محدودة، ثم لم يُعد طبعه. ولعل ندرة النسخ المتداولة من هذا الكتاب هي التي حدت بالصديق المهندس حاتم شريف، الذي بعث الي بنسختيه من الجزأين الأول والثاني، فجاءتا تتهاديان فوق سماوات الدنيا الجديدة، من صحارى تكساس الى سهول منيسوتا، هي التي حدت به الى ان يأخذ عليّ العهود المُحكمة والمواثيق الغلاظ بأن أرد له كتابه، بعد أن أفلفله، وأحسن فلفلته، دون مماطلة أو التواء.

وقد نظرت في كتاب أبي سن فوجدته يجمع بين الأدب وقلته، تماماً مثلما جمعت مقالات الراحل محمد طه محمد أحمد بين القيمتين. أوقفنا المؤلف على قدراته الأدبية الرفيعة، كما أشهدنا في ذات الوقت على "قلّة أدبه". تجد بيد دفتي الكتاب الكثير من العلم النافع والمعارف الخصيبة التي تحرك العقل وتغذي الوجدان وتستثير الخيال. ولكنك تقف عند أجزاء اخرى منه فتحتار ويحتار دليلك. وتسأل نفسك: أجدٌّ هذا أم هزْل؟ هل طالعت فعلاً ما تراءى لي انني طالعته، أم هي التهيؤات والخيالات والهلاوس؟! ولكنني عدتُ بعد ذلك الى مقالٍ قديم تناول فيه الناقد المُفلق عبد المنعم عجب الفيا ذات الكتاب تحت عنوان "علي أبو سن ومصطفى سعيد" (2003م)، فوجدته قد كتب: (أما عنصر الإثارة في الكتاب فيأتي من الصراحة التي تصل الى حد التجريح، والحديث عن الذات باعتداد وثقة غير مألوفة، والكشف عن جوانب لم تكن معروفة في حياة المشاهير من رموز التاريخ والسياسة والأدب). ثم أضاف: (وأظن أن هذه الجرأة وهذه الصراحة المتناهية في الحديث عن الذات والآخرين هي الثغرة التي ستنفذ منها سهام النقد والهجوم على المؤلف). ولن أخيّب للناقد عجب الفيا رجاءه ولن أبطل توقعه، بل أنفذ من خلال "الثغرة" المزعومة لأتعامل مع ما يسميه هو "الجرأة والصراحة المتناهية"، وأميل أنا الى تسميته "قلة الأدب".

(4)

بين دفتي دفتر أبي سن من الكلام ما لا يشك أحد في أن المسؤولين عن تحرير الصحف عندما يقعون على مثله فإنهم يؤشرون عليه بالقلم الأحمر بلا تردد وبغير إبطاء: (لا يصلح للنشر). ولكن أبا سن رآه صالحاً. هذا شأنه، وكل شاةٍ معلَّقة من عرقوبها. وما كنا لنرى في الأمر غضاضة، وكثيرٌ منه يهون لو أنه كان محض رأي المؤلف ومحصول فكره. ولكنه غير ذلك. فالرجل يبذل في كتابه رسائل خاصة بعث بها اليه في مراحل باكرة من حياته رجالٌ من ذوي الشارات في سوحنا السياسية والاجتماعية والثقافية. رسائل من ذلك الصنف الذي يتبادله الصديقان الحميمان، وسر واحدهما وحماقاته وسقطاته وخطاياه عند الآخر. تجد بين نثيرها بعضاً مما لو قيل باللسان قيل همساً، وفي البال أن السُترة مطلوبة، و(الحيطان لها آذان).

ما قولك - أعزك الله - في رسالة تبعث بها الى رفيق صباك، وكاتم سرك، وانت في صهوة الشباب، تكتب له عن حوار دار بينك وبين فتاة عرفتها، تصفها لصاحبك بأنها "فنانة" و"مثقفة"، تقرأ لها شيئاً من إنتاجك الثقافي، وأنت نفسك تصف بعض جوانب ذلك الإنتاج بالخروج عن نسق القيم المألوفة في حيواتنا الاجتماعية، فتقول في خطابك ان الفتاة انفعلت بما سمعت فهتفت لا إرادياً "أحَّي"، فأبديت استغرابك للفتاة كونها مثقفة وتقول "أحّى"، فاستدركت الفتاة وقالت "سجمي"! ما قولك لو أن العمر امتد بك، بعد ذلك، عبر فورات الشباب الى مدارج الكهولة ثم الى مهاوي الشيخوخة، ثم فوق آلة حدباء الى مثواك الأخير، ثم أتاك منكر ونكير وأنت في هدأة القبر، ينبئانك أن رسالتك إياها أودعها صاحبك في كتابٍ منشور وأشاعها بين الخلق؟! واسمع صاحبي فلان يقول (ويعني شنو؟). يعني شنو؟ إذن فخذ هذه: يكتب الصديق للصديق عن حبشية عرفها في الخرطوم وافتتن بها. يصف جسدها وصفاً حسياً، ثم يتغزل في روحها من مدخل الجسد (من خلال جسدها الصافي رأيت روحها الصافية). ويشيد بكونها تنتقي فلا تدخل اليها كل من هب ودب، شأن الاثيوبيات اللائي عرفتهن الخرطوم في الزمن الذي مضى (إنها تعشق ولا تدخل إلا من يروق)! ويغضب الصاحب لأن الحكومة رحّلت الحبشيات ومنعت البغاء، ويقسم أن من منعوا البغاء هم الداعرون (أجاعوا الشعب وأبأسوه، ولم يعطوا إلا قبحاً، ورموا قبحهم ودعارتهم على أمثال مجدلينة، وأقسم بالواحد الأحد أن عانة مجدلينة أفضل وأزكي من لحى هؤلاء)!

تقرأ في الرسائل كلاماً كثيراً عن علاقات الرجلين النسائية. خاصةً في حالة أبي سن الذي يطرح نفسه على انه دونجوان زمانه وكازانوفا عصره. بل إنه مضى قدماً لا يلوي على شئ فزعم أنه هو نفسه الذي عناه غارسيا ماركيزنا، الطيب صالح، عندما كتب عن شخصية مصطفى سعيد، مؤكداً أن الطيب صالح ذكر ذلك بعظمة لسانه له ولبعض خاصة أصدقائه. ولكن ما ذنب الآخرين الذين لا يد لهم ولا كراع في مهرجان الفضائح هذا. لا سيما إن كان هؤلاء الآخرون من قادتنا ورموزنا القومية في مضامير السياسة والثقافة؟ في إحدى الرسائل سؤال عن امرأة إنجليزية، اسمها كاثلين، كانت موضع اهتمام المؤلف وصاحبه. ولكن في معرض التعريف بهذه المرأة ترد الإشارة من غير داعٍ وبلا مسوّغ مفهوم الى انها كانت في الأصل صديقة للسيد سر الختم الخليفة رئيس الوزراء والسفير الأسبق إبان وجوده في لندن، ثم بعد عودة الأخير الى السودان وانقطاع العلاقة، اتخذها السفير جمال محمد أحمد صديقة له هو أيضاً! (يا ترى هل كانت سليلة السكسون هذه متعهدة للسفارة السودانية، أم ماذا؟). أما عن رسائل المجذوب الى رفيقته الإنجليزية روزميري، التي نشرها أبو سن بذباباتها، فحدّث ولا حرج.

وقد حيّرني حيرةً جاوزت المدى أن أبا سن ترخّص ترخصاً لا رشد بعده، فلم يجد حرجاً من أي نوع في أن يجاهر بإعجابه بل وافتتانه بجمال القائدة الشيوعية فاطمة أحمد إبراهيم، في عهد شبابه وشبابها. ولم يجد بأساً من الإقرار بأنه حاول أن "يشاغلها" فردته رداً غير لطيف (حدجتني بنظرة إهمال وصمت ارتجت لهما أعماقي). يقول: (كنت أخفي افتتاني بعذوبة جمالها الساحر). ويمضي قُدُما فيربط ذلك الجمال بمنطقة رفاعة التي اشتهرت نساؤها بالجمال، أو كما قال: (.. بنات رفاعة هن أجمل الكائنات)!

(5)

كتب شيخنا الدكتور عبد الله علي إبراهيم أن السجن المايوي تطاول عليه وعلى أصحابه الشيوعيين في حقبة السبعينيات، فكان هناك صاحب له مسجون يناديه الى كنبة متطرفة في باحة السجن اعتاد أن يثوب اليها في ساعات العصاري قائلاً: "يا عبد الله تعال أقعد معاي نتمحّن"! وها أنا أناديك أنت - أيها الأعز الأكرم - لنتمحن معاً في جانب آخر من جوانب الرسائل. ولنترك غراميات أبي سن والمجذوب المذاعة على الملأ وسنعود إليها لاحقاً لو نسأ المولى في آجالنا. نعرف من الرسائل المتبادلة أن الأستاذ محمد المهدي المجذوب ورفيقه علي أبوسن كانا عضوين في لجنة النصوص بالإذاعة. وعندما غادر أبو سن ليعمل بسفارة السودان بلندن كان من الطبيعي أن تكون ذكريات لجنة النصوص مادة من مواد الرسائل المتداولة. ومن بدائه الأشياء أن ترد في هذه الرسائل ملاحظات وتعليقات وخاطرات حول الشخوص والمواقف والأحداث. ومن الطبيعي أيضاً أن تكون بعض هذه التعليقات والملاحظات سالبة في مضمونها الاجتماعي، مما يدخل في ذلك الباب الواسع العريض الذي تعرفه شعوب الأرض قاطبة باسم "النميمة". غفر الله للصديقين الراحلين أبي سن والمجذوب، ولنا جميعا، فكلنا نمّامون. وخير النمّامين التوابون. واخوتنا في شمال الوادي يجعلون للنميمة مفرداً فيقولون عن القطعة الواحدة من النميمة "نمّاية"، فتجد الواحد منهم يحدث الآخر: (تعال أسمع النمّاية دي).

اسمع يا هداك الله، هذه "النمّاية" كما وردت في إحدى رسائل المجذوب الخاصة التي لم يتورع صاحبه عن إذاعتها. ومحور الحديث هنا هو الأديب السوداني الفذ الراحل حسن نجيلة، وكان عضواً في لجنة النصوص الى جانب المجذوب وأبي سن: (حسن نجيلة مغرور، عميق الغرور، متحذلق ومعجب بنفسه. يتحدث بكلام خارم بارم، هو ثقيل، هل رأيت أثقل منه؟). ثم وعلى مذهب "الأعور الجنبك" كتب: (وهل رأيت أسمج من الولد بدر الدين سكرتير لجنة النصوص)؟ وخذ هذه النمّاية عن الشاعر الضخم الراحل إبراهيم العبادي (العبادي رجل جلف، سكران، نرجسي، قبيح. النرجسية أصلها - كما أزعم - للجمال، ولكن نرجسية العبادي للقبح). أما الشاعران الكبيران الدكتور الزين عباس عمارة وصديق مدثر فهذا هو نصيبهما من النميمة: (تركيبة تشوبها السطحية وعدم الفصاحة، وينقصها الفن).

وأحاديث الأدب والسياسة، وقلة الأدب والكياسة عند أبي سن تطول. [ نواصل]



نقلاً عن صحيفة "الاحداث" - 26/05/

Post: #2
Title: Re: غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل
Author: زهير الزناتي
Date: 05-31-2010, 07:27 PM
Parent: #1

وهنا مقال السمؤال ابو سن زميل البورد رداً علي مقال البطل في صحيفة الأحداث الصادرة اليوم :

Quote:

غاب أبوسن ولعب أبوضنب (1)

ذكر الكاتب مصطفى البطل في مقاله «أحاديث الأدب وقلة الأدب» بصحيفة الأحداث الغراء في عددها رقم 1072 بتاريخ 26 مايو 2010، أن لقاءه بالراحل علي أبوسن مؤلف كتاب «المجذوب والذكريات»، كان «لقاءً عابراً غير ذي أثر أوجبته المصادفة البحته». وعندي أن البطل كان دقيقاً جداً في وصفه لهذا اللقاء حيث لا أتوقع أن يكون لقاءه بعلي أبوسن غير لقاء عابر، وأسباب ذلك لا تغيب على ذي فطنة وأهمها أنه ليس ثمة ما يجمع بين الإثنين لا مقاماً ولا مقالاً ولا مجايلة. ليس في ذلك انتقاص من قدر البطل، أكثر من وضع الأمور في نصابها وإبعاد للندية التي حاول أن يوهم بها القارئ في مستوى العلاقة بينه و بين علي أبوسن.
وغالب تقديري أن البطل قد «تحسس» بعض الشئ مما قد يكون حسبه - والنفس أمارة بالسوء - «تجاهلاً» من علي أبوسن أوغر عليه صدره مما جعله يستطرد وينقب في أحقيته بالدرجة العلمية التي لم يدّعها أبوسن يوماً، متسائلاً عما إذا كان أبوسن قد نالها أم لا، وهو لعمري استطراد وتنقيب لا يقدم ولا يؤخر في موضوع المقال، ولا يشف إلا عن غرض كاتبه.
ومصطفى البطل الذي مدد رجليه في عتمور الجدب المعرفي الذي خلفته تركة عشرين عاماً إنقاذية ليكون من أبرز كتابنا في هذا العهد البئيس، سيتحفنا بسلسلة مقالات عن كتاب «المجذوب والذكريات» مهد لها بالرقم (1)، سيتحتم علينا قراءتها حتى نقف وقوفاً متئداً على بعض نماذج الكتابة المغرضة ونفضح دوافعها ومن وراءها.
يوحي البطل للقارئ بأنه يطلع للمرة الأولى على هذا الكتاب، فيقول في سياق تمهيده لاستخدام عبارة «قلة الأدب»، في حوار نسبه للمرحوم محمد طه محمد أحمد مع الصادق المهدي: «كانت عبارات الراحل العزيز في حواره الطريف الساخر مع حفيد المهدي هي أول ما تبادر الى ذهني وأنا (أقلّب)! صفحات كتاب الدكتور علي أبوسن (المجذوب والذكريات: أحاديث الأدب والسياسة)، الذي لا يحمل أية إشارة الى الدار التي أصدرته، إذ إنه طبع ونشر، فيما يبدو، على نفقة المؤلف ووزعت منه نسخ محدودة، ثم لم يُعد طبعه. ولعل ندرة النسخ المتداولة من هذا الكتاب هي التي حدت بالصديق المهندس حاتم شريف، الذي بعث الي بنسختيه من الجزأين الأول والثاني، فجاءتا تتهاديان فوق سماوات الدنيا الجديدة، من صحارى تكساس الى سهول منيسوتا، هي التي حدت به الى أن يأخذ عليّ العهود المُحكمة والمواثيق الغلاظ بأن أرد له كتابه، بعد أن أفلفله، وأحسن فلفلته، دون مماطلة أو التواء».
وهذا إيحاء مضلل وينطوي على كثير من التدليس وعدم الأمانة. فمن يقرأ المقال يتصور أن البطل يطلع للمرة الأولى على مؤلف الراحل علي أبوسن» المجذوب والذكريات» وهذا غير صحيح. فهل نسيَ البطل أو تناسى أنه قد استشهد بكتاب «المجذوب والذكريات» استشهاداً نيراً قبل ما يقارب العام؟ ومن عمق الكتاب إذ جاء في مقاله المنشور بصحيفة الأحداث ونقله موقع سودانايل بتاريخ 8 يوليو 2009م في مقاله (منصور خالد لا يرقص الكمبلا) الذي يتولى فيه الدفاع عن الدكتور منصور خالد مقتبساً من كتاب «المجذوب والذكريات» ومستشهداً برسائل المجذوب لعلي أبوسن قائلا:
«في واحدة من رسائله الى علي أبوسن قال المجذوب: (أنا أزعم بأن سبب الفوضى في السودان هو جهل الناس بالتاريخ، وقد زاد جهلهم به حين كتب عنه شبيكة)، «المجذوب والذكريات: أحاديث الأدب والسياسة، الجزء الأول - ص182».
فما الذي يجعل البطل يقرأ كتاب «المجذوب والذكريات» ويفيد منه بما يؤكد أهمية إيراد آراء الراحل العبقري محمد المهدي المجذوب في شأننا العام، دون أن يرى «قلة الأدب» تلك، ودون أن يشير إلى أن ثمة بالكتاب ما يخدش الحياء أو يؤذي الصديق، ثم يمر على ذلك ما يقارب العام سوّد فيه البطل الصحف (حقيقة لا مجازاً) بمقالات راتبة، سطر فيها ما سطر وكتب فيها ما كتب دون أن يكتب حرفاً واحداً عن الكتاب أو كاتبه. فما الذي جدّ، أو بالأحرى ما الذي قلّ؟ هل قلّ الأدب أم قلّت الحيلة؟ أم أن التسرب المزعج للكتاب رويداً رويداً واتساع رقعة تبادله بين الناس قد أزعج بعض المتضررين فأوحوا إلى البطل لينال من صاحب الذكريات ببعض سهامهم وما علق في نفوسهم!
ليت البطل يدري أن الراحل علي أبوسن ما كان ليضيره أن يطلق عليه أحدهم ما يطلق من الكلام المرسل، وما كان سيحفل بمثل الإطلاقات المجانية خصوصاً من «المحرشين» وقد اعتاد عليهم، لم يزعجه يوماً لا الفيل ولا ظله. فقد نذر حياته لصدق نادر، واتساق فريد بين الكلمة والموقف، وشجاعة كانت مثار إعجاب الكثيرين ودفع ثمن كل ذلك حياً وميتا. كتب عنه الدكتور عبد السلام نور الدين، الذي عرف باستقامة الرأي واستقلاله، وشجاعة هي الأخرى قادته إلى دياسبورا وجدها أرحم كثيراً من تيه النفاق السياسي الراهن، قال د. نور الدين عن أبوسن:
((إن شخصية ومأساة الأديب والكاتب الراحل علي أبوسن جد مركبة إذ لا تسمح له طبيعته البدوية الارستقراطية أن يكون أقل من حسن ظنه بنفسه لذا لم يلق بنفسه في حبائل مؤسسة الدولة المصرية، ولم يتمرغ يوماً في معاطن الانتهازية السودانية، ولم يصادق يوماً عدواً له مبرراً ان ذلك من نكد الدنيا عليه. ولم يك باحثاً عبر السياسة والعمل العام عن خلاص فردي أو شخصي له)) انتهى كلام الدكتور عبد السلام نور الدين. ولعمري إن د. عبد السلام قد لخص أهم مفاتح شخصية علي أبوسن بهذه الأسطر التي سجلها بتلقائية وهو يرثي الراحل رثاء من يعرف قدر نفسه وأقدار الرجال.
نعود لنقول، راهن علي أبوسن على اتساقه الداخلي ورثى للاضطراب البين في شخصية البعض من المثقفين السودانيين، ذلك البعض الذي وصفه في كتابه بأنه «ضعيف جداً أمام إغراءات السلطة، مسفُُ في أفانين التسلق و»المحلسة».
يقول البطل الذي يذكر أنه كان حاضراً (ضمن آخرين) مؤتمر القمة الأفريقي الذي عقد في العام 1986م، بأديس أبابا، إنه لم يكن له علم بالصفة التي أتت بعلي أبوسن إلى هناك! ورغم أن معلومة كتلك كانت مبذولة لمن يريدها ولا تتطلب جهداً كبيراً، لكن الواقع أن البطل كان في شغل بإثارة السؤال نفسه عن الإجابة، لا لشئ إلا ليوحي بأن ليس ثمة ما يبرر وجود أبوسن في ذلك المؤتمر، ولن نتساءل، لماذا، لأننا كما أسلفنا أن الغرض مرض.
كنت أتوقع ممن يكتب بهذه الطمأنينة عن شخصية بالغة التعقيد مثل شخصية علي أبوسن، أن يلم ببعض المعلومات البديهية عنه. فعلي أبوسن كان من الخبراء في الشؤون الأفريقية منذ وقت مبكر. وهو المؤسس (حقيقة لا مجازاً) للإدارة الأفريقية بالجامعة العربية، ومهندس أول مؤتمر قمة عربي أفريقي من خلال عمله المباشر مع الأمين العام الأسبق لجامعة الدول العربية الراحل محمود رياض. وقد قدم أبوسن للجامعة العربية آنئذ أول خارطة طريق لسبر أغوار العلاقات العربية الأفريقية عبر الكتاب الذي أصدره مركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية بعنوان «العرب وتحديات الحوار مع أفريقيا». عمل مستشاراً للمصرف العربي الأفريقي بالخرطوم حتى انقلاب الإنقاذ، حيث غادر السودان لمصر، ليساهم في انطلاق العمل المعارض وكان له شرف المشاركة في إعداد وإذاعة أول بيان للمعارضة من الخارج من خلال موقعه كناطق رسمي باسمها. كان خلال كل ذلك ناشطاً في التأسيس لفلسفة جديدة تقوم عليها العلاقات العربية الأفريقية بعيداً عن مخططات الهيمنة الإستعمارية التي كان يرى أنها تسعى لحفر أخاديد لفصل أفريقيا عن محيطها العربي. فهل غابت معلومات بديهية كهذه عن البطل الذي يبدو أنه كان متابعاً جيداً لعلي أبوسن لدرجة معرفة عنوان سكنه في القاهرة ومتابعاً انتقالاته في مصر حتى انتقاله الأخير للرفيق الأعلى ودفنه بمقبرة المنارة، وليس المنيرة، بالإسكندرية!
على أية حال تلك كانت صفة علي أبوسن حين يحضر أي محفل يتناول الشأن الأفريقي العربي، فليت البطل أخبرنا عن الصفة التي أتت به هو إلى ذلك المؤتمر، قبل أن يسهب في السؤال عن البديهيات وإطلاق المرسل والمجاني من الكلام.
يقول البطل الذي أفرزه الراهن السوداني ككاتب (كبير)، أنه (نظر)! في كتاب علي أبوسن فوجده، «يجمع بين الأدب وقلته! مثلما جمعت مقالات الراحل محمد طه محمد أحمد بين القيمتين. أوقفنا المؤلف على قدرته الأدبية الرفيعة، كما أشهدنا في ذات الوقت على (قلة أدبه)» هكذا!
وبرغم صعوبة المقارنة في السياق والمضمون بين الاثنين نقول إن «قلة الأدب» التي أطلقتها كوصف لعلي أبوسن يا «بطل»، هي حكم قيمة ما في ذلك شك، وحكم القيمة ينطوي على مفهومِ مطلقهِ أكثر من عكسه لواقع معين. وإذا الأمر كذلك ليتك تخبرنا أي الشُرف أطللت منها على «قلة أدب» علي أبوسن؟ وبعين من الساخطين عليه رأيته؟ ثم نتساءل عن معايير «قلة الأدب» التي تفرد بها علي أبوسن، وسمحت للـ»بطل» «المؤدب» أن يجلده بسياط غلاظ وأن ينصب نفسه حارساً للأخلاق يقيم أحكامه في من يخالف نسقه الفريد في تقييم الأخلاقي واللا أخلاقي.
نقول إنه ربما فتح شهية البطل «المحرَّش»، للنيل من الراحل علي أبوسن، هو لجوء الأخير، الذي كان يقف وحيداً على مسافة من كل مراكز القوى في المعادلة السياسية والثقافية في السودان، في مذكراته للكتابة المفتوحة عن نفسه وعن الآخرين دون أية قيود.
المذكرات نوع من الكتابة الصعبة بطبيعتها، لأنه لا أحد سيكتب مذكراته في محيط معزول، ولأن حياة الفرد هي سلسلة طويلة من التجارب تتكامل في منظومة واحدة هي الذاكرة، وهي بطبيعتها تتشكل من خلال احتكاك الفرد وتجاربه مع الآخرين، والفرق دائماً في أدب المذكرات بين كتابة وأخرى هو في درجة البلاغة والوضوح وتحريك الكامن والمستتر والغرائبي والفريد والملفت، وفي إعادة إنتاج ما يمر بالكاتب من حوادث الدنيا وأحاديثها. كثيرون كتبوا مذكراتهم ومرت بلا حادث ولا حديث. وقليلون هم من حركت كتاباتهم الواقع حولهم وحفزت لتغييره. الفيصل في ذلك هو مقدرة الكاتب على التعبير وتحمله لنتائج ما يكتب وكم كان عليٌ قميناً بذلك وواجه أساطين السياسة والمجتمع السوداني ودفع ثمن ذلك ما دفع من التهميش والتشويه ومحاولات اغتيال الشخصية. وفي كتابة المذكرات، من الطبيعي أن يخلق الكاتب حالة من الجدل حول ما كتبه وحول مدى أحقيته في نشر رسائل أو معلومات عن غيره ويتحول بذاته لمادة تتضارب حولها الآراءControversial . فعلي أبوسن لم يكن أول من نشر رسائل في مذكراته هذا تقليد تليد تكرر كثيراً في التاريخ وقد أفادت منه البشرية كثيراً، ومجتمعنا لم يكن استثناءً.
لم يستوعب البطل للأسف الشديد، الإشارة الذكية للناقد الفذ الصديق العزيز عبد المنعم عجب الفيا، الذي كان من أوائل من كتبوا عن «المجذوب والذكريات»، كتابة جزلة تعامل فيها مع الكتاب بجدية تامة ككتاب مذكرات وقرأه في هذا السياق وسبر أغوار العميق والملغز والمعقد فيه، وذهب في تحليل عميق للونية الكتابة التي دمجت في بعض أجزاء الكتاب بين الكاتب وشخصية مصطفى سعيد الروائية، في رواية «موسم الهجرة للشمال» للراحل الطيب صالح. لم يتنبه البطل لقول عجب الفيا حين ذكر:
«أما عنصر الإثارة في الكتاب فيأتي من الصراحة التي تصل الى حد التجريح، والحديث عن الذات باعتداد وثقة غير مألوفة، والكشف عن جوانب لم تكن معروفة في حياة المشاهير من رموز التاريخ والسياسة والأدب. ثم أضاف: (وأظن أن هذه الجرأة وهذه الصراحة المتناهية في الحديث عن الذات والآخرين هي الثغرة التي ستنفذ منها سهام النقد والهجوم على المؤلف».
فهل كان الفيا نفسه عاجزاً عن قول الكلام السهل المرسل من شاكلة «قلة الأدب» ونحوها، أم أنه آثر نوعاً من التعامل الذكي مع المسائل الخلافية في أدب المذكرات. لم يسعف البطل ذكاؤه وحسه العام، لاستيعاب حساسية الأمر رغم إشارة الفيا الواضحة، ولكن أنى لصاحب الغرض ذلك؟! يقول «البطل» بعنترية وعدم اكتراث يحسد عليهما: «لن أخيب للفيا رجاءه (هكذا) ولن أبطل توقعه – هكذا وكأن الفيا قد ترجاه ليفعل! - يقول: «بل أنفذ من خلال «الثغرة» المزعومة لأتعامل مع ما يسميه هو - أي الفيا - «الجرأة والصراحة المتناهية»، وأميل أنا الى تسميته «قلة الأدب« .
نتساءل وما الذي يعصم قولك هذا يا «بطل» آخر الزمان من وصفه بالوقاحة والإسفاف وقلة الأدب الصراح؟
من المؤسف جداً أن يميل مثل البطل الذي تحمل سيرته الذاتيه الكثير من الألقاب، إلى مثل هذه الشتيمة الصريحة في نفس الوقت الذي يقيم فيه كل حيثيته على أحكام قيمة لا ثابت فيها غير نسبيتها. لن ندخل في مزايدة مسفَّة في سوق الشتائم هذا رغم سهولته وفرادة القاموس العربي فيه، فذلك مدخل لن نسمح لأنفسنا بمجاراة الـ»بطل» فيه. ولكننا نعجب لمن يحرص على أدنى قدر من المصداقية أن يستسهل هذا الولوغ في الشتيمة والإطلاقات! ذاك لعمري ضرب من العوار أو (العوارة) بكلامنا الدارجي. قال فيه الشاعر:
«لا تشتمن عرضي فداك أبي.. فإنما الشتم للقوم العواوير».
يمارس البطل أعلى درجات نفاق المثقف وعلى رؤوس الأشهاد. فبالأمس يتكئ على الكتاب ليستشهد بما يتباكى اليوم على نشره. ويستعين ببعض مضمون الكتاب في حرب الوكالة التي يديرها إنابة عن البعض ويعود بعد عام ليدين عين ما استشهد به دون أن يرف له جفن. فتحت أي مبرر يمكن أن نضع مثل هذا السلوك المضطرب؟
يكتب البطل في مقال حواري له مع الكاتب الصحفي الأستاذ فتحي الضو: (إلا أن هناك خلاف بيّن في الرؤى، عند تشخيص الهم الوطني، بيني وبين صاحبي. إذ بدا لي من خلال متابعة متأنية مستطردة لإسهاماته ككاتب قيادي خلال العامين المنصرمين أن فتحي، الذي كتب في الماضي كتاباً كاملاً عنوانه (محنة النخبة السودانية)، أصبح يرى أن محنة السودان في حاضرها تبدأ وتنتهي عند الحركة الإسلامية و(العصبة ذوي البأس) من رجالها. والفقير لربه يرى أن محنة السودان تبدأ وتنتهي عند مثقفيه ومتعلميه وفي طليعتهم من يُفترض أنهم قادة الرأي والفكر ومهندسو الحراك السياسي والثقافي بين قواه المدنية بشكل عام، وأن عجز هذه القوى وخبالها، وأخشى أن أقول هشاشة النسيج الخلقي في قماشتها، وتفشي الروح الانتهازية بين صفوفها هو الذي قاد السودان إلى مشهده الراهن).
فهل غادر بعض مثقفينا من متردم (الهشاشة والعجز وروح الانتهازية) واهتبال السوانح، ضاربين بكل قيم الرصانة والتحقق والتريث وصدق الدافع عرض الحائط؟! كم كان حرياً بالبطل أن يضم نفسه لتلك الزمرة من المثقفين الذين عاب عليهم هشاشة الأخلاق والروح الانتهازية وغيرها من المثالب.
ثم نأتي للمضحك المبكي في نقد البطل لما حمله كتاب «المجذوب والذكريات»، بقوله (إن المسؤولين عن تحرير الصحف عندما يقعون على مثله فإنهم يؤشرون عليه بالقلم الأحمر بلا تردد و بغير إبطاء «لا يصلح للنشر»)! ألا يستحي هذا «البطل»؟ ليستشهد على صدق كتابه بقلم الرقيب الصحافي سئ السمعة لتعضيد باطله؟ وهل يظن أنه كانت ضمن أولويات الراحل علي أبوسن أن يتعطّف عليه رقيب النشر الصحافي، بعطية المزين هذه؟ ثم متى كان قبول النشر الصحفي أو رفضه معياراً لتمييز الجيد عن الردئ في الكتابة؟ هل يخفى على البطل الكم الهائل من تراث الإنسانية القيم الذي تم حجبه عن الصحافة بذات القلم الأحمر؟؟
فلتهنأ أنت يا «بطل» باحتفاء مقص الرقيب بمقالاتك الحماسية، فذاك شنٌ وافق طبقه. أما علي أبوسن فقد بصق على النفاق بكافة أشكاله، ولا عزاء عنده لأصحاب الأجندة الخفية والممسكين بالعصا من المنتصف.
يتبع...


Post: #3
Title: Re: غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل
Author: زهير الزناتي
Date: 05-31-2010, 07:52 PM
Parent: #2

157.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


السموأل أبو سن

Post: #4
Title: Re: غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل
Author: زهير الزناتي
Date: 05-31-2010, 08:01 PM
Parent: #3

5.gif Hosting at Sudaneseonline.com

مصطفي عبد العزيز البطل

Post: #5
Title: Re: غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل
Author: زهير الزناتي
Date: 05-31-2010, 08:13 PM
Parent: #4

مقال السموأل

http://www.alahdath.sd/details.php?articleid=4064

Post: #6
Title: Re: غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل
Author: زهير الزناتي
Date: 05-31-2010, 08:14 PM
Parent: #5

مقال مصطفي البطل

http://www.alahdath.sd/details.php?articleid=3825#

Post: #8
Title: Re: غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل
Author: ادريس عوض
Date: 05-31-2010, 08:38 PM
Parent: #6

في انتظار رأيك أستاذ زهير



مع ودي

Post: #62
Title: Re: غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل
Author: فخرالدين عوض حسن
Date: 06-03-2010, 10:14 PM
Parent: #6

Quote: ليت البطل يدري أن الراحل علي أبوسن ما كان ليضيره أن يطلق عليه أحدهم ما يطلق من الكلام المرسل، وما كان سيحفل بمثل الإطلاقات المجانية خصوصاً من «المحرشين» وقد اعتاد عليهم، لم يزعجه يوماً لا الفيل ولا ظله. فقد نذر حياته لصدق نادر، واتساق فريد بين الكلمة والموقف، وشجاعة كانت مثار إعجاب الكثيرين ودفع ثمن كل ذلك حياً وميتا.


لا يعرف قدر الرجال غير الرجال

رحمك الله استاذي علي ابوسن

Post: #7
Title: Re: غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل
Author: Omayma Alfargony
Date: 05-31-2010, 08:34 PM
Parent: #4

شكرا استاذ زهــــــــــــــــــــير.

:).

Post: #9
Title: Re: غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل
Author: زهير الزناتي
Date: 05-31-2010, 08:45 PM
Parent: #7

الأستاذ ادريس عوض تحياتي ...

يبدو أن المقال بداية لمقالات عديدة من الطرفين لذا من المفيد الإنتظار حتي إنتهاء هذا السجال الصحفي الملتهب ... علي الرغم من طول المقالين إلا أن النقطة الأساسية التي يقوم عليها المقالين هي ما يجب نشره وما لا يجب ... مبدئياً أعضد الرأي القائل بالنشر .. ليس إنتصاراً لرأي صديقي السموأل وإنما من موقف مبدئي ...

Post: #10
Title: Re: غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل
Author: زهير الزناتي
Date: 05-31-2010, 08:46 PM
Parent: #9

الأستاذة أميمة

شكراً لمرورك ...

Post: #11
Title: Re: غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل
Author: أبو ساندرا
Date: 05-31-2010, 09:05 PM
Parent: #10

زهير زناتي :
Quote: مبدئياً أعضد الرأي القائل بالنشر
ليس إنتصاراً لرأي صديقي السموأل وإنما من موقف مبدئي ...


أقف ذات الموقف المبدئي الذي وقفه الزناتي ومن قبله الراحل علي أبوسن
و أضيف تحية لسؤال أبوسن فقد كتب ردآ رصينآ

Post: #13
Title: Re: غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل
Author: Tumadir
Date: 05-31-2010, 09:10 PM
Parent: #10

كنت قد قرأت مقال اابطل منذ يومين ..

وظللت أتحرق شوقا معرفة هذا الرجل الذى كل ما حاول ناقده ان يقلل من قيمته ...ازداد القارىء تلهفا لمعرفة السر الذى حدا به لفعل ذلك ...هذا كان قد حدث لى ....

حتى قرأت هذه الفقرة من مقال السموأل ..والحمدلله على السموأل الذى حول مقال البطل الى .... (هباءا منثورا ونسيا منسيا):

Quote: فعلي أبوسن كان من الخبراء في الشؤون الأفريقية منذ وقت مبكر. وهو المؤسس (حقيقة لا مجازاً) للإدارة الأفريقية بالجامعة العربية، ومهندس أول مؤتمر قمة عربي أفريقي من خلال عمله المباشر مع الأمين العام الأسبق لجامعة الدول العربية الراحل محمود رياض. وقد قدم أبوسن للجامعة العربية آنئذ أول خارطة طريق لسبر أغوار العلاقات العربية الأفريقية عبر الكتاب الذي أصدره مركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية بعنوان «العرب وتحديات الحوار مع أفريقيا». عمل مستشاراً للمصرف العربي الأفريقي بالخرطوم حتى انقلاب الإنقاذ، حيث غادر السودان لمصر، ليساهم في انطلاق العمل المعارض وكان له شرف المشاركة في إعداد وإذاعة أول بيان للمعارضة من الخارج من خلال موقعه كناطق رسمي باسمها. كان خلال كل ذلك ناشطاً في التأسيس لفلسفة جديدة تقوم عليها العلاقات العربية الأفريقية بعيداً عن مخططات الهيمنة الإستعمارية التي كان يرى أنها تسعى لحفر أخاديد لفصل أفريقيا عن محيطها العربي. فهل غابت معلومات بديهية كهذه عن البطل الذي يبدو أنه كان متابعاً جيداً لعلي أبوسن لدرجة معرفة عنوان سكنه في القاهرة ومتابعاً انتقالاته في مصر حتى انتقاله الأخير للرفيق الأعلى ودفنه بمقبرة المنارة، وليس المنيرة، بالإسكندرية!

Post: #12
Title: Re: غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل
Author: ادريس عوض
Date: 05-31-2010, 09:07 PM
Parent: #9

http://www.sudaneseonline.com/db/attention/100_Point.gif

الأستاذ زهير
لك التحية
لم أقصد جزئية ما يجب نشره أو ما لايجب ..
ولكني عنيت رأيك الشخصي بعد أن قرأت المقال الأول والثاني
أو با لأحرى تقييمك لوجه نظر كل كاتب من ناحية الخطأ والصواب

لك شكري وتقديري

Post: #14
Title: Re: غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل
Author: زهير الزناتي
Date: 05-31-2010, 09:17 PM
Parent: #12

الأستاذ إدريس ...

وجهة نظري واضحة لا لبس فيها .. فقد قلتها في الفقرة السابقة أن مقال الأستاذ مصطفي البطل يقوم علي نقطة اساسية وهي ما لا يجب نشره .. وأن الأستاذ علي أبو سن قال ما لا يجب أن يقال وهي الفكرة المحورية للمقال وأنا أقف ضده ... أما عنه ككاتب فهو مجيد ومن افضل الذين يكتبون في صحافة الخرطوم هذه الأيام إن اتفقت معه أو أختلفت وهو موقفي الغالب حول كتاباته ..

اما السموأل ففي رأي كتب مقالا ممتازاً وهو كاتب مقل وكسول ونتمني أن نقرأ له دائماً ... وأن كنت أعيب عليه بعض المخاشنات في المقال أعلاه والتي بكل تاكيد لا تشبهه ...

Post: #15
Title: Re: غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل
Author: mutwakil toum
Date: 05-31-2010, 09:59 PM
Parent: #14

Quote: اما السموأل ففي رأي كتب مقالا ممتازاً وهو كاتب مقل وكسول ونتمني أن نقرأ له دائماً ... وأن كنت أعيب عليه بعض المخاشنات في المقال أعلاه والتي بكل تاكيد لا تشبهه ...

السموأل مثقف واعي يتحسس موطأ قلمه جيداً قبل الكتابة، وهو لا ينجر وراء عواطفه، و بألتاكيد يتعمد هذه المخاشنة، لأسباب أوضحها في المقال أعلاه، و هي مخاشنة فرض عين: فدونها تصبح المسافات ضبابية بين البطل والراحل أبوسن.
-----
لكم الشكر


Post: #16
Title: Re: غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل
Author: MAHJOOP ALI
Date: 06-01-2010, 01:15 AM
Parent: #15

الزناتي
سلام
ادب المذكرات لايخضع او يقاس بالادب وقلته.
اوالتحسس من تناول فلان او علان
غادة السمان نشرت رسائلها الغرامية ،الحميمة جدا
مع الشهيد غسان كنفاني ،في نهاية الثمانينات وهي
متزوجة من رجل اخر، معني كده في عرف البطل ان غادة السمان
مره مطلوقة ساي!!!!! ولاكيف؟

Post: #17
Title: Re: غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل
Author: munswor almophtah
Date: 06-01-2010, 02:16 AM
Parent: #16

حديد لاقى حديد. والبطل وأبوسن فى خشم القربه ونحن جلوس بين قامشة وكبد ألبل والقامشه فى شيشه.. أتحفونا.. ورحم الله على أبوسن الذى سن سننا فى القول والفعل بمعرفة يقينيه يتجدد الرجوع إليها والوقوف عليها بمواقيت وطرائق مختلفه. التحيه للبطل وللسمؤال أبوسن والرحمه للمرحوم الأستاذ على أبوسن.....................................




منصور

Post: #18
Title: Re: غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل
Author: عبدالكريم الامين احمد
Date: 06-01-2010, 04:29 AM
Parent: #17

متابعين يا زهير
ولسموال ابو سن كل التحايا والتقدير

Post: #19
Title: Re: غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل
Author: عزام حسن فرح
Date: 06-01-2010, 04:37 AM
Parent: #17

كتب < البطل > عن < علي أبو سِن > : :
Quote: ينتمي الرجل أصلاً وأرومة الى أسرة أبي سن ذات الصيت والصدى. وبيت السنّاب، كما قد علم الناس، هو البيت القائد في قبيلة الشكرية العتيدة التي تضمها أكناف البطانة بين النيل الأزرق ونهر العطبرة . تخرَّج في كلية دار العلوم بمصر في العام 1958م ثم التحق مباشرة بهيئة الإذاعة البريطانية حيث عمل ردحاً من الزمان، تزامل خلاله مع بعضٍ من بني جلدته، ومن هؤلاء الراحلين الطيب صالح، وصلاح أحمد محمد صالح، وأحمد قبانى. وذلك قبل أن تستقطبه في سلكها الدبلوماسي وزارة الخارجية السودانية حيث كان عطاؤه ومعاشه سنين عددا، ألحقها بسنواتٍ أخريات عمل خلالها خبيراً بجامعة الدول العربية. ولما شارف على الربع الأخير من حياته، هبط بشمال الوادي، حيث معشوقته مصر، ونشط هناك في دوائر العمل السياسي الحزبي المناوئ لنظام الإنقاذ، فكانت داره بشارع فوزي رماح بمدينة المهندسين بالقاهرة خليةً نشطة من خلايا حركة المقاومة السياسية. ثم ألقى عصا التسيار بثغر مصر الشمالي الذي اختاره مستقراً ومقاماً ثاب اليه في خواتيم عهده بالدنيا التي فارقها متوسداً ثرى مقبرة المنيرة بالإسكندرية في منتصف أغسطس من العام 2004م.



كتب < السمؤال أبو سِن > عن < علي أبو سِن > :
Quote: فعلي أبوسن كان من الخبراء في الشؤون الأفريقية منذ وقت مبكر. وهو المؤسس (حقيقة لا مجازاً) للإدارة الأفريقية بالجامعة العربية، ومهندس أول مؤتمر قمة عربي أفريقي من خلال عمله المباشر مع الأمين العام الأسبق لجامعة الدول العربية الراحل محمود رياض. وقد قدم أبوسن للجامعة العربية آنئذ أول خارطة طريق لسبر أغوار العلاقات العربية الأفريقية عبر الكتاب الذي أصدره مركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية بعنوان «العرب وتحديات الحوار مع أفريقيا». عمل مستشاراً للمصرف العربي الأفريقي بالخرطوم حتى انقلاب الإنقاذ، حيث غادر السودان لمصر، ليساهم في انطلاق العمل المعارض وكان له شرف المشاركة في إعداد وإذاعة أول بيان للمعارضة من الخارج من خلال موقعه كناطق رسمي باسمها. كان خلال كل ذلك ناشطاً في التأسيس لفلسفة جديدة تقوم عليها العلاقات العربية الأفريقية بعيداً عن مخططات الهيمنة الإستعمارية التي كان يرى أنها تسعى لحفر أخاديد لفصل أفريقيا عن محيطها العربي. فهل غابت معلومات بديهية كهذه عن البطل الذي يبدو أنه كان متابعاً جيداً لعلي أبوسن لدرجة معرفة عنوان سكنه في القاهرة ومتابعاً انتقالاته في مصر حتى انتقاله الأخير للرفيق الأعلى ودفنه بمقبرة المنارة، وليس المنيرة، بالإسكندرية!

السيرة الذاتِية الكتبا < البطل > عن < علي أبو سِن > ما بتخلينا نعتمِد كلام < السمؤال > إن < البطل > مُحرش مِن جهةٍ ما ... وبعد ده كلام < السمؤال > تشتيت للكورة ساي ، لأن فحوى كلام < البطل > فوق قله أدب < علي أبو سِن > الكتبو ، أها كان علي أبو سِن شغال في الجهة الفُلانِية وكان ... وكان ... وكان ده ما بفيد المقال في رقبتو ... خلينا يا < السمؤال > في النص مُش في سيرة صاحِب النص < أبو سِن > أو البطل < أبو ضنب > وبسأل الناس الفوق دي والحيجو وبسأل السمؤال < الحركة > السواها < علي أبو سِن > بنشر رسائِل خاصة جِدًا مرسلة ليهو مِن أصدقائِهِ ... النشر ده بصح ولا ما بصح ، يعني أخلاقي ولا غير أخلاقي
Quote: فالرجل يبذل في كتابه رسائل خاصة بعث بها اليه في مراحل باكرة من حياته رجالٌ من ذوي الشارات في سوحنا السياسية والاجتماعية والثقافية. رسائل من ذلك الصنف الذي يتبادله الصديقان الحميمان، وسر واحدهما وحماقاته وسقطاته وخطاياه عند الآخر. تجد بين نثيرها بعضاً مما لو قيل باللسان قيل همساً، وفي البال أن السُترة مطلوبة، و(الحيطان لها آذان).

Post: #20
Title: Re: غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل
Author: عزام حسن فرح
Date: 06-01-2010, 05:31 AM
Parent: #19

يقول < السمؤال > عن < البطل > :
Quote: وأسباب ذلك لا تغيب على ذي فطنة وأهمها أنه ليس ثمة ما يجمع بين الإثنين لا مقاماً ولا مقالاً ولا مجايلة.

ثُم يعود ويُقِر < للبطل > :
Quote: البطل الذي تحمل سيرته الذاتيه الكثير من الألقاب

ـــــــــــــــ
كتب < السمؤال > عن < البطل > :

Quote: وينقب في أحقيته بالدرجة العلمية التي لم يدّعها أبوسن يوماً، متسائلاً عما إذا كان أبوسن قد نالها أم لا، وهو لعمري استطراد وتنقيب لا يقدم ولا يؤخر في موضوع المقال، ولا يشف إلا عن غرض كاتبه.


والسؤال ، هل إيراد < السمؤال > لسيرة < علي أبو سِن >
Quote: فعلي أبوسن كان من الخبراء في الشؤون الأفريقية منذ وقت مبكر. وهو المؤسس (حقيقة لا مجازاً) للإدارة الأفريقية بالجامعة العربية، ومهندس أول مؤتمر قمة عربي أفريقي من خلال عمله المباشر مع الأمين العام الأسبق لجامعة الدول العربية الراحل محمود رياض. وقد قدم أبوسن للجامعة العربية آنئذ أول خارطة طريق لسبر أغوار العلاقات العربية الأفريقية عبر الكتاب الذي أصدره مركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية بعنوان «العرب وتحديات الحوار مع أفريقيا». عمل مستشاراً للمصرف العربي الأفريقي بالخرطوم حتى انقلاب الإنقاذ، حيث غادر السودان لمصر، ليساهم في انطلاق العمل المعارض وكان له شرف المشاركة في إعداد وإذاعة أول بيان للمعارضة من الخارج من خلال موقعه كناطق رسمي باسمها. كان خلال كل ذلك ناشطاً في التأسيس لفلسفة جديدة تقوم عليها العلاقات العربية الأفريقية بعيداً عن مخططات الهيمنة الإستعمارية التي كان يرى أنها تسعى لحفر أخاديد لفصل أفريقيا عن محيطها العربي

بفيد تصنيف كِتابة < علي أبو سِن > وبتبرِر فضايحو لأصحابو :
Quote: فالرجل يبذل في كتابه رسائل خاصة بعث بها اليه في مراحل باكرة من حياته رجالٌ من ذوي الشارات في سوحنا السياسية والاجتماعية والثقافية. رسائل من ذلك الصنف الذي يتبادله الصديقان الحميمان، وسر واحدهما وحماقاته وسقطاته وخطاياه عند الآخر. تجد بين نثيرها بعضاً مما لو قيل باللسان قيل همساً، وفي البال أن السُترة مطلوبة، و(الحيطان لها آذان).

Post: #21
Title: Re: غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل
Author: عزام حسن فرح
Date: 06-01-2010, 05:58 AM
Parent: #20

يا < السمؤال > ما تبرر خطأ < علي أبو سِن > في فضايحو لأصحابو الكتبوها ليهو وهُم آمِنين وفي زمن غير الزمن ... يقول < السمؤال > :
Quote: نأتي للمضحك المبكي في نقد البطل لما حمله كتاب «المجذوب والذكريات»، بقوله (إن المسؤولين عن تحرير الصحف عندما يقعون على مثله فإنهم يؤشرون عليه بالقلم الأحمر بلا تردد و بغير إبطاء «لا يصلح للنشر»)! ألا يستحي هذا «البطل»؟ ليستشهد على صدق كتابه بقلم الرقيب الصحافي سئ السمعة لتعضيد باطله؟ وهل يظن أنه كانت ضمن أولويات الراحل علي أبوسن أن يتعطّف عليه رقيب النشر الصحافي، بعطية المزين هذه؟ ثم متى كان قبول النشر الصحفي أو رفضه معياراً لتمييز الجيد عن الردئ في الكتابة؟ هل يخفى على البطل الكم الهائل من تراث الإنسانية القيم الذي تم حجبه عن الصحافة بذات القلم الأحمر؟؟


ويقول < البطل > عن كِتاب < علي أبو سِن > :
Quote: فالرجل يبذل في كتابه رسائل خاصة بعث بها اليه في مراحل باكرة من حياته رجالٌ من ذوي الشارات في سوحنا السياسية والاجتماعية والثقافية. رسائل من ذلك الصنف الذي يتبادله الصديقان الحميمان، وسر واحدهما وحماقاته وسقطاته وخطاياه عند الآخر. تجد بين نثيرها بعضاً مما لو قيل باللسان قيل همساً، وفي البال أن السُترة مطلوبة، و(الحيطان لها آذان).


الشخصيات الجات في كِتاب < علي أبو سِن > وفضحا في القِبل الأربعة ... تفتكِر موقِف أبناء هذِهِ الشخصِيات وأحفادُم شنو؟
البفيد القارئ شنو لامِن أكتب كِتاب أقول فوقو < زيد > كان مُصاحِب < فلانة > ولامِن فات صاحبا فُلان ... والله كِتابة < علي أبو سِن > ما فوقا مُروة كلو كلو مِتلها مِتِل كِتابة < شوقي بدري في كِتابو < حكايات أم درمان > الفضح فوقو خلق الله

Post: #22
Title: Re: غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل
Author: سيف النصر محي الدين محمد أحمد
Date: 06-01-2010, 07:59 AM
Parent: #21

أن تكتب مشككا في درجة فلانا العلمية و عن حضوره هنا او هناك بغير صفة لتوحي لقارئك أن فلانا هذا ممن يتظاهرون بما ليس فيهم و غير ذلك من امور الغمز و اللمز فقد يعد ذلك "بطولة" في نظر البعض . و لكنه قطعا ليس من البطولة في شئ اذا كان فلانا ذلك قد رحل عن هذه الدنيا و لم يعد في إمكانه أن يرد عليك مزاعمك.
كان لزاما على السمؤال أن يتصدى لمن يحاول تشويه سيرة و صورة المرحوم علي ابوسن باعتبار صلة الدم و باعتبار المسؤولية عن تراث و تاريخ الرجل و السمؤال كان واحدا من اقرب الناس اليه و قد عاش معه في منزل واحد لفترة من الزمن .
يبقى أن للجميع الحق في تناول الكتاب المذكور بالنقد و التقييم و الاتفاق و الاعتراض فذلك حق مكفول للجميع.

Post: #23
Title: Re: غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل
Author: عزام حسن فرح
Date: 06-01-2010, 10:28 AM
Parent: #22

سيف النصر محي الدين محمد أحمد
Quote: يبقى أن للجميع الحق في تناول الكتاب المذكور بالنقد و التقييم و الاتفاق و الاعتراض فذلك حق مكفول للجميع.

ده الكلام المفيد ...


أنا بفتكِر كلام < علي أبو سِن > ما فوقو مُروة تب ... جوابات رسلا ليهو أصحابو أيام شبابُم فوقا جهالات وفُسق ، يِقوم يُنشُرا للعامه ، تحت عِنوان < أدب > وده نفس رأي في كِتاب < شوقي بدري > < حكاوي أم درمان > والإتنين -علي أبو سِن + شوقي بدري- بناضمو في ناس ماتو مِن سنين ...

غرض ونوايا < البطل > مِن تناولو لِكِتاب < علي أبو سِن > ما بقدر زول يتأكد منها أبدًا ومهما إنقال فوق نواياهو بتكون مُجرد ظنون وتخمينات ... لكِن ... المؤكد جِدًا ، ما كتبهُ < علي أبو سِن > في كِتابو وفضح بيهو بشر (أبناء أحفاد ونسابا) وحفظ أصحابو الكانو ماتو وقت نشر كِتابو

Post: #24
Title: Re: غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل
Author: munswor almophtah
Date: 06-01-2010, 11:38 AM
Parent: #23


الأربعاء, 26 مايو 2010 12:22

الأخ الأستاذ مصطفى البطل
بعد التحية
بدايةً أعرب عن احترامنا لكتاباتك العاكسة ثراءً محموداً حول اجتماعيات أهل عطبرة وطرفاً محدوداً من ثقافات السودان, ومداخلات سلسة قد إختلقتم بها لذاتك إسماً مقروءً، كما تجذبنا مقالاتكم وإفاداتك السياسية لاسيما حول مايو البائدة حيث أنها تحمل شهادة شاهد من أهلها قد ألهمه المولى التوبة والحصافة وامتطى جواد النضال الوطني ورفض الشمولية بعد أن كان سادناً من العاملين في إدارة شئون مجلس الوزراء فيها وكما عهدنا للعمل في هكذا المرفق كما عهدنا شرط الإنتماء. اما اليوم وبعد الإطلاع على محررك عن المرحوم الزعيم علي أبوسن، وبكل صراحة المُشفق على أداب تخليد الرموز وأعلام الإهتمام المدني ورعيل ثوابت الليبرالية وتأمين مبادئ الحريات الشخصية لرفاهية المجتمع، لقد تجنيت يا مصطفى على المألوف وتعديت على حدود الأدب إلى قلة الأدب مُنكباً في وحل المستنقع الآسن وخباثة إغتيال وكشط صفحات حسن الذكرى، وتجاوزتم أدب الحديث المأثورأن أذكروا محاسن الموتى وهذا من أرفع قيم المجتمع أما تجريح الآخرين من أسفل وأحط مكروهات البشر. يا مصطفى فالتعلم أن لاعلاقة أسرية لنا بالأكرمين السِناب بيت الوعي مَعلَم الوطنية غيرسانحة مجاورتهم ومساكنتهم في سهل البطانة المضيافة بعد تهجيرنا القسري وآل أبو سن أقدروأولى بالرد على متاهات منشوركم. إلا أن معرفتنا بالمرحوم أستاذنا على أبوسن بالإنتساب إلى المدرسة الإتحادية الجامعة والوقوف على سيرة نضاله الناصعة في مناطحة سدنة مايو والشموليين في معية جماعة اللجنة الستينية والحزب الوطني الإتحادي بعد الإنتفاضة المبروكة، إلى جانب دوره الرائد في أعمال التجمع الوطني بعد إنتكاسة يونيو، تدفعني لأصرخ في وجهك، يا زول هذا عيب إن ما قد تجاسرت عليه قلة أدب أكثر من رد الصحافي صاحب الوفاق للصادق المهدي، وفيه نشاذ وخروج عن المألوف وتواصل الباطل بل و قدر من ثقافة المايويين وقد ظننا أنه قد إمتد زمان دحرهم والخلاص من سُخفهم.

لفائدتك يا مصطفى، لمثل ما ذكرته في سيرة المرحومين سرالختم الخليفة وعلى أبو سن من رفث القول باب ثابت في أرشيف ملفات تقاريرأجهزة المتابعة الأمنية منذ بدايات الخدمة المدنية والمودعة في دورالوثائق والأرشيف، وهي بيانات كانت موضع إهتمام مهنية المخابرات الأجنبية والمحلية كآلية للإغتيال المعنوي، إلا أن مبدأ السماح بالإطلاع عليها في عُرف وأداب الأرشيفيين محكوم بمعايير، أساسها إنتهاء مدى تاريخي يتجاوز الثلاثين عاماً أو حياة جيلٍ كامل على أقل تقدير بعد قفل الملف الشخصي بوفاة الشخص المعني حتى وإن كانت لشخصية عامة. أفترض فيك النباهة ولا إحتاج للإسهاب في التعليل. أذكر هنا قصة حدثت في دار الوثائق القومية. إشتركت الدار بعرض ملفات الشخصيات القائدة في معرض عيد إستقلال أول يناير بعد الإنتفاضة و كان عرضها داخل حاويات زجاجية لا يسمح بالإطلاع عليها رغم أنها وعلى عادة زوارالمعارض كانت عرضة لمحاولات التصفيح وطالبنا الكثيرون من أصحاب الأغراض المشبوهة بذلك. لم يؤذن بذلك لأحد مسئول كان أومن العامة، إلا أنه وبعد نهاية دوام المعرض وفي طريق عودة الملفات إلى مستودعاتها تم إكتشاف محاولة سرقة ملف الزعيم الأزهري، ترتب عليها فصل الموظف المُكَلَف بإرجاعها بعد التأكد من شبهة التآمرمع صحيفة حزبية كان ديدنها نشر الغسيل واللمز والغمز رئيس التحريرفيها محترفٌ ومازال لمضغ لحوم البشر أحياءً كانوا أوأمواتاً من أقران ذاك الصحفي المعترف في مقالكم بعدم التطهر من رذيلة قلة الأدب وقد كانت أصلاً ومنهجاً لإفساد تجربة الديمقراطية. أتفق معك أخي مصطفي أن في العديد من مؤلفات المذكرات الذاتية كثيراً من الحكاوي، وأظنك توافقني الرأي في أن أغلبها قد تمحورت في نطاق مساحات الشئون العامة ومن المصلحة التركيز عليها دون سواها.

لو ذهب أهل الرأي العام يا مصطفى مذهبكم في هكذا المحاور لفاضت أوعية البيانات وقواعد المعلومات وصفحات الجرائد في تناول سيرة الحاكمين للسودان قسراً في عصرنا هذا، هم زملاء لنا ورفقاء من جيلنا على مدى المراحل، ولو ذهب أهل الرأي الصالح إلى تشريح رموز المنظمات المتطرفة يميناً ويساراً أومايويةً أويونيويةً أوإسلاموية بذات المداخل لماتوا خجلاً وانزوا عن مسرح العمل العام إستحاءً من نظرات الشماته. في هكذا المنهج خروج عن الجادة وانصرافية عن الموضوعية، وعليه أخشى أن يندرج مقالكم يا مصطفي ضمن باب شيئ في نفس يعقوب، ورغم رائحة ذات المنحى النافذة من بين سطور مقالكم، أرجو لكم الترفع والتحيه والنصح وفي الدين النصيحة.

محجوب بابا
أرشيفي سوداني بالمهجر
محمول0097339347132
[email protected] هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته

Post: #25
Title: Re: غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل
Author: زهير الزناتي
Date: 06-01-2010, 11:57 AM
Parent: #24

تقديري اللامحدود لكل من مر وأضاف ... لحين عودة في المساء .... أترك بريدي لمن يود المشاركة من خارج المنبر


[email protected]

Post: #26
Title: Re: غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل
Author: مشاعر بدوي
Date: 06-01-2010, 12:07 PM
Parent: #24

Quote: متابعين يا زهير
ولسموال ابو سن كل التحايا والتقدير

Post: #27
Title: Re: غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل
Author: Osama Siddig
Date: 06-01-2010, 01:01 PM
Parent: #26

شابت مقالى البطل و الســمؤال بعض العيوب , ولكنى أشهد لكليهما بتمكنه من ناصية الكتابة و تطويع الكلمة لتحقق أغراض كل منهما.

Post: #28
Title: Re: غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل
Author: Elmoiz Abunura
Date: 06-01-2010, 01:53 PM
Parent: #26

Dear Zuhir
Greetings from Beirut
Thanks for sharing this important topic. I also commend the contribution of Mustafa, and Abu Sin. I have met the late Dr. Ali Abu Sin twice, and found him an
intelligent, wellcultured, and yes, a controversial figure. I share the view of my buddy Mahjoop regarding writing the memoirs. I should remind the participants in this discussion that the best memoirs written ever in Sudan is the memoirs of the father of the women's education in Sudan, a nother
intellectual from our beloved city of Rufaa, Shaikh Babiker Badri
Regards

Post: #29
Title: Re: غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل
Author: زهير الزناتي
Date: 06-01-2010, 07:43 PM
Parent: #28

ترجمة غير رسمية لمداخلة المعز ابونورة اعلاه :

عزيزي زهير
تحية من بيروت
شكراً لك علي إشراكنا في هذا الموضوع . وكذلك أثني علي مساهمتي مصطفي وأبو سن . قابلت الأستاذ علي أبو سن في أخريات أيامه مرتين ، ووجدته إنسان ذكي ومثقف بشكل جيد . نعم شخص مثير للجدل .
أتفق مع رؤية صديقي محجوب ، وأحب أن أذكر المشاركين بأن أفضل من كتب مذكرات شخصية في السودان إلي الآن هو رائد تعليم البنات وأحد مثقفي مدينتناالحبيبة رفاعة الشيخ بابكر بدري
تحياتي

Post: #30
Title: Re: غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل
Author: زهير الزناتي
Date: 06-01-2010, 07:59 PM
Parent: #29

Quote: وظللت أتحرق شوقا معرفة هذا الرجل الذى كل ما حاول ناقده ان يقلل من قيمته ...ازداد القارىء تلهفا لمعرفة السر الذى حدا به لفعل ذلك ...هذا كان قد حدث لى ....


العزيزة تماضر لا يمكن التقليل من قيمة شخص بقامة أبو سن بمقال في صحيفة مهما كانت الصحيفةأو كاتبه ... فالإنسان يبني مجده من خلال عمل دؤوب ولسنوات طوال ....

Post: #31
Title: Re: غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل
Author: زهير الزناتي
Date: 06-01-2010, 08:04 PM
Parent: #30

Quote: السموأل مثقف واعي يتحسس موطأ قلمه جيداً قبل الكتابة، وهو لا ينجر وراء عواطفه، و بألتاكيد يتعمد هذه المخاشنة، لأسباب أوضحها في المقال أعلاه، و هي مخاشنة فرض عين: فدونها تصبح المسافات ضبابية بين البطل والراحل أبوسن.
-----
لكم الشكر


أعرف سموأل جيداً لذا كنت اود أن أنبهه حتي لا ينزلق أو يجر لمهاترات .. فهو شخص مهذب والمخاشنة ستقود لمخاشنة مضادة ثم يتحول الأمر لمهاترات وشتائم متبادلة لا اعتقد أن ود أبو سن أو البطل من روادها ... نتمني أن يكون النقاش علي هذا المستوي من اللغة الرفيعة ....

تحياتي وتقديري متوكل

Post: #32
Title: Re: غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل
Author: زهير الزناتي
Date: 06-01-2010, 08:14 PM
Parent: #30

Quote: الزناتي
سلام
ادب المذكرات لايخضع او يقاس بالادب وقلته.
اوالتحسس من تناول فلان او علان
غادة السمان نشرت رسائلها الغرامية ،الحميمة جدا
مع الشهيد غسان كنفاني ،في نهاية الثمانينات وهي
متزوجة من رجل اخر، معني كده في عرف البطل ان غادة السمان
مره مطلوقة ساي!!!!! ولاكيف؟



العزيز محجوب

اتفق معك ابو نورة وأجد نفسي اقف لجواركما...

Post: #33
Title: Re: غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل
Author: Abdelmuhsin Said
Date: 06-01-2010, 08:18 PM
Parent: #32

الاخ الفاضل زهير اين انت نداء من سكان العمارات بخصوص تحويل مدرسة العمارات (1)الى...رى صور وفيديو واوراق

Post: #34
Title: Re: غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل
Author: زهير الزناتي
Date: 06-01-2010, 09:19 PM
Parent: #33

Quote: حديد لاقى حديد. والبطل وأبوسن فى خشم القربه ونحن جلوس بين قامشة وكبد ألبل والقامشه فى شيشه.. أتحفونا.. ورحم الله على أبوسن الذى سن سننا فى القول والفعل بمعرفة يقينيه يتجدد الرجوع إليها والوقوف عليها بمواقيت وطرائق مختلفه. التحيه للبطل وللسمؤال أبوسن والرحمه للمرحوم الأستاذ على أبوسن.....................................



والتحية لك منصور

Post: #35
Title: Re: غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل
Author: زهير الزناتي
Date: 06-01-2010, 09:21 PM
Parent: #33

Quote: متابعين يا زهير
ولسموال ابو سن كل التحايا والتقدير


شكرا كيكي

وفي الإنتظار

Post: #36
Title: Re: غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل
Author: abdalla elshaikh
Date: 06-02-2010, 01:36 AM
Parent: #35

قرأت مقال ألبطل ووجدت فيه مخالفة لـمنهج نقد ألـمذكرات.. فعندما صدر هذا ألكتاب كنا بالقاهرة وجلسنا لعلي أبوسن لأكثر من جلسة نقدية ضمت صديقي ألذي ذهب إلي هناك سامي سالـم وأحمد الطيب عبد الـمكرم ويحي فضل الله وناقشنا هذا ألكتاب وكل من زاويته فسامي سالـم جلس مع ألـمجذوب ولديه مخطوط عنه بعنوان(ألـمجذوب يدخن النارجيله) ويحي فضل وبحكم واقعيةشخوصه القصصية كان يقارب الكتاب من تلكم ألزاوية أما عبدالـمكرم فكانت مقاربته تـميل للنقد ألأدبي مستشهدا بسونتات شكسبير وعشيق الليدي تشارلي..أما شخصي فكنت أقارب الكتاب بـمذكرات الـمؤرخ السوداني محمد عبدالرحيم عنبر عن ثورة أربعة وعشرين وإيراده لأسماء الناس ألذين خانوها إضافة لذلك كنت أقرأ الكتاب من خلال خطابات تـمت بين الـمجذوب ومحمد عبدالحي وفيها يبدو الـجذوب ألآخر أللطيف ألظريف وما أحلي قلة أدب الـمجذوب حين يقل أدبه... إستمرت تلكم ألـمساجلات لأكثر من جلسه وفيها تجلي ألأستاذ علي أبوسن كمحاور متمكن من مادته غير خجول منها فاتحا الباب للقادمين من ألأجيال ليقرأوا ألـمسكوت عنه في عمقنا السياسي والإجتماعي

Post: #37
Title: Re: غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل
Author: معاوية الزبير
Date: 06-02-2010, 03:57 AM
Parent: #36

عزيزي زهير كيف حالك

أخشى أنك ضلّلت (misled) -بالتأكيد بحسن نية- الكثير من المتداخلين (وربما البوست نفسه) عندما حكمت بأن
"النقطة الأساسية التي يقوم عليها المقالان هي: ما يجب نشره وما لا يجب"، رغم أنها موضوع جيد لبوست منفصل بذاته، ولكن لا أعتقد أنها النقطة الأساسية لمقال "صديقنا" سمؤال، تحياتي لك وله.

Post: #38
Title: Re: غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل
Author: زهير الزناتي
Date: 06-02-2010, 12:53 PM
Parent: #37

عزام سلام ....

اعتقد أن معرفة السيرة الذاتية لبعض الكتاب يفيد كثيراً في فهم مقاصدهم ... خاصة باب المذكرات لذا لا غضاضة في تناول البطل وسموأل لسيرة ابو سن الذاتية ...لا اعتقد أن ابو سن قد قام بفضح اصدقائه في القبل الأربعة ... أو قلل من شأنهم ... لأن الثقافة السائدة في ذلك الوقت تختلف كثيراً عما سائد اليوم إضافة إلي أن قامات سامقة مثل هؤلاء الشعراء والأدباء لن تؤثر علي مكانتهم مثل هذه الرسائل ..علي العكس تماماً مثل هذه الرسائل تعكس لنا الوضع الثقافي والسياسي والاجتماعي في تلك الحقبة وتساعدنا علي فهمه وفهم ما دار فيه .. وكذلك في قراءة منتوجه الثقافي ... لك ودي

Post: #40
Title: Re: غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل
Author: زهير الزناتي
Date: 06-02-2010, 01:37 PM
Parent: #38

مقال البطل اليوم في الأحداث :

Quote: بعيداً عن الأدب وقلّته (2-1)

(1)
كنت قد زوّدت «الاحداث» بمقال من ثلاث حلقات بعنوان (أحاديث فى الادب وقلِّة الادب)، ثم تهيأت للانصراف الى عطلتى السنوية التى اقضيها هذا العام، بعيدا عن لوحة مفاتيح الحاسوب وشاشته، متنقلاً بين سان فرانسيسكو، عاصمة الجماعة إياهم الذين دعا عليهم الشيخ عبد العزيز بن باز المولى عزّ وجل أن يخسف بهم أرض الساحل الغربى للولايات المتحدة، وبين تورنتو القرية الدولية متعددة الاصول والاعراق وزهرة مدائن كندا. ولكن خابت خطتى وطاش سهم التدبير الذى دبرته لزاويتى الاسبوعية اذ وجدت نفسى على حين غرة بغير مادة لزاوية هذا الاسبوع والاسبوع الذي يليه. الأمر وما فيه - أعزك الله - أننى تفكرت وتأملت، ثم عزمت وتوكلت، ثم قررت الامتناع عن نشر الحلقتين الثانية والثالثة من سلسلة «الأدب وقلّته». وأنا افعل ذلك على غير رغبةٍ منى، ولكننى انما استجيب بنفسٍ راضية وروحٍ طيبة لرجاء ثلةٍ كريمة من أصدقائى، لهم عندى معزةٌ خاصة، أثمّن نصحهم، وأقدر مشاعرهم واحملها فى سويداء القلب، ولا أرد لهم رجاءً.
ولست- على أية حال - اول من أعدّ سلسلة مقالات فى التعقيب على كتاب الراحل على ابوسن (المجذوب والذكريات: أحاديث الأدب والسياسة)، ونشر الحلقة الاولى منها، ثم عاد فبدل موقفه وامتنع عن نشر الاجزاء الاخرى. سبقنى الى ذلك من هم أفضل منى، منهم عالمٌ جليل وأديبٌ فطحل ذى قلمٍ رصين، هو شيخنا الدكتور عبدالله حمدنا الله، الذى استفزته مادة الكتاب فكتب قطعة نقدية محكمة الجودة بالغة الثراء ثم شرع فى النشر. ولكنه عرّج على دار جريدة «الصحافة» بعد ذلك فانتزع منها بقية الحلقات. وفى مراسلات خاصة بينى وبين شيخنا حمدنا الله استفسرته عن سبب توقفه عن مواصلة نشر مادته، فكانت اجابته:( عندما كتبت تلك الحلقات كنت موقناً بأن لعلى ابوسن قلماً يستطيع ان يرد الصاع صاعين، وكنت متهيئاً لذلك. ولكننى ما كنت اعلم انه كان وقتها طريح المستشفى يعانى آلام المرض. ومن عادتى الا اقارع الضعفاء والذين لا يستطيعون ان يدافعوا عن انفسهم). وقد قدرت للعالم الجليل موقفه ذاك حق قدره، غير انه كان من رأيى ان يستأنف شيخنا نشر الحلقات بعد وفاة ابى سن، على أساس ان الكتاب منشور ومطروح فى الاسواق بقاهرة المعز وعدد من المدن العربية، وان غياب المؤلفين عن مسرح الحياة لا ينبغى أن يقف حائلا دون عرض آثارهم مما اودعوه فى كتبهم امام موازين النقد. ولو كانت وفاة المؤلفين سبباً للامتناع عن تقويم الآثار المنشورة ونقدها لفسدت سماءُ العلم وافتقرت أرض الثقافة.
(2)
ويبدو ان الله كتب فى لوحه المحفوظ على ناقدى كل مؤلفات ابى سن، لا ذلك الكتاب وحده، ان يشرعوا فى النقد ثم يرتدوا على أعقابهم بعد ان يخطوا فى ذلك السبيل خطوتهم الاولى. فقد سبق ان قام ابو سن بنشر كتاب آخر، أطلق عليه عنوان «مراسلات الترابى»، ضمّنه مكاتيب دارت فى الزمن القديم بينه وبين الدكتور حسن الترابى. والاحتفاظ برسائل الاصدقاء الشخصية ثم نشرها فى القراطيس واذاعتها على الناس سنةُ ماضية فى حياة ابى سن أبطلها الموت. ثم الحق أبوسن كتابه بمقال شهير اشتمل على «رسالة مفتوحة للترابى». وعند نشر الكتاب والرسالة المفتوحة قام الكاتب الاسلاموى المعروف الدكتور محمد وقيع الله، باعداد سلسلة حلقات يرد فيها على أبى سن رداً صارماً عنيفاً. وفور نشر الحلقة الاولى من تلك السلسلة، فى صيف العام 1988 بصحيفة «الراية» الناطقة آنذاك بلسان حزب الجبهة القومية الاسلامية، تلقى وقيع الله توجيهاً من الدكتور حسن الترابى شخصياً، عبر قناة من قنوات التنظيم الاسلاموى، يلزمه بالتوقف عن النشر. فانصاع الرجل لأمر شيخه وقائده، وامتنع عن تزويد الصحيفة بالحلقتين المتبقيتين. وكان الترابى الذى شغل وقتها منصب النائب العام قد مارس نفوذه مباشرةً وقام بحظر الكتاب عن التداول داخل السودان، كما تولت جهاتٌ - لا يصعب استكناه هويتها - مهمة الطواف على الاسواق وشراء واعدام العدد المحدود من النسخ التي كانت قد وجدت طريقها بالفعل الى مراكز التوزيع.
وكتاب «مراسلات الترابى» لعلى ابي سن قصيدة أولها ايمان وآخرها كفر. جاء فى مقدمته:( صاحب هذه الرسائل شق طريقه الى القيادة بتفوقه الفكرى وبمقدرته الفائقة على توقيت المبادرات. وبهذا التفوق الفكرى والتكتيكى استطاع ان يبنى تنظيماً محكماً وضع به قدماً راسخة داخل الحياة السياسية السودانية). ولكن نشر ابى سن للرسائل الخاصة التى بعث بها اليه الترابى فى فترات باكرة من حياته (سنلقى فى مقالنا القادم ان شاء الله ببعض الاضاءات حول الظروف والمسوغات التى قامت فى كنفها تلك الصداقة التى ربطت بين الرجلين فى خمسينيات وستينات القرن المنصرم)، نقول ان مبادرة ابى سن بنشر تلك الرسائل الحقت بالشيخ الترابى أفدح الاضرار اذ القت بظلال سالبة على مصداقيته الشخصية وكفاءته الخلقية واستقامته الفكرية. وبعض هذه الرسائل تكشف عن شخصية ميكافيللية، لا سيما تلك التى يشرح فيها ويبين مُرامه من كونه اختار جماعة الاخوان المسلمين، مع ضآلة شأنها مجالاً لحركته التنظيمية وفضاءً لطموحه السياسى عقب عودته من فرنسا فى النصف الاول من الستينات، خلافاً لغيره من شباب المثقفين من أنداده الذين اختاروا الانضمام الى الاحزاب الوطنية الكبرى. وقد اصاب الترابى عين الثور، كما يقول الفرنجة، وهو يسطر بعض تحليلاته واستنتاجاته ورؤاه لما عسى ان تنداح عنه عجلة الزمان ، اذ صدقته الايام وكان محقاً تماماً فى غالب ما ذهب اليه، لكأنه كان - وهو يكتب تلك الرسائل- يحدق بعينيه داخل كرة المستقبل البلورية. بيد ان مصدر الازعاج الوحيد هنا هو ان ما جاد به الترابى فى بعض رسائله لصديق شبابه، على حدة ذكائه وبراعته، يعكس فى جوهره حالةً ذهنية متمركزة حول الذات، تطغى عليها روح الأنا، وتدور فى مدار التطلع الشخصى والطموح الذاتى الانتهازى المحض، فتنحسر عنه «الفكرة» ويغيب عنه «المبدأ». لا غرو اذن ان الشيخ أجفل واضطرب اذ علم بوجود الرسائل وبأنها وجدت طريقها الى دفتى ذلك الكتاب الذى مارس فيه صديق الشباب ابو سن شغبه الأثيم وهوايته المرذولة فى هتك الستور وحرق الجسور.
وكنت اود ان انقل اليك - ايها العزيز الأكرم - بعض نماذج مما ورد فى فقرات الكتاب، خاصة وقد أصبحت النسخ المتداولة منه فى يومنا هذا أندر من لبن الطير، غير اننى لم اعثر علي نسختى ضمن الكتب الموجودة بدارى فى منيابوليس. ولكننى ارجو ان يهدى الله صديقنا الدكتور محمد وقيع الله فيرعى حقوق الزمالة، وقد عملنا معاً - محمد وأنا - محاضرين بكلية الاقتصاد والعلوم الاجتماعية بجامعة ام درمان الاسلامية، فيعيرنى نسخته من الكتاب، أو يهدينى اياها قولاً واحدا. لا سيما وانه نقض عهد شيخه السابق وقلب عليه ظهر المجن، بعد ان شبّ عن الطوق واحتاز هو نفسه من الالقاب ما يضارع به الشيخ ويبزه. وقد أجرت صحيفة «الميثاق» اليمنية مؤخراً حواراً نقلته عنها صحيفة «الرائد»، الناطقة بلسان الحزب الحاكم مع الدكتور وقيع الله أسبغت عليه فيه صفة «المفكر العربى»، فجاء العنوان الرئيس (حوار مع المفكر العربى محمد وقيع الله). وقد سارعت من فورى بتهنئة زميلى السابق باللقب الجديد، وابلغته بأننى على أكمل استعداد لمبايعته مفكراً عربياً لو انه وافقنى على تخصيص صفة «المفكر الافريقى» وقصرها على صديقى الأثير، وصديقه اللدود، الدكتور عبد الوهاب الافندى.
(3)
وهذا النوع من السلوك السلطوى والممارسة الوصائية على المجتمع، أعنى جمع الكتب من الاسواق واعدامها بغية محاصرة المعلومات المكنونة فى بطونها والتحكم فى حركة تدفقها - كما جرت الوقائع فى حالة كتاب «رسائل الترابى» لابى سن - ليست من الممارسات المستجدة على الواقع السودانى. ففى زمنٍ مضى تضافرت رؤوس بعض الاسر السودانية فقامت بتمويل حملة جمعت من الاسواق ومراكز التوزيع كتاب «الفلاتة الفولانيون فى السودان» الصادر عن مركز الدراسات السودانية بالقاهرة فى العام 1996، ومؤلفه الدكتور محمد أحمد بدين، حتى لم تبق منه نسخة واحدة فى مكتبات الخرطوم. والكتاب فى أصله عبارة عن بحث أكاديمى كان الدكتور بدين قد أعده باللغة الانجليزية لنيل درجة علمية معينة من مؤسسة اكاديمية، وقد تمت ترجمته لاحقاً الى العربية. ذكر المؤلف ان دافعه لنشر الكتاب بالعربية هو رفع الضيم عن قبيلة الفلاتة السودانية، التى يعتقد انها ضحية لسوء فهم واسع اذ يجهل الكثيرون جذورها ودورها فى تاريخ السودان وواقعها الحاضر وامتداداتها داخل التشكيل الاجتماعى الماثل. ولم يتسنّ لى شخصيا ان احصل على نسخة من ذلك الكتاب الذى وصفه لى بعض من اطلعوا عليه بأنه ذو قيمة ثقافية وعلمية عالية. وقد تناهى الىّ مما ذكر هؤلاء ان المؤلف أشار فى مبحثه ذاك الى ان هناك عدداً كبيراً من الاسر ذات الصيت فى المجتمعات المدينية السودانية تمتد اصولها وتنتسب عرقيا لقبيلة الفلاتة، وسمّى بعضها بأسمائها. غير أن تلك الأسر التى سبق لها ان زعمت لنفسها أنساباً اخرى تمتد الى الجزيرة العربية وأشرافها واستركنت الى تلك المزاعم واستأنست بها، لم ترض عن الكتاب، اذ لم يوافق هواها ما اورده المؤلف، وهو من زمرة العلماء وأهل الذكر فى هذا المضمار، من استخلاصات ونتائج وادلة. ولا عجب، فأنساب الجزيرة العربية تشكل الهوى الغالب عند قطاعات واسعة من أهل السودان.
(4)
لم يكن مقصدنا قط ونحن نكتب الثلاثية التى حجبناها عن النشر، ان نسىء الى بعض رموزنا السياسية والثقافية والاجتماعية، وان نبشّع بها، كما تراءى للبعض. وانما اردنا أن نُفصح عن عقيدتنا، وأن نسندها بالبراهين الناطقة والحجج الناهضة على أن ابا سن أخفق اخفاقا مزرياً فى عرضه للثروة المهولة التى وجدها بين يديه، من رسائل المجذوب اليه والى السيدة الانجليزية روزميرى، وان معالجته لامر هذه الرسائل اتسم بالفجاجة والركاكة وضعف الحساسية، ولا نقول الخبث. بل ان تدبيره الذى خرج علينا به فى شأن هذه الرسائل يقرب - فى زعمنا - الى ان يكون فتحاً فى «أدب الخيانة» منه الى «أدب الرسائل». ثم اردنا بعد ذلك ان نمضى قدماً فنبين ملاحظاتنا ومآخذنا على شخصية ابى سن نفسه، ونتناول بالتقويم عطاءه السياسى والثقافى، ونمحص فى ذلك تمحيصاً نميز فيه بين الحقائق الراسخة، والتخاليط والاوهام.
كان فى عزمنا أن نتطرق الى «أدب الرسائل»، هو بابٌ قائم بذاته فى الآداب العالمية، وتنقسم فى التراث العربى الى أصناف ثلاثة: الرسائل الديوانية والرسائل الاخوانية والرسائل الادبية. ويشكل هذا المورد من الادب رافداً غنياً يكشف عن زوايا باهرة من مناطق التراث الانسانى العالمى بوجه الاجمال، وربما ساهم فى كشف بعض جوانب تلك الزوايا فى التراث العربى والتراث السودانى بوجه التخصيص. وقد حفظ الادب العالمى بمداد من ذهب الرسائل المتبادلة بين شوبان والاديبة أمانتين دوبان المعروفة في الأوساط الأدبية والثقافية باسمها المستعار (جورج ساند)، وتلك المتبادلة بين الشاعر ريلكا ومعشوقته سالومى. كما خلد التراث العربى جانباً من ذلك الادب، لعل من اشهره فى تاريخنا المعاصر رسائل عباس محمود العقاد ومصطفى صادق الرافعى الى مي زيادة، ورسائل الشاعرة فدوى طوقان والناقد انور المعدّاوى، ورسائل مروان كنفانى وغادة السمان، وكثيرٌ غيرها. وهو بلا بغير شك من الأدوات الجادة التى يمكن ان تكون خير معين للاجيال الطالعة على الالمام بجوانب محورية من حياة العمالقة من اهل الابداع.
(5)
من كُتاب السودان الذين اهتموا بأدب الرسائل مؤخرا الشاعر والروائى السفير جمال محمد ابراهيم، اذ كتب فى هذا المضمار مقالاً مستفيضاً متميزاً نشرته «الاحداث» فى سبتمبر من العام الماضى، استهله بهذه العبارة المتسائلة: (لماذا يرتبط أدب الرسائل عندنا فى العالم العربى بالفضائحية، او ينظر اليه وكأنه نوع من أدب الاعترافات الشخصية؟) وقد عالج جمال فى مقاله ذاك أمر رسائل الراحل محمد المهدى المجذوب الى القاصة والكاتبة العراقية ديزى الأمير، ورسائل آخرين غيره من المبدعين العرب الى نساءٍ مبدعات اخريات، معالجةً اتسمت بالحيوية والخصب والثراء. ولعل «الاحداث» تصنع معروفاً للمهتمين بهذا الشأن من شئون الثقافة فتعيد نشر ذلك المقال.
ونحن نعلم مما ذكرته السيدة ديزى الامير نفسها ان هناك باقات من الادب الرفيع ضاعت هباءً منثورا، تمثلها الرسائل التى كان الراحل الاستاذ محمد المهدى المجذوب يبعث بها اليها بصورة راتبة، بعد ان تعرف اليها فى احدى المؤتمرات الثقافية التى شارك فيها ممثلاً السودان. وهى رسائل كثيرة العدد - بحسب الاديبة العراقية - التى فصلت فى أمر تلك الرسائل تفصيلا، وذلك فى مقال لها نشرته صحيفة «الناقد» اللبنانية فى ديسمبر 1994 (الشكر أجزله للاستاذ يوسف ادريس، بجامعة الدول العربية الذى مدنى بنسخة مصورة من المقال). وكانت صديقة المجذوب العراقية قد جنحت، باسلوبٍ راقٍ شفيف يتسم بالتثبّت المنهجى، الى محاولة تحليل شخصية المجذوب من وحى ما قرأت فى رسائله المستفيضة اليها. ثم كشفت فى مقالها ذاك للمرة الاولى ان الناقد المصرى الشهير الراحل رجاء النقاش كان قد الحّ عليها فى الحصول على تلك الرسائل الحاحاً جاوز المدى، فوافقت السيدة ديزى بعد طول تمنّع وبادرت فمدته بها فى مظاريف ثمينة سميكة. وقد نظر فيها النقاش ثم شرع فى اعدادها للنشر. ولكن المنية عاجلته فغاب عن الحياة، فاختفت الرسائل ولم يعرف احد بعد ذلك اليها سبيلا.
[ نغيب الاربعاء القادمة فى عطلتنا الصيفية، ونواصل الجزء الثانى من هذا المقال الاربعاء التالية ان شاء الله].

Post: #39
Title: Re: غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل
Author: SILVER MOON
Date: 06-02-2010, 01:14 PM
Parent: #3

السموأل أبو سن
بالجد قلم نووي وكلمات تحمل معانى ذهبية وتحليل رزين مصيب لهدفه
نطمع فى وجودك فى ساحات الصحافة والمنتديات والأدب والحياء وأدب الحوار وأدب الاختلاف
وأدب الصمت وأدب الكلام وادب قلة الادب..

Post: #41
Title: Re: غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل
Author: osama fadlalla
Date: 06-02-2010, 03:13 PM
Parent: #39

كلام سمح ودسم

تشكر زناتي

Post: #42
Title: Re: غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل
Author: زهير الزناتي
Date: 06-02-2010, 03:13 PM
Parent: #39

Quote: أن تكتب مشككا في درجة فلانا العلمية و عن حضوره هنا او هناك بغير صفة لتوحي لقارئك أن فلانا هذا ممن يتظاهرون بما ليس فيهم و غير ذلك من امور الغمز و اللمز فقد يعد ذلك "بطولة" في نظر البعض . و لكنه قطعا ليس من البطولة في شئ اذا كان فلانا ذلك قد رحل عن هذه الدنيا و لم يعد في إمكانه أن يرد عليك مزاعمك.
كان لزاما على السمؤال أن يتصدى لمن يحاول تشويه سيرة و صورة المرحوم علي ابوسن باعتبار صلة الدم و باعتبار المسؤولية عن تراث و تاريخ الرجل و السمؤال كان واحدا من اقرب الناس اليه و قد عاش معه في منزل واحد لفترة من الزمن .
يبقى أن للجميع الحق في تناول الكتاب المذكور بالنقد و التقييم و الاتفاق و الاعتراض فذلك حق مكفول للجميع.


د. سيف سلامات ...

أتفق معك في أن الحديث الشخصي عن أشخاص رحلوا إلي الدار الآخرة ليس أمراً جيداً لأن هذا الشخص لن يستطيع الرد عليك .. أو الدفاع عن نفسه .. وهو يعتبر من باب النميمة ... أما تناول الكتاب ونقده فهو أمر لا تثريب عليه ... ويحق للسموأل الدفاع عن عمه الراحل ... كنت أتمني أن أجد نسخة من الكتاب لرفعه هنا ولكن للأسف باءت كل محاولاتي بالفشل .. إلا أن البحث جاري عنها ...

لك مودتي ...

Post: #43
Title: Re: غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل
Author: عزام حسن فرح
Date: 06-02-2010, 03:27 PM
Parent: #42

زهير الزناتي ...
كيف حالك؟ علك طَيِب ...


Quote: لا اعتقد أن ابو سن قد قام بفضح اصدقائه في القبل الأربعة ... أو قلل من شأنهم ...

وأنا ومجموعة هِنا ده بنعتقِد إنو مِتِل حديث < علي أبو سِن > ده قله أدب مو أدب (المجموعة الهِنا ظهرت لما إعْترضت على كِتاب شوقي بدري "حِكاوي أُم درمان")

ـــــــــــــ
Quote: أن الحديث الشخصي عن أشخاص رحلوا إلي الدار الآخرة ليس أمراً جيداً لأن هذا الشخص لن يستطيع الرد عليك .. أو الدفاع عن نفسه .. وهو يعتبر من باب النميمة ...

سؤال : لامِن < علي أبو سِن > + < شوقي بدري > كتبو الكتبوهو ، الشخصِيات الإتْناولوها ، هل كانت حيه ولا ميتة؟
(دخلت شوقي بدري ، لأنو حسب تصنيفك بِكون "أديب")

سؤال مُباشِر ليك يا زهير : لو أنا نشرت خطاب إنت رسلتو لي ونحنا في الثانوي ، خِطاب فوقو حاجات مُخْجِلة ، بِكون مَوقِفك شنو؟
غايتو إلا يِكون النِفاق ضرب سودانيز أونلايِن ضربه العدو ، لأن حدث كذا مره جات إشارة مِن إنو "فُلان" نشر في بوست رِسالة فُلان الرسلا ليهو في ماسنجر سودانيز أونلايِن ، النحنا فيهو ده. وتعال شوف الإدانات والشجب ما خلو فوقو صفحة يرقُد عليها.

Post: #44
Title: Re: غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل
Author: ابراهيم على ابراهيم المحامى
Date: 06-02-2010, 03:48 PM
Parent: #43

متى يصمت هذا "البطل" عن هذه الادوار المشبوهة

Post: #45
Title: Re: غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل
Author: عزام حسن فرح
Date: 06-02-2010, 04:48 PM
Parent: #44

Quote: ففى زمنٍ مضى تضافرت رؤوس بعض الاسر السودانية فقامت بتمويل حملة جمعت من الاسواق ومراكز التوزيع كتاب «الفلاتة الفولانيون فى السودان» الصادر عن مركز الدراسات السودانية بالقاهرة فى العام 1996، ومؤلفه الدكتور محمد أحمد بدين، حتى لم تبق منه نسخة واحدة فى مكتبات الخرطوم. والكتاب فى أصله عبارة عن بحث أكاديمى كان الدكتور بدين قد أعده باللغة الانجليزية لنيل درجة علمية معينة من مؤسسة اكاديمية، وقد تمت ترجمته لاحقاً الى العربية. ذكر المؤلف ان دافعه لنشر الكتاب بالعربية هو رفع الضيم عن قبيلة الفلاتة السودانية، التى يعتقد انها ضحية لسوء فهم واسع اذ يجهل الكثيرون جذورها ودورها فى تاريخ السودان وواقعها الحاضر وامتداداتها داخل التشكيل الاجتماعى الماثل. ولم يتسنّ لى شخصيا ان احصل على نسخة من ذلك الكتاب الذى وصفه لى بعض من اطلعوا عليه بأنه ذو قيمة ثقافية وعلمية عالية. وقد تناهى الىّ مما ذكر هؤلاء ان المؤلف أشار فى مبحثه ذاك الى ان هناك عدداً كبيراً من الاسر ذات الصيت فى المجتمعات المدينية السودانية تمتد اصولها وتنتسب عرقيا لقبيلة الفلاتة، وسمّى بعضها بأسمائها. غير أن تلك الأسر التى سبق لها ان زعمت لنفسها أنساباً اخرى تمتد الى الجزيرة العربية وأشرافها واستركنت الى تلك المزاعم واستأنست بها، لم ترض عن الكتاب، اذ لم يوافق هواها ما اورده المؤلف، وهو من زمرة العلماء وأهل الذكر فى هذا المضمار، من استخلاصات ونتائج وادلة. ولا عجب، فأنساب الجزيرة العربية تشكل الهوى الغالب عند قطاعات واسعة من أهل السودان.


في كِتاب شيخ العُلماء الدِكتور / عبدالله عبدالماجِد إبراهيم < الإعلام بِالأعلام .. مسيرة عُلماء السودان مِن تَنبَكْتو إلى أُمْ درمان > جاء تفصيل هذِهِ الأُسر الخَجِله مِن أصلِها ... لو الله مد في العُمر ، بنْفِتو كلو هِنا (أي في سودانيز أونلايِن) أو في غيرا

كُنت بديت الشغلانا دي في العمود أدناه :

كشف الغِطاء عن الهَوِية السودانِية

Post: #46
Title: Re: غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل
Author: ياسر احمد محمود
Date: 06-03-2010, 00:19 AM
Parent: #45

• ليس من اللائق أن يعمد علي أبوسن إلى نشر رسائل (خاصة)، لأن مثل هذه الرسائل تنطوي على أسرار شخصية يسبب نشرها حرج بالغ لمرسلها الذي لو كان يعلم بأن سريتها تُنتهك بمثل هذا الأسلوب الفج فربما صرف النظر عن إرسالها.
• الرسائل التي نشرها أبو سن هي مصارحة بين أصدقاء تتيح لهم العلاقة بينهم الحديث في أي شئ، واحترام خصوصية الصداقة يوجب عدم إفشاءها.
• ثم ما هي الفائدة التي تعود للقارئ (العام) من الإطلاع على رسائل (شخصية) بين إثنين.
• والتحية للكاتب القدير مصطفى البطل الذي حاول أن يتصدى لذلك الإسفاف.

Post: #47
Title: Re: غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل
Author: زهير الزناتي
Date: 06-03-2010, 11:18 AM
Parent: #46

منصور شكراً لك لإيرادك مداخلة الأستاذ محجوب بابا الثرة .. وإن كنت أتحفظ علي بعض العبارات التي وردت بها ... لك ودي

Post: #49
Title: Re: غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل
Author: زهير الزناتي
Date: 06-03-2010, 11:22 AM
Parent: #47

العزيز أسامة صديق

كنت أتمني أن تفند هذه العيوب حتي تعم الفائدة ... لك مودتي علي هذه المشاركة ...

Post: #48
Title: Re: غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل
Author: زهير الزناتي
Date: 06-03-2010, 11:22 AM
Parent: #46

مشاعر لك ودي أعرف حساسية وضعك لصلتك بالطرفين ...

شكراً لمرورك ...

Post: #50
Title: Re: غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل
Author: زهير الزناتي
Date: 06-03-2010, 11:48 AM
Parent: #48

Quote: تحية من بيروت
شكراً لك علي إشراكنا في هذا الموضوع . وكذلك أثني علي مساهمتي مصطفي وأبو سن . قابلت الأستاذ علي أبو سن في أخريات أيامه مرتين ، ووجدته إنسان ذكي ومثقف بشكل جيد . نعم شخص مثير للجدل .
أتفق مع رؤية صديقي محجوب ، وأحب أن أذكر المشاركين بأن أفضل من كتب مذكرات شخصية في السودان إلي الآن هو رائد تعليم البنات وأحد مثقفي مدينتناالحبيبة رفاعة الشيخ بابكر بدري
تحياتي

شكراً المعز

شهادتك في حق الراحل شهادة هامة ... ونتفق معك أن كتب المذكرات الشخصية في السودان تحتاج لكثير من الشجاعة والقوة حتي تقدم عليها رموزنا ... أعتقد أن بعضهم كتب ووصي بنشرها بعد موته إلا أن الآخرين ايضاًَ عجزوا عن نشرها ومنهم من أبادها ...
لك ودي

Post: #51
Title: Re: غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل
Author: زهير الزناتي
Date: 06-03-2010, 11:52 AM
Parent: #48

الأستاذ عبد الله الشيخ ... نتمني مزيداً من الإضاءات حول الكتاب بحكم قراءتك له ونقاشاتك مع الراحل أبو سن ... لأن عدد كبير من الناس لم تطلع وتحتاج لأن تعرف المزيد

لك الشكر

Post: #52
Title: Re: غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل
Author: Osama Siddig
Date: 06-03-2010, 01:11 PM
Parent: #51

الأخ الأكرم زهير

لك و لمشاركيك فى هذا الخيط التحية و الســلام

لم اطلع على ردك لى الا اليوم

أخطأ البطل فى التوقيت لانتقاده لمذكرات على أبو سن , بينما كان قد اقتبس منها مشيدا قبل اليوم.
أخطأ سمؤال فى رده على البطل حينما لم يفند كلام البطل فى نقاطه التى ذكرها, كل من قرأ رد السؤال لا تفوت على فطنته أنه يرد من باب"عصبية القبيلة"

مرة اخرى اقرر اننى استمتعت بمقالة كليهما فهما "بغض النظر عما حوياه من شوائب" يمثلان نوعا من الامتاع فى القراءة.

لك وافر ودى

Post: #53
Title: Re: غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل
Author: زهير الزناتي
Date: 06-03-2010, 01:59 PM
Parent: #52

301.JPG Hosting at Sudaneseonline.com



مقال البطل الذي أشار إليه السموأل في مقاله والذي استشهد فيه البطل بكتاب أبو سن .....

Post: #54
Title: Re: غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل
Author: زهير الزناتي
Date: 06-03-2010, 02:03 PM
Parent: #53

المقال كاملاً

Quote: الأربعاء, 08 يوليو 2009 06:55

غربا باتجاه الشرق


[email protected] هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته


(1)


في واحدة من رسائله الى على أبوسن قال المجذوب: (أنا أزعم بأن سبب الفوضى في السودان هو جهل الناس بالتاريخ، وقد زاد جهلهم به حين كتب عنه شبيكة)، "المجذوب والذكريات: أحاديث الأدب والسياسة، الجزء الاول - ص ١٨٢". وأحسب أن صاحب "الشرافة والهجرة" لم يقصد بعبارته تلك التطفيف من أعمال المؤرخ الكبير مكي شبيكة بقدر ما أراد أن يعبر عن أسفه لواقع جهل السودانيين بالتاريخ. ولكنني، خلافاً للمجذوب، ألتمس بغير كثير حذر التطفيف من قدر التصريحات التى أدلى بها أستاذنا وصديقنا ومرشحنا لرئاسة الجمهورية، الدكتور عبدالله علي إبراهيم، في محاضرته بعنوان: (الفكر والتاريخ: رؤية نقدية)، التي نظمها نادي الفكر بقاعة إتحاد المصارف السوداني بالخرطوم الأسبوع الماضي. إذ أقول مقتفياً عبارة المجذوب بأنني أخشى أن يزداد جهل الناس بالتاريخ وبأشياء أُخر، لو أنهم أصاخوا السمع لإفادات عبد الله وأخذوها مأخذ الجد.


(2)


قال الدكتور عبدالله علي إبراهيم إن الذين تدربوا على البحث من السودانيين كتبوا باللغة الإنجليزية فكانت الإنجليزية أداة تعبيرهم الفاعلة بقرينة أنها (لغة تفكير)، بينما أصبحت اللغة العربية (لغة هرج). ونعت مستوى تناول السودانيين للقضايا العامة إجمالاً نعتاً مقذعاً، كما وصف الحوارات والمناقشات المحررة باللغة العربية، سواء كانت سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية، بالافتقار الى الفكر والتمحور حول ذوات الأشخاص. وربما اختلف الأمر بعض الشئ لو أن حكم الدكتور المبرم إقتصر على حياتنا الماثلة كما نحياها فى يومنا هذا، إذن لهان الأمر، ولوقفنا جميعاً، نحن جمهرة المهتمين بمدخلات ومخرجات المشهد السياسي والثقافي المكتوبة والمنطوقة باللغة العربية، متأملين مستبصرين، ومسترشدين بتوجيهات مرشحنا الرئاسي. ولكن الدكتور يرى، ويا للهول، أن أحكامه تنسحب ليس فقط على الحال الراهن، بل انها تنسحب أيضاً إنسحاباً كلياً جامعاً على الواقع السياسي والثقافي السوداني على مدى نصف القرن المنصرم من عمر السودان. يقول عبد الله على إبراهيم يصف حال الكتابة السياسية والثقافية على طول الخمسين عاماً الممتدة من ستينات القرن العشرين وحتى اليوم:(إذا قرأت أية نظرية أياً كانت اجتماعية، سياسية، اقتصادية، إسلامية.. الخ، لا بد أن تجد انها تبدأ ببيت شعر. وفي رأيي يجب أن يُباد ذلك لأن فيه قدراً كبيراً من عدم المسئولية. يجب أن ننتقل الى النثر. وإذا نظرنا الى المبارزات التي كانت تقع بين المتحاورين منذ صلاح أحمد إبراهيم وعمر مصطفى المكي في الستينات وصولاً الى البطل [ ود. عبد الله حمدنا الله وفتحي الضو] اليوم، نجد أن الأفكار تجسدت في شخص ولم تستقل عن هؤلاء الأشخاص، وأصبحت تناقش وكأنها مبارزة وليست بهدف تفتيح الأفق وتوسيعه، وإنما هو الصراع من أجل الصراع ومن أجل أن يصبح البطلان كراقصي الكمبلا). لا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله. منذ صلاح أحمد ابراهيم وعمر مصطفى المكي في ستينات القرن الماضي وحتى اليوم لم يشهد السودان حوارات فكرية حقيقية تؤدي إلى توسيع المدارك وإشاعة الوعي وتفتيح الأفق، وإنما فقط مبارزات وهمية وصراعات شخصية بين راقصي كمبلا. ما أتعسنا إذن وما أشقانا.


أول ما بدا لي بعد قراءة ملخص محاضرة عبدلله هو أن أشرع في استدعاء بعض شواهد التاريخ المعاصر من سجالات ومناظرات وحوارات بين عديد من القمم والرموز والشخصيات الفكرية والسياسية والأدبية الساطعة على توالي العقود المنصرمة والتي أنتجت زخماً فكرياً وثقافياً مهولاً، انداح سيالاً مدراراً على توالي الحقب من التلال السوامق الى السفوح الشعبية. تواردت على ذهني ما قرأت من مسطورات السجالات بين الشهيدين عبد الخالق محجوب والأستاذ محمود محمد طه، والتي نافح فيها الأخير عن آرائه الناقدة للفكر الماركسى وطرح فيها عبد الخالق رؤاه للقيم العدلية في الفكر الاشتراكي وسموه بالإنسان في كل مراقي الحياة. والسجالات بين الأستاذ محمود والدكتور حسن الترابي والتي اجتمعت مادتها في كتابين هما (أضواء على المشكلة الدستورية) و(زعيم جبهة الميثاق الإسلامي في ميزان الثقافة الغربية، وفي ميزان الإسلام). والحوارات الشهيرة بين الرموز الصحافية والقانونية حول المساواة بين القضاء المدني والقضاء الشرعي، والتي تولى كبرها الدكتور سعيد محمد أحمد المهدي والأستاذ بشير محمد سعيد في مواجهة قيادات سياسية كإسماعيل الأزهري وخضر حمد. والمناظرات الفكرية والسياسية والقانونية الخصيبة حول قضية حل الحزب الشيوعي السوداني، بين الدكتور حسن الترابي والدكتور محمد إبراهيم خليل من ناحية، وعبد الخالق محجوب ومحمد إبراهيم نقد من جانب آخر. وسجالات عضو البرلمان المهندس حسن بابكر وآرائه الجريئة في مواجهة معارضيه بشأن ذات قضية حل الحزب الشيوعي. وحوارات الدكتور محمود برات والأستاذ مالك بدري مع مخالفيهم من الإسلاميين في شأن مناهج التوجيه الفكري والعملي في قيادة الحركة الإسلامية. والسجالات بين السيد الصادق المهدي وعدد من كتاب اليسار حول دعوة المهدي لنموذج (الإشتراكية السودانية) التي ترفض الصراع الطبقي، والتي احتج من خلالها المحاورون من اليسار بأن الاشتراكية لا جنسية لها، وأن الصراع الطبقي حقيقة واقعية يقر بها المفكرون الليبراليون قبل غيرهم، وان ماركس لم يأت بنظرية الصراع الطبقي كما يسود الاعتقاد، وإنما أتى بها المفكر الليبرالي فايداماير. وتحفظ الأضابير بطبيعة الحال مساجلات أحمد سليمان، فى طبعته الشيوعية، مع قادة حزبه من فوق منبر صحيفة (الأيام) والتي طرح فيها أفكاره الانقلابية علانيةً.


ولئن انحسر الحوار الحر خلال سنوات الشمولية المايوية فلم تسع الساحة حوارات ديمقراطية مفتوحة، فإن هناك استثناءات ذات مغزى من بينها المجابهات الجريئة التي حملتها جريدة الصحافة بين الوزير مرتضى أحمد إبراهيم والصحافي أحمد علي بقادي، والحوارات بين العميد (م) مزمل سلمان غندور وآخرين. فضلاً عن سلسلة مقالات الدكتور منصور خالد والتي تصدى لها بالرد بعض رموز الحكم آنذاك كالدكتور إسماعيل الحاج موسى، بل وتصدى لها الرئيس الراحل نفسه من خلال خطب لقاء المكاشفة الشهرية التي كان يصوغها مستشاره الإعلامي محمد محجوب سليمان. كما شهدت حقبة الديمقراطية الثالثة حوارات ثرة حول عدد من القضايا الحيوية كالحوار بين السيد الصادق المهدي والسياسي الجنوبي بونا ملوال. والغريب أن ذات الحقبة كانت قد شهدت مساجلات حية على صفحات الصحف بين الدكتور عبد الله على إبراهيم نفسه والدكتورين عشاري محمد محمود وسليمان بلدو حول تقرير مذبحة الضعين والذي استبسل فيه الدكتوران في الدفاع عن تقريرهما في مواجهة زعم عبد الله بأن التقرير عملٌ سياسي منحاز يفتقر الى الموضوعية كما جرت حوارات أخرى لاحقاً في منتصف التسعينات بين السيد الصادق المهدي والراحل جون قرنق بشأن دور حزب الأمة في تعميق وتعقيد مشكلة الجنوب والتي نشرت رسائلها المتبادلة في كتاب. وفي غياب صحافة حرة في غالب سنوات العهد الانقاذى فقد شهدت قيمة الحوار ضموراً مشهوداً، وذلك حتى ضاقت محافل الاسلاميين الداخلية بنزاعات السلطة وطفا زيتها فوق سطح الماء فشهدت الساحة مناظرات سياسية شديدة الحيوية بين عدد من كادرات الحركة الإسلامية، ومثال ذلك السجال الذي أثاره كتاب "الثورة والإصلاح السياسي" للدكتور عبد الوهاب الأفندي وسال على ضفافه مداد كثيف من أقلام حركية إسلامية ذات أوزان فكرية وسياسية راجحة. ومثل ذلك أيضا المساجلات التي دارت على صفحات جريدة الصحافة بين الدكتور التجاني عبد القادر والدكتور أمين حسن عمر والتي ضمها مؤخراً كتاب (نزاع الإسلاميين في السودان، مقالات في النقد والإصلاح). وتلك التي دارت بين الناشط الديمقراطى الحاج وراق وعدد من كتّاب الإسلام السياسي. وذلك فضلاً عن عشرات المساجلات الثقافية والأدبية ومن أمثلتها المعارك النقدية حول شعر عبد الله الطيب بين محمد محمد علي والمجذوب وموضوعها ديوان عبد الله الأول (أصداء النيل) الذي زعم محمد محمد علي أن لغته متخلفة، بينما رآها المجذوب لغة شاعر مطبوع يعيش البداوة والجزالة. والحوارات بين الأديبين محمد عبد القادر كرف والشاعر محيي الدين فارس حول جدارة الشعر الحديث. والسجال الذي دار بين الأستاذ طه الكد والشاعر أبو آمنة حامد. وصولاً الى المساجلات المطولة بين الدكتور حيدر إبراهيم علي والدكتور عبد الله بولا التي بلغت تحريراً نحواً من ثمانمائة ألف كلمة وضمتها ملزمة كبرى اشتهرت في الدوائر الثقافية باسم "حوارية لاهاى". وقد عرف السودان المناظرات الأدبية من قديم العهود، حيث نشرت صحيفة (الفجر) في العام ١٩٣٥م وقائع سجال أدبي شديد الدسامة دارت وقائعه بين الأستاذ محمد أحمد محجوب الذى نافح عن استقلال الثقافة السودانية، والأستاذ حسن صبحي الذى استمسك بعروة الوحدة التاريخية بين الحضارتين السودانية والمصرية.


ولكن الدكتور عبد الله علي إبراهيم يرى في كل هذه النماذج التي تم تحرير حواراتها باللغة العربية (لغة الهرج) أنها لا تعدو كونها شعراً سخيفاً لا يُجسد أية محتويات فكرية، وان غرضها أصلاً لم يكن تفتيح الأفق وتوسيعه، وانها في أساسها إنما كانت صراعا لوجه الصراع، ومن أجل أن يصبح أبطالها (راقصي كمبلا)!


(3)


هل يدهشك – يا رعاك الله - هذا التعميم التقريري السلطوي المتعسف؟ هل تحيرك هذه الجرأة العشوائية في الطرح وهذه الاطلاقية في الأحكام وهي تأتي متهادية من تلقاء الدكتور عبد الله علي إبراهيم؟ لو كانت تدهشك وتحيرك فأنت وشأنك، ولكنني منذ قرأت الورقة التي كتبها الراحل الأستاذ الخاتم عدلان تعليقاً على محاضرة للدكتور عبد الله قدمها بأبي ظبي في الحادي عشر من يوليو ٢٠٠١م وأطلق خلالها في الهواء فقاعات درامية كتلك التي أطلقها في منتدى نادي الفكر بالخرطوم الأسبوع الماضي، ومنذ عرفت عن فتوحات عبد الله (الفكرية) ما عرف الخاتم، لم تعد الحيرة والدهشة تجد بغيتها عندي كلما قرأت عن الرجل وعروضه الاكروباتية.


كان عبد الله قد زعم في محاضرته أمام الجمع من المغتربين بأبي ظبي أن السودان الشمالي كله ينتمي الى الثقافة العربية الإسلامية انتماءً يمتنع معه التمييز بين شمالي وشمالي آخر، يسارياً أو يمينياً، حاكماً أو معارضاً، غنياً أو فقيراً، داعياً للدولة الدينية أومنادياً بالدولة العلمانية، وان كل الأخطاء والخطايا التي ارتكبتها الحكومات المتعاقبة ديمقراطية أو شمولية في حق الوطن، بما فيها مأساة جنوبي السودان، هي في نهاية المطاف مسئولية الشمال العربي الإسلامي يتحملها كل فرد من أهل السودان الشمالي. وأن أيادينا جميعاً في السودان الشمالي ملطخة بدماء قتلى حروب الجنوب وفظائعها. وعقابنا جميعاً واحد لأننا مشتركون في نفس الجريمة وبنفس المستوى. ولذلك فإن مصلحتنا الشخصية، مصلحة كل واحد منا، هي ألا يطالب بعقاب أحد لأنه ارتكب ذنباً في الجنوب لأن العقاب سيطالنا جميعا. وان ما قامت به الجبهة الإسلامية القومية في الجنوب بعد انقلاب الإنقاذ ليس أسوأ مما قامت به الأحزاب الأخرى يمينا ويسارا وأن عذرها في ذلك هو الشفرة الثقافية المركبة فينا جميعاً (تلخيص الخاتم عدلان، ٢٠٠١). وفي تلك الورقة – وبعد أن سخّف مقولة عبدالله التى تقف معلقة فى الهواء بغير ساقين، وبيّن زيفها وخطلها ومفارقتها للروح العلمية والقيم العدلية - عبّر الخاتم عن اعتقاد راسخ لديه، كونه عرف عبد الله عن قرب لعهد طويل وعايشه معايشةً لصيقة شخصاً وفكراً، بأن عبد الله ( يعتمد على تكتيكات معينة في تسويق أفكاره وفي الإيحاء للآخرين من خلال هذه التكتيكات بأنه عالم كبير لا يُشق له غبار، وانه مؤلف للنصوص الكبيرة، وأنه علم من أعلام التنوير في بلادنا)، وهي، بحسب الخاتم، ( أوصاف تجانب حقيقة عبد الله مجانبة تكاد تكون كلية ). والواقع يحدثنا بلا مراء أن عبد الله يسيطر عليه وهم المقولات الذاهلة، اذ يظن أن الفرقعات الاعلامية مثل إطلاق تصريحات فاقعة الألوان فى شكل ألعاب نارية بين الفينة والفينة، ومحاولة إكسابها جلال الثقافة عن طريق القولبة الدرامية والتقعر اللغوي ، كتلك التي أشرنا إليها، تجعل منه نجما ثقافيا وعلماً فكرياً، بل انها ربما قادت خطاه يوما ما الى رئاسة الدولة فيصبح معمّرنا القذافي الجديد! ومن رأي الخاتم أن التشويش الفكري الذي يعاني منه ويصدر عنه عبد الله ناتج عن افتقاره الى الأدوات الدقيقة التي تصنف المفاهيم وتحدد الدلالات وتزيل التناقضات. وهو ما ينتهي به دائماً الى تحليلات معطوبة ونتائج متنكبة لجادة الصواب. وليس أدل على ذلك من مزاعم عبد الله عن الشمال العربي الإسلامي التي تستند فى لبّها الى فكرة هجرتها البشرية وتركتها وراءها ظهريا وهي فكرة النقاء العرقي، وادعاءاته البلقاء – في مواجهة تاريخٍ معاش لم ترثُّّ صفحاته بعد– عن غياب أنموذج واحد لحوار لاجب ذى فكر جاد في جميع مسارح السياسة والثقافة على مدى نصف قرن من تاريخ السودان!


(4)


مهما يكن من أمر أطروحة الخاتم بشأن توهمات عبد الله وتوسله لمقام المفكر القومي بالتنطّع في التنظير والإغراب في التعبير، فإن المتابعة اللصيقة لآثاره المسطورة في الحقلين السياسي والثقافي خلال العقدين الأخيرين تؤشر الى اضطراب لا يخطئه الراصد لمواقف الرجل وتوجهاته. وقع انقلاب الحركة الإسلامية في السودان عام ١٩٨٩م والدكتور خارج لتوه من قلب حملة صحفية مستأسدة شنها ضد الجيش الجزائري الذي كان قد استولى على السلطة ليقطع طريق الحكم السياسي على الإسلاميين، تأسيساً على زعم بأنه يرفض الانقلابات العسكرية من حيث المبدأ، ولكن ما أن أذاع الانقلابيون بيانهم الأول في الخرطوم حتى سارع الى صفوفهم ينفق عليهم من شرعيته (الفكرية) بغير حساب. ونجد عبد الله في حاضره المعاش يعلن مفارقته للحزب الشيوعي ويلبس لبوس التدين السياسي، ثم نفاجأ به ينتقد الشيوعيين السودانيين على أساس أنهم ليسوا ماركسيين بما فيه الكفاية. ويكتب عبد الله كتاباً كاملاً يمجد فيه فكر الترابي الإسلاموي ويزكي تطبيقات الشريعة الإسلامية في السودان على يد القضاة الشرعيين، ولكنك تقلب صفحة الإهداء فتراه يهدي الكتاب إلى القائد الشيوعي عبد الخالق محجوب. ثم إذا به يمسك بخناق عبد الخالق، الذي يطلق عليه صفة "أستاذنا" فيبتذل فكره على رؤوس الأشهاد. ثم يعيد البصر كرتين ليقول بأن علاقته بالحزب الشيوعى كانت عبارة عن حالة تعاقد شخصي مع عبد الخالق. ويدور عبد الله دورةً عبثيةً كاملة فيصف نفسه على حين غرة بأنه ناصري الهوى. ويعلن الرجل عن محاضرة يلقيها بعنوان (في كون السودان ليس رجل إفريقيا المريض)، ويتداعى الحضور من المهتمين بمادة المحاضرة فيعاجلهم بأنه لا محاضرة ولا يحزنون وانه إنما دعاهم ليعلنهم بخبر ترشيحه لرئاسة الجمهورية وفتحه لباب التبرعات والهبات المالية الداعمة لحملته الانتخابية. غير أنه يفاجئ ناخبيه المفترضين بأنه لا يملك برنامجاً يطرحه عليهم ولا تصوراً محدداً للحكم، وان كل ما عنده هو "رؤية " لسودان جديد. ولكننا نعلم أن حكم البلدان وسياستها لا يتصل بالرؤى وإنما بالخطط والبرامج التطبيقية التي تحيل خيالات الرؤى الى منجزات ترفل على الأرض. جميع بني وطني لهم رؤى. رؤاهم أن يتحول السودان الى جنة. وكاتب هذه الكلمات له رؤية. رؤيتي أن يشرب كل سوداني من ماء النيل وأن يتملك منزلاً من طابقين وسيارة كورولا. وعبد الله أيضاً له رؤية، ولكنه لا يملك برنامجاً ذا خصائص تطبيقية نفحصه بمقتضاه ونقوّمه على أساسه. هو يريد منا فقط أن ننتخبه وأن نُوهطه على مقعد رئيس الجمهورية، فيغيظ منصور خالد ويفقع مرارته، ويصفي معه الحساب القديم، حساب "الملتقى الفكري" الذي طرده منصور من سكرتاريته عام١٩٧٠م، فكسر شوكته وحطم كبرياءه وأحدث فى خويصة ذاته جرحا نفسيا غائرا استعصى على الزمان مداواته.


(5)


وصف عبد الله في محاضرة نادي الفكر جميع الحوارات والسجالات التي شهدها السودان خلال نصف القرن الماضي بأنها كانت صراعاً من أجل الصراع، ومبارزات تمحورت حول الشخص، وأنها تفتقر الى الفكر، وان أطرافها لم يتجاوزوا كونهم راقصي كمبلا. كيف لا واللغة العربية أصلاً، بحسب عبد الله، (لغة هرج)! عظيم. هذا رأيه وهو فيه حر. ولكن ليسمح لنا عبد الله بأن نتوجه إليه بالسؤال: وماذا بشأن مبارزته مع الدكتور منصور خالد التي ظل خلالها ممتطياً صهوة جواده عامين متصلين، دلق خلالهما حبراً لم يدلقه ابن حجر العسقلاني. هلا تكرم المفكر الكبير فدلنا على مواقع (الفكر) في تلك المبارزة التي ملأ بها الدنيا وشغل الناس؟ لا بد أن يكون هناك (فكر) أليس كذلك؟ فلا يعقل يكون ذلك العمل الضخم بدوره من قبيل رقص الكمبلا أو (صراعاً من أجل الصراع). خاض عبد الله بنا في لجج حرب مستعرة ضد الدكتور منصور خالد بلغت ذروتها بنشره جزءاً من وثيقةٍ استخرجها من خزانة للوثائق الأمريكية باحدى المكتبات. استخدم عبد الله في المقال القصير الذي أبرز فيه وثيقته وعنوانه (منصور القوّال) عبارة (المخابرات الأمريكية) باللغة العربية أربعة عشر مرة بالتمام والكمال، وأورد مرادفها بالحروف الإنجليزية (سى آى ايه) مرة واحدة، وعبارة (عميل لإدارة من إداراتها) ويقصد المخابرات الأمريكية مرة واحدة، وكلمة (المخبر) و(المخبرون) مرتين، باجمالى يبلغ عشرين فى العدد لاستخدام ذات الالفاظ او المعانى. وزع صاحبنا العبارات توزيعاً ذكياً بين بداية المقال ومنتصفه وخاتمته. مثال ذلك: (علقت بمنصور تهمة العمالة للمخابرات الأمريكية). ثم: (وقفنا على وثائق [تثبت] أن منصور خدم المخابرات الأمريكية عام ١٩٥٣م). ثم: (لم يكن بوسع المخابرات الأمريكية أن تترك الحبل للشيوعيين على الغارب)، وهكذا. والوثيقة المشار إليها كتبها دبلوماسي أمريكي اسمه جورج سويني، ومع أن السيرة الذاتية لسويني هذا متاحة لكل من يعرف الطرقعة والغوغلة فى بطون الحواسيب، شأنها شأن السير الذاتية لغالب رجال الدبلوماسية الأمريكية الراحلين والأحياء، وتقول سيرته انه موظف فدرالى من كادرات الخدمة الدبلوماسية، ولد عام ١٩١٢م وتُوفيَ في ١٩٧٩م. ومع ذلك فإن عبدالله لم يطرف له جفن وهو يوحى لقارئه كتابةً بأن سوينى ضابط مخابرات يتبع للسى آى ايه. مع انه يعلم أنه موظف دبلوماسى يتبع لوزارة الخارجية، تماما كما يعلم ان الجاسوسية والدبلوماسية فى الولايات المتحدة خطين متوازيين، وان بين جهازيهما وعناصرهما البشرية ما صنع الحداد. والوثيقة نفسها لا تعدو كونها مذكرة دبلوماسية وليست تقريراً استخبارياً بالمعنى الاصطلاحي، بقرينة أنها موجهة من السفارة (مكتب الاتصال) بالخرطوم الى رئاسة وزارة الخارجية الأمريكية، شأنها في ذلك شأن المئات من وثائق الخارجية الأمريكية التي تعني بتوصيف وتحليل الأحوال السياسية في السودان التي ظل الصحافي محمد علي صالح يقوم منذ زمن بعيد بنقلها من الأرشيف الأمريكي و ترجمتها الى العربية دون عجيج أو ضجيج. بل ان الاستاذ محمد على صالح، وهو خبير مخضرم ومحلل معتق للنظم والشئون الامريكية لما يقرب من اربعة عقود من الزمان، كان قد وقع على ذات الوثيقة وقام بايرادها ضمن ترجماته على انها وثيقة كتبها دبلوماسى تابع لوزارة الخارجية وليس عميل للسى أى أيه يتبع لوكالة المخابرات. ولعل هذا ما حدا بالسوداني الأمريكى المقيم بمنطقة واشنطون عادل عثمان، أن يبادر وفي ظرف دقائق معدودة من نشر مقال عبد الله علي أحد المواقع الالكترونية الواسعة الانتشار، بكتابة وإرسال التعليق التالي: (كلام عبد الله عن عمالة منصور للمخابرات الأمريكية غريب. المخابرات الأمريكية لا تكشف أسماء عملائها، خاصة إذا كان العميل حياً ويشغل منصباً قيادياً في دولته. هذا التقرير من صميم عمل الدبلوماسيين في أي سفارة. مهمة أي دبلوماسي أن يكون على صلة بمواطني البلد الذي يعمل فيه وبالذات مثقفيه ومتعلميه وصناع الرأي من الصحفييين والكتاب والسياسيين....). وكاتب التعليق، مثل كثيرين غيره من الذين عاشوا في الولايات المتحدة لعهودٍ متطاولة، لا يجوز عليهم التخليط والهرج والتأثيرالايحائي وأشغال الاكروبات اللغوية. ولولا اننا لا نأخذ مأخذ الجد تقويم عبد الله وتصنيفه للغتين العربية والإنجليزية، لدفعنا في مقام التفسير بالزعم بأن عملية تدوير المعلومات الأصلية لدى السودانيين الأمريكيين والمحتوى التحليلي المصاحب لها، إنما يتم في المقام الأول باللغة الإنجليزية، التي يصفها عبد الله بأنها (لغة تفكير)، لا باللغة العربية التي نعتها بأنها (لغة هرج)!


وقد ذكرت أول ما ذكرت عند وقوفي على قنبلة عبد الله الدخانية لقائي في مايو ١٩٨٩م بصحبة الاستاذ علي الجندي، السفير بوزارة الخارجية حاليا، بالمسئول عن الشئون السودانية في وزارة الخارجية الأمريكية بمكتبه بواشنطن، وكنا يومها في زيارة للولايات المتحدة بدعوة من وزارة خارجيتها. فاجأنا الدبلوماسي الأمريكي بسؤال عن رأينا حول تقرير الدكتورين عشاري وبلدو حول أحداث الضعين، فصمّ رفيقي السفير علي الجندي فمه إذ لم يعجبه السؤال، ولكنني برغم حساسية موقعى الوظيفى (ربربت) و(بعبعت) بغير مبالاة وفصّلت رأيي الذي لم يكن كله موافقاً لموقف الحكومة السودانية. وذكرت اللقاءات العديدة التى جرت بينى وبين عدد من دبلوماسيي الولايات المتحدة بالخرطوم وتخيلت ما يمكن أن يكون هؤلاء قد قاموا بتدوينه ونسبته الى شخصي.


مهما يكن فإن مطالبتنا لعبد الله تظل قائمة بأن يبين لنا طبيعة المكوّن الفكري في صراع العامين الذي خاضه في مواجهة الدكتور منصور خالد ولم تحصد منه السياسة والثقافة غير الإساءات الغليظة المتعمدة لأسماء ولرموز سودانية سامقة لها تاريخها الناصع، غادر أغلبها دنيانا الى دار البقاء بعد حياة حافلة في دروب الجهاد الوطني قدمت خلالها شهد العطاء لأمتها في تجرد ونكران ذات. وذلك لمجرد أن أسماءها وردت في تقرير دبلوماسي أجنبي، كان يدون في دفتره ما يسمعه هنا وهناك من الشخصيات العامة في المحافل الرسمية والدور الخاصة، شأنه شأن غيره من أهل مهنته. شخصيات في قامة الأكاديمي والعالم الاقتصادي البارز سعد الدين فوزي، والقائد العمالي الوطني والصحافي الفذ فضل بشير، والإعلامي العملاق محمد خير البدوي مدّ الله في عمره، والقائد العسكري المثالى الأميرالاي عثمان حسين والإداري المحنك عبد القادر يوسف، والسفير المتميز وأحد مؤسسي وزارة الخارجية يوسف مصطفى التني، والأستاذ الجامعي والمربي الفاضل محمد خليل جبارة. وغيرهم من الأخيار ممن لم يبال عبد الله بتلطيخ ثيابهم بالوحل خدمةً لمآربه الذاتية القريبة، وسعياً لتصفية حسابات شخصية مع رئيسٍ له في عملٍ عام، لم يُعجبه أداؤه ولم يقبل رؤاه لادارة العمل فألزمه بالاستقالة، واستأجر بدلاً عنه من رآه قوياً أميناً وجديراً بالمسئولية.


(6)


رحم الله الخاتم عدلان القائل: (يعتمد عبد الله على تكتيكات معينة في تسويق أفكاره وفي الإيحاء للآخرين من خلال هذه التكتيكات بأنه عالمٌ كبير لا يشق له غبار، وانه مؤلف للنصوص الكبيرة، وأنه علم من أعلام التنوير في بلادنا). أترى أن منصور كان قد وقف على ربوة ذات القناعة فاستنكف أن يدخل إلى الحلبة ليرقص – مع عبدالله - الكمبلا؟


نقلا عن صحيفة ( الاحداث )



Post: #55
Title: Re: غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل
Author: زهير الزناتي
Date: 06-03-2010, 04:12 PM
Parent: #54

Quote: عزيزي زهير كيف حالك

أخشى أنك ضلّلت (misled) -بالتأكيد بحسن نية- الكثير من المتداخلين (وربما البوست نفسه) عندما حكمت بأن
"النقطة الأساسية التي يقوم عليها المقالان هي: ما يجب نشره وما لا يجب"، رغم أنها موضوع جيد لبوست منفصل بذاته، ولكن لا أعتقد أنها النقطة الأساسية لمقال "صديقنا" سمؤال، تحياتي لك وله.


استاذنا معاوية لا زلت اعتقد بانها المحور الأساسي لكلا المقالين .. وإذا ما كانت هنالك نقاط أخري فقد أثيرت عرضاً

لك كل مودتي

Post: #56
Title: Re: غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل
Author: khalid abuahmed
Date: 06-03-2010, 06:14 PM
Parent: #55

الاعزيز الفاضل الاستاذ زهير
تحياتي وتقديري..
حقيقة البوست كامل الدسم..والله تمنيت لو أن كل البوستات الحوارية بهذه الدسامة وهذا الأدب في الحوار الذي يعلمنا الاحترام تبادل الآراء دون إساءة وشتيمة..
والغريبة أخي زهير أن العزيز السمؤل معنا في البحرين ولم أعرف ألبته أنه بن ذلك الرجل القامة، وبالفعل كما ذكر الاخوة المتداخلون أن المقال دسم وجميل للغاية وارتسمت فيه الكثير من المعاني..
اما رد أستاذنا محجوب بابا أيضا جميل ورائع والذين يعرفون استاذنا محجوب لا يستغربون ما كتب فهو موسوعة سودانية في البحرين وقد عمل عقود من الزمان في دارالوثائق المركزية ومطلع على أمهات الكتب والمقالات والوثائق النادرة في تاريخ السودان الحديث وقديمه أيضاً.
أشكرك لك أخي زهير هذا البوست الجميل والرائع..

Post: #57
Title: Re: غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل
Author: زهير الزناتي
Date: 06-03-2010, 06:51 PM
Parent: #56

عزام سلامات ...

الشخصيات العامة تختلف عن غيرها ... ما يرد في مراسلات الأدباء ، الساسة وغيرهم مع بعضهم البعض تتناول في الغالب الأعم شأن عام .. وحتي الخاص منها يهم الكثيرين ... نري في الغرب أن حياتهم كتاب مفتوح حتي في حياتهم ... لذا لا أري غضاضة في مثل هذا التناول ... زائفة الثقافة السائدة في مجتمعاتنا قد لا تستثيغ مثل الوجبات الأدبية .. إلا أن ذلك لا يعني أهميتها لقراءة الكثير من الأحداث والقرارات ... وهي تختلف من ونسة خلق الله التانين .... لأنها لا تهم إلا أطرافها ...
لك ودي

Post: #59
Title: Re: غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل
Author: زهير الزناتي
Date: 06-03-2010, 07:04 PM
Parent: #57

العزيز
silver moon

Quote: السموأل أبو سن
بالجد قلم نووي وكلمات تحمل معانى ذهبية وتحليل رزين مصيب لهدفه
نطمع فى وجودك فى ساحات الصحافة والمنتديات والأدب والحياء وأدب الحوار وأدب الاختلاف
وأدب الصمت وأدب الكلام وادب قلة الادب..


أتفق معك في أن سموأل قلم لا يستهان به ... نتمني أن يخرج من قوقعة الموسمية ... ويرفدنا بكتاباته علي الدوام ...

Post: #64
Title: Re: غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل
Author: معاوية الزبير
Date: 06-04-2010, 03:02 AM
Parent: #59

سلام يا زهير يا زميلي (كلها فرق خمس سنوات، أستاذ دي شنو؟)

في مداخلتي ذهبت إلى القول إنني أخشى أن تكون ضلّلت المتدخلين أو البوست عندما كتبت –أنت- أن النقطة الأساسية في المقالين هي ما يجب وما لا يجب نشره في المذكرات، وقلت –أنا- أعتقد أنها غير ذلك، وكما ترى استخدمت مفردتي "أخشى" و"أعتقد" تجنبا للقطع في الحكم، لأن لكل قراءته.
في رأيي أن النقطة الأساسية في مقال (رد) الصديق سموأل هي أن البطل محرّش من ناس أزعجهم تسرّب الكتاب-المذكرات، وأن غرض كتابته مرض، ولذلك طفق السموأل يكشف "سوءات" البطل فبدأ بأن استنكر تقليل الأخير من شأن الراحل علي أبو سن وكشف محاولة إيهامه الناس بوجود ندية مع الراحل (الذي لم يلتفت لوجود البطل أثناء مؤتمر القمة 86، مما "أوغر عليه صدره" وجعله قابلا للتحريش لاحقا).
ثم عاب سموأل على البطل إيحاءه للقارئ أنه يطلع للمرة الأولى على كتاب "المجذوب والذكريات.."، ثم وصل القمة عندما لعن الزمن السوداني الراهن الذي أفرز البطل "ككاتب كبير".. الخ
ولكن بالطبع عرّج سموأل على كتابة المذكرات واستحسن منها ما يظهر "مقدرة الكاتب على التعبير" و"درجة البلاغة والوضوح وتحريك الكامن والمستتر والغرائبي والفريد واللافت..". ولم يقل أبدا إنه مع أو ضد نشر الخاص في المذكرات ولكنه قال إن على الكاتب أن يتحمل نتائج ما يكتبه وإن عليا دفع ثمن ذلك.
ولكن في كل الأحوال فإن البوست حرّك قضية مهمة جدا ومسكوتا عنها، وهو مبشّر بمداخلات ثرة من القراء ومن المعنييّن.
وبالطبع لن يفسد اختلاف القراءات بيننا ودا. وشكرا على تفهمك تعبير ضلّلت مما شجعني على تكراره.

مع كل المحبة.

Post: #58
Title: Re: غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل
Author: زهير الزناتي
Date: 06-03-2010, 07:00 PM
Parent: #55

Quote: • ليس من اللائق أن يعمد علي أبوسن إلى نشر رسائل (خاصة)، لأن مثل هذه الرسائل تنطوي على أسرار شخصية يسبب نشرها حرج بالغ لمرسلها الذي لو كان يعلم بأن سريتها تُنتهك بمثل هذا الأسلوب الفج فربما صرف النظر عن إرسالها.
• الرسائل التي نشرها أبو سن هي مصارحة بين أصدقاء تتيح لهم العلاقة بينهم الحديث في أي شئ، واحترام خصوصية الصداقة يوجب عدم إفشاءها.
• ثم ما هي الفائدة التي تعود للقارئ (العام) من الإطلاع على رسائل (شخصية) بين إثنين.
• والتحية للكاتب القدير مصطفى البطل الذي حاول أن يتصدى لذلك الإسفاف.


الأخ ياسر سلام
نحترم وجهة نظرك رغم إختلافنا معها ...

Post: #60
Title: Re: غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل
Author: زهير الزناتي
Date: 06-03-2010, 08:47 PM
Parent: #58

اسامة فضل الله شكراً لك

Post: #61
Title: Re: غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل
Author: زهير الزناتي
Date: 06-03-2010, 08:48 PM
Parent: #58

الأستاذ ابراهيم شكراً علي مرورك

Post: #63
Title: Re: غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل
Author: نصار
Date: 06-03-2010, 10:57 PM
Parent: #61

العزيز زهير
استغربت جدا من كتابة البطل و هو ليس بالسوء و قلة القيمة التي غابه بها الاخ السمؤال ابو سن
وكأن السر و الدافع يكمنا في اللقاء العابر الذي ذكره البطل، و الا ما الذي يدفع كاتب
جاد مثل البطل لينبش في سيرة رجل رحل عن دنيان.. الغريب ان البطل يعيب على الراحل افشاء
سر اصدقائه و نشر قول فاحش، وذلك في كتاب اكد البطل انه نشر في نطاق محصور
ثم يتبرع البطل المتعفف بتوسيع قاعدة نشر الفحش و (قلة الادب).. و يعيب على الراحل ذكر
اسماء بسيرة رموها وراء ظهر شبابهم لكنه لا يرى غيبا في ذكر نفس الاسماء و اصابها
في غالبهم لم يفارقوا الشباب فحسب بل فارقوا الدنيا كلها...

Post: #65
Title: Re: غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل
Author: معاوية الزبير
Date: 06-04-2010, 03:20 AM
Parent: #63

سلام يا زهير يا زميلي (كلها فرق خمس سنوات، أستاذ دي شنو؟)

في مداخلتي ذهبت إلى القول إنني أخشى أن تكون ضلّلت المتدخلين أو البوست عندما كتبت –أنت- أن النقطة الأساسية في المقالين هي ما يجب وما لا يجب نشره في المذكرات، وقلت –أنا- أعتقد أنها غير ذلك، وكما ترى استخدمت مفردتي "أخشى" و"أعتقد" تجنبا للقطع في الحكم، لأن لكل قراءته.
في رأيي أن النقطة الأساسية في مقال (رد) الصديق سموأل هي أن البطل محرّش من ناس أزعجهم تسرّب الكتاب-المذكرات، وأن غرض كتابته مرض، ولذلك طفق السموأل يكشف عورات البطل فبدأ بأن استنكر تقليل الأخير من شأن الراحل علي أبو سن وكشف محاولة إيهامه الناس بوجود ندية مع الراحل (الذي لم يلتفت لوجود البطل أثناء مؤتمر القمة 86، مما "أوغر عليه صدره" وجعله قابلا للتحريش لاحقا).
ثم عاب سموأل على البطل إيحاءه للقارئ أنه يطلع للمرة الأولى على كتاب "المجذوب والذكريات.."، ثم وصل القمة عندما لعن الزمن السوداني الراهن الذي أفرز البطل "ككاتب كبير".. الخ
ولكن بالطبع عرّج سموأل على كتابة المذكرات واستحسن منها ما يظهر "مقدرة الكاتب على التعبير" و"درجة البلاغة والوضوح وتحريك الكامن والمستتر والغرائبي والفريد واللافت..". ولم يقل أبدا إنه مع أو ضد نشر الخاص في المذكرات ولكنه قال إن على الكاتب أن يتحمل نتائج ما يكتبه وإن عليا دفع ثمن ذلك.
ولكن في كل الأحوال فإن البوست حرّك قضية مهمة جدا ومسكوتا عنها، وهو مبشّر بمداخلات ثرة من القراء ومن المعنييّن.
وبالطبع لن يفسد اختلاف القراءات بيننا ودا. وشكرا على تفهمك تعبير ضلّلت مما شجعني على تكراره.

مع كل المحبة.

Post: #66
Title: Re: غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل
Author: الهادي هباني
Date: 06-04-2010, 08:07 AM
Parent: #65

تحاتي زهير و جميع المتداخلين و المتابعين الأفاضل

طالعت مقال البطل عن أبوسن في خيط مجاور و لم يجد عندي
إستحسانا و قد عبرت عن ذلك للبطل بمداخلة هذا هو نصها ،،،،

Quote:
Quote: غربا باتجاه الشرق
بعيداً عن الأدب وقلّته (1-2)
مصطفى عبد العزيز البطل
-------------------------------------------------------------------
(1)
ابا سن أخفق اخفاقا مزرياً فى عرضه للثروة المهولة التى وجدها بين يديه،
من رسائل المجذوب اليه والى السيدة الانجليزية روزميرى، وان معالجته لامر هذه
الرسائل اتسم بالفجاجة والركاكة وضعف الحساسية، ولا نقول الخبث.
بل ان تدبيره الذى خرج علينا به فى شأن هذه الرسائل يقرب - فى زعمنا - الى ان
يكون فتحاً فى "أدب الخيانة" منه الى "أدب الرسائل". ثم اردنا بعد
ذلك ان نمضى قدماً فنبين ملاحظاتنا ومآخذنا على شخصية ابى سن نفسه، ونتناول
بالتقويم عطاءه السياسى والثقافى، ونمحص فى ذلك تمحيصاً نميز فيه بين الحقائق
الراسخة، والتخاليط والاوهام.
].
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــ

أستاذي الفاضل مصطفي
لك مني عاطر التحايا و فائق التقدير
أول مقال قرأته لك و أنا في الخرطوم كان عن عبدالرحيم حمدي و هو حقيقة من المقالات التي
أعجبتني و شدتني بعد ذلك لمتابعة كل مقالاتك اللاحقة ،،،
كان ما أعجبني في المقال المذكور هو نجاح كاتبه في توصيل رسالته بأسلوب ساخر لكنه غير
جارح غير مسئ و لذلك قد وجد قبولا واسعا بين أوساط القراء علي إختلاف مستوياتهم الثقافية
و إتجاهاتهم الفكرية ،،، و خلال تلك الفترة التي قرأت فيها المقال في الخرطوم و قد كنت
حينها في إجازة سنوية و متفرغا بحكم الإجازة لقراءة الصحف اليومية و متابعة الفضائيات و
الفعاليات السياسية و الثقافية و الإجتماعية و التردد علي مجالس السودانيين بمختلف
أشكالها و مناسباتها ،،، و كنت دائما أعبر فيها عن إعجابي بالكتابة الساخرة الهادفة غير
الجارحة التي ميزت المقال المذكور و المقالات التي أعقبته و قد كانت وجهة نظري تلتقي
دائما مع كل وجهات النظر في نفس الموضوع ،،،،
ما ورد بحق أبو سن في المقال الحالي و خاصة في الفقرة المقتبسة أعلاه لم يجد إستحساناً لدي
فهو لا يليق بالأسلوب الذي تعود عليه الناس في كتاباتك و الذي كان متصالحا مع المزاج
السوداني عموما بكل مكوناته و جذوره ،،، و لا أعتقد بأن حجب مثل هذه المفردات الجارحة من
المقال كانت ستخل بمضمونه فلم تكن مضطرا لذلك في إعتقادي من الأساس و ذاكرتك علي حد تقديري
ظافرة بمفردات أخري مناسبة غير جارحة تجمع بين الموضوعية و السخرية و القبول ،،،
أقول ذلك من باب النقد البناء فبالحوار و الجدل و النقد و النقد الذاتي يتطور الإنسان ،،،
الجدل مع الذات و مع الآخرين فالمؤمن كما يقول الحديث "مرآة أخيه" ،،،
لا يعتبر هذا دفاعاً عن أبو سن ففي الحقيقة لم أحظي بالتعرف إليه أو مقابلته طوال حياتي أو
حتي القراءة له بل لم أعرف أنه كان كاتبا إلا من مقالاتك عنه،،، و لكنه مجرد حرص علي أدب
الحديث و الحوار و النقد و فضلا عن ذلك هو حرص صادق علي أن يحتفظ المبدعين دائما بالصورة
الجميلة التي يرسمونها في ذاكرة الناس بل أن يسعوا للسموء بها في عالم الجمال،،،
مع خالص إعزازي و تقديري و إعتذاري إن كنت قد خرجت عن حدودي بهذه الكلمات

Quote: توقيع الهادى هبانى

In the End, we will remember not the words of our enemies, but the silence of our friends





Post: #67
Title: Re: غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل
Author: بدر الدين الأمير
Date: 06-04-2010, 10:24 AM
Parent: #66

زهير
لك التقدير
ولكل المروا عبر هذه النافذة
اتابع منذ فترة كتابات البطل النقدية والتمحيصية وهى محل اعجابى وتقديرى
وهذ المتابعة دلتنى لكاتب وافر المفردة والصور البلاغية تتخللها موسيقى سرد
تقودك الى اخر حرف كتبه اي السمؤال أبوسن.
بس عنوان مقال السمؤال منفر بل ويدل على ان الامر ردحى فطير واستشهاده بالمثل
الشعبى ( غاب أب شنب ولعب اب ضنب) حرم العديد من الباحثين عن هكذا تحاور تحقيقى
اعود لنشر رسائل المبدعين او من اضحو رموز ابداعية او نضالية هل قراتم رسائل البروف
الراحل عبد الله الطيب لطه حسين واستجداء عبدالله الطيب لطه حسين ان يكتب له مقدمة لكتابه
(مدخل لفهم اشعار العرب) وقد نشرت تلك الرسائل مجلة القاهرة في بداية التسعينات لو شفتو
عبدالله الطيب كم كان ضعيف وهزيل ومنكسر أمام طه حسين وكانه طفل يستجدى والده لشراء لعبة ..
وبرضو عبدالله الطيب لم يعترض على نشر تلك الرسائل ولم يقول انها رسائل شخصية وكيف تنشر




Post: #68
Title: Re: غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل
Author: mutwakil toum
Date: 06-05-2010, 04:37 AM
Parent: #67

كنت اتمنى أن يستمر الأستاذ البطل في نشر السلسلة بنفس الإطمئنان الذي نشر به المقال الأول، فالكثير من النفاظ أثارها السموأل تحتاج للتوضيح..

Post: #69
Title: Re: غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل
Author: زهير الزناتي
Date: 06-05-2010, 07:04 PM
Parent: #68

Quote: الأخ الأكرم زهير

لك و لمشاركيك فى هذا الخيط التحية و الســلام

لم اطلع على ردك لى الا اليوم

أخطأ البطل فى التوقيت لانتقاده لمذكرات على أبو سن , بينما كان قد اقتبس منها مشيدا قبل اليوم.
أخطأ سمؤال فى رده على البطل حينما لم يفند كلام البطل فى نقاطه التى ذكرها, كل من قرأ رد السؤال لا تفوت على فطنته أنه يرد من باب"عصبية القبيلة"

مرة اخرى اقرر اننى استمتعت بمقالة كليهما فهما "بغض النظر عما حوياه من شوائب" يمثلان نوعا من الامتاع فى القراءة.

العزيز أسامة صديق

لك وافر ودى


نعم خطأ البطل واضحاً خاصة وأنه أوحي للقارئ بأنه أطلع علي الكتاب للمرة الأولي ...
لا أعتقد أن دفاع السموأل عنه عمه لا ضير فيه خاصة وأنه لم يدافع عنه لعصبية وإنما لقناعة منه بأنه يستحق الدفاع ... لأنك لا يمكن أن تدافع عن الباطل مهما أوتيت من ملكات إذا لم يكن هنالك ما تدافع عنه ... أتفق معك في أن المقالات جيدة وتثري الساحة الأدبية والصحفية ..

شكراً لمرورك الكريم

Post: #70
Title: Re: غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل
Author: زهير الزناتي
Date: 06-05-2010, 07:15 PM
Parent: #69

Quote: الاعزيز الفاضل الاستاذ زهير
تحياتي وتقديري..
حقيقة البوست كامل الدسم..والله تمنيت لو أن كل البوستات الحوارية بهذه الدسامة وهذا الأدب في الحوار الذي يعلمنا الاحترام تبادل الآراء دون إساءة وشتيمة..
والغريبة أخي زهير أن العزيز السمؤل معنا في البحرين ولم أعرف ألبته أنه بن ذلك الرجل القامة، وبالفعل كما ذكر الاخوة المتداخلون أن المقال دسم وجميل للغاية وارتسمت فيه الكثير من المعاني..
اما رد أستاذنا محجوب بابا أيضا جميل ورائع والذين يعرفون استاذنا محجوب لا يستغربون ما كتب فهو موسوعة سودانية في البحرين وقد عمل عقود من الزمان في دارالوثائق المركزية ومطلع على أمهات الكتب والمقالات والوثائق النادرة في تاريخ السودان الحديث وقديمه أيضاً.
أشكرك لك أخي زهير هذا البوست الجميل والرائع..


شكراًُ الأستاذ الفاضل خالد أبو أحمد علي كريم مرورك ... يجب أن تكون لغة الحوار راقية حتي يؤتي أكله ... لأن الحوار أداة من أدوات تطوير الفكر والأدب ...
الأستاذ علي أبو سن عم السموأل وإن كان في مقام والده .... السموأل إبن قامة من قامات الشرق لا تقل إن علي أبوسن إلا هو الشاعر الكبير وأستاذ الأجيال حسان أبو عاقلة أبو سن الذي تربت علي يديه في كسلا عشرات الأجيال ,,,,
أضم صوتي لصوتك ونشكر البطل والسموأل ونتمني أن يتواصل الحوار دون أن ينزلق إلي تهاترات لا تسمن أو تغني ...

لك مودتي مرة أخري وهذا البوست ثراءه يأتي من مثل مداخلاتك أنت والأخوة الأفاضل ...

Post: #71
Title: Re: غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل
Author: زهير الزناتي
Date: 06-05-2010, 07:29 PM
Parent: #70

Quote: سلام يا زهير يا زميلي (كلها فرق خمس سنوات، أستاذ دي شنو؟)

في مداخلتي ذهبت إلى القول إنني أخشى أن تكون ضلّلت المتدخلين أو البوست عندما كتبت –أنت- أن النقطة الأساسية في المقالين هي ما يجب وما لا يجب نشره في المذكرات، وقلت –أنا- أعتقد أنها غير ذلك، وكما ترى استخدمت مفردتي "أخشى" و"أعتقد" تجنبا للقطع في الحكم، لأن لكل قراءته.
في رأيي أن النقطة الأساسية في مقال (رد) الصديق سموأل هي أن البطل محرّش من ناس أزعجهم تسرّب الكتاب-المذكرات، وأن غرض كتابته مرض، ولذلك طفق السموأل يكشف "سوءات" البطل فبدأ بأن استنكر تقليل الأخير من شأن الراحل علي أبو سن وكشف محاولة إيهامه الناس بوجود ندية مع الراحل (الذي لم يلتفت لوجود البطل أثناء مؤتمر القمة 86، مما "أوغر عليه صدره" وجعله قابلا للتحريش لاحقا).
ثم عاب سموأل على البطل إيحاءه للقارئ أنه يطلع للمرة الأولى على كتاب "المجذوب والذكريات.."، ثم وصل القمة عندما لعن الزمن السوداني الراهن الذي أفرز البطل "ككاتب كبير".. الخ
ولكن بالطبع عرّج سموأل على كتابة المذكرات واستحسن منها ما يظهر "مقدرة الكاتب على التعبير" و"درجة البلاغة والوضوح وتحريك الكامن والمستتر والغرائبي والفريد واللافت..". ولم يقل أبدا إنه مع أو ضد نشر الخاص في المذكرات ولكنه قال إن على الكاتب أن يتحمل نتائج ما يكتبه وإن عليا دفع ثمن ذلك.
ولكن في كل الأحوال فإن البوست حرّك قضية مهمة جدا ومسكوتا عنها، وهو مبشّر بمداخلات ثرة من القراء ومن المعنييّن.
وبالطبع لن يفسد اختلاف القراءات بيننا ودا. وشكرا على تفهمك تعبير ضلّلت مما شجعني على تكراره.

مع كل المحبة.


العزيز معاوية ... هي ليست خمس سنوات وإنما أقل ولكنها كافية لأن ننصبك أستاذاً علينا ... أعجبتني قراءتك للمقالين وإن كنت أختلف مع السموأل في أن البطل (محرش) لأن السموأل لم يذكر من (حرشه) ولماذا .. لذا استنتجت الأمر مجرد تحليل وربط لحوادث مع بعضها .. وليس هنالك ما يؤكد ذلك أو حتي ينفيه .. (وقد) وهي ايضاً غير قطعية بطبيعة الحال ... أن يكون البطل قد ثار وكتب لأجل شخص يعرفه غير راضي عما ورد في الكتاب ... ولكني استبعد مسألة التحريش (تلك) ...
بالتأكيد إفترضت حسن النية في عبارتك (ضللت) وفهمتها في سياقها ... وأتمني أن تواصل في قراءتك ويبدو أن لديك الكثير لقوله.. وفي إنتظارك ... مع كامل المحبة ...

Post: #72
Title: Re: غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل
Author: زهير الزناتي
Date: 06-05-2010, 07:41 PM
Parent: #71

Quote: أستاذي الفاضل مصطفي
لك مني عاطر التحايا و فائق التقدير
أول مقال قرأته لك و أنا في الخرطوم كان عن عبدالرحيم حمدي و هو حقيقة من المقالات التي
أعجبتني و شدتني بعد ذلك لمتابعة كل مقالاتك اللاحقة ،،،
كان ما أعجبني في المقال المذكور هو نجاح كاتبه في توصيل رسالته بأسلوب ساخر لكنه غير
جارح غير مسئ و لذلك قد وجد قبولا واسعا بين أوساط القراء علي إختلاف مستوياتهم الثقافية
و إتجاهاتهم الفكرية ،،، و خلال تلك الفترة التي قرأت فيها المقال في الخرطوم و قد كنت
حينها في إجازة سنوية و متفرغا بحكم الإجازة لقراءة الصحف اليومية و متابعة الفضائيات و
الفعاليات السياسية و الثقافية و الإجتماعية و التردد علي مجالس السودانيين بمختلف
أشكالها و مناسباتها ،،، و كنت دائما أعبر فيها عن إعجابي بالكتابة الساخرة الهادفة غير
الجارحة التي ميزت المقال المذكور و المقالات التي أعقبته و قد كانت وجهة نظري تلتقي
دائما مع كل وجهات النظر في نفس الموضوع ،،،،
ما ورد بحق أبو سن في المقال الحالي و خاصة في الفقرة المقتبسة أعلاه لم يجد إستحساناً لدي
فهو لا يليق بالأسلوب الذي تعود عليه الناس في كتاباتك و الذي كان متصالحا مع المزاج
السوداني عموما بكل مكوناته و جذوره ،،، و لا أعتقد بأن حجب مثل هذه المفردات الجارحة من
المقال كانت ستخل بمضمونه فلم تكن مضطرا لذلك في إعتقادي من الأساس و ذاكرتك علي حد تقديري
ظافرة بمفردات أخري مناسبة غير جارحة تجمع بين الموضوعية و السخرية و القبول ،،،
أقول ذلك من باب النقد البناء فبالحوار و الجدل و النقد و النقد الذاتي يتطور الإنسان ،،،
الجدل مع الذات و مع الآخرين فالمؤمن كما يقول الحديث "مرآة أخيه" ،،،
لا يعتبر هذا دفاعاً عن أبو سن ففي الحقيقة لم أحظي بالتعرف إليه أو مقابلته طوال حياتي أو
حتي القراءة له بل لم أعرف أنه كان كاتبا إلا من مقالاتك عنه،،، و لكنه مجرد حرص علي أدب
الحديث و الحوار و النقد و فضلا عن ذلك هو حرص صادق علي أن يحتفظ المبدعين دائما بالصورة
الجميلة التي يرسمونها في ذاكرة الناس بل أن يسعوا للسموء بها في عالم الجمال،،،
مع خالص إعزازي و تقديري و إعتذاري إن كنت قد خرجت عن حدودي بهذه الكلمات



أسعدتني هذه المداخلة فهي تعبر عن الكثيرين ... وكما تعودنا منك دائماً ... لك مودتي

Post: #73
Title: Re: غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل
Author: زهير الزناتي
Date: 06-05-2010, 07:46 PM
Parent: #71

Quote: زهير
لك التقدير
ولكل المروا عبر هذه النافذة
اتابع منذ فترة كتابات البطل النقدية والتمحيصية وهى محل اعجابى وتقديرى
وهذ المتابعة دلتنى لكاتب وافر المفردة والصور البلاغية تتخللها موسيقى سرد
تقودك الى اخر حرف كتبه اي السمؤال أبوسن.
بس عنوان مقال السمؤال منفر بل ويدل على ان الامر ردحى فطير واستشهاده بالمثل
الشعبى ( غاب أب شنب ولعب اب ضنب) حرم العديد من الباحثين عن هكذا تحاور تحقيقى
اعود لنشر رسائل المبدعين او من اضحو رموز ابداعية او نضالية هل قراتم رسائل البروف
الراحل عبد الله الطيب لطه حسين واستجداء عبدالله الطيب لطه حسين ان يكتب له مقدمة لكتابه
(مدخل لفهم اشعار العرب) وقد نشرت تلك الرسائل مجلة القاهرة في بداية التسعينات لو شفتو
عبدالله الطيب كم كان ضعيف وهزيل ومنكسر أمام طه حسين وكانه طفل يستجدى والده لشراء لعبة ..
وبرضو عبدالله الطيب لم يعترض على نشر تلك الرسائل ولم يقول انها رسائل شخصية وكيف تنشر



الأمير لك الود والتقدير ...
إذا ما أتفقنا معك علي ثراء مفردة البطل وتمكنه من ناصية كتابة المقال وهو من القلائل المقروئين في صحافة الخرطوم .. إلا إننا نختلف معك حول (فطارة) عنوان السموأل الذي به من السخرية بمثل ما سخر البطل من علي أبو سن ... وإن كان في اعتقادي بأن السموأل لم يتجاوز الحدود في مقاله ...
أتفق معك في إمر إعادة نشر رسائل المبدعين ...
ولك الشكر علي مرورك الأنيق

Post: #78
Title: Re: غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل
Author: mutwakil toum
Date: 06-12-2010, 11:42 PM
Parent: #73

أدناه المقال الثاني للسموأل أبوسن والذي نشرته الأحداث

Post: #79
Title: Re: غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل
Author: mutwakil toum
Date: 06-12-2010, 11:46 PM
Parent: #78

Quote: نسبية الحكم «الأخلاقي» وموضوعية النقد (2)

لن يكون من المناسب طالما تناولنا هذا الشأن، شأن الأدب وقلّته، أن نمر عليه دون أن نتوقف قليلاً عند ظاهرة صارت تميز كتابات الكثير من كتابنا يمكن أن ندرجها ضمن ما يعرف في حقل النقد الأدبي بـ»النقد الأخلاقي». و»النقد الأخلاقي» برغم محاولات التأصيل له ضمن إطار فني يمنحه خصائص مميزة كمنهج نقدي، إلا أنه لم يفلح في معالجة الأدب بأدوات الأدب وذلك لأنه قائم في الأساس على نفيه لشرط الحرية وتعاطيه للقيمة الأدبية من خلال منظار الأخلاق بكل ما فيه من نسبية.
يرتدي كُتّاب النقد الأخلاقي لَبوس القيِّمين على الأخلاق في قراءة النصوص. ويمارسون النقد الأخلاقي بمفهوم «الفزعة» عند بعض القبائل السودانية حين ينهض الجميع ارتجالا لأداء واجب يتطلب السرعة والإنجاز، كإنقاذ شخص من خطر محدق أو مواجهة كارثة أو غيرها، وصار المثل السوداني يقول حين يفشل الأمر، ويصير تأثيره سلبياً «جابوه فزعة بقى وجعة».
ولا تقوم ممارسة النقد الأخلاقي على القراءة التاريخية في التحليل والإستبانة، وإنما تنتزع الأشياء من سياقها التاريخي والاجتماعي وتزرعها في سياقات مغايرة. بل أكثر من ذلك يتحول النقد الأخلاقي في كثير من الأحيان إلى ممارسة سلطوية تجريمية، وانتقائية لا تحكمها القواعد أكثر مما تحكمها المزاجية وموقع من يَكتُب مما أو ممن يُكتَب عنه في موازنات القوى وتجليات السلطة المتعددة. في ظل وضعية النقد الأخلاقي هذه يصبح من الصعوبة بمكان الحديث عن شروط الحرية في الكتابة. وتصبح أمزجة الناس قوانين حاسمة، ويغرق بالتالي الموضوعي في الذاتي، والعام في الخاص، والمجرد في المغرض.
وددت بهذه المقدمة النظرية أن أتجاوز سخونة الحديث المباشر، وأن أتجاوز أيضاً فخ الدوافع الذاتية التي قد تستغرقنا، بما لا يفيد تعضيد الفكرة ولا يصيب منها القارئ معرفة. وفضلت أن أفتح أشرعة الحوار لممارسة النقد والنقد الذاتي. ولمزيد من المسئولية تجاه الكتابة وتجاه الكلمة التي نسطرها، وليس خافياً على أحد ما تقود إليه الكلمة المكتوبة.
السياق التاريخي وأهميته في التحليل:
واحدة من أكبر إشكاليات تفكيرنا المعاصر تتمثل في غياب القراءة التاريخية للظواهر والأحداث، ولا يخفى على القارئ المنصف ما يؤدي إليه ذلك من ضعف التحليل وتهافت النتائج. ويغفل كثيرٌ من كتابنا، أهمية السياق التاريخي حين يوغل كثيراً في إطلاقاته وحين يحاكم بمعايير اليوم نصوصاً كُتبت في سياق مختلف تماماً عن الذي نعيشه الآن. ويغفل أيضاً عن التراجع الكبير الذي حدث لمجتمعاتنا بما يشابه الردة الحضارية وضمور الوعي الجمعي وغلبة ثقافة التكميم و التحريم و الإقصاء على مجمل حركتنا الثقافية. حُجبت كتابات شكلت جزءاً كبيراً من عافية الوعي في حقب الخمسينات و الستينات تحت مزاعم مخالفة الدين والأعراف. وأزيحت مؤلفات هامة جداً من أرفف المكتبات بدواعي المحافظة على الأخلاق. غابت و شُوِّهت كتب مثل، الإسلام وأصول الحكم للشيخ علي عبد الرازق، وكل مؤلفات الشهيد محمود محمد طه والشعر الجاهلي لطه حسين، وألف ليلة و ليلة وأولاد حارتنا وغيرها من الكتب التي كانت في يوم غير يومنا هذا تتوسد أرصفة شوارع المدن لا في العاصمة الخرطوم وحدها بل في أقاصي الشرق والغرب وبقية مدن السودان وأنحائه البعيدة، ولو أنك سألت عن أمر كهذا اليوم لصار أمرك عجباً. وصارت إجازة إصدار الكتب الأدبية والعلمية تصدر من تحت قفاطين وعمائم رجال الدين. وتدريجياً انداحت لوثة التحريم و إفتئات غير ذوي الصفة على كل شئ حتى صار من الطبيعي أن يفتي من لا يعلم في ما لايعلم فيه، وصرنا نرى فتاوى دينية في مسائل علمية تطبيقية جداً تخص الطب والفلك والعلوم. وانتقلت حالة التخويف من كونه سلوكا تمارسه فئة بعينها على الآخرين إلى رقيب داخلي يمسك بتلابيب الأفراد ويفسد عليهم حتى أفراحهم الصغيرة.
وقد تنبه مؤلف كتاب «المجذوب والذكريات» في كتابه لهذا الأمر بحساسية بالغة حيث ذكر:
«الحديث عن المجذوب في ظل الحالة العقلية الراهنة للمجتمع السوداني والمجتمعات العربية عموماً في الثمانينات والتسعينات (ولاندري إلى متى؟) صعب للغاية. فالمجذوب عاش في عصر الحريات العامة. في عصر كان الإنسان العربي ينتمي فيه إلى المجرى العام للتاريخ الإنساني. أما الآن و بعد أن وجدت قوى التخلف فرصتها لفرض أولويات القرن السابع الميلادي على القرن العشرين، فستجد الأجيال الحالية صعوبة كبيرة في فهم المناخ الإجتماعي الذي سمح للمجذوب بأن يتغنى بالطريقة التي تغنى بها في شعره، و التمرد الذي جاهر به في حياته». علي أبوسن، المجذوب والذكريات الجزء الأول ص 14.
وهذا الإستدراك، لمن يعتبر، يؤكد أن المؤلف حين كتب عن المجذوب كان شديد الحساسية تجاه الأمر، ولكن يظل من الطبيعي جداً اختلاف الناس في صحة أو خطأ تقديره ثم قراره بنشر مذكراته بصورتها التي نشرت بها. ولا يمكن بأي حال من الأحوال قبول أن يكون خلاف كهذا غير محض خلاف موضوعي. على أية حال، في وضعية كمثل التي أشار إليها المؤلف، أضاع كثيرٌ من المثقفين أهم عناصر قوتهم، وهي المقدره على الوقوف على مسافة بعيدة من الظواهر والأحداث بما يمكنهم من حسن القراءة والتأمل واستقامة التخريج، وهو ما يُحتِّمه عليهم التزامهم تجاه أنفسهم وتجاه مجتمعاتهم. فالمثقف الحقيقي يستفتي ضميره قبل كل شئ.
اختطاف المجذوب (صورة المجذوب بعد المذكرات وقبلها):
إن أحد أهم الأسئلة التي ينبغي الإجابة عنها في سياق الموضوع الذي نتناوله، هو عن مدى الإضافة التي أضافها كتاب الذكريات للباحثين والنقاد والمبدعين في تعزيز الصورة الذهنية للمجذوب كمبدع رافض وساخط عظيم. ومدى نجاحه في إلقاء الضوء على شخصية هذا الشاعر العملاق، والكيفية التي عكس بها روح المبدع القلق المتمرد الرافض. هذا شأن موضوعي ومبحث ستحفل به الأوساط الثقافية والأدبية كثيراً في سودان الغد، بعد أن يهدأ غبار النفوس الذي عتّم صفحة الحياة الأدبية والسياسية السودانية، ويلتفت الناس إلى الأهم. قدمت المذكرات المجذوب وغيره من الشخصيات العامة بما فيها شخص الكاتب نفسه كأناس عاديين. بضجة أرواحهم وضجرها، بأحلامهم الصغيرة والكبيرة، وبسقطاتهم وتجلياتهم. المؤلف لم يوفِّر نفسه من كل ذلك بل كان جزءاً وهو يحكي عن نفسه مثلما حكىعن الآخرين. فهل ما زلنا نعتقد أن رموزنا السياسية والثقافية ومبدعينا ومفكرينا هم مجموعة قديسين أصفياء أنقياء لا سقطات لهم ولا أخطاء؟ وهل مازلنا نعيش وهم أن كون هذه الرموز و هؤلاء المبدعين سينقص من مقدار منجزهم العام، كونهم قد أصدروا تعليقات هنا أو هناك أو ألفاظاً بعينها؟ اللهم إلا إذا حُشِرنا حشراً في «كستبانة» النقد الأخلاقي واستغرقنا عرّابوه؟
بالنسبة لأي محلل منصف ستكون فصول الكتاب التي إقتربت من شخصية المجذوب ورصدت ردود أفعاله التلقائية والعفوية ومقدرته الكبيرة على تحليل الواقع الإجتماعي والسياسي ثم طرح محصلاته في تعليقات عابرة ذكية ساخرة وساخطة، ستكون مداخل لمقاربات جديده لشعره ومنجزه الأدبي. ولنكون أكثر دقة سنقول إن تمرد المجذوب ######طه لم يكشفه كتاب الذكريات لمن عرف المجذوب وقرأه، وإنما ساهم الكتاب في إجلائه من زوايا مختلفة وجديدة، وأعطى مدخلاً فريداً لقراءة المجذوب الإنسان داخل المبدع بصورة لم تكن لتتوفر من مداخل أخرى.
ستظل محاولة إدانة الكتاب من باب كونه أفشى أسرار المجذوب أو أساء إليه، في حقيقتها محاولة لإختطاف المجذوب المبدع الرافض، من فضاء الحرية التي كان شديد التوق لها، لإدخاله ضمن منظومة الفهم الإنتقائي للأخلاقي واللا أخلاقي بحسب رواد « الفزعة».
إن الضعف البين في حجة البطل والاضطراب الواضح في مقاله الأخير «بعيداً عن الأدب وقلته» الذي لم نصِب منه غير مواصلة الكاتب في إطلاق التعميمات بلا إستيثاق ولا تبصُّر، جعلنا في حيرة من أمرنا مما إذا كان البطل الذي قبل أن يفرغ من الكتابة عن الذكريات فتح مبحثاً جديداً ليتناول فيه موضوعاً آخر لعلي أبوسن، يهدف إلى تناول الموضوع، أم إلى تشويه الذات؟ ذاك باب من الكتابة المغرضة كما ذكرنا في مقالنا السابق لن يكون من السهولة إستيعاب دوافعه أو وسمها بالموضوعية. ومع ذلك يبدو الاضطراب بيناً في استشهاد البطل بحيث يصعب على القارئ فهم ما إذا كان البطل يشيد بـ «أبوسن أم يدينه!!
يقول البطل تعليقاً على الكتاب الآخر الذي اسمه «رسائل الترابي والحركة الإسلامية الحديثة» وليس كما أسماه البطل- مواصلاً عدم دقته- «مراسلات الترابي» (نقول ان مبادرة إبي سن بنشر تلك الرسائل الحقت بالشيخ الترابي أفدح الاضرار إذ ألقت بظلال سالبة على مصداقيته الشخصية وكفاءته الخلقية واستقامته الفكرية. وبعض هذه الرسائل تكشف عن شخصية ميكافيللية، لا سيما تلك التى يشرح فيها ويبين مُرامه من كونه اختار جماعة الاخوان المسلمين، مع ضآلة شأنها مجالاً لحركته التنظيمية وفضاءً لطموحه السياسي عقب عودته من فرنسا في النصف الاول من الستينات، خلافاً لغيره من شباب المثقفين من أنداده الذين اختاروا الانضمام الى الاحزاب الوطنية الكبرى. وقد أصاب الترابي عين الثور، كما يقول الفرنجة، وهو يسطر بعض تحليلاته واستنتاجاته ورؤاه لما عسى ان تنداح عنه عجلة الزمان ، اذ صدقته الايام وكان محقاً تماماً في غالب ما ذهب اليه، لكأنه كان - وهو يكتب تلك الرسائل- يحدق بعينيه داخل كرة المستقبل البلورية. بيد ان مصدر الازعاج الوحيد هنا هو ان ما جاد به الترابي في بعض رسائله لصديق شبابه، على حدة ذكائه وبراعته، يعكس في جوهره حالةً ذهنية متمركزة حول الذات، تطغى عليها روح الأنا، وتدور في مدار التطلع الشخصي والطموح الذاتي الانتهازي المحض، فتنحسر عنه «الفكرة» ويغيب عنه «المبدأ». فتأمل!
وما عرفنا البطل يستشهد بمقالة الدبلوماسي والكاتب جمال محمد إبراهيم ليثبت صحة فرضيته أم ليثبت بطلانها حيث يقول الدبلوماسي الأستاذ، جمال محمد إبراهيم، الذي تناول كتاب «المجذوب والذكريات» وكتب بحس وفطرة سليمين، في خاتمة مقاله وبعد عدة استشهادات من «المجذوب والذكريات»:
«فما أدعانا، إذاً لأن نجدّ حثيثاً لنجمع هذا الإرث البديع لشاعرنا الراحل المجذوب، فليس في الأمر نبش في سيرته الشخصية، أو تقصي لاعترافات فضائحية، بل هو حرص على جميل إبداعه، والنضير من كتاباته التي تنزلت من فطرة قلمه، منسابة بلا تكلف ولا احتراز ولا تقية!»
ليت «الأحداث» تستجيب لمناشدة البطل بإعادة نشر مقال الدبلوماسي الأستاذ جمال محمد إبراهيم ففيه من الإمتاع ما يقينا شرور النفوس، أغراضها وأمراضها.
لا أحد كان سينكر على البطل قوله حين يقول ]وانما أردنا أن نُفصح عن عقيدتنا، وأن نسندها بالبراهين الناطقة والحجج الناهضة على أن أبا سن أخفق إخفاقا مزرياً في عرضه للثروة المهولة التى وجدها بين يديه، من رسائل المجذوب اليه والى السيدة الانجليزية روزميري، وان معالجته لامر هذه الرسائل اتسم بالفجاجة والركاكة وضعف الحساسية، ولا نقول الخبث[.
نقول ألا أحد كان سينكر على البطل الإفصاح عن عقيدته رغم فسادها البين، فهي عقيدته! أو أن يعرض ما شاء من حججه وبراهينه، رغم ضعف الاستدلال فيها، أو أن ينشر رأيه في الطريقة التي عالج بها أبوسن مذكراته ورسائل المجذوب إليه. ولا أحد كان سيعيب عليه وصف هذه الطريقة بالأوصاف التي ساقها من «ركاكة، وفجاجة، وضعف حساسية»، لو أنه ناصح نفسه، وبذل شيئاً من الجهد في إثبات مزاعمه قبل أن يتخذ «قلة الأدب» «والتخوين» عنواناً سعياً وراء الإثارة والاستعراض. ولو أنه تبصر قليلاً لجنب نفسه كثيراً من المزالق التي ستخصم من رصيده ككاتب وستضع تساؤلاً كبيراً حول مدى تحريه الدقة ومدى تحققه مما يكتب.
ولو أن البطل ورواد «فزعة» النقد الأخلاقي اطلعوا على كتابات الراحل الكبير الناقد رجاء النقاش، الذي قدم عملاق الرواية العربية، الراحل الطيب صالح للعالم العربي، و الذي ظل اسمه متوهجاً كأحد أهم منارات النقد العربي لعقود من الزمان، وقد كتب عن «المجذوب والذكريات» مجموعة حلقات متصلة في مجلة «الوطن العربي»، أجزم أنه كان ليصاب بالخجل الشديد من نفسه من البون الشاسع في التناول، ولوجد فيها درسًا مفيدا يكشف له عن اللبس التي يعاني منه هو وآخرون في تعريف الأخلاقي واللا أخلاقي. وكان سيخجل من آفاق الكتابة والتناول المتجرد والمبدع لأدب الرسائل وأدب الذكريات. وكان سيتواضع كثيراً من مثل هذا التيه الذي سدر فيه موزعاً إطلاقاته بطمأنينة يحسد عليها.
لم نكن نود أن نفسد للبطل صفاء عطلته السنوية بأن نضطره إلى استبدال مقالاته التي بذل جهداً كبيراً في «تشوينها» بكل ألوان الشتائم والتصغير لكاتب الذكريات. كما لم يكن أبداً هدفنا أن نضيق عليه في مساحات الإعجاب الواسعة التي اعتاد الاستمتاع بتقريظ قرائه له فيها. إلى جانب أن زمننا نفسه لايسمح لنا بملاحقة كل ما يكتب لولا أنه اضطرنا في هذه المرة اضطرارا لذلك باستهانته بالكلمة والقارئ معاً ومحاولته المريبة تشويه الراحل علي أبوسن بحزمة من المزاعم الفاسدة التي لا تصمد أمام أي مساءلة أو مراجعة.
وقد حاول البطل أن يجد نسقاً غيبياً ليبرر به خيبته وفشله في أن يدافع عن مقاله المجاني «أحاديث الأدب و قلة الأدب» ، «مصوراً ذلك بكونه إرادة الله حيث يقول «يبدو أن الله كتب في لوحه المحفوظ (هكذا) على ناقدي كل مؤلفات أبي سن، لا ذلك الكتاب وحده، أن يشرعوا في النقد ثم يرتدوا على أعقابهم بعد أن يخطوا في ذلك السبيل خطوتهم الاولى.... إلخ)، رابطاً إحجامه عن المواصلة في نشر مقاله، بموقف مزعوم أشار فيه لمقالات للدكتور عبد الله حمدنا الله تناول فيها كتاب «المجذوب والذكريات»، ومقال مزعوم آخر للدكتور محمد وقيع الله كان يود الرد فيه على كتاب «رسائل الترابي، والحركة الإسلامية الحديثة»، لولا أن أثناه الترابي نفسه عن ذلك!!
وذلك باب من «الاستهبال»، غير المجدي ومحاولة مفضوحة للمزايدة في سوق الكلام المجاني سنجد أنفسنا مرة أخرى مضطرين لإثبات زيفها. فالبطل يتحدث عن مقالات مازالت موجودة في سوق «الله أكبر» الإسفيري، كتبها ونشرها في فبراير من العام 2004 د. حمدنا الله وتناول فيها كتاب «المجذوب والذكريات» أي قبل حوالي ست سنوات، وهي المقالات التي زعم البطل أن حمدنا الله أسرّ له بأنه نشر حلقتها الأولى ثم سحب الأخريات لدى علمه بأن علياً كان مريضاً.
فما نجزم به هو أن د. حمدنا الله قد نشر مقالين بصحيفة الصحافة عن الكتاب تحت عنوان «همبتة المذكرات» وقد حدد ترقيمهما من اثنين سلفا (1-2). وبالتالي، فإننا نفهم وحسب أصول النشر أن مقال د. عبد الله حمدنا الله المذكور قد نشر بالكامل، وإلا كنا سنرى نوعاً آخر من الترقيم على صدر المقال يشي عن حلقات لم تنشر! فهذا زعم باطل كغيره من مزاعم البطل لا أدري أين نجد له موقعاً من التبرير.
خلاصة القول، وأياً كانت الأسباب التي حدت بالبطل لأن يحجب بقية مقاله في الحلقتين اللتين أرسلهما كما ذكر للنشر، فإن هذا شأن يعنيه وحده ويعني أصدقاءه الذين لا يَرُد لهم طلب كما قال. ولو أن الأمر لديّ لأثنيته بشده على قراره هذا ولشجعته لينشر ماحجبه، لأنني على يقين أنه ليس لديه مايقوله أكثر مما قاله. لن يخرج البطل من الدائرة العبثية في فهمه للأخلاقي واللا أخلاقي ومن مزيد من التبذُّل في محاولته غير الحميدة للإساءة لكاتب الذكريات، وستكون كل مدوراته ومراوحاته للاستهلاك الذي لا يقدم ولا يؤخر.


Post: #80
Title: Re: غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل
Author: mutwakil toum
Date: 06-12-2010, 11:48 PM
Parent: #79

الرابط
http://www.alahdath.sd/details.php?articleid=4396

Post: #74
Title: Re: غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل
Author: زهير الزناتي
Date: 06-05-2010, 07:49 PM
Parent: #71

العزيز نصار

Quote: العزيز زهير
استغربت جدا من كتابة البطل و هو ليس بالسوء و قلة القيمة التي غابه بها الاخ السمؤال ابو سن
وكأن السر و الدافع يكمنا في اللقاء العابر الذي ذكره البطل، و الا ما الذي يدفع كاتب
جاد مثل البطل لينبش في سيرة رجل رحل عن دنيان.. الغريب ان البطل يعيب على الراحل افشاء
سر اصدقائه و نشر قول فاحش، وذلك في كتاب اكد البطل انه نشر في نطاق محصور
ثم يتبرع البطل المتعفف بتوسيع قاعدة نشر الفحش و (قلة الادب).. و يعيب على الراحل ذكر
اسماء بسيرة رموها وراء ظهر شبابهم لكنه لا يرى غيبا في ذكر نفس الاسماء و اصابها
في غالبهم لم يفارقوا الشباب فحسب بل فارقوا الدنيا كلها...


يبدو أن بعضهم نبه البطل لهذه النقطة فأكتفي بمقالة واحدة ... وإن كنت أعتقد أن البطل سيعود مرة أخري لتناول الكتاب ولكن بشكل آخر ...

Post: #75
Title: Re: غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل
Author: زهير الزناتي
Date: 06-05-2010, 08:09 PM
Parent: #74

Quote: كنت اتمنى أن يستمر الأستاذ البطل في نشر السلسلة بنفس الإطمئنان الذي نشر به المقال الأول، فالكثير من النفاظ أثارها السموأل تحتاج للتوضيح


نشر البطل المقال أعلاه ووعد بجزء ثاني منه ... وهو ذي صلة بالموضوع ... وليس بعيد عنه

Post: #76
Title: Re: غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل
Author: زهير الزناتي
Date: 06-06-2010, 09:50 AM
Parent: #75


Post: #77
Title: Re: غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل
Author: زهير الزناتي
Date: 06-07-2010, 07:48 AM
Parent: #76


Post: #81
Title: Re: غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل
Author: سالم أحمد سالم
Date: 06-13-2010, 02:30 AM
Parent: #77



السلام على الجميع بدون فرز .. والتحية لصاحب البوست

الأستاذ السموءل .. لعلها المرة الأولي التي اقرأ لك ..
فإن كان التقصير من عندي، فمن عندك الندرة ..
أتمنى أن تخصص المزيد من الوقت للكتابة .. فبعض الكتابة عبادة ..

الموضوع المطروح "الرسائل بين الرموز الفكرية والفنية والسياسية ومدى إمكانية نشرها"
موضوع عميق أنا شخصيا أعرض عن تناوله في مداخلة .. فهو موضوع يختلف باختلاف الثقافات
والمفاهيم الاجتماعية والمراحل التاريخية .. واتمنى من الله أن يمنحني الوقت للكتابة
فيه .. فأفوز بلاشك بواحدة من الحسنيين على الأقل .. !

أما بخصوص هوامش الموضوع، فقد كنت ولا زلت بصدد الكتابة عن عمليات "الوخز غير المداوي" الذي
تتعرض له بعض الاقلام الناقدة للاوضاع السياسية الراهنة .. وقد قمت بعملية رصد شكلت مجتمعة
حقيقة متماسكة تفضي إلى هدف واحد معلوم بالضرورة ..
سوف انشر في هذا الرابط بإذن الله ما أكتبه في هذا الصدد .. بالاسماء والمقاطع التي كتبت

تحياتي

سالم أحمد سالم


Post: #82
Title: Re: غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل
Author: عزام حسن فرح
Date: 06-13-2010, 04:07 AM
Parent: #81

كتب السموأل أبو سِن :
Quote: ... ولا تقوم ممارسة النقد الأخلاقي على القراءة التاريخية في التحليل والإستبانة، وإنما تنتزع الأشياء من سياقها التاريخي والاجتماعي وتزرعها في سياقات مغايرة.

ده كلام مُحْترم ... طَيِب ... لامِن شوقي بدري مثلاً يِكْتِب الليلة عن فضائِح الأربعينيات الكانت في المُجتمع الأُمْدُرماني <فُلان بن فُلان بِن فُلان كان بِتاع عرقي > < فُلان بِن فُلان كان حرامي > < فُلان بِن فُلان كان تاجِر بنقو > < فُلان بِن فُلان قتل في الإنداية فُلان بِن فُلان أخو الفنانة الشهيرة فلانه الفُلانِية > < فُلان أخو الوزير فُلان الفُلاني كان نشال محافِط > بتكون مقبولة كيف؟ ده بِالنسبة لِمن هوزز رِويسو إعْجابًا -كما فعلت أنا- بِالمُقْتبس أعلاه ، لِمن آمن بِأسباب النزول ... بِتاريخِية الأحداث ...

أنا بفتكِر مِتِل كلام شوقي بدري الجا في كِتابو < حكاوي أُم دُرمان > ونشر أبو سِن لِلخِطابات الخاصة جِدًا ما فوقو أي نوع مِن الأدب والإحْتِرام هسِع وبعد كمين عُمُر ... لأني أنا وكُتار مِتلي -بِالرغم مِن تشدُق المُثقِفاتِية بِعلمانِية كَونِية- ما بنهتم بنِسبِية الأخلاق ، وليه نهتم طالما إنو < الله > تعالى أناب عنا في الحِته دي ، يعني أصبحنا لا نُشْغِل أنْفُسِنا بِما فرِغ مِنهُ غَيْرُنا ، الله تعالى وضع لينا مُسْتهْدِيات نباريها لِيَوم يبعثون ... حدثنا عن < الغَيبة > < البُهْتان > < إكرام المَيِت بِذكْر محاسِنو > ... خليهو ده -يعني كلام الله تعالى- كَدي نشوف < أخلاقنا > السودانِية بتسمح بنضمي مِتِل نضمي شَوقي بدري في < حكاوي أُم دُرمان > < مُروتنا > بتقبل نمرِر < إنو الشاعِر فلان كان سِكير > ... خليهو ده أنا كقارئ حأسْتفيد شنو مِن كَون أخو الوزير الفُلاني كان نشال في الترماج؟ وشَوقي بدري حي يُرزق وأبو سِن مات قريب والإتْنين كانو بحكو في ناس ماتو زماااان وبِخِلاف إنو ماتو كانو أصْدِقاهُم ... لو دايِر أوصف حاله شَوقي بدري سريع بقول إنو < زول شَمْشار > وعن أبو سِن < غير أخلاقي > لأنو نشر خِطابات مُرسله ليهو شخصِياً مِن أصدقاء وأحباب بتكلمو فوقا عن جهالات سووها أو تمنوها ... طبعًا لو كُنت هسِع إنْكِليزي أبًا وأُم مُمكِن أتقبل <شمْشره> شَوقي البدري (لاحظو شَوقي البدري ما كتب أي حاجة شينه عنو أو فوق أهلو ، كأنهُم نازلين مِن السما) لو كُنت إنْكِليزي مُمْكِن أتقبل <خِيانة> أبو سِن لأصدِقاء زمنو الجميل (لاحظو أبو سِن ما كتب عن روحو أي شئ شين)

Post: #83
Title: Re: غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل
Author: عمر عبد الله فضل المولى
Date: 06-16-2010, 03:14 PM
Parent: #82

أحاديث الأدب وقلة الأدب (2): هتر أبي سن الصغير وبطر أبي سن الكبير .. بقلم: مصطفى عبد العزيز البطل


الأربعاء, 16 يونيو 2010 06:33

[email protected]
(1)
كنا قد أغلقنا ملف الراحل علي أبوسن وتركناه من ورائنا ظِهريَّا، ثم انصرفنا الى جديدٍ من أمرنا. وما أن فعلنا حتى برزَ لنا من بين الصفوف، من حيث لم نحتسب، فارسٌ من فرسان بيت أبي سن العتيد، أرادنا، من حيث لم نرد، أن نعود معادنا، وأن نرجع مرجعنا، فنضرب في بيداء الطيش والسفه المسمّاة "أحاديث الأدب"، وما هي من الأدب في شيء. كتَبَ السموأل أبوسن، يحُثني على استئناف سلسلة "الأدب وقلته": (لو أن الأمر بيدي لأثنيته بشدة عن قراره، ولشجعته لينشر ما حجبه). وأنا أقول لأبي الفوارس: "غالي والطلب رخيص". أمثلك يُرد له طلب؟ بل يُرد الآخرون عن بكرة أبيهم، وتكون الغَلَبةُ لأمرك يا سيّد البطانة. آمرنا فنطيع!
ثم إنني أرحّب بحوار أبي الفوارس السموأل وأحتفي به أيَّما احتفاء، وأتفهّمُ دوافعه ومنطلقاته وأُقدِّرُها حقَّ قدْرِها. وكنتُ في سويداء قلبي أتمنى لو أنه جاءني متمهلاً مترفقاً، فلم يركب الى مضاربي حصان الغرور، ولم يعتمر في ساحتي عمامة الصلف، ولم يتَّخذ الى ملاقاتي طريقاً وعْراً محفوفاً بالمكاره، هو طريقُ المعانَفة والمجانفة والمهاترة والمكابرة، ولكن الله غالبٌ على أمره.
هجمني الفارس المغوار - من خلال مقالين متتاليين - هجمةً كاد ينخلع لها فؤادي. ما تَرَك من المقذعات في نعتي ولا أبقى، فلم يبخل عليّ، أعزّه الله، من قاموس النكال بشيء. لم يقع على صفةٍ - ابتداءً من الضلال وانتهاءً بالجهل - إلا وبرّني بها. ثم، وكأن ذلك كله لا يكفيني، دَهَمني ابن الأكرمين بنبأ حزين، أطار من رأسي شعاع الوهم وأراني مُقامي بين الورى وأنزلني إياه محسوراً مدحورا، إذ قرَّر وقطع بأنني ثمرة من ثمرات "الجدب الثقافي والادقاع المعرفي الذي ضرب السودان خلال عشرين عاماً من عصر الإنقاذ البئيس". فالحمد لله الذي لا يُحمدُ على جدبٍ وإدقاعٍ سواه، ثم الحمد لله، وأشهد ألا إله إلاّ الله. (لم نشْرُف بعد بالتعرف على شاتمنا، ولكن من عرفوه أكدوا لنا أنه ثمرة من ثمرات عصر التنوير الذى انجب فولتير ومونتسكيو.. والسموأل أبوسن).
(2)
أسّس أبو الفوارس أطروحةً كاملة حول استشهاد لي بعبارة للراحل محمد المهدي المجذوب جاء فيها: (أنا أزعم بأن سبب الفوضى في السودان هو جهلُ الناس بالتاريخ، وقد زاد جهلهم به حين كتب عنه شبيكة). وذلك في مقال لي بعنوان (منصور خالد لا يرقص الكمبلا) نُشر في يوليو 2009م. وجوهر أطروحة أبي الفوارس هي أنني دلّست على القارئ فزعمت له أنني لم أطّلع على الكتاب إلا مؤخراً، بينما الحقيقة هي أنني قرأته قبل أكثر من عشرة أشهر بدليل أنني استشهدت به وقتها. ثم إنني، بحسب أبي الفوارس أيضاً، أشَدْتُ بالكتاب والكاتب. لماذا إذن صددتُ عائداً بعد عشرة أشهر لأتناول الكتاب بالنقد بعد سابق الثناء عليه وعلى مؤلفه؟ الإجابة حاضرة عند ابن الأكرمين، وهي أنني بدّلتُ موقف الثناء بموقف النقد في إطار دورٍ معين أضطلع به بإيعاز وتحريض من آخرين، حيث انني، والقول ما قال أبو الفوارس، أخوض (حرباً بالوكالة) نيابة عن هؤلاء. وقد صنفهم صاحبي تحت لافتة (المتضررين من الكتاب)، وهم (الذين أزعجهم التسرب المزعج للكتاب رويداً رويدا، واتّساعُ رقعة تبادله بين الناس، فأوحوا للبطل لينال من صاحب الذكريات ببعض سهامهم). وأخيراً أنعم علينا أبو الفوارس ببعض الإضاءات حول من عساها أن تكون تلك الجهات المتضررة التي تقف من ورائي فتحرضني، والتي بأمرها يأتمر قلمي، فأورد في هذا الصدد عبارةً جرَت على قلم عمه الراحل علي أبوسن يشير فيها الى الدكتور منصور خالد.
وقد عجبت أولاً من عبارة "المتضررين من الكتاب" التي كررها السموأل في مقاله غير مرة، فهذه هي السانحة الأولى التي يتنامى فيها الى علمي أن للكتب مستفيدون ومتضررون. وفي معتقدي أن الكتب إنما تُؤلف لأغراض إشاعة الوعي والمعرفة، لا الإضرار بالناس. ولكنَّ صاحبي محقٌ على أية حال في وصفه لكتاب عمه، فإنما كتب الراحل علي أبوسن أغلب ما كتب لا لشيء إلا للانتقام ممن أذلوه ونغّصوا عليه عيشه ونزعوا عنه أرديةَ العز التي آمن بأن الله أراد له أن يكتسيها. ولهذا صدر أبوسن في كتاب ذكرياته عن فؤادٍ مقهور ونفسٍ موتورة. لم يرعَ حرمة الموت، فلاحق الموتى ونبش قبورهم، وأنشأ يمزق أكفانهم وينزع عن أجساد المقبورين أكبادها، فيلوكها كما لاكت هند كبد حمزة. لم يكن لأي من هؤلاء الراحلين كتبٌ وآثار إبداعية تُعرض للنقد، وإنما لاحقهم هُم، في أشخاصهم وذواتهم، ورماهم بكل رزية دون أن يطرف له جفن. ثم نهضَ الى الأحياء فما ترك في حقهم ولا أبقى، فصرّح وأوحى، وجاهر وخافت. لم يوفّرهم حتى من تهمات العنّة والعجز والضعف الجنسي، لكأنه كان حاضراً في غرف النوم يرصد درجات الانتصاب.
(3)
لم أستغرب لزعم أبي الفوارس أنني أكتبُ بأقلام المتضررين من كتاب عمه لا بقلمي. وكنت قد تساءلت بعد أن فرغت من كتاب أبي سن بجزأيه: لماذا أطلق عليه اسم "المجذوب والذكريات"؟ فالأقوم والأسلم والأكثر تعبيراً عن دوافع الكتاب وواقعه أن يكون العنوان "المنصور والذكريات". إذ إن من أبرز الغايات التي تغيّاها تصفية حسابات المؤلف القديمة مع الدكتور منصور خالد، الذي ترى اسمه يتقافز كالعفريت بين الأوراق، وقد أنعم عليه الكتاب بلقب "نخاس التخنث المياسي الدولي". لقد طمح أبو سن في دنياه أن يكون وكيلاً لوزارة الشباب في حكومة القاضي الإنقلابي بابكر عوض الله، عهدَ أنْ كان للمناصب رحيقها وبريقها، وتاقَ الى أن يرى نجمه يسطع بعد ذلك في بلاط السلطان المايوي. وحلم بأن يكون سفيراً في كبريات العواصم، وسعى حتى حفيت قدماه لأن يكون أميناً من أمناء الأمانات المتخصصة في تنظيم الاتحاد الاشتراكي على عهد النميري السالف التالف. وقد تحطمت كل أحلام أبي سن وطموحاته عند حجر المنصور الأسود. لا غرو إذن ان صار مقت المنصور وكراهيته ديناً اعتنقه الرجل وتبتل في محاريبه آناء الليل وأطراف النهار. وسنأتيك - أيها الأعز الأكرم - الى أمر الدكتور منصور خالد والراحل علي أبوسن، وستسمع منا حين نمحّص التاريخ تمحيصا، ونميط عن وجهه زبد الأساطير وعجين الخزعبلات التي حَشَا بها أبوسن الكبير كتابه، ثم نقود خطاك بعد ذلك الى المصادر والوثائق والشهود العدول. فانظرنا واصطبر، وما صبرك إلا بالله.
والحق أنني لم أرَ كتاب الراحل أبو سن بعيني رأسي، ولم أطّلع على سطرٍ واحد منه، إلا عندما تسلمته من دائرة البريد الشهر الماضي، ولكنني كنت مطلعاً قبلها من مصدر ثانوي على عبارة المجذوب في شأن البروفيسور مكي شبيكة. وعندما خطر لي أن أوظّف تلك العبارة في مقالي المشار اليه بعثتُ بها الى أستاذنا الدكتور النور حمد - المحاضر بجامعة قطر - الذي أكد لي سلامة العبارة وصحة نسبتها، وقام عني مشكوراً بمهمة توثيق ما أردت الاستشهاد به وفقاً للأصول العلمية لتدوين المصادر، حيث انه يحوز نسخةً من الكتاب. والنور، إن لم تكن تعلم، من الثقات.
وواضحٌ لمن قرأ استشهادي بتلك العبارة وتعقيبي عليها آنذاك انني لم أكن قد استوعبتها على وجهها الصحيح، بدليل انني كتبت بعدها مباشرة: (وأحسب أن صاحب "الشرافة والهجرة" لم يقصد بعبارته تلك التطفيف من أعمال المؤرخ الكبير مكي شبيكة بقدر ما أراد أن يعبِّر عن أسفه لواقع جهل السودانيين بالتاريخ). وكل من قرأ الكتاب بعد ذلك يعرف أنني أخطأتُ التفسير وأحسنت الظن في غير محل الإحسان، وان الأمر في حقيقته هو غير ما ظننت. فالمجذوب إنما قصد فعلاً التطفيف من قدر البروفيسور مكي شبيكة والحط من قدر عطائه العلمي. والعبارات التالية لتلك التي استشهدت بها، والتي أوردها أبوسن، كما قرأتها حين أتاني الكتاب، تحملُ قدحاً مقذعاً ومهيناً للعالم والمؤرخ الكبير، وتمسح الأرض بمقدراته الأكاديمية المختبرة وعطائه العلمي الباذخ، وتفتئت على الرجل، وتصفه بأنه لا يصلح لشيء غير "التشاشة" و"بيع اللوبيا والبصل"!
ثم إن نقل عبارات معينة من مصادر أولية أو ثانوية وإيرادها ضمن المواد الأكاديمية أو الصحافية، بغرض الاستدلال بمضموناتها، لا تعني بأي حال من الأحوال أن من أورد النص المستشهد به يشيد بالكتاب أو يزكِّي مؤلفه. ولو نقلت – يا هداك الله - عبارة ما من كتاب "رأس المال" لكارل ماركس، أو نصاً من إنجيل برنابا، ثم استخدمته لأغراض أكاديمية أو صحافية، فإن ذلك لا يعني أنك تشيد بكارل ماركس وكتابه، أو تستحسن إنجيل برنابا وتعتنقه. صحيحٌ أنني "ثمرة من ثمرات الجدب الثقافي والإدقاع المعرفي الذي ضرب السودان خلال العشرين عاماً الأخيرة"، كما وصمني صاحبي، ولكن الجدب والإدقاع لم يصلا بي الى حد أن يسكن يافوخي مثل هذا الاعتقاد الفطير. وأنا لا أعلم من أين أتى السموأل بهذا الفهم العجيب فأخذ يبهتني، ويا له من بهتان، لمجرد أنني أوردتُ نصاً وقَعْتُ عليه في مصدر ثانوي، فيردد على الملأ، ويشيع بين الخلق أنني أشَدْتُ بعمّه وزكيت كتابه قبل عشرة أشهر، ثم نكصتُ على عقبي بعد ذلك ائتماراً بأوامر "المتضررين"!
وقد بدا لي عندما وقفت عند تحليل السموأل لما قدّر هو أنها دوافعي ومنطلقاتي الشخصية؛ والأسانيد التي أوردها في صدد إثبات انغماسي في ما يسميه حرب الوكالة ضد الراحل علي أبوسن، ثم ما رأيت من ولوغه حتى أذنيه في بحيرة "نظريات المؤامرة" وأوهامها، بدا لي أنَّ هناك "جينات" قوية تربط أبا الفوارس بعمه أوثقَ رباط. وربما جادت دراسة حالة "البارانويا" والانسياق وراء التوهمات والوساوس عند الراحل وابن اخيه إلى فتح جديد في علم الوراثة وهندسة الجينات. وآية ذلك أن المطلع على كتاب "المجذوب والذكريات" تكاد تصدمه شدة ميل المؤلف وركونه الى الأوهام ونظريات المؤامرة، وكثرة ترديده في هذا الصدد لروايات ما أنزل الله بها من سلطان، مثل تتبع أجهزة المخابرات العالمية له، ورصدها لحركاته وسكناته وهو لا يزال موظفاً حكومياً صغيرا. وقد كتب ابوسن فى مذكراته حول قرار نقله، وهو فى درجة سكرتير ثانى، من سفارة السودان فى باريس الى رئاسة وزارة الخارجية بالخرطوم، ان زوجة اريك رولو، صديق الرئيس الفرنسى فرانسوا ميتران ورئيس تحرير "لوموند"، أخبرته شخصياً ان قرار نقله الى الخرطوم دبرته وتقف من ورائه المخابرات الامريكية والفرنسية معاً!
(4)
في مقاله الثاني الذي اختار له عنوان "نسبية الحكم الأخلاقي وموضوعية النقد"، عمَدَ أبو الفوارس الى تنويرنا عن مفاهيم النقد الأدبي، وتوقف فاستفاض عند مفهوم النقد الأخلاقي، وهو صنف من أصناف النقد الأدبي الذي تفضَّل فأدرج ما كتبنا تحت مظلته. ولكننا لا ندخر وقتاً فنقول أولاً بأن ما سطّرناه لم يكن نقداً أدبياً بأية حال من الأحوال وما ينبغي له، فللنقد الأدبي مناهجه وأساليبه وأدواته. ثم نقول ثانياً بأن ما كتبه الراحل علي أبوسن لا يمكن تصنيفه في خانة الأدب، ونحمد للرجل انه لم يزعم ذلك ابتداءً. يقع الكتاب ضمن تصنيف المذكرات (Memoirs)، وذلك ضربٌ من الكتابة (Genre) له حضوره وقرّاؤه ومحققوه. وهو يتناول سيرة أناس بالأسماء والصفات مما لا سبيل إلى التعامل معه كنص أدبي وفق شروط النقد الأدبي المجرد ككلٍ متكامل بعيداً عن الحقائق التاريخية أو الأفكار الأخلاقية المتعلقة سواء بسيرة المؤلف ذاته، أو من شملهم الكتاب بالذكر، وأي ذكر! بل هو سردٌ تأريخي فضائحي موثق في بعضه ومرسل في بعضه الآخر، لذا فقد أطلقنا عليه اسم (قلّة أدب)، ورأينا أن نعيد قراءته في سياق المنظومة الاجتماعية والسياسية والأخلاقية التي أفرزته، وتلك التي اتخذها فضاءً لنشره وترويجه. (لو كنا قد نظرنا الى الكتاب كأثر إبداعي والتمسنا اليه طرق النقد الأدبي لرأيتنا، أعزك الله، وقد عجمنا كنانة بني ثقيف فتخيرنا لمقالنا هذا عنواناً من شاكلة "شقشقات النوارس في هرطقات أبي الفوارس").
ثم ينسب إلينا صاحبنا في مقاله المار ذكره أننا نزعنا الأشياء من سياقها التاريخي والاجتماعي وزرعناها في سياقات مغايرة، وحاكمنا بمعايير يومنا البئيس نصوصاً كُتبت لزمانٍ غير زماننا وسياقٍ غير سياقنا. وقد هالنا أنه يضع عمه وكتابه في سرجٍ واحد مع المفكرين التنويريين من أمثال الأستاذ محمود محمد طه، صاحب "الرسالة الثانية"، والشيخ علي عبد الرازق مؤلف "الإسلام وأصول الحكم"، وسوامق الأدباء العرب مثل نجيب محفوظ، كاتب "أولاد حارتنا". وكما جار على هؤلاء وعلى أعمالهم الإبداعية "الجدب الثقافي والإدقاع المعرفي" الذي ضرب زماننا، كذلك كان حال أبي سن الكبير وكتابه الذي يتجاوز زماننا وفهومنا. ولم ينسَ أبوالفوارس، جزاه الله خيراً، أن ينبهنا في هذا الصدد الى (التراجع الكبير الذي حدث لمجتمعاتنا بما يشبه الردة الحضارية وضمور الوعي الجمعي)، فالأكثرية الغالبة في مجتمعنا اليوم تتقاصر مداركها عن استيعاب المعاني الفذة التي اشتملت عليها مذكرات العم، أو كما قال!
ونحن نعلم أن الأستاذ محمود محمد طه جاء بطروحاتٍ فكريةٍ ودينية اهتزت لها المشارق والمغارب واستعصت على كثيرٍ من العقول. وفي وعينا أن الشيخ علي عبد الرازق استهدف عرش الملك فؤاد، وسفّه طموحه ومخططات مشايعيه لتنصيبه خليفة للمسلمين، فكتب في العام 1926م أطروحة زلزلت العالم الإسلامي من أدناه الى أقصاه حين جاهر بأن الخلافة ليست أصلاً في الإسلام. فأما "أولاد حارتنا" فإنها كرواية، وبإجماع كثير من المهتمين بالثقافة العربية، تشكل أثراً من الآثار الأدبية العميقة المثيرة للجدل الفلسفي والديني. فأين كتاب أبي سن، الذي يفترض أنه كتاب "ذكريات" من كل ذلك؟ أين الفكرة، وأين النظرية، وأين الآثار الإبداعية التي تستغلق علينا وتندُّ عن فهوم مجتمعاتنا فلا تدركها لأنها "كتبت لزمان غير زماننا"؟!
(5)
بخلاف رسائل المجذوب اليه، التي رصّها رصاً كما هي بذباباتها، ثم تناول بعض سطورها بتعليقات مرتجلة هنا وهناك على نحو يتكلف في بعض الأحيان الصبغة الأدبية، وسنعود الى هذه الرسائل ونتناول أمرها لاحقاً، فإن أبا سن يستعرض في الكتاب حياته ومغامراته في عدد من بلدان العالم. وتدور حياة الرجل كما طرحها حول محاور معينة، منها النساء والحب والجنس، ومنها طموحاته الشخصية في التقدم المهني والتطلع للعب أدوار بارزة في الحياة العامة، وما أصاب في ذلك المضمار من نجاحات وخيبات، ومنها صراعاته مع البشر في كل موقع وطئه بقدمه فوق أرض المعمورة، وهي في مجملها صراعات حول الأدوار والمواقع والتطلعات.
ومن أقوى الملامح بروزاً في شخصية الرجل، كما تعكس المذكرات، النرجسية المفرطة وحب الذات والاعتزاز بالنسب الرفيع، وهو أمرٌ يقترن عنده بتحقير الآخرين والزراية بهم بقرينة أصولهم ال########ة المفترضة. تقرأ في المذكرات أصنافاً من عبارات الإطراء التي يشعر كثير من الناس بالحياء عندما يرددها الآخرون أمام مسامعهم، ولكنّ أبا سن لا يعرف الحياء الى نفسه باباً، فهو يحب الإطراء حباً لا مزيد عليه. والإطراء الذي يحتفي به أبوسن ينقسم الى أنواع منها إطراء الرجال على حسبه ونسبه وعلو كعبه، ومنها إطراءُ النساء على جبروته الذكوري وقدراته الاستثنائية على الفتنة (من بين من وقعنَ تحت فتنته الأميرة مارغريت شقيقة ملكة بريطانيا، ولا فخر)، ومنها الإطراء على قدراته النوعية الثقافية والعلمية، وغير ذلك كثير.
(6)
ذكرنا من قبل أن المؤلف نسب الى الراحل الطيب صالح قوله أن مصطفى سعيد الذي ورد في رواية "موسم الهجرة الى الشمال" هو نفسه علي أبوسن، وأن الطيب أسرّ له بذلك ثم صرَّح به لآخرين. وأنا أعرف بطبيعة الحال انك - أعزك الله - لم تقرأ مثل هذا الزعم عند أيٍ ممن تناولوا أدب الطيب صالح، بالرغم من الجدل المحتدم حول تلك الشخصية الأسطورية. والسبب في ذلك هينٌ ويسير، وهو أن أحداً من هؤلاء النقاد لم يصدق هذا الزعم أو يحمله على محمل الجد، وانهم أدركوا بغير كثير عناء أنه محض ادّعاء يندرجُ تحت بند النفخ والنفش (لأبي سن ادّعاءٌ آخر عن الطيب صالح، وهو أن الأخير كان يردد المقولة التالية: "نحن في السودان نصدر ثلاثة أشياء: القطن والصمغ العربي، وعلي أبوسن")!
يحدثنا أبوسن في مذكراته عن حياته النسائية وعمق فتنته وتأثيره على الفتيات الأوربيات إبان حياته في لندن وباريس، فيصف نفسه بأنه "صاحب الحبال والحيل" وأن النساء كنّ يتعثرنَ بين حِيَله وحباله. ويقول إن الإعلامية اللبنانية الشهيرة ليلى طنوس كانت تُطلقُ عليه لقب (أبوعيون جريئة). كما أن نساء الإنجليز المأخوذات بسحره كنّ يتساءلن تساؤلات خلّدها هو في إحدى قصائده (كم يماشي هذا الشقي.. مستر أبوسن؟/ عشرين؟ لا.. أظن صاحباته خمسين)! ويعرفنا دونجوان زمانه عن بعض علاقاته النسائية المميزة، ومن بينها (تلك العلاقة التي حطَّمت أساطير كثيرة، ثم خلقت أساطير أكثر في جامعة لندن). ونعرف من المذكرات أن واحدة من صديقاته الكثر في لندن قالت له محتجة: (أنت تثير غيرة الرجال بمجرد وجودك وذلك يحرمني من الاقتراب منك)، وسألته أخرى: (أنا أريد أن أعرف ما هو السر الذي يجعل جميع الفتيات يتحدثن عنك)؟ ولقد ذكرنا لك عَرَضاً أن الأميرة مارغريت شخصيا، شقيقة ملكة بريطانيا، افتتنت بأبي سن وهي في عز مجدها وجمالها (يوم أن كانت مدار العيون ومستراح النظر، وحديث المجتمعات والصحافة في أوربا). وعندما التقى صاحبنا الأميرة ظلَّ ينظر اليها (بكل النيران التي أججتها الصحراء في ميراثي)، وانها تجاوبت وابتسمت وفهمت نظراته فرددتُ عليها (بجرأة واضحة ومباشرة). وأخبرنا أن زوجته لاحظت افتتان الأميرة به، وأن ذلك تسبب له في بعض المتاعب.
وقد أفاض أبوسن وهو يحدثنا عن صديقته جيني هاريسون التي عاشَ معها أجمل أيام حياته في منطقة البحيرات بالنمسا. وقد استقل أبوسن وجيني في رحلتهما سيارة (داخلها بار كامل وجردل ملئ بمكعبات الثلج، بداخله زجاجتان نضّاحتان تمدان رأسيهما فوق الثلج كأنهما طائرا بطريق). وعلى ذكر الصهباء، فقد أكد لنا أبوسن انه كان يحتسي فقط الخمور المعتقة الراقية التي يحتسيها الملوك والأمراء وأغنى أغنياء المعمورة، وأنه زار منطقة "تل الحمار" في ألمانيا التي تنتجُ أعظم نبيذ في العالم، واقتنى مع إحدى صديقاته تسع زجاجات من النبيذ الفاخر. غير أنّ عشيقات أبي سن المفتونات لم يكنّ كلّهنّ أوربيات، بل كان في جمعهن بعض السودانيات من بنات الأُسر التي دأبت على إرسال بناتها الى إنجلترا. وقد جاء في وصف واحدة من عشيقاته السودانيات، وهي "تنتمي الى أسرة طيبة موسرة": (تنظر اليها فتشعر بملمس نعومة بشرتها في عينيك، تتحدث اليها فتشعر بنعومة روحها في أحشائك، تنظر اليك فتشعر بنعومة حالك في أوصالك، تتحدث اليك فتتذوق حديثها بلسانك. إذا كانت الأنوثة الكاملة ممكنة فقد تجسدت فيها، وسالت منها كأنهار النار من البراكين). وأكد لنا بأن هذه السيدة السودانية (كانت تعرف معنى المشاعر الجارفة منبعاً وتدفقاً ومصبّات). ثم أفادنا، افاده الله، بأنه قضى وطره من هذه المرأة، حيث كتب: (وكنت أنهلُ منها وأروى ظمأ عزوبتى)!
(7)
ولأن الأسرّة، بتشديد الراء، ومفردها سرير، تأخذ مكاناً جوهرياً في حياة المؤلف، فقد اهتم عند انتقاله للقاهرة بغرفة النوم وسريرها. وكان له سرير نحاسي ضخم أمتعنا بالحديث عنه، بفخرٍ شديد، على مدى أربع صفحات كاملة، اشتملت على نحوٍ من ألف وثمانمائة كلمة من كلمات مذكراته. وصفوة القول عن هذا السرير أنه لم يكن سريراً عاديا، فابن أبي سن لا ينامُ مثل عامة الناس فوق أي سرير. يقول المؤلف إنه اشترى من دكانٍ في وكالة البلح بامبابة سريراً نحاسياً، أخبره البائع المصري انه نفس السرير الذي ضاجعَ عليه الخديوي إسماعيل الإمبراطورة يوجيني إمبراطورة فرنسا وزوجة نابليون الثالث عند زيارتها لمصر لحضور احتفالات افتتاح قناة السويس في العام 1869م. وقد اقتنع صاحبنا اقتناعاً كاملاً بما ذكره له البائع المصري واشترى السرير على هذا الأساس. وكتب انه عندما دفع الثمن واستلم بضاعته أخذه صاحب المحل جانباً وذكّره بأنه أصبح المالك لهذا السرير الذي ضاجع فيه الخديوي إمبراطورة فرنسا، وأن عليه أن يحفظ لهذا السرير هيبته وكرامته وأن يتخير النساء اللائي سيضاجعهنّ فوقه. وقد هززتُ رأسى وضربت كفاً بكف عندما أكملتُ قراءة ذلك الجانب من المذكرات، وقلت لنفسي: لقد سمعت بالصعيدي المصري الذي باعوه الترام في ميدان العتبة، ولكني لم أكن قد علمت حتى قراءة ذلك الجزء من المذكرات عن الدبلوماسي السوداني الذي باعَه بنو بمبة فى وكالة البلح سرير الإمبراطورة يوجيني زوجة نابليون!
غير ان الذي أدهشنى حقاً في محور النساء والحب والجنس من مذكرات أبي سن هو انه مع كل فتوحاته النسائية في الشرق والغرب انتاش بكلمات جارحة وحادة وزيراً سودانياً لأنه مارس الجنس مع امرأة إنجليزية أثناء زيارة له للندن، واتهمه بالإساءة لسمعة السودان. وقد أورد أبوسن اسم ذلك الوزير الثلاثي كاملاً، وذكر انه وبعض مساعديه أقاموا في دار السفير، وان الوزير استجلب الى دار السفير نساءً وضاجعهن. وقد استعصى عليّ أن أفهم سبب غضبة أبي سن على الوزير وتقريعه إياه، طالما انه هو نفسه كان يعيش حياته بالطول والعرض، دون ضابط ولا رابط. ثم إنني تذكرت أنه كان قد عاير وزيراً آخر في مكان مختلف من المذكرات بكونه - حسب ادّعاء أبي سن - عاجزٌ جنسياً. وقد أشفقت على وزراء السودان إشفاقاً شديداً بعد ذلك. ولا بدّ أنّ هؤلاء الوزراء قد حاروا وحار دليلهم مع أبي سن وتقلباته. فإذا استحصن الوزير وتمنّع عن النساء اتهمه بالعجز، وإذا انتفض وأتى بالنساء وبسطهن على الأسرّة واعتلاهن، اتهمه بالإساءة لسمعة السودان، فما يدري الوزير من هؤلاء الى مرضاة أبي سن سبيلاً!
(8)
وفي مسألة الاعتزاز بالأنساب الشريفة يلتقي أبوسن وصديقه المجذوب، ولا عجب إذن انهما يخاطبان بعضيهما بألقاب مثل "ابن سادات البشر". يقول ابوسن إن البريطانيين الذين يعرفون السودان، كانوا إبان حياته بين ظهرانيهم، لا ينادونه إلا بلقب "السير علي أبوسن"، باعتبار أنهم كانوا يعرفون انه من أسرة أبوسن ذات الحسب الرفيع. وهناك روايات للرجل حول معرفة الناس حول العالم لأسرته ونسبها وحقها في حكم السودان. من ذلك انه عندما ذهب لزيارة قبر جده أحمد باشا أبوسن المدفون في المقابر الملكية بالقاهرة التقى شخصية مصرية انفعلت به انفعالاً شديداً عندما علمت بنسبه وان تلك الشخصية قالت له: (أين أنتم؟ أين أنتم؟ أين أنتم؟ من هو إسماعيل الأزهري الذي أصبح حاكماً؟ ومن هو الميرغني؟ ومن هو المهدي؟ البلد دي حقتكم انتو. مالكم؟ ماذا دهاكم؟) والشخصية المصرية هنا تبدى استغرابها كيف أن حكم السودان آل الى آخرين، بينما المؤلف وأسرته هم الأحق بالحكم. وأبو سن يحتفي بتلك المقولة ويضمنها مذكراته ويشيد بالرجل. وكاتب المذكرات شديد الإيمان بنسبه القرشي، وليس من عادته أن يترك فرصة لإثبات قرشيته تمر دون أن يهتبلها، ولا ضير في ذلك بطبيعة الحال. وقد توسل الى اثبات نسبه القرشى بحديثٍ للزعيم إسماعيل الأزهري، فقال انه حدث الزعيم ذات يوم بأن والده كان يرسم على الرمال بـ"الحدّاثة"، فردّ عليه الأزهري: (هل تدرى أن "حداثة" السنّاب من صولجان قريش؟ اسمها المحجن، وهي عصا منحنية الرأس كالصولجان كان يستخدمها زعماء قريش). وبهذا الكشف المدوى فإن النسب القرشى الشريف يتحقق أيضاً وبصورة تلقائية لكل منسوبي قبائل البجا في السودان، والبشاريين في مصر، والبني عامر في إرتريا، بقرينة أن عادة الرسم بالعصا على الرمال أثناء الحديث في الملتقيات الخاصة والعامة هى من الصفات الراكزة والشائعة عند هذه القبائل. [ نواصل].

نقلاً عن صحيفة "الأحداث" 16/06/2010

Post: #84
Title: Re: غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل
Author: mutwakil toum
Date: 06-17-2010, 05:50 PM
Parent: #1

.

Post: #85
Title: Re: غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل
Author: حسن محمود
Date: 06-17-2010, 11:50 PM
Parent: #84

التحية للاخ/ زهير والاخوة المتداخلين..

قرأت قبل قليل مقالة الاستاذ/ مصطفى البطل ورده علي مقالات الاستاذ/ السموأل ابو سن
حول كتاب(المجذوب والذكريات) وكعادته رد البطل بكل وضوح على النقاط التى اثارها
ضده السموأل واعتقد انه كان مقنعا موفقا جدا في ردوده ، بل ومفحما.. وخاصة فيما
يتعلق بالتهمتين الاساسيتين ضده: الاولى اتهامه بالتدليس على القراء واشادته في السابق
بالكتاب والثانية انه يكتب بالوكالة عن المتضررين من الكتاب.
وسعدت جدا بأستجابته لاستفزاز او طلب السموأل بأستئناف المقالات حول الكتاب..
فقد كنت اتمنى الحصول على نسخة من الكتاب نفسه ،ولكن اليوم بعد قراءتي لهذه المقالة
والمتعه التي وجدتها في اسلوب مصطفى الساخر و الساحر في استعراض الكتاب ، شعرت
انني اصبحت لست في حاجة لأغتناء الكتاب وانه من الافضل لي ان اكتفي بمتابعة بقية
مقالات مصطفى حول الكتاب وتمثلت او انطبقت علي عبارة الاديب مصطفى لطفي
المنفلـ طي:
( افضل عندي واحب ان أقرأ وصفا ممتعا لبستان من ان ارى البستان نفسه).







.

Post: #86
Title: Re: غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل
Author: mutwakil toum
Date: 06-18-2010, 03:59 AM
Parent: #85

Quote: شعرت انني اصبحت لست في حاجة لأغتناء الكتاب وانه من الافضل لي ان اكتفي بمتابعة بقية
مقالات مصطفى حول الكتاب

الأستاذ الفاضل: حسن محمود/ قراءة الأستاذ البطل للكتاب، لا تغني عن الكتاب:
لا أملك كيبورد عربي للإسهاب: لكن وددت القول لو وجدت الفرصة في الحصول على الكتاب فلا تدع مقال البطل أن يمنعك عنه، المقال ينزع الأحداث من سياقها، والسياق لا تجده سوي في الكتاب
سلمت

Post: #87
Title: Re: غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل
Author: حسن محمود
Date: 06-18-2010, 05:37 PM
Parent: #86

الاستاذ / متوكل التوم
خالص التحايا والود
اكيد قراءة الكتاب مهمة و ستضيف الكثير .. ولكن كيف الحصول عليه؟
لحظة كتابة المداخلة كنت واقع تحت تأثير سحر بيان مصطفى واعتقد
بأننا موعودون بتشريح وعرض مشوق للكتاب في مقالات البطل القادمة..
واعتقد ايضا ان السموأل قد جنى على نفسه وعلى عمه بدخوله هذه المعركة
( الخاسرة) مع البطل وطلبه المستفز بأستئناف المقالات.

Post: #88
Title: Re: غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل
Author: زهير الزناتي
Date: 06-19-2010, 01:35 PM
Parent: #87

شكراً لكل من مر .... هنالك مقال ثاني لسموأل أبو سن سأحاول إيجاده .,... كل من يجده أتمني أن ينزله أو يرسله لي علي الإيميل [email protected]

Post: #89
Title: Re: غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل
Author: mutwakil toum
Date: 06-20-2010, 12:43 PM
Parent: #88

slam Zanati
you mean this one

te: نسبية الحكم «الأخلاقي» وموضوعية النقد (2)

لن يكون من المناسب طالما تناولنا هذا الشأن، شأن الأدب وقلّته، أن نمر عليه دون أن نتوقف قليلاً عند ظاهرة صارت تميز كتابات الكثير من كتابنا يمكن أن ندرجها ضمن ما يعرف في حقل النقد الأدبي بـ»النقد الأخلاقي». و»النقد الأخلاقي» برغم محاولات التأصيل له ضمن إطار فني يمنحه خصائص مميزة كمنهج نقدي، إلا أنه لم يفلح في معالجة الأدب بأدوات الأدب وذلك لأنه قائم في الأساس على نفيه لشرط الحرية وتعاطيه للقيمة الأدبية من خلال منظار الأخلاق بكل ما فيه من نسبية.
يرتدي كُتّاب النقد الأخلاقي لَبوس القيِّمين على الأخلاق في قراءة النصوص. ويمارسون النقد الأخلاقي بمفهوم «الفزعة» عند بعض القبائل السودانية حين ينهض الجميع ارتجالا لأداء واجب يتطلب السرعة والإنجاز، كإنقاذ شخص من خطر محدق أو مواجهة كارثة أو غيرها، وصار المثل السوداني يقول حين يفشل الأمر، ويصير تأثيره سلبياً «جابوه فزعة بقى وجعة».
ولا تقوم ممارسة النقد الأخلاقي على القراءة التاريخية في التحليل والإستبانة، وإنما تنتزع الأشياء من سياقها التاريخي والاجتماعي وتزرعها في سياقات مغايرة. بل أكثر من ذلك يتحول النقد الأخلاقي في كثير من الأحيان إلى ممارسة سلطوية تجريمية، وانتقائية لا تحكمها القواعد أكثر مما تحكمها المزاجية وموقع من يَكتُب مما أو ممن يُكتَب عنه في موازنات القوى وتجليات السلطة المتعددة. في ظل وضعية النقد الأخلاقي هذه يصبح من الصعوبة بمكان الحديث عن شروط الحرية في الكتابة. وتصبح أمزجة الناس قوانين حاسمة، ويغرق بالتالي الموضوعي في الذاتي، والعام في الخاص، والمجرد في المغرض.
وددت بهذه المقدمة النظرية أن أتجاوز سخونة الحديث المباشر، وأن أتجاوز أيضاً فخ الدوافع الذاتية التي قد تستغرقنا، بما لا يفيد تعضيد الفكرة ولا يصيب منها القارئ معرفة. وفضلت أن أفتح أشرعة الحوار لممارسة النقد والنقد الذاتي. ولمزيد من المسئولية تجاه الكتابة وتجاه الكلمة التي نسطرها، وليس خافياً على أحد ما تقود إليه الكلمة المكتوبة.
السياق التاريخي وأهميته في التحليل:
واحدة من أكبر إشكاليات تفكيرنا المعاصر تتمثل في غياب القراءة التاريخية للظواهر والأحداث، ولا يخفى على القارئ المنصف ما يؤدي إليه ذلك من ضعف التحليل وتهافت النتائج. ويغفل كثيرٌ من كتابنا، أهمية السياق التاريخي حين يوغل كثيراً في إطلاقاته وحين يحاكم بمعايير اليوم نصوصاً كُتبت في سياق مختلف تماماً عن الذي نعيشه الآن. ويغفل أيضاً عن التراجع الكبير الذي حدث لمجتمعاتنا بما يشابه الردة الحضارية وضمور الوعي الجمعي وغلبة ثقافة التكميم و التحريم و الإقصاء على مجمل حركتنا الثقافية. حُجبت كتابات شكلت جزءاً كبيراً من عافية الوعي في حقب الخمسينات و الستينات تحت مزاعم مخالفة الدين والأعراف. وأزيحت مؤلفات هامة جداً من أرفف المكتبات بدواعي المحافظة على الأخلاق. غابت و شُوِّهت كتب مثل، الإسلام وأصول الحكم للشيخ علي عبد الرازق، وكل مؤلفات الشهيد محمود محمد طه والشعر الجاهلي لطه حسين، وألف ليلة و ليلة وأولاد حارتنا وغيرها من الكتب التي كانت في يوم غير يومنا هذا تتوسد أرصفة شوارع المدن لا في العاصمة الخرطوم وحدها بل في أقاصي الشرق والغرب وبقية مدن السودان وأنحائه البعيدة، ولو أنك سألت عن أمر كهذا اليوم لصار أمرك عجباً. وصارت إجازة إصدار الكتب الأدبية والعلمية تصدر من تحت قفاطين وعمائم رجال الدين. وتدريجياً انداحت لوثة التحريم و إفتئات غير ذوي الصفة على كل شئ حتى صار من الطبيعي أن يفتي من لا يعلم في ما لايعلم فيه، وصرنا نرى فتاوى دينية في مسائل علمية تطبيقية جداً تخص الطب والفلك والعلوم. وانتقلت حالة التخويف من كونه سلوكا تمارسه فئة بعينها على الآخرين إلى رقيب داخلي يمسك بتلابيب الأفراد ويفسد عليهم حتى أفراحهم الصغيرة.
وقد تنبه مؤلف كتاب «المجذوب والذكريات» في كتابه لهذا الأمر بحساسية بالغة حيث ذكر:
«الحديث عن المجذوب في ظل الحالة العقلية الراهنة للمجتمع السوداني والمجتمعات العربية عموماً في الثمانينات والتسعينات (ولاندري إلى متى؟) صعب للغاية. فالمجذوب عاش في عصر الحريات العامة. في عصر كان الإنسان العربي ينتمي فيه إلى المجرى العام للتاريخ الإنساني. أما الآن و بعد أن وجدت قوى التخلف فرصتها لفرض أولويات القرن السابع الميلادي على القرن العشرين، فستجد الأجيال الحالية صعوبة كبيرة في فهم المناخ الإجتماعي الذي سمح للمجذوب بأن يتغنى بالطريقة التي تغنى بها في شعره، و التمرد الذي جاهر به في حياته». علي أبوسن، المجذوب والذكريات الجزء الأول ص 14.
وهذا الإستدراك، لمن يعتبر، يؤكد أن المؤلف حين كتب عن المجذوب كان شديد الحساسية تجاه الأمر، ولكن يظل من الطبيعي جداً اختلاف الناس في صحة أو خطأ تقديره ثم قراره بنشر مذكراته بصورتها التي نشرت بها. ولا يمكن بأي حال من الأحوال قبول أن يكون خلاف كهذا غير محض خلاف موضوعي. على أية حال، في وضعية كمثل التي أشار إليها المؤلف، أضاع كثيرٌ من المثقفين أهم عناصر قوتهم، وهي المقدره على الوقوف على مسافة بعيدة من الظواهر والأحداث بما يمكنهم من حسن القراءة والتأمل واستقامة التخريج، وهو ما يُحتِّمه عليهم التزامهم تجاه أنفسهم وتجاه مجتمعاتهم. فالمثقف الحقيقي يستفتي ضميره قبل كل شئ.
اختطاف المجذوب (صورة المجذوب بعد المذكرات وقبلها):
إن أحد أهم الأسئلة التي ينبغي الإجابة عنها في سياق الموضوع الذي نتناوله، هو عن مدى الإضافة التي أضافها كتاب الذكريات للباحثين والنقاد والمبدعين في تعزيز الصورة الذهنية للمجذوب كمبدع رافض وساخط عظيم. ومدى نجاحه في إلقاء الضوء على شخصية هذا الشاعر العملاق، والكيفية التي عكس بها روح المبدع القلق المتمرد الرافض. هذا شأن موضوعي ومبحث ستحفل به الأوساط الثقافية والأدبية كثيراً في سودان الغد، بعد أن يهدأ غبار النفوس الذي عتّم صفحة الحياة الأدبية والسياسية السودانية، ويلتفت الناس إلى الأهم. قدمت المذكرات المجذوب وغيره من الشخصيات العامة بما فيها شخص الكاتب نفسه كأناس عاديين. بضجة أرواحهم وضجرها، بأحلامهم الصغيرة والكبيرة، وبسقطاتهم وتجلياتهم. المؤلف لم يوفِّر نفسه من كل ذلك بل كان جزءاً وهو يحكي عن نفسه مثلما حكىعن الآخرين. فهل ما زلنا نعتقد أن رموزنا السياسية والثقافية ومبدعينا ومفكرينا هم مجموعة قديسين أصفياء أنقياء لا سقطات لهم ولا أخطاء؟ وهل مازلنا نعيش وهم أن كون هذه الرموز و هؤلاء المبدعين سينقص من مقدار منجزهم العام، كونهم قد أصدروا تعليقات هنا أو هناك أو ألفاظاً بعينها؟ اللهم إلا إذا حُشِرنا حشراً في «كستبانة» النقد الأخلاقي واستغرقنا عرّابوه؟
بالنسبة لأي محلل منصف ستكون فصول الكتاب التي إقتربت من شخصية المجذوب ورصدت ردود أفعاله التلقائية والعفوية ومقدرته الكبيرة على تحليل الواقع الإجتماعي والسياسي ثم طرح محصلاته في تعليقات عابرة ذكية ساخرة وساخطة، ستكون مداخل لمقاربات جديده لشعره ومنجزه الأدبي. ولنكون أكثر دقة سنقول إن تمرد المجذوب ######طه لم يكشفه كتاب الذكريات لمن عرف المجذوب وقرأه، وإنما ساهم الكتاب في إجلائه من زوايا مختلفة وجديدة، وأعطى مدخلاً فريداً لقراءة المجذوب الإنسان داخل المبدع بصورة لم تكن لتتوفر من مداخل أخرى.
ستظل محاولة إدانة الكتاب من باب كونه أفشى أسرار المجذوب أو أساء إليه، في حقيقتها محاولة لإختطاف المجذوب المبدع الرافض، من فضاء الحرية التي كان شديد التوق لها، لإدخاله ضمن منظومة الفهم الإنتقائي للأخلاقي واللا أخلاقي بحسب رواد « الفزعة».
إن الضعف البين في حجة البطل والاضطراب الواضح في مقاله الأخير «بعيداً عن الأدب وقلته» الذي لم نصِب منه غير مواصلة الكاتب في إطلاق التعميمات بلا إستيثاق ولا تبصُّر، جعلنا في حيرة من أمرنا مما إذا كان البطل الذي قبل أن يفرغ من الكتابة عن الذكريات فتح مبحثاً جديداً ليتناول فيه موضوعاً آخر لعلي أبوسن، يهدف إلى تناول الموضوع، أم إلى تشويه الذات؟ ذاك باب من الكتابة المغرضة كما ذكرنا في مقالنا السابق لن يكون من السهولة إستيعاب دوافعه أو وسمها بالموضوعية. ومع ذلك يبدو الاضطراب بيناً في استشهاد البطل بحيث يصعب على القارئ فهم ما إذا كان البطل يشيد بـ «أبوسن أم يدينه!!
يقول البطل تعليقاً على الكتاب الآخر الذي اسمه «رسائل الترابي والحركة الإسلامية الحديثة» وليس كما أسماه البطل- مواصلاً عدم دقته- «مراسلات الترابي» (نقول ان مبادرة إبي سن بنشر تلك الرسائل الحقت بالشيخ الترابي أفدح الاضرار إذ ألقت بظلال سالبة على مصداقيته الشخصية وكفاءته الخلقية واستقامته الفكرية. وبعض هذه الرسائل تكشف عن شخصية ميكافيللية، لا سيما تلك التى يشرح فيها ويبين مُرامه من كونه اختار جماعة الاخوان المسلمين، مع ضآلة شأنها مجالاً لحركته التنظيمية وفضاءً لطموحه السياسي عقب عودته من فرنسا في النصف الاول من الستينات، خلافاً لغيره من شباب المثقفين من أنداده الذين اختاروا الانضمام الى الاحزاب الوطنية الكبرى. وقد أصاب الترابي عين الثور، كما يقول الفرنجة، وهو يسطر بعض تحليلاته واستنتاجاته ورؤاه لما عسى ان تنداح عنه عجلة الزمان ، اذ صدقته الايام وكان محقاً تماماً في غالب ما ذهب اليه، لكأنه كان - وهو يكتب تلك الرسائل- يحدق بعينيه داخل كرة المستقبل البلورية. بيد ان مصدر الازعاج الوحيد هنا هو ان ما جاد به الترابي في بعض رسائله لصديق شبابه، على حدة ذكائه وبراعته، يعكس في جوهره حالةً ذهنية متمركزة حول الذات، تطغى عليها روح الأنا، وتدور في مدار التطلع الشخصي والطموح الذاتي الانتهازي المحض، فتنحسر عنه «الفكرة» ويغيب عنه «المبدأ». فتأمل!
وما عرفنا البطل يستشهد بمقالة الدبلوماسي والكاتب جمال محمد إبراهيم ليثبت صحة فرضيته أم ليثبت بطلانها حيث يقول الدبلوماسي الأستاذ، جمال محمد إبراهيم، الذي تناول كتاب «المجذوب والذكريات» وكتب بحس وفطرة سليمين، في خاتمة مقاله وبعد عدة استشهادات من «المجذوب والذكريات»:
«فما أدعانا، إذاً لأن نجدّ حثيثاً لنجمع هذا الإرث البديع لشاعرنا الراحل المجذوب، فليس في الأمر نبش في سيرته الشخصية، أو تقصي لاعترافات فضائحية، بل هو حرص على جميل إبداعه، والنضير من كتاباته التي تنزلت من فطرة قلمه، منسابة بلا تكلف ولا احتراز ولا تقية!»
ليت «الأحداث» تستجيب لمناشدة البطل بإعادة نشر مقال الدبلوماسي الأستاذ جمال محمد إبراهيم ففيه من الإمتاع ما يقينا شرور النفوس، أغراضها وأمراضها.
لا أحد كان سينكر على البطل قوله حين يقول ]وانما أردنا أن نُفصح عن عقيدتنا، وأن نسندها بالبراهين الناطقة والحجج الناهضة على أن أبا سن أخفق إخفاقا مزرياً في عرضه للثروة المهولة التى وجدها بين يديه، من رسائل المجذوب اليه والى السيدة الانجليزية روزميري، وان معالجته لامر هذه الرسائل اتسم بالفجاجة والركاكة وضعف الحساسية، ولا نقول الخبث[.
نقول ألا أحد كان سينكر على البطل الإفصاح عن عقيدته رغم فسادها البين، فهي عقيدته! أو أن يعرض ما شاء من حججه وبراهينه، رغم ضعف الاستدلال فيها، أو أن ينشر رأيه في الطريقة التي عالج بها أبوسن مذكراته ورسائل المجذوب إليه. ولا أحد كان سيعيب عليه وصف هذه الطريقة بالأوصاف التي ساقها من «ركاكة، وفجاجة، وضعف حساسية»، لو أنه ناصح نفسه، وبذل شيئاً من الجهد في إثبات مزاعمه قبل أن يتخذ «قلة الأدب» «والتخوين» عنواناً سعياً وراء الإثارة والاستعراض. ولو أنه تبصر قليلاً لجنب نفسه كثيراً من المزالق التي ستخصم من رصيده ككاتب وستضع تساؤلاً كبيراً حول مدى تحريه الدقة ومدى تحققه مما يكتب.
ولو أن البطل ورواد «فزعة» النقد الأخلاقي اطلعوا على كتابات الراحل الكبير الناقد رجاء النقاش، الذي قدم عملاق الرواية العربية، الراحل الطيب صالح للعالم العربي، و الذي ظل اسمه متوهجاً كأحد أهم منارات النقد العربي لعقود من الزمان، وقد كتب عن «المجذوب والذكريات» مجموعة حلقات متصلة في مجلة «الوطن العربي»، أجزم أنه كان ليصاب بالخجل الشديد من نفسه من البون الشاسع في التناول، ولوجد فيها درسًا مفيدا يكشف له عن اللبس التي يعاني منه هو وآخرون في تعريف الأخلاقي واللا أخلاقي. وكان سيخجل من آفاق الكتابة والتناول المتجرد والمبدع لأدب الرسائل وأدب الذكريات. وكان سيتواضع كثيراً من مثل هذا التيه الذي سدر فيه موزعاً إطلاقاته بطمأنينة يحسد عليها.
لم نكن نود أن نفسد للبطل صفاء عطلته السنوية بأن نضطره إلى استبدال مقالاته التي بذل جهداً كبيراً في «تشوينها» بكل ألوان الشتائم والتصغير لكاتب الذكريات. كما لم يكن أبداً هدفنا أن نضيق عليه في مساحات الإعجاب الواسعة التي اعتاد الاستمتاع بتقريظ قرائه له فيها. إلى جانب أن زمننا نفسه لايسمح لنا بملاحقة كل ما يكتب لولا أنه اضطرنا في هذه المرة اضطرارا لذلك باستهانته بالكلمة والقارئ معاً ومحاولته المريبة تشويه الراحل علي أبوسن بحزمة من المزاعم الفاسدة التي لا تصمد أمام أي مساءلة أو مراجعة.
وقد حاول البطل أن يجد نسقاً غيبياً ليبرر به خيبته وفشله في أن يدافع عن مقاله المجاني «أحاديث الأدب و قلة الأدب» ، «مصوراً ذلك بكونه إرادة الله حيث يقول «يبدو أن الله كتب في لوحه المحفوظ (هكذا) على ناقدي كل مؤلفات أبي سن، لا ذلك الكتاب وحده، أن يشرعوا في النقد ثم يرتدوا على أعقابهم بعد أن يخطوا في ذلك السبيل خطوتهم الاولى.... إلخ)، رابطاً إحجامه عن المواصلة في نشر مقاله، بموقف مزعوم أشار فيه لمقالات للدكتور عبد الله حمدنا الله تناول فيها كتاب «المجذوب والذكريات»، ومقال مزعوم آخر للدكتور محمد وقيع الله كان يود الرد فيه على كتاب «رسائل الترابي، والحركة الإسلامية الحديثة»، لولا أن أثناه الترابي نفسه عن ذلك!!
وذلك باب من «الاستهبال»، غير المجدي ومحاولة مفضوحة للمزايدة في سوق الكلام المجاني سنجد أنفسنا مرة أخرى مضطرين لإثبات زيفها. فالبطل يتحدث عن مقالات مازالت موجودة في سوق «الله أكبر» الإسفيري، كتبها ونشرها في فبراير من العام 2004 د. حمدنا الله وتناول فيها كتاب «المجذوب والذكريات» أي قبل حوالي ست سنوات، وهي المقالات التي زعم البطل أن حمدنا الله أسرّ له بأنه نشر حلقتها الأولى ثم سحب الأخريات لدى علمه بأن علياً كان مريضاً.
فما نجزم به هو أن د. حمدنا الله قد نشر مقالين بصحيفة الصحافة عن الكتاب تحت عنوان «همبتة المذكرات» وقد حدد ترقيمهما من اثنين سلفا (1-2). وبالتالي، فإننا نفهم وحسب أصول النشر أن مقال د. عبد الله حمدنا الله المذكور قد نشر بالكامل، وإلا كنا سنرى نوعاً آخر من الترقيم على صدر المقال يشي عن حلقات لم تنشر! فهذا زعم باطل كغيره من مزاعم البطل لا أدري أين نجد له موقعاً من التبرير.
خلاصة القول، وأياً كانت الأسباب التي حدت بالبطل لأن يحجب بقية مقاله في الحلقتين اللتين أرسلهما كما ذكر للنشر، فإن هذا شأن يعنيه وحده ويعني أصدقاءه الذين لا يَرُد لهم طلب كما قال. ولو أن الأمر لديّ لأثنيته بشده على قراره هذا ولشجعته لينشر ماحجبه، لأنني على يقين أنه ليس لديه مايقوله أكثر مما قاله. لن يخرج البطل من الدائرة العبثية في فهمه للأخلاقي واللا أخلاقي ومن مزيد من التبذُّل في محاولته غير الحميدة للإساءة لكاتب الذكريات، وستكون كل مدوراته ومراوحاته للاستهلاك الذي لا يقدم ولا يؤخر.

Post: #90
Title: Re: غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل
Author: عبد الصمد محمد
Date: 06-20-2010, 03:01 PM
Parent: #89

أليس البطل هو الكاتب الذي ذهب ليحضر مؤتمر الحكومة للإعلاميين السودانيين بالخارج؟؟؟ ونال بعدها في منبر سودانفور أوول نقد ######رية جعلته يهرب من المنبر ويحاول بعدها كتابة مقالات في صحيفة الكوز السابق وربما ما زال عادل الباز للظهور وكأنه معارض للحكومة

Post: #91
Title: Re: غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل
Author: ibrahim alnimma
Date: 06-20-2010, 05:17 PM
Parent: #90

Quote: السياق التاريخي وأهميته في التحليل:
واحدة من أكبر إشكاليات تفكيرنا المعاصر تتمثل في غياب القراءة التاريخية للظواهر والأحداث، ولا يخفى على القارئ المنصف ما يؤدي إليه ذلك من ضعف التحليل وتهافت النتائج. ويغفل كثيرٌ من كتابنا، أهمية السياق التاريخي حين يوغل كثيراً في إطلاقاته وحين يحاكم بمعايير اليوم نصوصاً كُتبت في سياق مختلف تماماً عن الذي نعيشه الآن. ويغفل أيضاً عن التراجع الكبير الذي حدث لمجتمعاتنا بما يشابه الردة الحضارية وضمور الوعي الجمعي وغلبة ثقافة التكميم و التحريم و الإقصاء على مجمل حركتنا الثقافية. حُجبت كتابات شكلت جزءاً كبيراً من عافية الوعي في حقب الخمسينات و الستينات تحت مزاعم مخالفة الدين والأعراف. وأزيحت مؤلفات هامة جداً من أرفف المكتبات بدواعي المحافظة على الأخلاق. غابت و شُوِّهت كتب مثل، الإسلام وأصول الحكم للشيخ علي عبد الرازق، وكل مؤلفات الشهيد محمود محمد طه والشعر الجاهلي لطه حسين، وألف ليلة و ليلة وأولاد حارتنا وغيرها من الكتب التي كانت في يوم غير يومنا هذا تتوسد أرصفة شوارع المدن لا في العاصمة الخرطوم وحدها بل في أقاصي الشرق والغرب وبقية مدن السودان وأنحائه البعيدة، ولو أنك سألت عن أمر كهذا اليوم لصار أمرك عجباً. وصارت إجازة إصدار الكتب الأدبية والعلمية تصدر من تحت قفاطين وعمائم رجال الدين. وتدريجياً انداحت لوثة التحريم و إفتئات غير ذوي الصفة على كل شئ حتى صار من الطبيعي أن يفتي من لا يعلم في ما لايعلم فيه، وصرنا نرى فتاوى دينية في مسائل علمية تطبيقية جداً تخص الطب والفلك والعلوم. وانتقلت حالة التخويف من كونه سلوكا تمارسه فئة بعينها على الآخرين إلى رقيب داخلي يمسك بتلابيب الأفراد ويفسد عليهم حتى أفراحهم الصغيرة. وقد تنبه مؤلف كتاب «المجذوب والذكريات» في كتابه لهذا الأمر بحساسية بالغة حيث ذكر:
«الحديث عن المجذوب في ظل الحالة العقلية الراهنة للمجتمع السوداني والمجتمعات العربية عموماً في الثمانينات والتسعينات (ولاندري إلى متى؟) صعب للغاية. فالمجذوب عاش في عصر الحريات العامة. في عصر كان الإنسان العربي ينتمي فيه إلى المجرى العام للتاريخ الإنساني. أما الآن و بعد أن وجدت قوى التخلف فرصتها لفرض أولويات القرن السابع الميلادي على القرن العشرين، فستجد الأجيال الحالية صعوبة كبيرة في فهم المناخ الإجتماعي الذي سمح للمجذوب بأن يتغنى بالطريقة التي تغنى بها في شعره، و التمرد الذي جاهر به في حياته». علي أبوسن، المجذوب والذكريات الجزء الأول ص 14.


الله الله لا فض فوك يااستاذ ....هذا هو بيت القصيد ،لو تبصر البطل هذا الفهم لما كتب ماكتب....
فشكراً لكما الزناتي والسمؤال....

Post: #92
Title: Re: غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل
Author: حسن محمود
Date: 06-22-2010, 09:01 PM
Parent: #91

أحاديث الأدب والسياسة -3-
... بقلم: السموأل أبوسن
الثلاثاء, 22 يونيو 2010 15:33

هوامل البطل وشوامل الكتابة



كتبتُ في ردي على مقالة الكاتب مصطفى البطل "أحاديث الأدب وقلة الأدب"، حول الراحل علي أبوسن وكتاب "المجذوب والذكريات"، أن البطل قد خلع لباس الكاتب الموضوعي ولبس رداء العداء الشخصي للراحل علي أبوسن. وربطتُ ذلك بما بدا من دوافع غير أمينة أشرنا إليها في المقال، تضافرت مع دافعه الخاص. وفي رده اللاحق لم يستطع الرجل أن يخفي ما أشرنا إليه من مواجيده الشخصية التي طغت سحابتها على جل تناوله لكاتب "المجذوب والذكريات". وحين كشفنا عري بيانه وسوء مقاصده سعى جاهداً لجرجرتنا في حبائل مطاولاته ومرمى شتائمه وأوصافه المتهكمة، وكأنما جئناه في غارة. لم يقف عند ذلك بل أنعم علينا بإتهامه الجاهز بأنا أسرى نظريات التفسير التآمري للتاريخ وأن ذلك أمر يجري مجرى الدم في جيناتنا! فوا عجباً لمن يذبحك علانية ثم ينكر عليك الرد وإلا فأنك من المسكونين بنظرية المؤامرة!

وقلنا أن البطل مستغرق في بركة النقد الأخلاقي الزائف، وأنه يتخذ أحكام القيمة الأخلاقية معايير يصدر بها أحكامه دون منهج ولا تبصر، فلا أحبط زعمنا، ولا رد قولنا بالحجة. بل طفق يستعرض وفق نهج يعرفه أشقاؤنا في مصر بـ "فرش الملاية"، في الهتر الذي يوسمنا به، بأن درب تقريعه على ترخصه في الكلام محفوف بالمكاره، وأرهبنا بمضاربه وساحات نزاله. وتلك مفردات تكشف للقارئ حقيقة استبطان بطل البيان لفكرة الاختلاف. لكننا لن نجاري البطل في شهوة الكتابة المتشفية لأن ليس ثمة ثأر أو غل لنا معه. وسيكون حادي دربنا في تقصِّيهِ الصبر، وتدبيرنا في تناوله سيكون جدُّ متئد لكشف خبث المسعى والغرض فيما يكتب وما يثير من عفرٍ مما سيجتلي القارئ مكامنه الحقيقية وأسبابه أيما إجتلاء.

جَرَّد البطل في الرد علينا حملة! وأنعم علينا من تهكمه ما جعل كل نقدنا لمقاربته مذكرات علي أبوسن، محض هتر! أما أبوسن (الكبير، المتبطر) حسب البطل، فقد كان جل مخرجات (كاتب عموم السودان) من كتابه أنه صادر عن نفس موتورة ومقهورة، ولا ندري كيف يمارس البطر من كان مقهور النفس موتورها، ولكن ما ترانا فاعلون؟! فـفي غياب المنهجية والرويِّة في الكتابة يكون كل شئ جائز. لكن هذا شئ وما جاء في تلافيف رد البطل على المقال المذكور والانفعال الذي ظهر به شئ آخر، فتح لي باباً كبيراً من التساؤل والحيرة في مقدار الثقة بالنفس التي يتمتع بها من آنس في نفسه الفراسة اللازمة لإستفتاح مقالاته بعناوين إستفزازية من شاكلة قلة الأدب، ثم ما يلبث أن ينهار ويتوعد ويتدفق غضباً عند أول رد يساءل ماكتب ويمحص دوافعه وأسبابه في تحوير المعاني وإنتزاع النصوص من السياقات.

يقول البطل: "والحق أنني لم أرَ كتاب الراحل أبو سن بعيني رأسي، ولم أطّلع على سطرٍ واحد منه، إلا عندما تسلمته من دائرة البريد الشهر الماضي، ولكنني كنت مطلعاً قبلها من مصدر ثانوي على عبارة المجذوب في شأن البروفيسور مكي شبيكة. وعندما خطر لي أن أوظّف تلك العبارة في مقالي المشار اليه بعثتُ بها الى أستاذنا الدكتور النور حمد - المحاضر بجامعة قطر - الذي أكد لي سلامة العبارة وصحة نسبتها، وقام عني مشكوراً بمهمة توثيق ما أردت الاستشهاد به وفقاً للأصول العلمية لتدوين المصادر، حيث انه يحوز نسخةً من الكتاب. والنور،إن لم تكن تعلم، من الثقات". إنتهى الإقتباس.

لقد قلت في معرض نقدي لمقال (الكاتب الكبير): " يوحي البطل للقارئ بأنه يطلع للمرة الأولى على هذا الكتاب". وقلت: "وهذا إيحاء مضلل وينطوي على كثير من التدليس وعدم الأمانة". ومازلت عند رأيي لأنه أوحي بالفعل للقراء بأنه قرأ الكتاب. وكان الأحرى بالبطل، طالما قرر أن يعلن حربه على الكتاب وصاحبه، أن يحتاط ويتزود بشروط الكتابة المسئولة حتى يأمن هتر أمثالي من المهاترين. وكان يتوجب عليه أن يشير إلى طبيعة اقتباسه الـ Overseas من الكتاب في نفس متن مقاله وهذا من أمانة النقل. فلا تثريب أن تأخذ المعلومة بطريقة ما وتوظفها ولكن يكتمل التوثيق بشرح كيفية النقل بدلاً عن هذا التبرير الفطير، والاستدراك المتأخر والاحتماء بموثوقية النقل عن الدكتور النور حمد. ولكن يبدو أن البطل لا يرضى أن يقول عنه القراء انه لم يقرأ الكتاب فذاك في عرفه كُفر! وكبر مقتاً عنده. خلاصة القول، آمل ألا يزايد البطل على هذه المسألة والأسلم له إقراره بقصوره فيها.

وربما يكون بعض "هترنا" هنا مما سيفيد منه البطل مستقبلاً سيما وأننا سنوشحه له بفريدة من فرائد أبي حيان التوحيدي حيث قال محذراً من التسرع والارتجال:" من يرد عليه كتابك فليس يعلم أسرعت فيه أم أبطأت، وإنما ينظر أصبت فيه أم أخطأت، أحسنت فيه أم أسأت. بإبطائك غير مضيع إصابتك، كما أن إسراعك غير معفٍ على غلطتك". فتمهل أيها البطلُ!

ثم لابد لنا قبل أن نغادر هذه المسألة، أن نسأل بطل القراءة عابرة الأسطر والتعميمات المخلة، ليرينا أين بهتناه وادعينا إشادته بالكتاب؟ يقول البطل: " وأنا لا أعلم من أين أتى السموأل بهذا الفهم العجيب فأخذ يبهتني، ويا له من بهتان، لمجرد أنني أوردتُ نصاً وقَعْتُ عليه في مصدر ثانوي، فيردد على الملأ، ويشيع بين الخلق أنني أشَدْتُ بعمّه وزكيت كتابه قبل عشرة أشهر، ثم نكصتُ على عقبي بعد ذلك ائتماراً بأوامر "المتضررين"!

يا للهول من سوء النقل، وغلظة التقول، لقد كتبت بالحرف الواحد:" فما الذي يجعل البطل يقرأ كتاب «المجذوب والذكريات» ويفيد منه بما يؤكد أهمية إيراد آراء الراحل العبقري محمد المهدي المجذوب في شأننا العام، دون أن يرى «قلة الأدب» تلك، ودون أن يشير إلى أن ثمة بالكتاب ما يخدش الحياء أو يؤذي الصديق، ثم يمر على ذلك ما يقارب العام سوّد فيه البطل الصحف (حقيقة لا مجازاً) بمقالات راتبة، سطر فيها ما سطر وكتب فيها ما كتب دون أن يكتب حرفاً واحداً عن الكتاب أو كاتبه. فما الذي جدّ، أو بالأحرى ما الذي قلّ؟ هل قلّ الأدب أم قلّت الحيلة؟"

فأين بهتّ البطل وأين أشَعْت بين الخلق إشادته بكاتب الذكريات؟ وهل قولنا أنه أفاد من الكتاب يعني أنه أشاد به؟ أليس هذا أنموذج آخر ساطع للّفح وللكلام المجاني والإطلاق غير المؤسس؟؟

غير أنني سأعمل جهدي على ألا يخرجني ذلك كله من الإطار الذي أتناول فيه مبحث كاتب الإثارة، عن كتاب "المجذوب والذكريات". فمبحثي ليس الرد على كل ما يكتبه عن الكتاب، فذلك أمر لا يجمُل بي إدعاؤه ولا ينبغي. وليس هو من معاني الإعتداد بالحرية كقيمة إنسانية أصيلة، ولا من مبدئية الإلتزام بإحترام الرأي الآخر والإختلاف في شئ. لكن وكما أسلفت في مقاليّ السابقين، أن البطل مغرض، وقد أثبت ذلك بحديثي عن إشاراته وتكراره لما سبق إثارته عن خلافات ومعارك علي أبوسن مع آخرين. ثم ما لبث الرجل، وكنت أحسبه أطول نفساً وأكثر عمقاً، أن سقط في أول رد له في شِباك غرضه منكشفاً على الملأ وهو "يعرض" بسيف "المنصور"، أو كما يسمي الدكتور منصور خالد، ويتباهى كيف أن الأخير كان كابوساً أفسد حياة الراحل علي أبوسن وقهر تطلعاته في أن يكون وكيل وزارة!! وتلك لعمري من المضحكات المبكيات مما سأعود له لاحقاً في هذا المقال.

أعود لأقول، حين وضعت البطل في موضع الواقع في أسر النقد الأخلاقي فإنما أردت أن أشير إلى الخلل في تناوله لكتاب "المجذوب والذكريات" رغم أنه يتذكر أن هناك كتابة اسمها المذكرات وأن لها أصول. وأردت أن أبيِّن انعدام الاتساق في ما يكتب رغم ولعه الظاهري بالزخرف الإنشائي. وهذا جميعه من المحاذير التي ينبغي أن يتدبرها من اتخذ الكتابة باباً من أبواب الرزق رأفة بخلق الله القراء ممن أحسن الظن بالكاتب. فاعوجاج المنهج بل انعدامه لم نشتُم به البطل بل وصفناه به! ولكن الرجل حفيٌّ بالمغالطة وفيه صلف غريب ومزايدة على البديهيات ما فتئت تثير دهشتنا.

ثم أننا ما دعونا البطل للمواصلة في موضوعه عن المذكرات إلا لتبيان ضعف حساسيته في مقاربة التجلي الإنساني للمؤلف ولحظات مكاشفته مع ذاته ومع الآخرين في مواضع عديدة من الكتاب. ولتبيان قصوره عن وضع ذلك في موضع المعرفة أو السؤال المنتج للمعرفة. وأيضا ما لمسناه من قصور واضح في تناول الأبعاد الفلسفية والوجودية الشائكة التي ينطلق منها المؤلف في كتابته عن حياته وعلاقته بمن وما حوله وهي مواقف عديدة حرَّض عليها المؤلف قارئه، وكانت جديرة بالتأمل. والقراءة التي تستنطق النصوص هي مما يتوقعه القارئ ممن يتصدى للكتابة عن المذكرات، وإلا فالكل قادر على الكتابة.

وقلنا أن البطل ما في جعبته أكثر من مواصلة التخبط في فهمه الملتبس للأخلاقي واللا أخلاقي وها هو يؤكد قولنا مواصلاً تمدده ومقتاتاً لتخريجاته الشائهة ومزاعمه وتأويلاته من كتاب أبوسن نفسه حتى لم يبق للقارئ شيئاً من الكتاب. وكاتبنا المحترم في قراءته السالبة إنما يعيد صوغ أفكار الكتاب إعمالاً لرغباته هو، لا استشرافا لمرامي المؤلف ولو من باب الإشارة، رغم أن ذلك مما تمليه عليه الأمانة. وفي تشريحه الدعائي لنصوص الكتاب يتوسل للقارئ باستثارة عواطفه الدينية وموجبات "الفزعة" الأخلاقية، حين يرمي أبوسن بتهم من شاكلة نبش قبور الموتى، ولوك أكبادهم، وبئس البهتان. ليس هذا من استقامة التفكير ولا من أمانة المثقف في شئ. فهل جنينا على البطل في شئ إن قلنا وأكد لنا يراعه، أنه يحكي بعض ما خلفته تركة الجدب والخواء الثقافي؟

وبرغم أن مصطفى البطل كاتب راتب، إلا انه يغفل أو يتغافل مرة أخرى مغزى استشهادنا بحديث أبوسن عن الوضعية الحالية للمجتمعات العربية. وهذا أمر لا يجادل فيه إلا من تخذ المغالطة والمزايدة على البديهيات ديناً. فمجتمعاتنا برغم تطورها التكنولوجي اليوم هي أكثر إنغلاقاً والتعصب الديني والعرقي وحتى السياسي وصل حداً لم يبلغه في الفترة التي عاصرها المجذوب. وحين إستشهدنا بالحجْب المقصود الذي تم لمجموعة من المؤلفات الفكرية ذات القيمة العلمية والفلسفية العالية، ماكان لنا غرض غير أن نعضد زعمنا، وهذا جزء هام من إتساق المنهج في الكتابة يعجم عودهها ويلجمها من الترهل وتبعثر المعنى. كان هدفنا الإشارة إلى توقعات كاتب الذكريات لمثل هذا الخطل في تناول الكتاب وفق عقلية المصادرة والتحريم، وهو عين ما يمارسه الآن البطل المتلبس برداء اللبرالية. ولم يكن في ذهننا أن نقارن بين هذا وذاك رغم يقيننا ألا شئ يمنعنا من المقارنة. فلا ينقص الإنسان إلا ضعف ثقته بنفسه، أو إحساسه الداخلي بضآلته أمام الآخرين بما يجعله يحجم عن مجرد مقارنته بالعظماء. لقد خيب أملي البطل بتناوله البروباغاندي "العادي" للكتاب وبكسله في إستنطاق مافيه، وبخيانته لدور المثقف ومداهنته أرباب "محنة" النقد الأخلاقي.

ثم أعود لما أشرت إليه في مبتدر استعراضي لمَوْجدة البطل المحيرة تجاه أبوسن، من أمر خلاف الدكتور منصور خالد مع الراحل. وهو أمر لا يعنيني إلا بالقدر الذي أحتاجه لدحض غرض البطل، وخبث مقصده. وذلك حتى لا ينحرف مسار الموضوع إلى مراتع القيل والقال والجدل غير المنتج والتعاظل الممل. فالمعروف في أوساط الدبلوماسيين السودانيين الذين عاصروا الراحل أبوسن والدكتور منصور خالد في وزارة الخارجية أن الرجلين كانا على خلاف كبير كان سببه وفق شهادات عديدة، مجاهرة أبوسن برفض الأسلوب الذي كان يدير به الدكتور منصور خالد وزارة الخارجية إبان تسنمه لها في أوج العهد المايوي البائد. وهو خلاف بغير ما حاول البطل تضليل القارئ بتحجيم دور أبوسن فيه، كان محورياً وكانت له أصداءه داخل وزارة الخارجية وخارجها. لقد حدثني البعض عن ذلك حديث مشافهة لن آخذ به كثيرا لأني شديد الحرص على موثوق الكلام مع البطل في مقابل مجانيته المفرطة وهوامله المرسله.

كتب الدكتور أحمد محمد البدوي، الذي أحسب أن البطل يعرفه حق المعرفة، كتابة مجردة من نفاق التقييم الأخلاقي حول صراع الراحل أبوسن و(المنصور) في سياق مقالة سطرها في رثاء أبوسن: "بيد أن هذه الأرستقراطية على الصعيدين: الاجتماعي والثقافي, لاتكتمل صورتها إلا بذكر الفروسية, ففي معمعة ثورة أكتوبر السودانية 1964, كان الدبلوماسي الوحيد الذي شارك فيها,متصدرا المواكب الزاحفة كأمواج النيل الهادرة الزاعقة! بقية الدبلوماسيين لاذوا بمكاتبهم, وأداروا للهبة ظهورهم خوفا وتقية وربما تأففا من مشاركة العامة والدهماء والرجرجة! وكان مشاركا في انتفاضة 1985 ضد النميري, في الشارع مع الطلاب و"الشماشة". وكان سبب إبعاده من وزارة الخارجية هو إقدامه على نقد الوزارة ووزيرها علانية أمام الوزير وفي اجتماع ترأسه رئيس الجمهورية. قد يدل ذلك على استقلالية في الرأي, وعلى نزعة من نزعات التحدي مركوزة في النفس, ولكنها في النهاية الأمر, مزية التمرد التي لا تكتمل إلا بالفروسية : فروسية العقل والوجدان. وفي حين لم يعد الناس يذكرون من : الحردلو إلا شاعريته الباهرة الدالة على بداوته, فإن علي أبو سن اشتهر بحداثته, ومظهره الارستقراطي المدني, الذي يكمن وراءه " شيخ عرب", بدوي حافظ متون, رحمه الله. وحياه الغمام".

والمواجهة لمعلومية البطل عادة قديمة متأصلة في شخصية أبوسن لا شك أنها أفسدت عليه الكثير من فرص المناصب ونعميها!! فلم يكن "المنصور" مبتدأها وما كان منتهاها. فقد وسمت خصلة (الشقاء) تلك كل حياته، وعمقت في نفسه إيثار الوحدة على النفاق فندر أصدقاؤه وقل أصفياؤه، ولا ريب أن أمضى بقية حياته مستمسكاً بمبدئيته وروحه الصلبة التي لم يخسرها قط، مضى ولسان حاله يردد رائعة سيناترا My Way. ترك أبوسن منصبه في الخارجية مثلما ترك غيره من مناصب أكثر رفعة حين وجد نفسه في خيارات لم يفضل أحلاها المر.

ماذا ترانا فاعلون، مع البطل؟ فهو في حر إحتفائه بـ"المنصور" أو كما يسمي الدكتور منصور خالد، أساء للرجل من حيث لا يدري إذ وضعه في موضع لن يستأنس به بذكائه ونظره البعيد. فـ"المنصور" بذل الكثير من الحبر والمواقف الكثير كي يحافظ على صورته كمفكر وشخصية سياسية متوازنة قبل أن يقدمه البطل، في مظهر فتوة وبلطجي وزارة الخارجية الذي نذر نفسه للإطاحة بـ (آمال وأحلام) الشقي أبوسن الذي أورده تمرده وحظه العاثر موارد الهلاك تلك في حجر المنصور الأسود كما أسماه البطل! على أنني أعيب على البطل أن ضنَّ على أبوسن حتى ببراحة الحلم فأودع خلاصة آماله في (وكيل وزارة) أو (أمين أمانه) وكان من الأكرم أن ينعم على الرجل وقد فارق الفانية بطموح الوزارة نفسها لا وكالتها؟ لكن البطل لم يكتف بذلك بل أرانا كيف أن المنصور الذي يصوره البطل كمتعهد تحطيم أحلام، كان بالمرصاد لابوسن حتى في حلم وكيل الوزارة أو أمين الأمانة فأراه فيه بأسه ومكر تدبيره! ونحن في تأملنا لهذه الحالة من الكتابة المتشفية، لو خُيِّرنا في وضع عنوان لمقاربة البطل "كتاب المجذوب والذكريات" لأسميناها "الدر المنثور في التمسح بحجر المنصور".

ثم أن حديث البطل المتكرر عن نرجسية أبوسن التي ربطها ربطاً بحديثه عن أصله، أورثني حالة من الهم والإشفاق، مما ينم عن إحساس بالدونية والنقص يتلبسه ولا أجد له في قرارة نفسي سبباً، حتى أنه وصل حداً يدهش القارئ حين يتقول على أبوسن، فيقول:" ومن أقوى الملامح بروزاً في شخصية الرجل، كما تعكس المذكرات، النرجسية المفرطة وحب الذات والاعتزاز بالنسب الرفيع، وهو أمرٌ يقترن عنده بتحقير الآخرين والزراية بهم بقرينة أصولهم ال########ة المفترضة". ولا تدري نفسٌ لم يحس البطل بأن إعتزاز أبوسن بأصله هو خصم على أصل البطل أوغيره، وزراية بما يفترض أنه وضاعة أصله أو أصل غيره؟! ثم أن البطل لم يوضح أين حقّر علي أبوسن أصول الآخرين أو وصفها بالوضاعة. لم نخطئ مرة أخرى حينما وصفنا كلام الرجل بالاستسهال، وآمل ألا نضطر للتعديل والتصحيف في هذه الكلمة مستقبلاً. لكني لن أندهش هذه المرة من سوء القراءة وسوء الطوية معاً!

وأخيراً فإن البطل الذي يعيب على أبوسن ويأخذ عليه مساسه بالآخرين في مذكراته، يبدو شديد المعرفة بأهمية أن تكون المذكرات خالصة بدون تذويق وتحسين. ويبدو عميق الإحساس بأهمية صدق المشاعر فيها، فها هو يقول في معرض تناوله كاتب مذكرات آخر: "وقد وصف صاحبنا رئيس وزراء الإنتفاضة بأوصاف ثقيلة بعض الشئ. ولا جناح عليه (..). فإذا لجأ كاتب المذكرات الى تغبيش المشاعر وتلوينها، وتذويق الإنطباعات وتحسينها، فقدت المذكرات قيمتها وأصبحت من مزجاة بضائع العلاقات العامة".

فما باله ينكر على أبوسن أن يكتب مشاعره دون أن يلونها، وأن يسطر انطباعاته دون أن يحسنها؟ و ما باله يريد له أن ينزع من مذكراته قيمتها ويجعلها "من مزجاة بضائع العلاقات العامة"؟ لا يجد البطل غضاضة أبداً في إدانة أبوسن وأخذه كل مأخذ لأنه كتب مذكراته وشملت إنطباعاته عن العالمين. فهل بهتنا البطل حينما وصفنا سفره بانعدام المنهج والتقصد؟

لقد منّيت نفسي بكتابة مسئولة تحملني مسئولية الرد المضني عليها، لكن وا أسفاه على تهالك البنيان رغم غزارة اللفظ و تقعر المفردة! تُرى، هل ثمة إضافة لدى البطل تؤكد مسئوليته ككاتب تجاه قارئه، بعد أن أراح "المتضررين"؟ أم تراه قد حزم أمره للمواصلة في تشويه سيرة الراحل علي أبوسن وكتابه، وليستشهد عليه بما كتبه بنفسه وبذله في كتابه للناس، ليحشو به مقالاته القادمة وبئس المسعى؟

Post: #93
Title: Re: غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل
Author: Omayma Alfargony
Date: 06-22-2010, 09:54 PM
Parent: #92

* * * * *

Well done Samau'al

Post: #94
Title: Re: غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل
Author: زهير الزناتي
Date: 06-24-2010, 06:36 PM

شكراً لكل من مر بهذا البوست والشكر للأخ حسن محمود علي إيراده للمقالات

أعتقد أن البطل رغم أسلوبه الجميل إلا إنه يكتب متوتراً وهذا يؤثر علي بعض من موضوعيته وهو الذي بدأ بالهجوم الكاسح ... عكس السموأل الذي يكتب مرتاحاً رغم إنه في موقف الدفاع عن عمه الراحل ....

Post: #95
Title: Re: غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل
Author: عبد الصمد محمد
Date: 06-24-2010, 10:39 PM
Parent: #94

ياتري هل يشارك منصور خالد في هذا الحوار بشكل أو بآخر أم أنه لا يهمه؟

Post: #96
Title: Re: غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل
Author: عبد الصمد محمد
Date: 06-24-2010, 10:39 PM
Parent: #94

ياتري هل يشارك منصور خالد في هذا الحوار بشكل أو بآخر أم أنه لا يهمه؟

Post: #97
Title: Re: غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل
Author: mutwakil toum
Date: 06-25-2010, 06:30 PM
Parent: #96

;

Post: #98
Title: Re: غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل
Author: حسن محمود
Date: 06-26-2010, 07:16 AM
Parent: #97

Quote: أعتقد أن البطل رغم أسلوبه الجميل إلا إنه يكتب متوتراً وهذا يؤثر علي بعض من موضوعيته وهو الذي بدأ بالهجوم الكاسح ... عكس السموأل الذي يكتب مرتاحاً رغم إنه في موقف الدفاع عن عمه الراحل ....


اخ زهير ..
السموأل ابوسن كاتب متمكن وما في لك شك واتفق معك ان اسلوبه
هادي ومرتاح مقارنة مع مصطفى البطل والذي ذ كر انه حاول ملك عنان نفسه
ومسك غضبه في محاولته الرد على السموأل، وقد كان البطل موضوعيا و مقنعا
في ردوده .
. ولكن الا تتفق معي ان السموإل لم يكن موفقا في اختيار عنوان هادي
او مناسب لمقالته الاولى في الرد على البطل..
فالعنوان ينضح عداء واستعلاء ..ولا يليق ابدا معناه بكاتب كبير
ومقتدر في مكانة مصطفى البطل ؟

Post: #99
Title: Re: غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل
Author: mutwakil toum
Date: 06-26-2010, 01:38 PM
Parent: #98

هل نشر البطل مقاله الاخير قبل قراءة مقال السموال؟ إذ أنه لا يعقل أن يكون قرأ المقال وواصل الكتابة عن المنصور بهذا النهج التمجيدي:
فكيف يمد كاتب كالبطل عنقه بهذه السهولة لسيف مخالفه؟:
على البطل أن يجد مخارجة من هذا المطب الذي غمس نفسه فيه

Post: #100
Title: Re: غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل
Author: عصام دهب
Date: 06-26-2010, 02:39 PM
Parent: #99

هو أخي و صديقي و زميلي و برلومي سمؤال أبو سن كما عهدته ..

لم أسمعه يوماً متحدثاً إلا بالحق و منافحاً عنه ..

و حيثما يكون الحق يكون ..

وفيت و كفيت يا الدخري ..

Post: #101
Title: Re: غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل
Author: زهير الزناتي
Date: 07-15-2010, 04:22 PM
Parent: #100

نعود مرة أخري لنشر المقالات وعذراً للغياب القسري

Post: #102
Title: Re: غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل
Author: زهير الزناتي
Date: 07-15-2010, 04:31 PM
Parent: #101

السموأل أبو سن (4)
Quote: مدخل أول



" إنني أقف في يد الله العظمى، ومن هناك أصارع خطة مكتومة ملؤها الحقد والخيانة"

بانكو في مسرحية "ماكبث"



كنت قد توصلت في قرارة نفسي إلى ضرورة الكف عن الإسترسال في ملاحقة الكتابات الموتورة للكاتب مصطفى البطل وتدليسه المستمر على القارئ، وشغفه العجيب بتلوين الوقائع وتحريفها بعد أن بيّنا ماهية بواعثه في نقد كتاب "المجذوب والذكريات" والتشنيع بكاتبه. والواقع إن الكاتب مصطفى البطل لم يجشمنا الكثير من العبء في إثبات صحة ما أوردنا، فقد تبرع بإكمال الباقي من كونه غارق حتى إذنيه في "خطة مكتومة ملؤها الحقد والخيانة" لاغتيال شخصية الراحل علي أبوسن تحت ذريعة نقد مذكراته. ولحسن الحظ كان البطل قد نشر مقاله في اليوم التالي لنشر مقالنا الذي أمطنا فيه اللثام عن دوره الصغير في اللعبة الكبيرة، فلم يتسنَّ له نفي شئ مما ذكرنا بل أكده بخط يده بما لم يتطلب منا مزيداً التوضيحات. وكنت أجدني مستعيناً بحقيقة أن الكتاب قد صدر بالفعل وبُذل للناس. ومدركاً أن من يبحث عن حقائق الأشياء في مكامنها لا في تخريجات كتاب العلاقات العامة لن يلبث أن يستوعب أي نوع من العبث يمارسه البطل الآن في تشويه صورة الراحل علي أبوسن. وأن من يسعى في هذا الأمر إلى نهاياته، سيرى حقيقة ما كان من أمر الكاتب مصطفى البطل وغلوه المفضوح في التعريض بالكتاب وكاتبه، وفي أشاعة كثير من زبد الأقاويل حوله عبر الجدل الدعائي.

والجدل الدعائي Ad hominem argument هو مبحث يعرفه المتخصصون في آليات إغتيال الشخصية. إذ يقوم على عنصرين لم أجد في حياتي مثالاً أصدق تعبيراً عنهما كما رأيته في أراجيف البطل. وأول هذين العنصرين هو مهاجمة موضوع الكاتب- وهو هنا كتاب "المجذوب والذكريات"، بتلفاق لا يواجه ما أبرزه من حقائق ووقائع في مؤلفه أو موضوعه ويشمل ذلك مهاجمة الكاتب أو المؤلف أو المستهدف في شخصه بتسليبه من كل مزيه، ورميه بكل الموبقات والوان البهتان. ثم تأتي المرحلة الثانية من مراحل هذا الجدل، وتتمثل في إتخاذ نفس الهجوم والتهم التي سيقت ضده من نفس الجهة في أول الأمر، كأدلة على إدانته وذلك بلا شك أسطع فنون الشر الإنساني وأغباها في نفس الوقت.

ومن المفارقات اللغوية البديعة في الأمر إن الجدل الدعائي نفسه تطلق عليه كلمة أخرى هي كلمة Fallacy، وينطقها اللسان (فـَلَسِي)، لتشابه الكلمة العربية المرتبطة بالفلس معناً ونطقاً. وهكذا يكون الجدل الدعائي، والإفلاس والفلس، جميعها عملة واحدة، في مفارقة لغوية وبلاغية طريفة، تقودنا إلى واحد من أميز تجار تلك العملة، الكاتب مصطفى البطل.

المهم أنني كنت قد حزمت أمري على التوقف عن متابعة إفتراءات البطل، مراهناً على القارئ الذي تهمه الحقائق لا الإثارة. وعلى المثقف الذي يتجاوز زخرف الإنشاء والصياغات الدرامية، ويقصد إلى المعاني الحقيقية، المباشرة والدلالية، في ما صاغه مؤلف "المجذوب والذكريات" في سفره الغني الهام. وقد سرّني أن هذا بلا ريب سيخفف كثيراً من عنت القراءة المعيبة التي يعملها البطل تحريفاً للوقائع التي سردها مؤلف الكتاب، وتزويراً لأحداثه وتشويهاً متعمداً لكاتبه.

لكن ما دفعني للعودة مرة أخرى لتناول مقالات البطل المعيبة في حق المذكرات، هو المنحى الجديد الذي حاول أن يدخل فيه الكاتب بعد أن أفسدنا حيثيته الأولى وبارت كل بوار إلا من امتياز الإثارة، وبعدما تكشف للجميع أن البطل ليس أكثر من مجرد نموذج آخر للكاتب، "جُنُب القلب طاهر الأطراف"، يظهر خلاف ما يبطن، ويمارس ضرباً مقيتاً من ضروب التقوّل والبهتان، ويداري على ذلك بإمعانه في الحذلقة والإدعاء فيصف دوافعه للكتابة عن المذكرات بأنها من موجبات الدفاع عن التاريخ ضد التزوير!

وأصدق القارئ إنني من هول ما رأيت من تجانف البطل عن الحق، وحمله وتحامله على المذكرات، في مسكعته التي أسماها "أحاديث الأدب وقلة الأدب"، حتى حسبته يكتب عن أمر آخر غير كتاب "المجذوب والذكريات". وأصدقه أنني أعدت كرّاتي في قراءة الكتاب وتقليب صفحاته الممتعة التي تحكي عن تجربة ثرية لسوداني نادر، هو كاتب مقتدر، تميز كتاباته الدقة وحس التشويق والصياغات الممتعة. ويتوفر على قدر مهول من المعلومات التي تعبر عن ذاكرة غنية راصدة فاحصة. وأمضيت وقتاً طويلاً في إعادة قراءة أجزاء مختلفة منه، وكنت في خلال ذلك أحاول إعمال القراءة العكسية في أكثر تأويلاتها تطرفا فلم أجد سبباً لهذا الفحش من البطل. وعلى أية حال أتاح لي كل هذا العنت فرصة إعادة إكتشاف ما في الكتاب من إشراقات مما لفت نظري له البطل، ومعلومات ثرة، مما سأعود للكتابة عنه لاحقاً عساى أجلي بعض التشويش والعبث الذي أعمله فيه كاتب الإثارة.

يتميز كتاب "المجذوب والذكريات" بأنه قارب حياتنا وتجاربنا وإختلافاتنا وتنوعنا، ونجاحاتنا وخيباتنا من منظور إنساني شامل دون أن يغفل التكوين النفسي والوجداني لكاتبه وخلفيته الثقافية التي شكلها تكوينه السوداني وتجارب حياته الغنية. وبذلك إستطاع الكاتب ان يطرح بلغة الضاد كتاباً سودانياً تجاوز حواجز التابوهات ومقتضيات مصانعة المسئولين والمتنفذين. نعم أغضب الكتاب البعض وهذا شئ طبيعي، إذ لا يتصور أن يكتب شخص مذكراته وتشمل الرضا عن الجميع إلا إذا كنا في صدد المجاملات التي يجب أن تكون آخر ما يخطر ببال كاتب المذكرات. والمحك هو أن الكاتب إلتزم الصدق منهجاً في كتابه مثلما إنتهجه في حياته الملأى بالعواصف. وليس ثمة برهان على ذلك أقوى من كونه قد عاش أكثر من سبع سنوات بعد صدور كتابه لم نسمع فيها من ذهب إلى تكذيبه على تعدد المنابر التي لا تحصى ولا تعد، ولم تظهر مثل هذه الإدعاءات إلا بعد وفاة الرجل.

ورغم ما يبدو في ظاهر الأمر من أن الكتاب قد طغت عليه طبيعة تكوين الكاتب وأسلوبه الذي يميل في أحيان كثيرة إلى أنماط الحياة الغربية، إلا أننا في مواطن عديدة منه نجدنا أمام شخص شديد الإرتباط بمجتمعه، وتقاليده القبلية، ونظم مجتمعه. وهنا في تقديري تكمن إجابة أكثر الأسئلة إستفزازاً في مقاربة الكتاب! وهو كيف لاقح المؤلف بين هذه العناصر التي تبدو في ظاهرها شديدة التباين، فإنتظمت في قوام واحد لتشكل شخصية المؤلف؟ وفي هذه الجزئية في تقديري يكمن مفتاح الدخول إلى الحالة الذهنية والتكوين النفسي لكاتب سفر الذكريات بما يتيح أمام المحلل فرص الولوج إلى ما إستعصى عليه تحليله وتأويله مما جاء في دفق الذكريات.

يتناول الكتاب الذي تمحور حول صداقة الكاتب علي أبوسن بالشاعر العملاق محمد المهدي المجذوب، عوالماً متكاملة لابد أن القارئ لن يجد لها رابطاً لو أنها طرحت له خارج سياقه. ففي خيط واحدٍ جزل، إنطلق الكاتب لينسج منظومة سردية متصلة. ووصف وأسهب في وصف مقاطع من شريط حياته المحتشدة بالأحداث والمفاجآت والمواقف. لم يرتبط الكاتب في هذا بجغرافيا السودان أو ديمغرافياه، وإنما إنطلق ككائن عالمي إحتك مع محيطه العربي والأفريقي والاوروبي. فكتب عن مراحل حساسة من حياة أناس لعبوا أدواراً تاريخية في بلادهم. عن جيل ما بعد الإستقلال في العالم العربي، وعن حقبة مصر عبد الناصر وبومدين، والتاريخ غير المرئي لعلاقات السلطة في مصر، وكتب عن الصراع الذي وسم تلك الفترة ليس في ميادين المعارك فحسب بل وفي ساحات الفكر في عواصم العالم القاصية. وتناول الكتاب من رموزنا الثقافية والوطنية فشرح وأسهب وتغنى وأطنب، وقرظ وقرع. والقارئ في كل ذلك لكأنما يحس تدفق نفس الكاتب فوق صفحات الكتاب التي تعلو به فيها الأحداث وتهبط في سجال لا يسمح له بالتوقف ولو للحظة. وقد أجاد الناقد الراحل الكبير رجاء النقاش حين وصف أسلوب كتابة الكتاب بانها ضرب من ضروب التداعي الحر في الكتابة.

إسترجع الكتاب الكثير من المواقف المرحة، والمدهشة، والمخيبة والمحزنه مع طائفة كبيرة ممن ساهموا بدرجات مختلفة في رسم واقعنا الراهن. ومن ضمن من تناولهم الكاتب في مواقف بعضها عابر وبعضها متكرر، جمال محمد أحمد، ومحمد عبد الحي، ومحمد أحمد محجوب، ومالك بن نبي، ووليم دينق، والطيب صالح، وسعيد الكرمي، وأحمد خير. كتب المؤلف عن كل هؤلاء وعن مواقف إنسانية عاشها معهم. هي قطعاً مما لا يمكن أن يجده القارئ في أي مكان آخر، بعض تلك المواقف حزين، وبعضها مثير، وبعضها غاية في الطرافة وذلك كله هو من التاريخ الخفي لمجتمعاتنا. وقد كان المؤلف في كل هذه التجارب، مشاركاً فاعلاً مؤثراً وناجحاً.

أما بخصوص ما اعتبرته في تقديري من عيوب الكتاب ومثالبه، وهي أمور لا يخلو منها كتاب، فقد تذكرت كيف كانت مثار نقاشات طويلة وحافلة بيني وبين الراحل أعدت فيها إكتشافي له، وإطلعت على جوانب مدهشة في شخصيته بالغة النظام والتعقيد. وإستشفيت فلسفته في أسلوب كتابته للكتاب وألممت بنظرته ومراميه البعيدة ومقاصده مما وصفته أنا كعيوب في الكتاب. كان ناجحاً محباً ويحترم الناجحين. وكان يقارب كل الأمور في حياته من منظار فلسفي واسع حاديه التريث والتفكير المتئد قبل أن النطق بالكلام أياً كان موضوعه.



الخطل في تخريجات البطل



باغتُّ نفسي، وأنا أستعيد هذه الإنطباعات والصور; قائلاً، ربما كانت قراءتي هي قراءة عين الرضا التي هي عن كل عيب كليلة، وأنني أنظر للأمور بحكم علاقتي بالراحل، نظرة تعميني عن حقيقة الأمر، فقلبت حولي، وإعدت قراءة ما كتبه آخرون عن الكتاب. نفس الكتاب الذي عاث فيه البطل المفتقر ليس فقط إلى الحساسية الإبداعية، وإنما إلى روح المرح، وأعمل فيه تخريباً كما الثور في مستودع الخزف، هو نفس الكتاب الذي إستقبله آخرون باحتفاء كبير وتقدير أكبر، ومنهم الكاتب الكبير الراحل رجاء النقاش الذي كتب سلسلة من المقالات نشرها في مجلة الوطن العربي غداة صدور الكتاب قال في مبتدرها :" ومنذ أسابيع صدر كتاب جديد في جزءين يبلغان معاً ما يقرب من خمسمائة صفحة، والكتاب عنوانه "المجذوب والذكريات"وله عنوان فرعي طويل آخر هو "أحاديث الأدب والسياسة بين الخرطوم ولندن،والقاهرة وباريس". و الكتاب من تأليف أديب سوداني هو الأستاذ علي أبوسن وهو إنسان مثقف صاحب تجربة واسعة في الأدب والفن والسياسة والدبلوماسية والحياة. وبالرغم من أنني أعرف "علي أبوسن" منذ الستينات وربما قبل ذلك، إلا أنني لم أكن أعرف أن حياته غنية بالأحداث إلى الحد الكبير الذي إكتشفته وأنا أقرأ هذ الكتاب الجديد. فلم أكد أقرأ الصفحات الأولى من الكتاب حتى وجدتني أجري وراء صفحاته الاخرى مثل المسحور حتى إنتهيت من قراته في ليال معدودات. ومصدر المتعة في الكتاب أنه مكتوب بأمانة وصدق. وأنه يكسب "ثقة القارئ" منذ سطوره الأولى، و أنه لا يخفي شيئا ولا يخاف من شئ، ولذلك جاء هذا الكتاب طريفا ومدهشا معا، وأمتزجت فيه الحياة السياسية بالحياة الأدبية و التجارب الشخصية. وإذا كانت خلفية الكتاب سياسية، فإن مضمونه أدبي وإنساني".

ويسترسل النقاش " وكاتبنا علي أبوسن ينتمي إلى قبيلة عريقة في السودان هي قبيلة "الشكرية"، وكان فيها باشوات ومشايخ وأعيان ورجال يهابهم الإنجليز ويحسبون لهم ألف حساب. وقد تعلم في القاهرة و حصل على ليسانس "دار العلوم" في أواخر الخمسينات، ثم سافر إلى لندن وعمل مذيعاً في الإذاعة العربية هنا، حيث كان يعمل أيضاً عدد آخر من الشخصيات البارزه التي أصبح لها بعد ذلك حضور قوي على الساحة الأدبية والفكرية في العالم العربي و على رأس هذه الشخصيات الطيب صالح. وقد لقي "علي أبوسن" في مجتمع لندن نجاحاً عملياً كبيراً، ولقي نجاحاً شخصياً إلى جانب ذلك. فكان شديد الثقة بنفسه، وإستطاع أن يلفت النظر بقوة شخصيته، وبوسامته الرجولية العربية الأفريقية، مما حرك نحوه أكبر المشاعر في نفوس فاتنات المتمع الإنجليزي. وكان ل "علي أبوسن" في هذا المجال تجارب عجيبة كتب عنها في كتابه الجديد بقدر كبير من الصراحة والوضوح. وقد إستطاعت هذه التجارب الشخصية التي كشفها "علي أبوسن" أن توضح أمام القارئ المهتم بأدب الطيب صالح تلك الأجواء التي خرجت منها رواية "موسم الهجرة إلى الشمال" حيث كان بطلها مصطفى سعيد يخوض مغامراته و تجاربه المثيرة مع فتيات إنجلترا وقد أشار الطيب صالح في إحدى مداعباته ذات مرة وهو يتحدث مع الممثلة المصرية ماجدة الخطيب في حضور "علي أبوسن" إلى أن "علي" هو نفسه "مصطفى سعيد" بطل "موسم الهجرة إلى الشمال". وفي الجزء الخاص بالتجارب الإنجليزية من كتاب "علي أبوسن" نتذكر تماماً أجواء رواية "موسم الهجرة إلى الشمال" و نجد إضاءة قوية تكشف أمامنا المادة الإنسانية الأولية لهذه الرواية الفريدة في الأدب العربي، و التي أصبحت الآن ذات شهرة عالمية بعد ترجمتها إلى العديد من اللغات الحية".

وما ذكره النقاش من أمر مصطفى سعيد وغيره، والطريقة التي مر بها على تعليقات الراحل الطيب صالح، هو في حقيقته يعبر تعبيراً دقيقاً عن شمول النظرة، ومنهجية النقد وتأسيس العبارة على أرضية المعرفة المتراكمة لا على الفراغ. هي نظرة يتضح فيها الفرق واضحاً بين القراءة المنتجة للمعرفة، وبين قراءة الخطل التي تقفز قفزاً لمحصلات مرسومة مسبقاً!



الإتحاد الاشتراكي... رمتني بدائها وانسلت!



أقول ما كان ضرنا شئ من قول الرجل الذي تصدى لمهمة الدفاع عن التاريخ، ويا لها من مهمة، لولا أنه إبتدر مهمته (الجليلة) بسيل من الأكاذيب والإفتراءات وبنات خياله (المطاليق) أعادتنا للرد عليه. فقد أسهب الرجل بما يكفي وأعاد نقل وجهات نظرٍ سمعناها وقرأنا عنها، بحذافيرها، بل ولم يتوانى حتى عن نقل عناوين مقالات البعض بكاملها في حربــه تلك ضد أبوسن. لكن ما زاد إشفاقي على الرجل هو ما حاق به من إرتباك وتناقض في وصف علاقة أبوسن بالخارجية ووزيرها الأسبق الدكتور منصور خالد. ويبدو لي أنه، بعد تنبيهنا له، إلى دلالات مقاله الأول في الإساءة لمنصور خالد حين صوره كفتوة وبلطجي وزارة الخارجية، مما جزمنا بأن الدكتور منصور خالد لم يستحسنه، قام صاحبنا إلى تخريج آخر قلب فيه كل فرضيته الأولى التي قامت على أن أبوسن كان نكراً منسياً في وزارة الخارجية، ليجعل منه، في مقاله اللاحق، رجل الخارجية القوي، الآمر الناهي، الذي ناطح الوزير نفسه -الحجر الأسود سابقاً- بما جعل الوزير يضع هوانه و قلة حيلته مباشرة أمام الرئيس بتخييره بين أن يتنحى هو عن الخارجية لعلي أبوسن أو أن ينقل أبوسن إلى وزارة أخرى!! صور البطل أبوسن على أنه شخص مغلوب على أمره منتهى أحلامه أن يكون وكيل وزارة أو أمين أمانة في الإتحاد الإشتراكي، قبل أن يعيده إلينا في نسخته الجديدة، الباطش الآمر الناهي، الذي ترتعد أوصال الخارجية لمجرد وقع أقدامه في ردهاتها، ولله في خلقه شئون! فهل يحتاج القارئ مزيداً من التوضيح للوقوف على هذا النموذج من "محننا السودانية"؟؟

ويبدو أن مسألة الإتحاد الإشتراكي، هي الخيط الواهن الوحيد الذي تبقى للبطل في مسألة تشويه علي أبوسن بعد أن إستعصت عليه المداخل، وبعد أن بار مسعاه في النقد الأخلاقي المغرض. ولأن البطل يمتهن الكذب ويتحراه فإنه يقول دون أن يهتز له سنان قلم: "ويقول معاصروه من الدبلوماسيين(...) - وهم كثر يعاظلون الدنيا بين الوطن والمهاجر - إنهم ذاقوا الأمرّين جراء نفوذه المتفاحش وسلطته وعنجهيته واستعلائه على الآخرين بحكم انتمائه ومركزه في التنظيم الحاكم(..) وقد تملكت صاحبنا عهدذاك نزعة مستفحلة لأن يلعب دوراً متعاظماً يشبه ذلك الدور الذي كان يلعبه منسوبو الحزب الشيوعي في شرق أوربا داخل وزاراتهم(..). وقد أغرى منصب "أمين الاتحاد الاشتراكي" في ذلك الموقع التنفيذي الحساس، علي أبوسن لأن يتدخل في شؤون الوزارة واختصاصات وكيلها ووزيرها، وأن يدبِّج التقارير عن ضعف التزام بعض المسؤولين بما فيهم الوزير، بمبادئ وأهداف "ثورة مايو". ومما أخذه على الوزير، وكتبه في تقاريره ثم أشاعه في اجتماعات مفتوحة، ما وصفه بأنه "ضعف في الأداء العام". وهنا برز الاحتكاك الأول بينه وبين الدكتور منصور خالد، الذي كان يشغل وقتها منصب الوزير.

كان من الطبيعي ألا يكون وجود أبي سن وممارساته التسلطية مقبولة عند وزير في حجم وجبروت ونفوذ منصور وقتها، فما كان من الأخير إلا أن كشر عن أنيابه للموظف الصغير الذي لم يعرف حدوده". إنتهى الإقتباس.

وسيتحتم علينا إذا من الإقتباس السابق أن نأخذ ثلاث إدعاءات على سبيل الحقائق المطلقة التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، وهي كالتالي:

أولاً: إن الرجل كان له مركز ونفوذ مخيف في التنظيم الحاكم! وكان البطل قد رماه بقلة الشأن وصغر المقام ففي أي من الوصفين تقع الحقيقة؟

ثانياً: إن الرجل كان بالفعل يشغل ذلك المنصب، أمين الإتحاد الإشتراكي! وكان البطل قد قطع بأن هذا المنصب كان منتهى أحلام وآمال أبوسن وأحالنا إلى قصة الحجر الشهير، الذي لابد أن القارئ يذكره جيداً؟؟ حجر المنصورالأسود كما أسماه أخونا البطل!

ثالثاً: إن منصور خالد وزير خارجية نميري الأشهر، كان ضعيف الإلتزام تجاه نظام مايو! وهذه بالطبع محيرة! وستغضب منصور خالد نفسه قبل أن تضحك القراء، ولا أرى لزوماً لأن أضيف أي إضافة!

ودعونا من هذا كله لنقف على مسألة هامة لصيقة بالموضوع. ألا يتساءل سائل، من أين للبطل بمثل هذه المعلومات الدقيقة المفصلة والتي هي في حقيقتها نتاج ما تتناقله خطوط الهواتف عابرة المحيطات من (قوالات) في أكبر عمليات النميمة أو(القطيعة)؟! إن مجمل محمولات كاتبنا هي محض إنطباعات ومرارات وأمزجة شخصية لا أكثر ولا أقل. نقول أن مصادر البطل في مجمل بهتانه لكاتب المذكرات هي نتاج الـ Gossip التي يتصيدها من مصادر بعينها وينتشي بما يتسقطه منها، وإلا من أين لمثل البطل الذي تفصله عن بقية (الأبطال) سنوات طويله تجعل مجايلته لهذه الأحداث-التي لم يرصدها كتاب- من المستحيلات. كيف تسنى له معرفة وضعية لا يمكن أن يعرفها إلا من عاشها ما لم تكن قد رويت له رواية شخصية؟! لقد إستقى صاحبنا رواياته (المحسنة) "بضبانتها" من أعداء الراحل أبوسن. ولو كان البطل كاتباً مسؤولاً كما يدعي، لمارس ذاك القدر مما أسماه "الصحافة الإستقصائية" لمعرفة المسائل من جوانبها وتلمس أطرافها الأخرى. أو كان على أقل تقدير تحقق من وجهة النظر الأخرى التي رواها مؤلف الكتاب الذي يعكف البطل على التشهير به، ولو لإبداء شئ من الحياد. ولكن محاولة البطل الخائبة لإغتيال شخصية أبوسن، جعلته لا يرى الأشياء إلا من خلال منظار واحد هو منظار الغل والتشفي.

ولقد ذكر الراحل أبوسن في كتابه" المجذوب والذكريات" عن أمر الخارجية والإتحاد الإشتراكي ما يوضح تماماً حقيقة الصورة التي كان عليها الإتحاد الاشتراكي وأبان في كتابه إبانة من لا يداري كيف أن التذرع بالاتحاد الاشتراكي كان مخرجا لإعادة تشكيل إتحاد الدبلوماسيين الذي عطله الوزير آنذاك. قال أبوسن:" كان منصور يعرف أن قيام تنظيم من أي نوع تعترف به الدولة في وزارة الخارجية، سيمنح الدبلوماسيين المقهورين صوتا مسموعا يكشف ما تعانيه الخارجية على يديه. وقد نجح في منع إعادة تكوين إتحاد الدبلوماسيين حتى عدت أنا من باريس. كان علي أن أزيح من عقول الزملاء وقلوبهم موجات الرعب التي بثها فيها صلف منصور خالد و تجبره. وأقنعتهم بعد معاناة شديدة بضرورة الإجتماع وإنتخاب لجنة جديدة للإتحاد. ثم دعوت إلى إجتماع مشترك للجان إتحادات الدبلوماسيين والإداريين والعمال، وعرضت عليهم فكرة إنشاء إتحاد موحد لجميع العاملين بوزارة الخارجية. وقد إعتبر الجميع ذلك الإقتراح فكرة جريئة جداً في ظل تقاليد التمايز المهني والطبقي بين تلك الفئات الثلاث. في البداية لم يصدق أعضاء إتحادي الإداريين والعمال إنني جاد في إقتراحي، فترددوا. ولكن بعد أن تأكدوا من الجدية وافقوا بل تحمسوا واندفعوا يدعون للفكرة. لم يكن منصور يعترف بأي من تلك الإتحادات، ولكنه لم يكن يستطيع أن يفعل شيئاً بعد أن أستصدر جعفر بخيت قرارا من نميري بعدم تعرض الوزراء لعملية إنشاء النقابات والإتحادات لتكون جزءاً من مكونات الإتحاد الإشتراكي". إنتهى كلام أبوسن.

وأود أن أعود هنا إلى الإشارة إلى ما تلقيته من الكاتب الأستاذ محجوب بابا، وكان قد أرسل مقالا كامل حول الأمر إلى كل من "الأحداث" و "سودانايل" ولكنه لم ينشر لتقديرات المسئولين في كلا الصحيفتين. ومما جاء في مقال الأستاذ محجوب بابا " أن عضوية الرسميين في الإتحاد الإشتراكي قبل القادمين المتصالحين مع مايو كانت فرض عينٍ بالصفة والوضع الوظيفي وشيخ العرب المرحوم أبوسن منهم، ولا يُعقَل تعميم سُبَة الشمولية والإفساد عليهم أجمعين ومنهم من يُجمع المجتمع على طهارة سيرتهم. من حقائق التاريخ تجسم العيب كله والإفساد حتى لرأس الأفعى في سدنته اللاحقينن. هكذا الحقيقة قد إستوجبت على المرحوم أبوسن ورفاقه الميامين الإستماته لحماية الحزب الإتحادي الديمقراطي من ويلاتهم، وفي مظاهر يومنا الحاضر خير شاهد وبرهان". إنتهى حديث الأستاذ محجوب بابا، فهل ثمة إبانة في هذا الأمر أكثر مما قيل؟

على أن القارئ لا بد سيتساءل عن الواقعة التي نقلها البطل في شأن علاقة أبوسن بالسلطة، هل من المعقول أن يصل (الموظف الصغير) في سلطته وجبروته حداً يدفع بوزير الخارجية أن يخير الرئيس، فيما يشبه حالة "الحرد"، بين أن يعين هذا الموظف الصغير وزيراً للخارجية أو يضعه في أمانة العلاقات الخارجية بالإتحاد الاشتراكي؟

يقول البطل أن رياح مايو قد تقلبت بغير ما تشتهي سفن أبوسن، فوجد الرجل نفسه "على قارعة الطريق"، بغير وظيفة في الخارجية، وبغير موقع في الإتحاد الإشتراكي. فتأمل عزيزي القارئ! وليتأمل هذا القول كل من في رأسه بعض عقل يميز به! فإذا كان أبوسن ذلك السادن المايوي، وربيب الدكتاتوريات، هل كان وجد نفسه خارج منظمات السلطة ومؤسسات الدولة في نفس الوقت؟ أم أن خروجه في عز فورة مايو من كل ذلك هو أقوى شهادة للرجل على رفضه لتلك الدكتاتورية ومعارضته لها؟؟! لن يزيف البطل الحقائق. فقد خرج الرجل من النظام ومؤسسات الدولة لأنه قال لا في وجه من قالوا نعم. ولن يجد (أرزقية) الكتابة فرصة ليلوثوا أبوسن بتهم تمجيد الدكتاتوريات والتمسح بترابها.

ونعود لتعرية ما كان من أمر الكاتب المقدام الذي ورط نفسه في هذا الأمر، وسعى بلا تبصر ولا معرفة في مشروع إغتيال شخصية أبوسن، وقد وقع البطل في شر أعماله حينما حاول أن يضفي على مهمته "الصغيرة"، رداء التوثيق والتقصي. وحاول التدثر في هذا الأمر بدثار الباحث المستقصي، المنافح عن الحقيقة، المطارد لها عبر الفلوات والمظان. فيقول: "وككاتب مسئول (..) خطر لى ان الجأ الى نهج الصحافة الاستقصائية التى توثق للحقائق مباشرة، عوضاً عن الركون الى روايات مجالس المؤانسة المرسلة. وهل يصعب على مثلي أن يحصل على رقم تلفون هاتف الاستاذ فضل عبيد النقال؟ (...)

وقبل أن نأتي إلى المرحلة التي وصل إليها الكاتب "المسؤول" من الكذب الصريح، سنشرح للقارئ العزيز، أو – العزيز الأكرم- خلفية على قدر كبير من الأهمية قبل أن ننزع آخر أوراق الأباطيل. والخلفية تتمثل في إن السيد فضل عبيد كان جار علي أبوسن في الحي قبل أن يكون زميله في الخارجية. وربطت بين الرجلين علاقات جيرة طويلة ممتدة. إتصلا فيها على مستوى الأسرتين، وربطت بين ذريتيهما روابط الصداقة والأخوة الحقة منذ وقت طويل. والواقع إن ما تجرأ عليه البطل في حربه غير الكريمة تجاه كاتب المذكرات، كشف الستار عن الحد الذي يمكن أن يصل إليه في الفجور. فهو لا يبالي أن يتأذى من يتأذى ممن يستعين به في سعيه اللاهث لتعضيد باطله. وقد آلمني حقاً أن البطل قد تسبب برعونة فادحة بإحداث حالة من الحرج الشديد لدى أسرة عمنا الفاضل فضل عبيد ولديه بشكل مباشر نتيجة لما خلفه نشر ما إدعاه البطل على لسانه على صفحات الصحف. فنظراً للعلاقة الوشيجة التي تربط بين أسرتي الراحل أبوسن وأسرة العم فضل عبيد، فقد كان طبيعياً أن ينزعج الناس غاية الإنزعاج و أن يستفسروا عن حقيقة ما إفتراه الكاتب مصطفى البطل. وهناك إستطراد لابد منه قبل أن نكمل هذه الجزئية التي تكشف ما يمكن ان يبلغه الإفك من مبلغ.

أقول بدءاً، من البديهي إنني لم أقف عند هذه النقطة في مقال البطل من أجل الدفاع عن الراحل علي أبوسن ضد تهمة السرقة والنهب التي رماه بها البطل. فالرجل ببساطة شديدة لم يكن يحتاج لذلك، وإتهامه بسرقة لوحات فنية هو من قبيل السُخف لا أكثر ولا أقل. لكني كنت حريصاً على الوقوف على كيفية إخراج البطل و"مونتاجه" لحديث الناس وتوظيفه لقصصه الفطيرة بمنطق القص واللصق فقط ليسوق مقاله الأسبوعي وهو أمر صار معروفاً عنه وقد كرره مع أفراد عديدين لا يتسع المجال لذكرهم. كما أرجو أن يعذرني القارئ إذ أنني في وضعية حرجة للغايةً، ما بين الإسترسال في الرد على كذب البطل وفضحه على الملا، ببيانات وشواهد ماثلة في علاقة أسرتي الراحل علي أبوسن والأستاذ فضل عبيد تثبت بهتان البطل للرجل، وبين النزول عند رغبة العم فضل عبيد، الذي تأذي أيما تأذي من هذا الإستغلال السئ الذي تعرض له. ولا ريب أن ما نشر عنه كان قد قوبل بكثير من الإستغراب من قبل أسرة الراحل علي أبوسن التي بهظها هول المفاجأة مما نقل على لسان العم فضل عبيد الذي نفى نفياً قاطعاً أنه وجه إتهامات كمثل التي ساقها البطل، إلى أبوسن. بل وعبر عن غضبه الشديد لما تعرض له من إستغلال لدرجة إعتزامه الوصول الى صحيفة الأحداث للإحتجاج على ما نُشر عنه في مقال البطل.

إننا على إلمام تام بمثل هذه المسائل الإنسانية ونقدرها حق قدرها ونفهم أسبابها ودوافعها وظرفها. ونقدر رغبة الأستاذ فضل عبيد في ألا ينفتح جدل يحشر فيه إسمه في مجموعة (قوالات). كما نتصور العنت الذي يمر به كل شخص في مثل هذه المرحلة من حياته حين يوضع موضع الإفتراءات التي ما أنزل الله بها من سلطان. أقول لكل هذه الملابسات الإنسانية الدقيقة للغاية، سنعلِّق تفاصيل ردنا الماحق على البطل ومن يديره في هذا الأمر، ولكن إلى حين. ولن ينفد الكذاب بعبثه وأفاعيله التي سيأتيه خراجها طال الزمن أم قصر! وحبل الكذب جد قصير.



دار العلوم.. ولِمَ يخجل أبوسن؟



يقول البطل أن علي أبوسن كان يخجل من خلفيته الدراسية بكلية دار العلوم. و هو بالطبع قول لم يستنتجه البطل، وإنما نقله نقلا عن الناقد الدكتور عبد الله حمدنا الله. وإذا كان لدكتور حمدنا الله اسبابه التي نحترمها كآراء ونوردها في إطار إعمال النقد للكتاب. فإننا لا نفهم أن يردد البطل ذلك الاتهام كأنما مدعياً الأصالة فيه، وكأنما كان من بنات أفكاره. على أية حال هذا الإتهام ربما كان أخف الاتهامات بؤساً في لائحة البطل العنقودية التي لم تبق ولم تذر. أما ما كان من شأن أبوسن في هذا الأمر، فقد اعتبر الراحل كلية دار العلوم وساماً على صدره، ولم يبدر منه من قريب أو بعيد ما يشي بغير ذلك بل كان فخوراً أن وصوله لدار العلوم نفسه كان ضرباً من ضروب الكفاح، والإجتهاد، والعزم لا يتوفر إلا لمن كان يملك الطموح والروح الوثابة. وإحتفظ أبوسن بوفائه لدار العلوم فكان لصيقاً بها مشاركاً في أنشطتها. وإستمرت صداقاته مع زملائه من دار العلوم وكان هؤلاء هم أصدقاء مسيرة حياته الذين ظلوا بقربه وظل يردد أسماءهم حتى قبيل رحيله. إدعى البطل إن أبوسن كان يخجل من خلفيته التعليمية ومن كونه خريج دار العلوم! والواقع أنه ليس في عدم ذكر كلية دار العلوم في مذكرات أبوسن ما يشي بخجله منها. فهي ليست الجزء الوحيد في حياته الذي لم يذكره في مذكراته. فهناك فترات أخرى كان شديد الإحتفاء بها في حياته ولم يذكرها، وأهمها مراحل طفولته وصباه بين كسلا والخرطوم، وتلك كانت فترات خصبة للغاية في حياته. ولكن أغلب ظننا أن السبب الرئيسي في ذلك يعود إلى أنه إتخذ من رسائل المجذوب محوراً يتناول فيها محطات الأدب والسياسة وأحاديثها وأشجانها. وقد طغت تلك العلاقة على منطلقات محاور الكاتب في تناوله محطات الذكريات. فالكتاب إتخذ في عنوانه إسم المجذوب قبل الذكريات، وهنا دلالة ضمنية على تقاسم مفردتي العنوان موضوع الكتاب. فكان القارئ يستصحب المجذوب حتى في المساحات التي لا تتناوله. على أية سنعود لاحقاً لهذه الفرية المضحكة في حديث البطل والتي نقلها "بضبانتها" من إستنتاجات الناقد الدكتور عبد الله حمدنا الله، حتى أنه في غفلة من أمره أشار في صلب مقاله إلى "همبتة المذكرات"، في إشارة إلى مقال حمدنا الله ونسي أنه عنون مقاله بـ"بلطجة المذكرات" فصرنا عبر إسقاطات العقل الباطن للبطل، في حيرة من أمر ما نقرأ، هل هو مقال حمدنا الله أم مقال البطل!



عقدة "أبوسن" أم عقدة البطل



ورغم أن تناول مثل هذه المسائل يعد من توافه الأمور حينما نكون بصدد تقييم كتاب مثل" المجذوب والذكريات"، لكن هذا لفت نظري إلى أمر إهتمام البطل الشديد بالخلفيات التعليمية والألقاب الأكاديمية أكثر من إهتمامه بمنتجها ومخرجاتها. وهو ما يعبر بصورة أو أخرى عن أزمة عميقة يعيشها أو فراغات يحسها في هذا المجال ربما كانت تعبر عن خلفية تعليمية مضطربه تفسد عليه حياته. فالبطل قد حشد مقالا طويلاً (يهز ويرز) وسمه بـ "رجال حول حرف الدال"، كان كل همه رصد حملة الدكتوراة، ومدى إستحقاقهم لها. ونشر ذلك المقال أيضاً في موقع سودان فور أول المعروف بإنضباطه الشديد في التعامل مع الألقاب العلمية، وفي إحترام التقاليد الأكاديمية. فتعرض لنقد شديد لم تفلح معه تبريراته المختلفة. ولما تبدى له هزال حجته، إنصرف عن الموقع لا يلوي على شئ وترك أسئلة الناس معلقة في الهواء. نقول إذا كان أمر الإهتمام المزعج بالألقاب والخلفيات الأكاديمية في قشورها دون تقصي محمولات صاحبها الفكرية وما أسفرت عنه في تشكيل تكوينه ووعيه، هو إحدى العُقد التي تشوش تفكيرنا بصورة عامة وتحتل حيزاً كبيراً من نهجنا المظهري، فقد إحترت في ذلك لدى البطل الذي يبدو أنه شديد النقد لأنماط حياتنا وثقافتنا. والحق أن كتاباته حول المحن السودانية في أمريكا كانت قد لاقت لديّ إستحسانا كبيراً لما فيها من إضاءة لبعض سلبيات ثقافتنا الإجتماعية وسلوكنا العام. ولكن خاطراً خطر لي بعد قراءة تعليقات البطل في ذات النهج الملاحق لعلي أبوسن في أمر إشارته لبعض المؤسسات الأكاديمية في كتابه. وقد حرت في الأمر أيما حيرة. فعلاقة علي أبوسن بجامعة لندن كان سببها إلتحاقه ببرنامج دراساته العليا فيها وهو أمر لا أجد فيه أية غرابة. وما أعرفه بالفعل إن أبوسن كانت له دراسات متخصصة حول علاقات السودان بالحبشة خلال الفترة المهدية. ولدي ضمن أوراق الراحل رسائل مشرفين أكاديميين في هذا الخصوص واردة للراحل علي أبوسن إبان عمله في إذاعة بي بي سي يناقش فيها مراسلهُ جوانب من البحوث التي أرسلها له أبوسن.

كما أني أجد أنه من الطبيعي لعلي أبوسن الذي عاش في فرنسا ودرس اللغة الفرنسية، وكان من المتحدثين بها، لا غرابة أن تكون له علاقة وثيقة بمؤسساتها الأكاديمية. فما هي الغرابة في أن يذكرها في مذكراته تلك طالما أنها إرتبطت عنده بأحداث وفترة هامة في حياته؟ لكن البطل المستغرق بعقدة الشكليات الأكاديمية لا يريحه ذلك ولا يقع عنده موقعاً حسناً. فواصل عبثه وملاحقته لعلي أبوسن الذي لم يدع يوما إمتيازاً بدرجة أكاديمية أو لقب علمي ليتوسل به للأوساط الثقافية والسياسية. وإنما فرض نفسه قوة وإقتداره، كمثقف من طراز رفيع عميق الرؤية. كان المؤرخ الموسوعي المصري الراحل الكبير الدكتور يونان لبيب رزق يطلق على الراحل أبوسن إسم " ملك الندوات"، كل ما قابله في محفل علمي أو خطابي، وذلك لحضوره الطاغي، وقدراته الهائلة في الحديث، ولباقته ودقته في التعبير. ونحن حين نطّلع على سيرة (أخينا) البطل المحتشدة بالكثير من الالقاب العلمية، والأكاديمية. نتساءل، هل يقبل البطل أن يضعه الناس أيضاً وبمتابعة تفصيلية في دائرة الضوء لتقصي ما هو كائن من أمره؟

على أية حال، سيذهب جفاءً كل هذا الإجحاف ومحاولات إغتيال الشخصية التي مورست وتمارس في حق أبوسن وسيبقى علي أبوسن أيقونة ساطعة للمثقف العضوي بإمتياز. وشاهد ذلك أنه رفض خيانة قضيته في صراع الديمقراطية مع الديكتاتورية، ولم يتوقف عند ذلك بل حارب من أجل إتساق سلوكه مع فكره ضد ضروريات المجاملات والنفاق الإجتماعي، ولم يثنيه عن نهجه ذاك كل ما واجهه من محن. ولعله من غرائب ما نعيشه في زمننا هذا أن يعادى أبوسن بالمزايا التي ينبغي أن تجلب له الحب والتقدير، ومن المؤسف أن يكون ذلك مدخل البعض للنيل منه وتشويه صورته! أتأمل ذلك وكأني بالراحل أبوسن يبسم في وجه هؤلاء، ومردداً مع صفي خلواته "الأستاذ" أبو الطيب المتنبي حين يقول:

أ ُعَادَى على ما يُوجبُ الحُبَّ للفَتى وَأهْدَأُ وَالأفكارُ فيّ تَجُـولُ

سِوَى وَجَعِ الحُسّادِ داوِ فإنّـهُ إذا حلّ في قَلْبٍ فَلَيسَ يحُولُ

وَلا تَطْمَعَنْ من حاسِدٍ في مَوَدّةٍ وَإنْ كُنْتَ تُبْديهَا لَهُ وَتُنيـلُ

****

Post: #103
Title: Re: غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل
Author: زهير الزناتي
Date: 07-15-2010, 04:59 PM
Parent: #102


Post: #105
Title: Re: غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل
Author: زهير الزناتي
Date: 07-15-2010, 05:04 PM
Parent: #103


Post: #108
Title: Re: غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل
Author: زهير الزناتي
Date: 07-15-2010, 05:14 PM
Parent: #105

البطل 3
Quote: (1)

مازال البعض يستعظم علينا، ونحن نواصل سلسلة الأدب وقلة الأدب، "الخوض في سيرة الراحل علي أبو سن"، تغشّته الرحمات. نردُّ عليهم - بغير إبطاء - متسائلين: ومن خاض في سيرة أبي ن؟ لا شأن لنا بالرجل وسيرته الخاصة، وإنما نحن نتناول بعينٍ فاحصة وعقلٍ متمحّص كتابه الموسوم "المجذوب والذكريات: أحاديث الأدب والسياسة". وكنت قد كتبت في مقالٍ سابق: (أن الكتاب منشورٌ ومطروح في الأسواق بقاهرة المعز وعدد من المدن العربية، وأن غياب المؤلفين عن مسارح الحياة لا ينبغي أن يقف حائلاً دون عرض آثارهم مما أودعوه في كتبهم أمام موازين النقد. ولو كانت وفاة المؤلفين سبباً للامتناع عن تقويم الآثار المنشورة ونقدها لفسدت سماءُ العلم وافتقرت أرض الثقافة).

ثم أن بعض أحباب الراحل وحواريوه قاموا بخلق صورٍ ضوئية من صفحات الكتاب، ثم أسروا بها في ليل الأسافير "تعميماً للفائدة"! فكان ذلك أدعى الى أن ننهض بما فرضه الله علينا من واجب النصيحة، والإمام أحمد يقول: (إذا سكت العالم والجاهل يجهل فمتى يظهر الحق؟). ونحن لا نعدُّ أنفسنا في زمرة العلماء. حاشا لله أن نكون ممن لا يرحمون أنفسهم فلا يعرفون أقدارها. ولكننا نزعم أن بين جنبينا من البيّنات الرواسخ ما يخبط الضلالات التي حواها كتاب أبي سن فيمحقها محقاً، ومن حق أهلينا علينا أن نبسطها بين أيديهم، فيكون لنا عند الله أجر الصادعين بالحق، والمهطعين في دروب المكرمات.

وفضلاً عن ذلك فان ابن أخ صاحب الذكريات المسطورة المنشورة، السموأل أبوسن، تصدى لنا على رؤوس الأشهاد، وتحدانا في رابعة النهار أن ننشر ما عندنا إن كنا من الصادقين، واتّهمنا بالختل والمخادعة، وافترى علينا بساقط القول أننا لم نؤثر التوقف عن نشر ما عندنا إلا عندما أحاقت بنا الخيبة إذ كتب: (حاول البطل أن يجد نسقاً غيبياً ليبرر به خيبته وفشله.. مصوراً ذلك بأنه إرادة الله). قرأنا ذلك السفه فهاجت في دواخلنا كلمات عمرو بن كلثوم: (ألا لا يجهلنْ أحدٌ علينا/ فنجهلُ فوق جهل الجاهلينا). ولكننا نحمد خالقنا الحنّان المنان أن ملّكنا عنان أنفسنا، فلم نُسلم قيادنا لعصبيات الجاهلية. وإنما نلوذ بهدى الله، وهُدى الله هو الملاذ (ولا يجرمنّكم شنآن قوم على ألا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى). ونحن، علم الله، لم نستجب لذلك التحدي منشرحين محبورين، ولم نعد لنقف بين يدى هذه السلسلة، بعد ان أوليناها ظهرنا، نعرض متاعنا ونفردُ قلاعنا. بل ولجنا الى ساحتها بصدرٍ مغموم وعقلٍ مهموم، فهي مهمةٌ يثقل علينا حملها، كما ثقل على السير ونستون تشيرشل حمل صليب اللورين، أعلى ما تمنحه فرنسا من أوسمة. قلده الجنرال ديجول ذلك الصليب فقال، للكُره الذي يُضمره للجنرال وتفاخره ببلده:

The cross of the Lorraine is the heaviest cross that I had ever carried

(إن وسام صليب اللورين هو أثقل وسام أحمله على صدري). وكأنّا به مثل يسوع المسيح يحمل صليبه في طريق الجلجثة.



(2)

ومن عجب أن أكبر ما أخذناه على المؤلف نفسه هو أنه لم يرعَ في كتابه حُرمة الموتى، فلم يستنكف أن يبشّع بالراحلين ويلطخ سيَرهم بالوحل، دون ذنبٍ جنوه سوى انه كانت لهم في الدنيا اختيارات غير اختياراته، ورؤىً غير رؤاه. بل إنه لم يتورع عن أن يتهم السيد الحسن بالسرقة، وهو الرجل الذي ما زال الآلاف من أهل السودان، وفي جمعهم آل بيت أبي سن العتيد، يحسبونه قديساً. ######ر من عملاق الاقتصاد السوداني، خليل عثمان، بعد عشر سنواتٍ من وفاته، فصوَّره في صورة الطرير الأهطل الذي لا يميز في عوالم السياسة والاقتصاد رأسه من رجليه. ومسح الأرض بالقائد اليساري الفذ والقانونى الضليع صاحب التاريخ الوطني الناصع، عابدين إسماعيل، بعد سنوات طوال من وفاته، وجعل منه فوق صفحات كتابه أضحوكةً ومهزأة، فأشاع عنه أنه بهلوان مهرج، وحاقد، وضعيف في اللغة الإنجليزية! وكتب عن صحافي متميز، من الآباء المؤسسين لصناعة الاعلام في السودان، بعد عشرين عاماً من رحيله عن دنيانا، أن سلطات دولة أجنبية ألقت القبض عليه وأودعته السجن بتهمةٍ مخلةٍ بالشرف. وذكر عن زوجة قيادي سياسي سوداني بارز، شغل منصباً دستورياً سيادياً، غادرنا الى دار البقاء قبل أعوام، أن الشرطة البريطانية ألقت القبض عليها متلبسةً بالسرقة في محلات ماركس اند سبنسر بلندن.

بل انَّ أبا سن لم يحفظ عُشرة زملائه ورفقاء دربه، الذين عمل معهم جنباً الى جنب في مسيرة حياته العملية، وأكل معهم الخبز والإدام في إناءٍ واحد، فلم يردعه رادع من أن يذكرهم وهم بين يدي ربهم بالسوء. من هؤلاء سفراء من أميز رموز الدبلوماسية السودانية، ومنهم مسؤولون في هيئات عربية عمل بها واكتاد رغيفه من خيرها. من بين زملائه ورفقاء دربه وكيل ووزير الخارجية الأسبق الراحل هاشم عثمان، الذي كتب عنه بعد عدة سنوات من وفاته انه كان رجلاً إمّعة، مدجّن، لا يهش ولا ينش، ولا يفكر ولا يتنفس إلا بأوامر من آخرين. وكتب عن زميليه السفيرين عيسى مصطفى سلامة وحامد محمد الأمين انهما قطيع من الأغنام منكسر، فاقد الهيبة، يقوده راعٍ سفيه. والقائمة تطول.

ولكن الأمانة تقتضي أن نسجّل هنا اننا، وبعد لأي، عثرنا على سفيرٍ سوداني واحد من زملاء المؤلف نال كلمة إشادة، بل أن المؤلف صرّح بأنه يحبه (كنت أحبه حقاً!!). وقد كتب عن هذا السفير انه جاء الى بيت المؤلف ذات يوم وهو يبكي والدموع تغرق عينيه ليطلب عفوه ومغفرته رجاء تخفيف ذنوبه. وادّعى المؤلف أن السفير النادم قال له: (أنا خضعت لمنصور خالد وعملت أشياء ######ة ضدك وأنت لا تعرف). ويبدو أن الندم لم يشفع للسفير كثيراً اذ لم يمنع أبو سن من أن يضيف في حق الرجل، الذي قال لنا إنه يحبه، إنه: (كان ضحيةً لبعض العُقد الشخصية الكامنة في نفسه والتي تمكن منصور من استغلالها). والذين يعرفون العوالم السفلية لوزارة الخارجية السودانية في تلك الحقبة يعرفون بالضرورة أن المؤلف يجهد هنا لتوظيف واستثمار بعض السفاهات العرقية والعنصرية التي كانت فاشية في ذلك العهد، ثم تعاظمت في زماننا هذا. وكان السفير المعني قد تُوفيَ قبل سنوات من نسبة هذه الأباطيل والمزاعم المبتذلة اليه ونشرها على لسانه في قراطيس أبي سن.

(3)

وترانا – أعزك الله – قد وصلنا أخيراً الى محطة الدكتور منصور خالد. وكنا قد ذكرنا لك من قبل أن التساؤلات دهمتنا بعد أن فرغنا من قراءة المذكرات: لماذا لم يُطلق المؤلف على كتابه "المنصور والذكريات"، بدلاً عن "المجذوب والذكريات"؟ إذ وجدنا انه حتى المجذوب نفسه وظّفه المؤلف ######ّره تسخيراً لتأمين خطوط امدادته في حربه المسعورة ضد منصور. وبينما يشتمل الكتاب على رسائل يفترض أن المجذوب أرسلها اليه ويطرق في بعضها سيرة منصور، إلا أن المؤلف مضى قدماً فأضاف على لسان المجذوب أقوالاً أخرى مرسلة، زعم أن المجذوب ذكرها له في جلساتٍ خاصة، ولكننا بطبيعة الحال لا نجد دليلاً قاطعاً على نسبتها للشاعر الكبير.

كتب أبو سن: (جلسنا، المجذوب وأنا، نناقش ونحلل هذه الظاهرة [ظاهرة منصور خالد].. وحددنا محاور ثلاثة للمناقشة هي: علاقة منصور بوزارة الخارجية، علاقة منصور بالأدب والشعر، وعلاقة منصور بالمرأة).

وقد انتهت مناقشات الصديقين، كما حررها أبوسن، في المحور الأول الى أن منصور وزيرٌ فاشل للخارجية، وأنه لا يصلح لشئ. أما محور الأدب والشعر فقد خلص البحث فيه الى نتيجةٍ مدهشة ومباغتة، لم تكن لتخطر لأحد ببال، وهي أن منصور ليس من الجعليين العمراب كما يزعم في سيرته الذاتية، بل انه ينحدر من قبيلة الفلاتة في غرب إفريقيا. ولكن الخلاصة الأكثر إدهاشاً وإثارةً للحيرة جاءت في نهاية مداولات الصديقين حول محور علاقة منصور بالمرأة، إذ قطع أبوسن وجزم أنه، وبرغم غرام منصور بالنساء وغرام النساء به، إلا أن منصور ليست له قصة حب حقيقية واحدة في حياته. وقد وقفت كثيراً عند خلاصة هذا المحور الأخير من محاور البحث، ونظرت فيه بجد، كوني أعلم أن المؤلف من أهل الذكر في مضمار النساء والحب، ثم تساءلت: كيف يمكن لأحد، مهما كانت ملكاته ومواهبه وقدراته، أن يقرر بهذه الدرجة من الثقة الباترة واليقين المطلق عن إنسان آخر أنه ليست له قصة حب واحدة؟ هكذا، ضربة لازب! كيف يتأتى له أن يشق خويصات قلوب الناس ويستعلمها، والحب من شُغل القلوب؟! وعندما استعقد الأمر واستعصت عليّ مغاليقه حدثتني نفسي أن هذه ربما كانت واحدة من فرائد مذكرات أبي سن التي أفادنا أبو الفوارس السموأل أنها كتبت لزمانٍ غير زماننا، وأن فهومنا تندُّ عنها، وأن الجدب والإدقاع الثقافي الذي ضربنا في عصر الإنقاذ يحول بيننا وبين استيعابها!

(4)

يقدم أبوسن في مذكراته تحليلاً نفسانياً لشخصية منصور، ونستفيد من تحليله أن منصور ينطوي على حقدٍ دفين على وزارة الخارجية ودبلوماسييها، وقد جاء لمنصب الوزارة وتولاها، بعد انقلاب مايو، وهو يستبطن الغل لأهل الدبلوماسية. ما هو مصدر الحقد والغل؟ المصدر عند صاحبنا هو عجز منصور واستخذاءه عن الجلوس لامتحان السلك الدبلوماسي. أي والله، هكذا! ويقرر صاحبنا بذات النهج الإطلاقي القطعي الباتر أن الالتحاق بوزارة الخارجية (كانت أمنية حياة منصور). وتحيّرنا مرة أخرى ملكات المؤلف النادرة وقدراته الخارقة في معرفة دواخل البشر وأخصّ خصائصهم. وأنا أعلم أن بعض العاملين بوزارة الخارجية، في زمانها القديم، كانت تعشش في أذهانهم أوهام كهذه، تسمعهم يرددونها عندما يقلبون ظهر المجن لرصفائهم من كادرات أجهزة الدولة الاخرى. ولكن لم يخطر بذهني قط أن أحداً، في تمام عقله، يمكن أن يراوده ذات الوهم بشأن رجل، مثل منصور، سيرته الذاتية كتابٌ مفتوح على قارعة الطريق. ونحن نعلم، كما يعلم غيرنا، أن منصور كان أول سوداني على الإطلاق يحصل على منحة فولبرايت بعد تخرجه في جامعة الخرطوم، وما أدراك ما منحة فولبرايت، ثم غادر على الفور الى الولايات المتحدة. وهناك حصل - وهو في عشرينات عمره - على وظيفةٍ مرموقة بالإداراة القانونية للسكرتارية العامة لهيئة الأمم المتحدة بنيويورك. وقد شغلها لبعض الوقت قبل أن يعرض عليه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي منصب نائب المندوب المقيم بالجزائر. وبعد فترة قصيرة في ذلك المنصب استقطبته هيئة اليونسكو بباريس، وهي المدينة التي حصل على درجة الدكتوراه من جامعتها، ولمّا يبلغ الثلاثين. هل تحدثك هذه السيرة الذاتية - أعزك الله - أن صاحبها يمكن أن تكون "أمنية حياته" أن يلتحق بأي وظيفة في وزارة الخارجية السودانية؟!

(5)

ثم أن علي أبوسن توسل الى هدم منصور وتشويه صورته بوسيلة، لا يلجأ اليها لاجئ إلا وهو موتور أصاب الشلل لبّه وأطاشت الموجدة صوابه، وهو أن يفصل الرجل فصلاً تعسفياً عن نسبه العربي، فينسبه بدلاً عن ذلك الى أصول إفريقية، يوحي المؤلف انها أصول إنسان رخيصة. ولا عبرة بعد ذلك أن يكتب من يستخدم مثل هذا السلاح الخبيث بين معقوفتين عبارات من شاكلة (مع احترامنا لقبيلة الفلاتة ودورها) كما يفعل السخفاء والمستكبرون. وفي مسعاه الماكر الى غرضه يدّعي أبوسن أن الشاعر محمد المهدي المجذوب فاجأه بالسؤال التالي: (هل سمعت منصور خالد ينشد الشعر أبداً؟)، فلما أجابه بالنفى واصل المجذوب: (هناك أمر يحيرني وهو المفارقة الهائلة بين كتابة منصور ولسانه. أقرؤه فأجده يستخدم أسلوباً فصيحاً، ثم أجده يستشهد بجيّد الشعر من المتنبئ وغيره، ولكنني حينما أجالسه لا أسمع منه كلاماً فصيحاً، لا شعراً ولا أدباً. وهو لا يجيد الخطابة، بل لا يستطيع، كما هو الطبيعي بالنسبة لمن يكتب بهذا الأسلوب الممعن في الفصاحة التحدث بالعربية الفصحى أمام المنتديات). وتتواصل المسرحية المصطنعة عندما يكتب أبوسن أن ملاحظات المجذوب تطابقت تماماً مع صورة منصور الأدبية واللغوية كما عرفها، وهي أن لسان منصور أغلف يفتقر الى الفصاحة العربية، فالفصاحة عربياً إنما هي في اللسان الناطق، لا في البيان المكتوب. ويخلص أبوسن الى انه (ليس هناك شريان عربي واحد يسري من رأس منصور الى لسانه).

وفي سعيه لتطوير المنطق أعلاه باتجاه الهدف الإستراتيجي وهو إثبات نسب منصور غير العربي، يزعم أبو سن انه والمجذوب معاً استأنفا البحث والتقصي حتى وقعا على شئ ملفت للنظر في سيرة الرجل نشرته إحدى الصحف في حوار مع منصور، ذكر فيه انه (ينحدر من أسرة يعتبر "مختصر الخليل" فيها من كتب الصغار). وهذه العبارة هي التي أضاءت الطريق لإثبات نسب منصور الحقيقي. حيث أفاد المجذوب - بحسب ادّعاء أبي سن - أن مختصر الخليل من الكتب المنتشرة في نيجيريا، وأن من يعنون بذلك الكتاب هم أهل غرب إفريقيا. هل وصلتك الرسالة، أعزك الله؟ ولكن الأمر لا ينتهي في هذه النقطة. بل ان الحوار يستمر بين الصديقين حول أصول منصور المفترضة، فيتناول المجذوب وأبي سن القبائل ذات الأصول النيجيرية ويسخران منها ويتخذانها هزوءاً، وهما يختتمان الفصل الاخير من فعاليات هذه الحفلة العنصرية التي تنضح قبحاً. إقرأه يكتب فى ختام المناقشة المفترضة: (أنا أعرف أغنية شهيرة تقول كلماتها: البرنو والفلاتة/ تدوسهم الكراكة/ كراكة نمرة تلاتة). وقد عرفنا الفلاتة، كما عرفنا السبب الذى أتى بهم الى أتون هذه الحرب العنصرية، ولكن ما ذنب البرنو حتى تدوسهم "كراكة" أبي سن؟! الغريب والمثير للحيرة أن أبا سن الذي يجاهر بإظهار الاحتقار للقبائل ذات الأصول الإفريقية، يملأ هو نفسه الدنيا تفاخراً - في أجزاء أخرى من مذكراته – لمجرد كونه شغل وظيفة "مدير الإدارة الإفريقية" في جامعة الدول العربية!

(6)

واستغلال اسم محمد المهدي المجذوب - بعد رحيله عن الدنيا - لإنفاذ رغبات المؤلف في التعبير عن حنقه على منصور لا يكاد يخطئه النظر في المثال الذي فصّلناه. بيد أن هناك معضلتين رئيسيتين تحفان بدعاية أبي سن المتقدمة. الأولى أن منصور شخصٌ حقيقي من لحم ودم يسعى بين الناس. وكثيرٌ من السودانيين، ومن بينهم كاتب هذه الكلمات، سمعوه وهو يتحدث في الإذاعات المسموعة والمرئية، وفي المحافل المحلية والعربية، وفي المنابر السياسية والندوات الثقافية، فهل لاحظ أحد أن لسان منصور أغلف، أو أنه لا يحسن الكلام بالعربية، أو أنه يعجز عن قراءة الشعر العربى بطلاقة كما يزعم أبو سن؟!

أما المعضلة الثانية فهي انه يصعب تماماً تصور ضلوع المجذوب في حملة التشكيك في أصل منصور والطعن في نسبه. وذلك لسبب هيّن للغاية، فالشاعر محمد المهدي مجذوب هو الابن الأكبر للشيخ مجذوب جلال الدين، صاحب ديوان "السول في مدح الرسول". وفي واحدة مما نشر في ذلك الديوان قصيدة رد بها الشيخ على قصيدة أخرى بعث بها اليه الشيخ عبد العزيز الدباغ محمد عبد الماجد، عم الدكتور منصور خالد أحمد عبد الماجد، تذكّر فيها صحاب الدباغ، ومنهم الشيخ قريب الله أب صالح. ويشير فيها الى أصل آل عبد الماجد كونهم وارثين للفضل والمحامد، ويقول في مقدمتها: (واصحب لأهل الله أين كانوا/ واهاً لهم قد بعدوا وبانوا/ فمنهم السالكُ والمجذوب/ ومنهم المُحب والمحبوبُ). ثم يرد في مدح الشيخ عبد العزيز، عم منصور خالد: (وإنني منذ جئت أم درمانا/ ولا أزال ولهاً لهفانا/ وقلت للزين أخي في الله/ من لي بعالم اوّاه/ من لي بصاحبٍ يفي بصحبتي/ "والياً اذا ما ثنيت لا تثبت"/ أهلاً بمن أسرع في البلاغ/ أخي المفدى رحبنا الدباغ/ ابن محمد عبد الماجد/ العالم الفذ الفقيه العابد/ قد ورثوا للفضل والمحامد/ من جدهم أبي الفخار حامد/ وهو الشهير في الأنام بالعصا/ وأنه أعده لمن عصا). أو لا ترى - أعزك الله - أن الأحق بالعصا هو الذي يتكذب على الموتى؟!

(7)

وافتئات أبي سن على اسم المجذوب بعد رحيله مما لا يحتاج الى بيان. وهو يفعل ذلك في بعض الأحيان بغير مسوّغ مفهوم سوى التماس الذرائع لطرق موضوعات معينة يعشق الاستفاضة فيها. فعندما أراد الحديث عن فرنسا وحياته الصاخبة وما استهواه في عوالمها، لم يتجه الى غايته مباشرةً، بل كتب ان المجذوب طلب منه أن يحدثه عن الفرق بين لندن وباريس. ويفترض هنا أن المجذوب يعرف لندن، فقد ورد في الكتاب انه زارها عدة مرات، ولكنه لا يعرف فرنسا على ظنٍ من أبي سن انه لم يرها. وقد فات على أبي سن، أو لعله لم يكن يدرى، أن المجذوب زار فرنسا فعلاً قبل ذلك التاريخ وشاهد عدداً من مدنها. بل ان المجذوب أقام ضيفاً في دار منصور خالد نفسه، في قلب باريس، إبان عمل الأخير في اليونسكو. وما أن عاد المجذوب الى الخرطوم حتى سطّر رسالةً مطولة بعث بها الى منصور. ومما جاء في رسالته تلك:

(انجُ سعد فقد هلك سعيد. وسعيد هذا تسمى به كل نبتةٍ عتية - مثلي - في المستنقع العربي. فإن كنت في باريس وحننت الى المستنقع فأنا إنسان أدمن الموت، وأنا أُعيذك - أيها العزيز - من مثل هذا الحنين القال. لقد جاء بنا الفتح العربي الى هذه الأرض الخبيثة، وتبع آباؤنا الأعراب أجمالهم الى السلم الشاحب في صحراء السودان فأضلهم السراب. والسراب السوداني - وقاك الله وحماك - من أبخرة المستنقع. "الشمس تطلع في السودان كاذبةً/ وليس تُنبت غير اليأسِ والعدمِ/ آثارها الفجرُ فقّاعاً أكابدُه/ كأساً تجفُّ وقطراً طامساً يدمي". لم تطل صحبتى لك في باريس في منزلك الأنيس، أنا لها أبد الدهر ذاكر. ولكن كنت مذهولاً مشتتاً أحاول أن أختزن لألاء النفوس والكنوس في قلبي الحزين. أبلغ سلامي الى كل من تراه، وحسبي هذا من حياة).

وقد جاء في تعليق لمنصور على رسالة المجذوب: (رحم الله الشاعر الشعبي محمد المهدي المجذوب فقد كان بلاغياً لا ينحبس عنده قول. وفصيحاً لا ينعجم عنده تعبير. انتحارياً في حبه لوطنه حتى أخذ يتحاشى عن الحياة عندما غلبه الأمر وأعياه. وكيف لا يعييه الأمر وقد صار شأن الوطن الى قومٍ مقحطين لا خلّ عندهم ولا ماء). {النخبة السودانية}.

(8)

وسنوافيك - أعزك الله - ضمن هذه السلسلة بمزيد من شاكلة ما قرأت. وفى خطتنا أن ندلف الى بعض المغارات التي قادنا اليها أبو سن وهو يخوض معركته ويدير صراعه مع منصور. وهو صراعٌ يزعم أن بعض الدبلوماسيين وصفوه بأنه "صراع الأفيال"، ولكنه صححهم قائلا: (بل هو صراع بين الإنسان وفيل الأحراش). ثم نريد بعد أن نخرج بك من تلك المغارات الى ضوء الشمس أن نعرض عليك ما عندنا في شأن الإنسان والفيل، ثم نأتيك بالخبر اليقين في أمر سيرة أبي سن السياسية، وسيرة علاقته بمنصور، وهى السيرة التي حمل صاحبنا قلمه وقام بإعادة صياغتها على الورق، فبدّل وقائعها تبديلا، وافترى فيها على التاريخ، وزوّر الحادثات بجرأة أدهشتنا وأدهشت كثيرين غيرنا، فصدَّقه السذَّج والبسطاء والواهمون من أدعياء المعارضة، والمتعبّطون في دورب السياسة بغير علمٍ ولا هُدىً ولا كتابٍ منير. ومن هؤلاء من دبّجوا المقالات في نصحنا، وحدَّثونا عن (سيرة نضال علي أبوسن الناصعة في مناطحة مايو والشموليين). وهؤلاء البؤساء لا يعلمون أن ابوسن كان من أنبياء الشمولية وأئمتها ومنظريها. كان رائداً من رواد الاتحاد الاشتراكي السوداني عهد صولته وعنفوانه، ومبشراً من مبشريه. ولا يدرون أن مئات المساهمات التي كتبها حول أنجع السبل لتعميق مفاهيم الاتحاد الاشتراكي وترسيخها في البيئة السودانية ما زالت محفوظة، لم ترثّ أوراقها بعد.

وستعرف مني كيف أن الصراع المزعوم بين أبي سن، كادر الاتحاد الاشتراكي فى أوج عهود الشمولية من سبعينيات القرن الماضي، والدكتور منصور خالد وزير الخارجية، إنما دار رحاه في الأصل والأساس حول قضيةٍ وحيدة، وهي أن وزارة الخارجية - بزعم أبي سن - تنكّبت الطريق فأخفقت في التعبير عن أهداف "ثورة مايو"، والالتزام بمقررات المؤتمر القومي للاتحاد الاشتراكي. وما زال أناسٌ كُثْر في عنفوان العقل وفتوة الجسد، يمشون بين ظهرانينا غداة يومنا هذا، تترامى إلى آذانهم من تحت طيات الأزمنة أصداء صوت أبي سن المتميز تجلجل داخل مؤتمرات الاتحاد الاشتراكي عبر مكبرات الصوت.

موعدنا الأربعاء اذن، وصبحُ الأربعاء قريب.

[ نواصل].




Post: #104
Title: Re: غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل
Author: زهير الزناتي
Date: 07-15-2010, 05:01 PM
Parent: #102

البطل 4
Quote: (1)

لم يكن اختيارنا لكتاب مذكرات الراحل علي أبوسن مادةً للعرض والنقد في زاويتنا هذه اختياراً اعتباطياً نخبط به بنات المطابع خبط عشواء. ومن نافلة القول أن السبب لم يكن هو قيمة الكتاب ومحتواه، فليس للكتاب من قيمةٍ أو محتوى. غير أنه كان من أبرز الدوافع والعوامل التي اهمّتنا وأقضت مضاجعنا منهج صاحب الكتاب، الذي عمد من خلاله الى إعادة صياغة تاريخٍ قريب ما زالت حادثاته حيةً تنبض في صدور الناس. قام الى أوراقها فخلطها خلطاً، كما تخلط الفاكهة في الخلاطات الكهربائية، فزوّر وقائعها، وغبّش شواهدها، ثم فككها تفكيكاً وركّب في أحشائها من عنده محركات جديدة.

والتاريخ هو ذاكرة الشعوب وضميرها. والتعابث به والاحتيال عليه جنحةٌ تستوجب التوقيف والمساءلة. ومن هنا فقد كان التصدي لواجب حماية ذاكرة الأمة، مهما كانت ضآلة الثغرة التي نقف عليها، مهمةٌ جليلة نهضنا اليها وأخذناها بحقها إيماناً واحتسابا. وسنعرض لكثير من ذلك في يومنا هذا ونفصّله، ونُقيم على مذكرات أبي سن، كما سطرها، حججنا الناهضة. وليت الأمر وقف عند السيرة الذاتية للمؤلف، وأدب المذكرات مرادفٌ لأدب السيرة الذاتية. لو اقتصر عليها لما كانت دية الكتاب عندنا إلا أن نتصفحه ثم نطرحه ونقول: هذا كاتبٌ نفّاخٌ نفّاش، نالت منه الدنيا منالها. وما أكثر النفاخين النفاشين من حولنا، ثم لمضينا في شؤون حياتنا وشجونها، لا نلوي على شيء. ولكن المؤلف تجاوز سيرته الى سير الآخرين فبدلها تبديلا، لم تأخذه في جنحة التبديل لومة لائم. والعجيب انه يفعل ذلك والناس أحياءٌ يرزقون، ينظرون وقد جحظت منهم الأعين، وأخذت منهم الحيرة كل مأخذ، يهزون الرؤوس، ويضربون الكف بالكف!

(2)

ولا يهولنك - أعزك الله - ما فعل أبوسن. ليس هو والله نسيج وحده في التخليط والتفحيط. المخلّطون والمفحّطون كُثر. وتزوير المذكرات وتلوين السير الذاتية رزيّة فاشية عند أهل الشرق وأهل الغرب أجمعين. وقد بلغ الحزن من كثرة التزوير وضعف الالتزام بالقواعد الأخلاقية والعلمية في كتابة المذكرات والسير الذاتية بين العربان، والمتسربلين بسرابيلهم، بالصحافي العربي الأشهر غسان الإمام مبلغاً دفع به لأن يكتب: (التاريخ عندنا منظومة حقائق ووقائع محاطة بحرس من الأوهام والمغالطات والأكاذيب). وقبيل سنوات قلائل هزّت الدوائر الأدبية والفنية والأكاديمية في الولايات المتحدة فضيحةٌ كبرى، جللت رأس أحد أشهر الكتّاب الأمريكيين المعاصرين، جيمس فري، الذي تصدرت مؤلفاته لأعوام عديدة قائمة الكتب الأكثر مبيعاً في الولايات المتحدة. وكان الرجل قد قام بكتابة ونشر سيرته الذاتية تحت عنوان (مليون قطعة صغيرة)، فحازت المذكرات من فورها على عدد من الجوائز المتميزة، ومن بينها جائزة وينفري الرفيعة. وقد بلغ توزيع ذلك الكتاب أربع مليون نسخة. ولكن أحد المراكز البحثية المتخصصة كشف بعد ذلك أن كثيراً من الوقائع التي أوردها المؤلف مختلقة وملفقة، وطرح الأدلة الدامغة على ذلك، فوقفت الساحات الثقافية الأمريكية على رجلٍ واحدة. ووقف جيمس فري على رأسه، وبقيت رجلاه معلقتان في الهواء حتى يومنا هذا!

كذلك زلزلت المجتمعات الأدبية الأوربية زلزالاً شديداً قبل سنوات قليلة، عندما اضطرت الدار الناشرة للسيرة الذاتية للكاتبة البريطانية ذات الصيت العالمي، جوديث كيلي، الى سحب كتاب مذكراتها من الأسواق، وعنوانه (Rock Me Gently) أو "هزّني بلطف". وذلك بعد أن تكشف أن كثيراً من الروايات التي وردت في الكتاب على انها مذكرات المؤلفة وتفصيلات حياتها، مصطنعة ومخترعة. ووجدت الكاتبة الكبيرة عقب تلك الفضيحة المدوية من "يهزها"، كما هي رغبتها، ولكن بغير لطف! (من اجل المزيد فى مضمار "همبتة المذكرات" أقرأ - أعزك الله - سلسلة صديقنا الكاتب الرصين محمد عثمان ابراهيم بعنوان: الفايكلوريزم الجديد "حكاية نورما خورى وحكاية اسماعيل بيه"، ملحق "رؤى واتجاهات بصحيفة "الاحداث"، اغسطس 2009).

(3)

هناك أمران يبدو أن أبا سن يخجل منهما خجلاً شديداً فيتحاشاهما تماماً، ويضرب عليهما حجاباً كثيفاً، ثم يسعى عبر كل سطور مذكراته الى التعمية عليهما ما استطاع الى ذلك سبيلا. أولاهما أنه، في حياته كلها - تلقّى تعليماً نظامياً في مؤسسة تعليمية واحدة، هي دار العلوم بمصر. وهي الدار التي كان المصريون يتندرون على طلابها، من دارسي المتون والحواشي، ويطلقون على المتخرج منها لقب "درعمي". ومسعى أبوسن الكثيف، الذي اتخذ شكل العقدة النفسية، لستر هذه الخلفية التعليمية عن العيون مرده، في تقديرنا، الى أنه لا يريد أن يُكتب عليه انه تخرَّج في مدرسة للعُرفاء، لا سيما وأن الرجل تعتريه حالة تقترب من الهوس تدفعه دفعاً لأن يعيد صياغة ذاته وتسويقها كإنسان متحضر ومتحرر ومستغرق تماماً في الحياة الغربية. ولم يكن غريباً أن تكون واحدة من أكبر المآخذ التي أخذها على المؤلف بعض من تناولوا بالنقد كتاب "المجذوب والذكريات" عند أول صدوره قبل سنوات، هو أنه لم يذكر دار العلوم ولا مرةً واحدة في كتابه. وليس من الطبيعي أن يسجل شخص ذكريات حياته كلها فتخلو من سطرٍ واحد عن المؤسسة التعليمية التي درس وتخرج فيها.

وفي مقابل هذا الجحود والنكران للتعليم الديني والأصولي المعهدي فإنك ترى أبوسن يكثر من ذكر جامعات أوربية، لم يتخرج منها ولم تمنحه شهادة أكاديمية واحدة. ولكنه – مع ذلك - يوحي للقارئ من طرفٍ خفي ومن خلال عبارات منثورة هنا وهناك بذكاءٍ شديد انه درس فيها وتخرّج منها. تقرأ في المذكرات عبارات عارضة، ولكنها مختارة بعناية، كأن يكتب عن علاقة عاطفية عاشها ثم يقول إن مسرحها كان جامعة لندن. ومن البديهي لو انه كانت هناك علائق عاطفية مكانها جامعةٌ ما فلا بد أن يكون أطراف العلاقة طلاباً أو أساتذة في تلك الجامعة! أو أن يحقن مسار حديث معين أثناء السرد بعبارة مثل "رآني فلان وأنا خارج من كلية الاليانس فرانسيز في باريس"!

وحب أبوسن لأن يُنسب الى جامعة لندن، عوضاً عن المعاهد العربية الأصولية، هو الذي حدا به لأن يدس بعض العبارات على لسان صديقه المفترض الشاعر محمد المهدي المجذوب، فيكتب مثلاً: (سألني المجذوب عن رسالتي للدكتوراه التي عنوانها "العلاقات السودانية الإثيوبية في عهد الدولة المهدية). وقد وجدت في إشارة أبي سن الشاطحة الى (البروفيسور سارجنت المشرف على رسالتي) أمراً ممعناً في الغرابة. ذلك أن البروفيسور سارجنت هو أستاذ اللغة العربية بجامعة لندن. وهو البروفيسور الذي تتلمذ على يديه الراحل الدكتور عبد الله الطيب، رحمه الله، والدكتور محمد إبراهيم الشوش، أطال الله في عمره. ولا علاقة للبروفيسور سارجنت هذا، من قريب أو بعيد، بمادة التاريخ ولا بالعلوم السياسية، وهما الحقلان الأكاديميان اللذان يمكن أن تندرج تحتهما رسالة أبي سن المشار اليها، فما هي يا تُرى الإجازة التي منحت له إذن بموجب تلك الرسالة؟! لا أحد يعرف. أو لعل غيرنا يعرف، ولكنه يخفي فمه تحت كُمِّه، ولا يقول!

ونحن نميل الى الاعتقاد بأن جنوح أبي سن المرَضي لستر خلفيته التعليمية وكدّه المضني للتظليل عليها، وكأنها مسبة تجلب العار، يمتد أيضاً الى تاريخه العَقَدي والسياسي، الذي جهد صاحبنا ما وسعه الجهد لاخفائه في مذكراته، إذ لم ترد عن ذلك التاريخ كلمة واحدة في كل صفحات الكتاب. وتلك أيضاً من الغرائب اللافتة للانتباه، فما قيمة أية مذكرات لا يشير فيها الكاتب الى عقائده الفكرية وانتماءاته السياسية الاولى، بل ويُهيل عليها التراب، ويفر منها فراراً لكأنها الجرب الأجرب. وما العيب في أن ينتمي المرء الى فكرة أو جماعة معينة، ثم ينكص على عقبيه ويتخذ لنفسه مساراً فكرياً جديداً؟ ولكن حرص أبي سن على الطلاء الغربي والمساحيق التحررية التي غطَّى به وجهه يأبى عليه أن يقر بأنه التحق في حياته الباكرة بجماعة الإخوان المسلمين. والثابت عند من يعرفون التاريخ الحقيقي للرجل إنه كان قد التحق بالجماعة ولعب دوراً نشطاً في صفوفها. والشائع بين من زامله في ذلك التنظيم انه كان شديد التعصب في نزعته الإسلاموية، بل انه عرف بكونه من أشد أعضاء التنظيم تطرفاً. وقد شهد بذلك عددٌ ممن عرفوه وزاملوه وانتظموا في الجماعة بجانبه، ومنهم الشيخ الجليل الأستاذ محمد خير عبد القادر أمدّ الله في عمره.

(4)

أما الأمر الثاني الذي يخجل منه أبوسن خجلاً شديداً وجهد لاخفائه في مذكراته، فاضطره الأمر اضطراراً لتزوير الوقائع والأحداث تزويراً شنيعاً، مع ان شهودها أحياء يلبسون ثوب العافية، فهو دوره القيادي في تنظيم الاتحاد الاشتراكي المايوي أثناء عمله في وزارة الخارجية، ثم بعد انتقاله متفرغاً للأمانة العامة للاتحاد الاشتراكي. وذلك مع انه لم يستنكف أن يكتب على سبيل النفخ والنفش أن رئيس الوزراء بابكر عوض الله قال له بعد الانقلاب مباشرة في مايو 1969م: (أنا قلت لأعضاء مجلس قيادة الثورة أنا عندي زول ممتاز حيتولى لينا إنشاء التنظيم السياسي للثورة). وهذا "الزول الممتاز" هو علي أبوسن نفسه بطبيعة الحال، وكان يشغل وقتها وظيفة سكرتير ثالث في السلك الوظيفي لوزارة الخارجية. ومعلوم أن الرجل قام في مرحلة لاحقة من حياته بإعادة اكتشاف نفسه وتسويقها كواحد من أعتى أعداء الشمولية والمناضلين ضد مايو ونظامها!

ما يهمنا هنا هو أن صاحبنا تسنّم وبمحض إرادته بل وبمبادرة خالصة منه – خلال حقبة السبعينيات - موقع أمين فرع الاتحاد الاشتراكي بوزارة الخارجية. وقد ظل الدبلوماسيون ينأون بأنفسهم عن إنشاء فرع للاتحاد الاشتراكي بوزارتهم فلم يقم للاتحاد الاشتراكي كيان عندهم حتى جاء أبوسن وركب رأسه وأصرَّ على أن يكون لتنظيم الاتحاد الاشتراكي وجودٌ فاعل هناك، محتمياً بالشعار الذي اشتهر وقتها عن مواقع أخرى ومؤداه انه لن تكون الوزارة "جزيرة معزولة في محيط ثوري". ويقول معاصروه من الدبلوماسيين - وهم كثر يعاظلون الدنيا بين الوطن والمهاجر - إنهم ذاقوا الأمرّين جراء نفوذه المتفاحش وسلطته وعنجهيته واستعلائه على الآخرين بحكم انتمائه ومركزه في التنظيم الحاكم. وقد تملكت صاحبنا عهدذاك نزعة مستفحلة لأن يلعب دوراً متعاظماً يشبه ذلك الدور الذي كان يلعبه منسوبو الحزب الشيوعي في شرق أوربا داخل وزاراتهم. وقد أغرى منصب "أمين الاتحاد الاشتراكي" في ذلك الموقع التنفيذي الحساس، علي أبوسن لأن يتدخل في شؤون الوزارة واختصاصات وكيلها ووزيرها، وأن يدبِّج التقارير عن ضعف التزام بعض المسؤولين بما فيهم الوزير، بمبادئ وأهداف "ثورة مايو". ومما أخذه على الوزير، وكتبه في تقاريره ثم أشاعه في اجتماعات مفتوحة، ما وصفه بأنه "ضعف في الأداء العام". وهنا برز الاحتكاك الأول بينه وبين الدكتور منصور خالد، الذي كان يشغل وقتها منصب الوزير.

كان من الطبيعي ألا يكون وجود أبي سن وممارساته التسلطية مقبولة عند وزير في حجم وجبروت ونفوذ منصور وقتها، فما كان من الأخير إلا أن كشر عن أنيابه للموظف الصغير الذي لم يعرف حدوده. والحال كذلك فقد وجد أبو سن انه من الأنسب له أن يترك الوزارة قولاً واحداً ويلتحق على سبيل الانتداب بالاتحاد الاشتراكي متفرغاً بذلك للعمل السياسي، وذلك حتى يأمن مكر منصور. ولكنه وبعد أن وجد لنفسه موطئ قدم داخل ذلك التنظيم - بمعونة من أحد المناوئين لمنصور داخل تشكيلات المجموعات المتنافسة والمتصارعة، وهو المرحوم الرشيد الطاهر - حدثته نفسه، الأمّارة بمناطحة الأفيال، أن يناطح وزير الخارجية علناً. وهناك وفي ساحة الاتحاد الاشتراكي - حصن ابى سن الأخير - كُتب الفصل النهائى في المعركة التي خرج منها صاحبنا وقد خسر كل شيء، الى درجة أن مسؤول الشؤون الإدارية بدار الاتحاد الاشتراكي، العقيد مصطفى عبادي، أمر خفراء الباب الخارجي بمنع أبي سن من الدخول من بوابة الاتحاد الاشتراكي، وذلك ما سطره أبوسن نفسه في الصفحة (165) من الجزء الثاني!

(5)

عقب انقلاب الخامس من سبتمبر 1975م المندحر، والذي كان قائده الرسمي المرحوم المقدم حسن حسين عثمان، وقائده الفعلي ضابط الصف حماد الإحيمر، عُقد اجتماعٌ تداولي خاص في مقر الاتحاد الاشتراكي بغرض جرد حساب أداء التنظيم خلال محنة الانقلاب. ولم يكن يُدْعَى الى مثل هذا النوع من اجتماعات النقد الذاتي غير أهل الدار، فلا سبيل الى الأغيار للمشاركة فيها. وقد كان أبوسن من المدعوين لذلك الاجتماع (لو كان الرجل من أعداء النظام، كما حشَا في مذكراته، لكان الأحرى به أن يكون يومها مع الإحيمر لا مع النميري). طلب أبوسن الكلمة فلما وضع المايكروفون بين يديه ألقى على الحاضرين خطبة عصماء خصّص نصفها الأول للإشادة بالرئيس السابق ودوره في خلق سودان جديد قوي ومتماسك أصبح مثار اهتمام العالم. ثم أضاف إن الرئيس القائد (وكان ذلك هو اللقب الرسمي للرئيس نميري) حقق للسودان بفضل قيادته الرشيدة انتصارات عظمى في جميع المجالات باستثناء المجال الخارجي. وهنا انتقل صاحبنا الى النصف الثاني وفيه تناول بالنقد وزارة الخارجية، فزعم انها فشلت تحت قيادتها الحالية في التعبير عن الرؤى والتصورات الكبرى التي ظل الرئيس يطرحها في خطبه التي وصفها أبوسن بـ"المنارات الهادية". ثم قدم بعض الأمثلة لأوجه الإخفاق كما تصورها هو.

عقب ذلك طلب الرئيس نميري من وزير الخارجية التعقيب على مداخلة "العضو المحترم أبوسن"، فعقَّب الدكتور منصور تعقيباً موجزاً جاء فيه أن السياسة الخارجية للحكومة لا يضعها الوزير، وإنما تضع خطوطها العامة لجنة العلاقات الخارجية بالاتحاد الاشتراكي. وفي نهاية تلك الجلسة جرت محادثة علنية مفتوحة بين الرئيس نميري ووزير خارجيته، استمع اليها جميع من كانوا على المنصة، وثلاثة منهم أحياء، فضلاً عن عدد من أفراد طاقم السكرتارية، وجميعهم أحياء يرزقون. وجرت المحادثة على النحو التالي: (الرئيس نميرى: الزول ده عايز شنو بالضبط؟/ د. منصور: طالما ظن انه قادر على ما عجز عنه وزيرك فأمامك واحد من خيارين، إما تعيينه وزيراً للخارجية، أو تنتدبه للعمل في أمانة العلاقات الخارجية حتى يضع لوزارة الخارجية سياسة أفضل). ولكن الرئيس بدلاً عن انتدابه فإنه أصدر قراراً بنقل علي أبوسن نقلاً نهائياً من وزارة الخارجية، وعينه في موقع متقدم بأمانة العلاقات الخارجية بالاتحاد الاشتراكي. وقد سعد أبو سن وقتها بذلك القرار الرئاسي سعادةً طاغية، لم يخفها على أحد، على ظن منه بأن الموقع المتقدم بأمانة الاتحاد الاشتراكي قد يفتح الباب واسعاً أمام طموحه السياسي الذي لا يعرف حدوداً. ولكن رياح مايو أتت بغير ما اشتهت سفن صاحبنا، فما هو إلا عام وبعض عام إلا وأجرى الرئيس بعض التعديلات على أمانات الاتحاد الاشتراكي وشاغليها، وكان من مؤدى تلك التعديلات فقدان أبو سن لموقعه في أمانة العلاقات الخارجية. وفجأة وجد الرجل نفسه على قارعة الطريق، بغير موقع في التنظيم السياسي وبغير وظيفة في وزارة الخارجية، التي كان قد نقل منها نقلاً نهائياً بموجب القرار الأول.

(6)

عقب انهيار النظام المايوي في أبريل 1985م قام وزير خارجية حكومة الانتفاضة، الأستاذ إبراهيم طه أيوب، بتشكيل لجنة لإعادة الدبلوماسيين "المفصولين تعسفياً" من وزارة الخارجية خلال العهد المايوي. عهدت رئاسة هذه اللجنة في مرحلتها الأولى الى السفير هاشم محمد صالح، ثم في مرحلة ثانية الى السفير نوري صديق. وكلا السفيرين، وأعضاء اللجنة الآخرين، أحياء يتنفسون في سماء الخرطوم، أطال الله في أعمارهم جميعاً. وقد تقدم الراحل علي أبو سن بطلبٍ مكتوب الى هذه اللجنة يطلب إعادته الى السلك الدبلوماسي بوزارة الخارجية. وقد نظرت اللجنة في طلبه وقررت عدم إعادته الى الوزارة، ثم أوردت الأسباب في خطاب بعثت به اليه رداً على طلبه. وقد جاء في خطاب اللجنة أنها غير مختصة بالنظر في طلبه حيث إنه لم يفصل من الوزارة، بأي وجه من وجوه الفصل من الخدمة، بل إنه انتقل بكامل إرادته ووعيه من وظيفته التنفيذية الدبلوماسية بالخارجية الى وظيفة سياسية بالاتحاد الاشتراكي. وصورة الخطاب الموصوف، فضلاً عن التقرير النهائي للجنة ووثائقها، محفوظة بكاملها ضمن أرشيف إدارة الشؤون الإدارية بوزارة الخارجية.

(7)

الذي سجلناه بعاليه هو التاريخ الثابت والمرصود، الذي لا يزال شهوده من وزراء وسفراء ودبلوماسيون وإداريون وصحافيون وكادرات سياسية على قيد الحياة، ولا تزال وثائقه نابضة تفترش غرف دار الوثائق القومية ووزارة الخارجية السودانية. فماذا كتب أبوسن في مذكراته وهو يعرض هذا التاريخ؟! اخترع صاحب المذكرات روايات بلقاء سوّد بها عدداً مهولاً من صفحات كتابه. أغرب ما في عرض الرجل لسيرته الذاتية انه لا يشير قط لدوره السياسي الراكز في التنظيمات المايوية. والأكثر غرابة انه يطرح نفسه كمناضل يرفض الشمولية إجمالاً، ويمقتها ويحتقرها، وينظر الى سدنتها من تحت أرنبة أنفه. ثم إنه يقدم لقارئه نماذج متعددة لنضال باسل مزعوم لإسقاط نظام مايو، بينما التاريخ الثابت والمرصود يدلنا على أن نظام مايو هو الذي أسقطه!

وقد هالنا، كما هال كثيرٌ غيرنا، أن نقرأ روايته الغريبة عن الحرب المتوهمة بينه وبين الدكتور منصور خالد، والتي كتب الرجل في صددها كلاماً تذهل له كل مرضعة عما أرضعت. وسنعرض لبعض هذه الروايات في حينها ضمن هذه السلسلة. ولكن الذي يهمنا في هذا المقام هو مناقشة الكيفية التي عرض بها صاحبنا ذلك التاريخ، وتلك الوقائع، التي فصلناها لك تفصيلا، وعلى وجه التخصيص رواية تنحيته عن موقعه بالتنظيم السياسي. لم تشر المذكرات من قريب أو بعيد الى حقيقة أن مؤلفها لم يكن أصلاً ضمن قوة وزارة الخارجية عند فصله. ولكنه بدلاً عن ذلك كتب - خلافاً للحقيقة- في مذكراته أن قراراً صدر بفصله من وزارة الخارجية، وأن الدكتور منصور خالد بعث اليه بالقرار على يد سائقه الخاص، الذي جاء بسيارة الوزير المرسيدس الحكومية الخاصة في منتصف الليل الى منزل أبي سن بحي العمارات ليسلمه خطاب الفصل من الوزارة (الوزارة التي لم يكن اسم كاتب المذكرات وقتها مسجلاً ضمن موظفيها أساساً!) وأضاف ان السائق اعتذر له بأن الوزير هو الذي فرض عليه أن يأتيه في ذلك الوقت المتأخر من الليل! وهذه الرواية العجيبة التي لا يسندها واقع ولا منطق، تطرحها المذكرات كواحدة من مرتكزات تاريخ أبوسن النضالي ضد مايو ونظامها!

ولكن الرجل، والحق يقال، لم يتركنا وحدنا في بيداء الحيرة، بل دعم روايته العجيبة تلك بأدلة يفترض انها ستعبّد الطريق أمامنا فنفهم ونستوعب الحقيقة من أمر صراعه المتوهم مع منصور، وهو الصراع الذي أفضى الى فصله من وزارة الخارجية كما ادّعى. الدليل الأول هو اجتماع دار بينه وبين وكيل وزارة الخارجية وقتها، الأستاذ فضل عبيد. وهناك أدلة أخرى تجدها في ما كتبه المؤلف عن دعمٍ تلقّاه من آخرين منهم السيدة عوضية أبوصالح (شقيقة الدكتور حسين أبوصالح)، مديرة مكتب وزير الخارجية وقتها، ومساندتها له في مواقفه الرجولية ضد الوزير. وقد زكّى المؤلف السيدة عوضية وأشاد بمواقفها المتميزة في ذلك الصراع. وسنأتيك الى الوكيل، وسنأتيك الى السيدة عوضية، فخذ - أعزك الله - نفساً طويلاً، ثم الحق بنا الى الفقرة التالية.

(8)

في هذا الاجتماع بين وكيل وزارة الخارجية الأستاذ فضل عبيد وأبوسن يقول الأخير انه استقى نبأ فصله من وزارة الخارجية للمرة الاولى. وبحسب الرواية، فإن الوكيل فضل عبيد، اجتاحته حالة من الحزن العميق بسبب قرار الفصل أبدع المؤلف وأفاض في وصفها. وعقب ذلك اللقاء يقول المؤلف إنه ذهب الى مكتبه حيث جمع أغراضه الشخصية وغادر الوزارة للمرة الأخيرة. وقد انتهى ذلك اللقاء بين الوكيل والدبلوماسي المفصول نهاية درامية. كيف؟ كانت هناك - بحسب أبي سن - لوحات تشكيلية بالغة الروعة أتى بها الوكيل من دولة أجنبية ووضعها في مكتبه. وفي نهاية ذلك اللقاء قام الوكيل الحزين وجمع كل هذه اللوحات وأعطاها الدبلوماسي المفصول، وطلب منه أن يأخذها هدية منه، وقال له بلهجة من يكاد الحزن يقتل فؤاده: (خذ هذه اللوحات يا علي. أنت تستحقها). هل نحتاج الى بينات وحيثيات وأدلة أقوى من هذه على صدق ودقة رواية فصل أبوسن من وزارة الخارجية؟ لا أعتقد. هذه رواية جيدة من أي جنب أتيتها. كما ان الأستاذ فضل عبيد من أكثر الشخصيات احتراماً وموثوقية، وهو من الذين يُحسب كلامهم بحساب وتوزن أفعالهم بموازين الذهب. ماذا نريد بعد ذلك؟ أم هو غلاط والسلام؟!

هناك للأسف مشكلة واحدة في أمر رواية أبي سن المتقدمة. وهي أن الأستاذ فضل عبيد وكيل وزارة الخارجية الأسبق جاءته ثلة من السفراء عقب صدور الكتاب قبل سنوات تستفسر منه عن صحة الرواية التي ضمنها أبوسن سيرته الذاتية ونشرها في مذكراته منسوبةً الى وكيل الوزارة، فكانت إجابة الوكيل السابق أن ردّ الرواية بأكملها، ونفاها نفياً قاطعاً. جميل. ماذا أفعل أنا الآن؟ هل أكتفي بهذه المعلومة؟ أبداً. فانا احب ان احصحص الاشياء بنفسى. وككاتب مسئول خطر لى ان الجأ الى نهج الصحافة الاستقصائية التى توثق للحقائق مباشرة، عوضاً عن الركون الى روايات مجالس المؤانسة المرسلة. وهل يصعب على مثلي أن يحصل على رقم تلفون هاتف الاستاذ فضل عبيد النقال؟ خلال المحادثة التي جرت بيني وبين الأستاذ فضل عبيد، حفظه الله وأمد عمره، ونفع بلاده بفيض خبرته وعلمه، لاحظت تردد الرجل في أن يدلي في الأمر بدلو، وقد استحصن بحديث: "اذكروا محاسن موتاكم". غير أنني ألححت عليه إلحاحاً، وحججته بأنني شديد العناية بأدب المذكرات، وانني لا أذكر أحداً بسوء وإنما أحقق كتاباً كتبه صاحبه وطرحه للناس في الأسواق، وان اسم الوكيل السابق مدون في هذا الكتاب، وانه شاهد على ما ورد فيه، ثم ذكرته بالآية الكريمة من سورة النساء: (ولا تكتموا الشهادة، ومن يكتمها فإنه آثمٌ قلبه).

جاءتني بعد ذلك - وعلى مضض - شهادة الأستاذ فضل عبيد. ها هي، أعزك الله، أمامك فاقرأ باسم ربك الأكرم: (قلت لمن سألوني من قبل حول ذات الأمر ان هذا اللقاء بيني وبين أبوسن لم يحدث، وما كتبه أبوسن من حديث، ونسب فيه الى شخصي ما نسب كله مختلق. والرواية من أولها الى آخرها عارية من الصحة تماماً). وحول ما كتبه أبوسن في مذكراته عن اللوحات التشكيلية التي أهداها له الوكيل بعد فصله، من قبيل الوداع، كانت إفادة الأستاذ فضل عبيد علي النحو التالي: (نعم كانت هناك لوحات تشكيلية في مكتبي، وهي لرسام زائيري شهير. ولم يحدث أن أهديت هذه اللوحات لأبي سن، ولم أفكر في إهدائها له أو لأي شخص غيره. الذي حدث هو أن أبوسن جاءني ذات يوم وذكر لي انه يزمع إقامة معرض للوحاته الخاصة، واستأذنني أن أُعيره بعض تلك اللوحات ليضعها في المعرض ثم يعيدها اليّ، وقد أخذها بالفعل على هذا الأساس. ولكنه لم يعدها قط. وقد فوجئت بها بعد ذلك معلقة في صالون منزله، فلذتُ بالصمت إذ لم أشأ أن ألاحقه بعد ذلك). هذه هي كلمات وكيل وزارة الخارجية الذي كتب أبوسن في مذكراته انه علم منه بقرار فصله، وانه أهداه لوحاته التشكيلية الغالية تحت تأثير لحظات حزن غامر اعترته بسبب قرار الفصل. وقد نقلنا اليك شهادة الرجل بنصّها وفصّها. ثم ماذا نقول بعد ذلك؟!

أما السيدة الفضلى عوضية أبوصالح التي نثر المؤلف اسمها في كتابه عدة مرات وزعم انها آزرته في حربه على منصور، ونسب اليها روايات ما أنزل الله بها من سلطان، فقد تفضلت بدورها مشكورةً بالإجابة على أسئلتي. والسيدة عوضية، شأنها شأن الأستاذ فضل عبيد، تعيش في مدينة الخرطوم، وهي متاحة لكل من قصدها من أهل الصحافة والإعلام، سجل خدمتها المتميز في وزارة الخارجية كتابٌ مفتوح، لا تخُفي شيئاً ولا تخشى غير الله. وقد ذكرت لي بلغة عربية مبينة، لا لجج فيها ولا عوج، ان كل ما سطره أبوسن ونسبه اليها في مذكراته هراءٌ محض، ليس له من الحق نصيب.

ذاك ما كتب أبوسن، وهذا ما ردت به السيدة الكريمة، وهل بعد الحق إلا الضلال؟

(9)

هذا هو ما كان من أمر رواية أبي سن المدهونة، بشأن بطولات فصله من وزارة الخارجية، التي شغل بها الدنيا، واختلط أمرها على الناس اجمعين، بما فيهم الرئيس السابق جعفر نميري نفسه، الذي أدخل في رأسه دهاقنة القصور من أعداء منصور بعض الترهات فذكرها في أحاديث صحفية حول هذه القضية، وهو يستهدف وزير خارجيته الذى تمرد عليه، وقد نأتى الى تلك الترهات فى حينها.

وسيتصل مشوارنا، إن شاء الله، ونحن نميط غُلالات الأضاليل عن وجه هذه المذكرات، التي يفترض انها تقدم لأجيالنا الطالعة العظات والعبر وخلاصات التجارب الإنسانية الهادية، ولكننا ما رأينا فيها إلا التخاليط والخرابيط ولجاج بني معيط.

وما زال ليلنا مع كتاب أبي سن طفلاً يحبو! [ نواصل ].







Post: #106
Title: Re: غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل
Author: زهير الزناتي
Date: 07-15-2010, 05:07 PM
Parent: #104

البطل 5
Quote: يا شيخ الصعاليك اليتامى

ويا مسكاً يضوع الآن خلف الموت

أسراراً، وأذكاراً، وأشجارا

ورؤيا آسرة

الله يا شيخ القضايا الخاسرة

(من قصيدة " قبر على موج الدميرة" للشاعر كمال الجزولى، فى رثاء الراحل محمد المهدى مجذوب)



(1)

لا تراودنا ذرة شك فى أن قيام أبى سن بنشر الرسائل الخاصة لشاعرنا الكبير محمد المهدى المجذوب بعد وفاته تمثل معلماً فارقاً فى سيرة الفجيعة الاخلاقية التى ألحقها بمضمار كتابة المذكرات فى السودان. يضاف الى ذلك الروايات المرسلة ذات المضامين المستقبحة الحاطة من أقدار الناس، التى لم ترد فى الرسائل والمكاتبات ولكن صاحب المذكرات صاغها من عنده ثم وضعها على لسان المجذوب، مدعياً ان المجذوب ذكرها له فى لقاءات خاصة جمعتهما. ولا عبرة هنا بما كتبه خلصاء صاحب المذكرات من الذين احتفوا بهذه الرسائل، وعدوا نشرها فتحاً أدبياً، ونعتوا المنددين بنهج اذاعة اسرار الأصدقاء الشخصية، بعد رحيلهم عن دنيانا، بأنهم يرتهنون الى قيمٍ مهترئة ومُثُلٍ بالية تجاوزها الزمان.

أى فتح أدبى هذا الذى يُفضح فيه، وتبذل للغاشين والماشين، أخص وادق أسرار رجل محصن يكتب الى امرأة اجنبية يحدثها بمثل ما حدثت الرسائل الفتاة روزمارى؟ (يناديها بعض من طرقوا هذه القضية ب "الشاعرة روزمارى". ليست هى بشاعرة ولا يحزنون، وانما صبية التقطها ابوسن من طرقات لندن). وهى رسائل يفترض أن المجذوب كتبها وبعث بها الى فتاة يافعة تنهد للخروج من سن المراهقة. وبحسب رجاء النقاش، الذى استقى معلوماته من ابى سن، فان شاعرنا كتبها وهو فى سن الخامسة والاربعين وما بعدها، بينما كانت الفتاة روزمارى فى التاسعة عشر وفقاً لأغلب الروايات (يقول النقاش انها كانت فى العشرين، لا التاسعة عشر. لا فرق). وتشتمل الرسائل الى الفتاة روزمارى على جوانب قد ترد فى مواددات حميمة بين رجل وامرأة، ولكنها بالقطع واليقين، وبكل المعايير، لا تصلح للنشر. واكاد اجزم، بغير كثير حذر، ان المجذوب لو كان حياً وقرأ بعض عبارات تلك الرسائل منشورة ومنسوبة اليه لسقط مغشيا عليه من فوره. والمجذوب نبات لبيئة سودانية أصيلة تتجذر فيها القيم الرفيعة، ويقوم "الانفلات" فيها مقام الاستثناء الذى يثبت الاحكام والقواعد ويعضدها. ونود ان نبسط امامك فى يومنا هذا- اعزك الله - بعض المآخذ التى اخذناها على صنيع صاحب المذكرات باذاعة رسائل المجذوب الخاصة على الملأ.

(2)

فى مذكراته الموسومة (فى بلاط الدبلوماسية والسلطة)، أورد وزير الرئاسة والسفير السابق الاستاذ ابوبكر عثمان محمد صالح، رواية عن واحد من متصوفة الحركة الاتحادية فى مرحلة الاستقلال، هو الراحل الوزير محمد نورالدين. وجوهر الرواية هى ان الرجل مرت به ظروف مالية قاسية ابان وجوده بمصر، وعندما علم بذلك الراحل الشريف حسين الهندى، الذى صادف مروره بالقاهرة، بادر بدفع ديون الرجل بكاملها دون علمه. ولكنه اشترط على ابى بكر ان يُبقي الامر سراً والا يخبر نورالدين بأنه هو الذى سدد عنه ديونه. وقد تُوفي الوزير نورالدين وهو يظن ان المقرض هو ابوبكر، ووجد ابناؤه بين اوراقه عند الوفاة توثيقاً لذلك المبلغ واشارة الى انها دين مستحق لابى بكر. وبعد ان وردت هذه الرواية تلاها مباشرة توضيح من كاتب المذكرات جاء فيه انه لم يضمّن كتابه هذه المعلومات الا بعد ان استأذن اسرة المرحوم محمد نورالدين، وحصل على موافقة ابنه الاكبر الاستاذ صلاح محمد نورالدين (راجع سلسلة مقالاتنا بعنوان: ابوبكر عثمان فى بلاط الدبلوماسية والسلطة). تلك اذن هى اصول التعرض لسير الناس وخصوصياتهم ومعالجتها فى الكتابات المبذولة، وابوبكر يفهم، بغير شك، تلك الاصول ولا يعدوها، ومثله كثير.

ومن الاعراف المستقرة فى السلوك العام ان الاسرار التى تنتهى عند طرفٍ من الاطراف عن طريق المشافهة او المكاتبة لا تبذل للاغيار بغير اذن اهلها. ومأخذنا الأساسى على ابى سن هو انه بادر الى استباحة أسرار الشاعر المجذوب، بعد وفاته دون اذن من اسرته، وهى معلومة استوثقنا منها. اسرة الشاعر الكبير لم تطلع على اصول هذه الرسائل المزعومة، ولم تقرر انها مخطوطةٌ بخط يده، ولم تأذن بنشرها. وليس بأيدينا والحال كذلك، ولا بيد غيرنا، ما يقطع بأن هذه الرسائل قد كتبها المجذوب فعلاً، وذلك باستثناء افادات ابى سن نفسه بطبيعة الحال. ولا بد انك - اعزك الله- تعرف جيداً مدى مصداقية افادات الرجل، لا سيما وانك طالعت الحلقة الرابعة من هذه السلسلة!

وكان ابوسن قد نشر من قبل رسائل الشيخ حسن الترابى الخاصة، التى زعم ان الشيخ بعث بها اليه على عهد الشباب، دون اذن منه أيضاً، مما احنق عليه الشيخ، فقام - محقاً- باستخدام سلطات النيابة العمومية التى كان يتمتع بها لحظر الكتاب. وفى حالة الشيخ الترابى فان أبا سن لم ينشر رسائله الخاصة على انها "فتح أدبى"، وانما نشرها فى اطار مكايدات سياسية بحتة. والاحتفاظ بالرسائل الحميمية التى كتبها الاصدقاء فى عهود الصفاء، ثم استخدامها فى زمانٍ لاحق كسلاحٍ لتصفية الخصومات بنشرها واذاعتها على الناس اجمعين بغرض إضعاف الخصوم السياسيين وأيذاء مشاعرهم، بعد ان تتفرق بهم شعاب الدنيا، مسلكٌ مستقذرٌ مستفجَر، تمجّه الفطرة السليمة ويأباه الضمير الحر.

الحقوق العرفية والقانونية فى أمر خصوصيات الناس مؤصّلة ومؤثلة، لا يتعداها الا متعدٍ مجانفٍ للنصفة. ونحن - ولله الحمد والمنة - لا نقف موقفنا هذا فرادى معزولين، بل هو موقف نجد انفسنا فيه على ذات الضفة مع عدد من لوامع المثقفين السودانيين، فى مقدمتهم شيخنا الدكتور عبد الله حمدنا الله، والدكتورة لمياء شمت، والدكتور مبارك بشير وغيرهم ممن كتبوا، عند اول ظهور المذكرات ودخولها حيز التداول، منددين بشرعة العدوان ونهج الافتئات على الحقوق. وقد وجدنا انفسنا على ذات الضفة ايضاً مع المثقف الشفيف صاحب الحرف الوضئ، المهندس عبدالله الشقلينى، الذى كتب فى منبر "سودان راى" الالكترونى:(من حق أبوسن أن يكتب وان يأخذ الاذن بالكتابة وفق الاسس المتعارف عليها قبل النشر. ومن حق البطل ان يتناول تفصيلات ما ورد فى كتاب ابوسن. ومن حق الأسر الممتدة ان تستوثق مما ورد حقاً مأذوناً من صاحب الشأن. ومن حق الاحفاد الا تتجول حيوات اهليهم الخاصة فى الفضاء بدون التوثيق الذى عنيناه، وبدون الاذن). ويضيف الاستاذ الشقلينى:(الموضوع ذو صلة بطرق كتابة المذكرات. وقد تحدثنا عن المنسوب للآخرين وضرورة أخذ موافقتهم قبل النشر. أما مذكرات كاتبها فهو أمرٌ يهمه. ومن هنا فان المدخل هو حق النسخ. وهو يطرح مصداقية هذه المذكرات ان كانت غير موثقة. هناك نظم لكتابة المذكرات، فالامر ليس بعمل هواة. واعتقد ان الامر يستحق النقاش. ليس من باب الاخلاق كما يصر البعض، ولكن من باب حق النقل عن الآخرين دون تصريح).

وفى ذات الموقع كتب العالم الفذ البروفيسور بدرالدين حامد الهاشمى: ( قرأت قبل سنوات مذكرات الشيخ بابكر بدرى، التى وُصفت بأنها المذكرات السودانية الوحيدة التى تتميز بالصدق الكامل. وقرأت كذلك مذكرات محمد خير البدوى، وهى ايضا صريحة جدا. الفرق بين تلك المذكرات وما سطره المرحوم ابوسن هو ان بابكر بدرى ومحمد خير البدوى كانوا صرحاء جداً فيما يخصهما فقط. أى انهما لم يذكرا ما قد يمس الآخرين. لم يعجبنى البتة نشر ابوسن لمكاتبات خاصة لصديق لا نعلم ان كان قد سمح بنشرها ام لا. هذا يمثل مشكلاً اخلاقيا. لا اعتقد انه يجوز ان تنشر مراسلات كتبها صديق فى زمن سابق دون علمه وموافقته. هذه فى نظرى من بدهيات اخلاقيات الكتابة. فى مجال النشر العلمى، على سبيل المثال، لا استطيع قانوناً ان أنشر مقالا علمياً كتبته مع آخرين حتى ارسل للناشر موافقات خطية من هؤلاء الآخرين المشاركين فى كتابة المقال).

(3)

ثم انه جاء فى الأثر أن "المجالس بأماناتها". واذا لزم حفظ الامانات فى حال المجالس المحضورة، والا ما سميت "مجالس"، فالأوْلى ان تكون "الرسائل بأماناتها" أيضاً. فالرسالة تحوى سر رجل واحد او امرأة واحدة الى رفيق او رفيقة. والحديث الذى اقتصر على متراسلين اثنين أدعى وأحق بالحفاظ على حرمته من حديث ذاع فى مجلس تحضره ثلة من الناس.

غير ان الذى يبعث على الاستغراب ويثير استهجاننا حقاً هو ان أبا سن بادر الى نشر رسائل خاصة لم يكن هو طرفاً فيها أساساً. العلاقة المفترضة انما هى بين المجذوب والفتاة روزمارى، التى كانت الرسائل تصلها عبر البريد مباشرةً. الذى حدث هنا هو ان أبا سن حافظ هو ايضا على علاقة ما بالفتاة، ثم حصل منها بطريقٍ من الطرق على الرسائل التى يفترض ان المجذوب كان يبعث بها اليها، ثم أخفى هذه الرسائل لحقبة طويلة، حتى اذا غاب المجذوب عن الحياة، اخرج الرسائل من مخبئها واذاعها فى كتابه. والواقع ان بأيدينا دليلا قطعياً ، يوفره كتاب المذكرات، على ان المجذوب طلب من ابى سن، ابان وجود الاخير فى لندن، ان يتسلم نيابة عنه الخطابات التى سبق ان بعث بها الى الفتاة واعادتها اليه عن طريق الحقيبة الدبلوماسية. أقرأ فى رسالة منه بتاريخ 20/04/1968 :(أرجو اذا لقيتها [روزمارى] ان تتسلم هذه الخطابات وتعيدها اليّ بالحقيبة). الأمر اذن لا يحتمل الجدل. لقد تسلم ابوسن الرسائل فعلاً، فنفذ بذلك الجزء الاول من طلب صديقه، ولكنه التوى عليه بشأن الجزء الثانى، فلم يُعد الخطابات اليه عن طريق الحقيبة، وانما احتفظ بها لنفسه حتى يأتى اليوم المناسب لاستثمارها!

ولو كانت روزمارى مثلاً هى التى تولت كبر نشر الرسائل لاختلف الامر اختلافاً بيّناً، فهى هنا طرفٌ اصيل فى العلاقة. ولكانت والحال كذلك نظيراً لغادة السمان التى بادرت من عند نفسها فنشرت رسائل غسان كنفانى اليها، او العراقية ديزى الامير التى سعت الى نشر رسائل اخرى، مشابهة فى طبيعتها لرسائل روزمارى، كان المجذوب يبعث بها اليها. وغير هؤلاء كثيرات وكثيرون.

(4)

بيد أنّ الطامة الكبرى فى مسلك ابى سن هى مصادرته اسم المجذوب وتوظيفه واستغلاله على نحوٍ مُسف يزرى بشاعرنا الكبير أبشع زراية. وكانت استاذة الأدب الانجليزى الدكتورة لمياء شمت قد بادرت فكتبت قبلنا مستعجبةً تندد بصنيع ابى سن:(كيف أمكنه ان يتجاسر كل هذا التجاسر على المجذوب، هاتكاً حرمة خصوصيته ب###### الكلام الذى لا يرتفع الا بأجنحة الطبع والتوزيع، منازلاً صمته الأبدى بساقط القول الذى يقتحم حديقته سهلة الاكناف، حين نامت عنها الاعين وتركتها هكذا لترعاها الضباع، فتطفئ وردها، وتحصب ثمارها، وتسحق كائناتها الصغيرة واطيارها الصداحة، من للمجذوب؟ من للمجذوب؟!) وأضافت الدكتورة لمياء، وهى تواصل مسيرة الاحتجاج وتلقى بالاضواء الكاشفة على مهزلة استغلال اسم الشاعر الكبير:(تم توزيع الكتاب توسلاً او تسولاً، بعنوانه الذى يحمل اسم المجذوب، فى تحايل ######## لم يرع ابسط مواضعات العلاقة بين النص وعنوانه. فقد قام كاتبه "الجسور" بفتق رتق الصلة المفترضة بين المضمون والعنوان، غير آبه البتة بامكانية كشف الخدعة المستخدمة فقط لغرض القبض على انتباه القارئ ريثما يتمكن الكاتب من سرد سيرته الذاتية العجائبية "سيرة الكاتب نفسه"، التى يتشابك دغل احداثها بصورةٍ تبهظ العقل والخيال معاً. وفى خضم نظام تلك السيرة الذاتية المدهشة لا يفوت على الكاتب ان يذكر المجذوب أحيانا بحفنة من العبارات تتفرق عبر الصفحات، حيث يتم استحضار المجذوب بشكل طارئ ليقوم بالتعليق او التأكيد على حكايا تدعم من مزاعم الكاتب، خاصة فى شأن فتوحاته الادبية والفكرية والسياسية الكبرى، ثم بعد ذلك يطرح المجذوب جانباً ليخلد ردحاً من الصفحات لصمتٍ رهيب لا يخرج منه الا لشهادة اخرى). [الرأى العام، 22/7/2001 م].

ولا جدال فى ان الكتاب لا يضيف الى شاعرنا الكبير مثقال خردلة. بل انه – وهذا هو الأنكى وأضل – يخصم من رصيده ويضعه كرمز من رموزنا الثقافية تحت اضواء سالبة. فليس من قيمة أدبية، او غير أدبية، يستقيها المرء من نشر معلومة تفيد بأن المجذوب لم يكن يصوم رمضان، ويجاهر بذلك فيدخن السيجار بغير مبالاة فى روابع نهارات الشهر الفضيل أمام رائد الاخوان المسلمين الشيخ على طالب اللهً؟! وليس هناك من قيمة يعتد بها فى تلك الاحاديث العجيبة المريبة عن تفصيلات الحياة الجنسية ودقائق القضايا المتعلقة بمعاشرة النساء على نحو ما جاء فى الرسائل المفترضة الى روزمارى. ثم ان الرسائل التى نشرها ابوسن، تُسقط على الرجل، من حيث لم يحتسب، أضواءً غريبةً شاذة لم يألفها السودانيون عن شاعرهم. فهى تظهره فى صورة الرجل المضطرب المتهافت على النساء من غير تثبت او روية. ولعل هذا ما حدا بالسفير جمال محمد ابراهيم ان يضيف فى مقاله الذى أشرنا اليه فى حلقةٍ متقدمة من حلقات هذه السلسلة: (ولعلي على يقين أنه لم يُعرف عن شاعرنا الراحل رحمه الله أنه كان "زير نساء" ، أو هو ممن شغلت ملاحقة النساء جلّ وقته ولونت علاقاته).

ونحن نعرف من الكتاب ان الفتاة روزمارى لم تكن فى الواقع سعيدة تماماً برسائل المجذوب اليها، بل انها لم تحتف به اجمالاً. كانت الرسالة تصلها بعد الرسالة فلا ترد، حتى اذا سطرت رداً متباعداً كتبته موجزا مقتضباً لا يروى ظمأ الصادى. وقد شكا المجذوب فى رسائل مفترضة الى المجذوب من اهمال الفتاة وعدم احتفالها به. ونفهم من بعض هذه المكاتبات ان روزمارى لم تكتب للمجذوب فى حقيقة الأمر سوى رسالتين فقط، مقابل الفيض المنهمر من رسائل المجذوب اليها. فعندما ساءت العلائق بين الطرفين نتيجة لاهمال روزمارى للمجذوب كتب الاخير غاضباً يطلب ان ترجع الفتاة رسائله اليها، مع تعهد منه بان يعيد اليها رسالتين، هى جملة ما كتبت الفتاة اليه. اقرأ فى خطابه الذى يؤذن بانتهاء العلاقة: ( أكون شاكراً لو اعادت الىّ خطاباتى، مع وعد شريف من جانبى بأن أبعث اليها بخطابيها).

ثم ان روزمارى شكت صراحةً من "حرارة اللغة والاسلوب" وذكرت انها لا تألف ذلك. وأشارت الى ان هذه الرسائل تسببت لها فى حرج مع خطيبها، اعتذر عنه شاعرنا، فقد كانت الفتاة مرتبطة برجل آخر. وذات الشئ ينطبق على رسائل المجذوب الى العراقية ديزى الامير، فقد ابدت استغرابها فى مقال منشور من ان المجذوب كان يكتب اليها تلك الرسائل مع ان العلاقة بينهما علاقة عارضة وليست بالعمق الكافى. كما انها طلبت الا ترسل الرسائل المتلاحقة على عنوان منزلها حتى لا تقع فى ايدى احد من اسرتها، واقترحت ان ترسل الى جهة وسيطة تتلقاها وتقوم بتوصيلها اليها. ومثل روزمارى لم تكن ديزى فى غالب امرها تكتب ردوداً منتظمة او غير منتظمة، بل كانت تجمع الرسائل وتضعها فى مظروف سميك، وهو المظروف الذى حملته فى وقت لاحق، سرة فى خيط، وسلمته الى رجاء النقاش!

(5)

خلافاً لما يظن كثيرون ممن لم يطلعوا على مراسلات المجذوب وروزمارى الانجليزية وديزى العراقية، ولكنهم ما فتئوا يمزجون الزيت بالماء بغير تبصّر، فان هذه الرسائل لا تتضمن أية قيمة أدبية يعتد بها تبرر نشرها على الملأ. وليس هناك من وجه للمقاربة او المقارنة بين رسائل المجذوب الى صاحبتيه، ورسائل انور المعداوى – على سبيل المثال – الى الشاعرة الفلسطينية فدوى طوقان، أو رسائل غسان كنفانى الى غادة السمان، او حتى رسائل العقاد الى مى زيادة، كما يشيع هؤلاء التخليطيون. فكل هؤلاء رجالاً ونساءً شخصيات متقاربة فى السن والفكر والشعور والاهتمامات، تعارفت تعارفاً مباشراً، تطور بعد ذلك الى صلات حميمةً، وقد جمعت بينهم الصوالين الادبية ومجالس السمر ودوائر المعاش والعمل المشترك. والاهم من ذلك ان الرسائل بين هذه الشخصيات تبودلت بين الطرفين، نساءً ورجالاً، تبادلاً متكافئاً، فلم تكن رسائل من طرف واحد، كما هو الحال بالنسبة لرسائل المجذوب لصاحبتيه المفترضتين فى غالبها الاعم. (بعث المجذوب بعدد مقدر من الرسائل الى روزمارى ولم يكن قد التقاها اصلاً، كما انه التقى ديزى الامير مرة واحدة لقاءً عارضاً على هامش احدى المؤتمرات الثقافية فى بيروت قبل ان يغمرها برسائله، كما اوضحت هى نفسها فى مقال منشور).

وقد تناولت أمر رسائل المجذوب هذه الناقدة السعودية المعروفة لطيفة الشعلان فى مادة مطولة نشرتها الشهر الماضى صحيفة (الحياة) اللندنية تحت عنوان (لطيفة الشعلان تعود الى قضية أدبية قديمة متجددة: أى حب جمع بين فدوى طوقان وانور المعداوى؟). وقد اشارت الناقدة السعودية فى اطار مقالتها الى رسائل الشاعر محمد المهدى المجذوب الى العراقية ديزى الامير. وكانت ديزى قد جمعت هذه الرسائل وسلمتها الى الناقد المصرى رجاء النقاش لينظر فيها. ولكن النقاش بعد ان تسلم الرسائل ومحصها تركها جانباً ولم يعرها اهتماماً. وقد توصلت الناقدة لطيفة الشعلان فى مقالها المار ذكره الى ان النقّاش اهمل رسائل المجذوب وتجاوزها لسبب هين ويسير وهو انه لم يجد فى هذه الرسائل قيمة ادبية تذكر. كتبت الناقدة الكبيرة: ( النقّاش ببساطة لم يجد فى تلك الرسائل القيمة الأدبية والتاريخية والجمالية .... والا لنشرها من غير تردد).

واذا كانت هذه هى آراء النقاد العرب حول رسائل المجذوب الى اديبة عراقية تقاربه فى السن، التقاها وتعرف اليها فعلا، فكيف يكون الحال بالنسبة لرسائل المجذوب الى فتاة انجليزية تصغره بست وعشرين عاماً، كتب اغلب رسائله اليها دون ان يكون قد رأى وجهها؟

(6)

قرأت مؤخراً مقالاً لحبيبنا السفير جمال محمد ابراهيم نشرته مؤخراً صحيفة "السفير" اللبنانية الرصينة، يشدد فيه النكير على الناقدة لطيفة الشعلان، ويظهر الاستهجان لما ابدته من "تحقير" لرسائل المجذوب الى العراقية ديزى الامير. وهو موقف يظاهره فيه ويؤازره عليه الاستاذ عمر جعفر السورى. وقد قرأت مقالة جمال بعنايةٍ فائقة، غير أن حججه ودفوعه وهجماته المرتدة على ابنة الشعلان لم تقع من عقلى موقعاً حصيناً. لا عبرة عندى بما خلص اليه جمال و عمر السورى من ان استنتاج الناقدة لا يسنده برهان ولا يعضده دليل. بل هو – وأيم الحق- استنتاجٌ وسيم يتكئ على جدران المنطق، وتدعمه القرائن الظرفية المتواترة. وليس ادل على ذلك من ان ديزى الامير نفسها كتبت فى مقال منشور، نوهنا به فى موقع سابق ضمن هذه السلسلة، ان رجاء النقاش كان يتحرق شوقاً للحصول على هذه الرسائل، ومارس عليها - فى سبيل الظفر بها - ضغوطاً هائلة، حتى اذعنت الاديبة العراقية واستجابت. فلما وضعت المرأة الرسائل بين يديه، ما لبث ان نظر اليها وتفحصها، ثم اشاح بوجهه عنها ولم يكتب فى شأنها سطراً واحداً!

جاء فى مقالة جمال، وهو رأى استحسنه فتبناه عن جعفر السورى: (هذه هى للأسف الشديد نظرة الانتلجنسيا العربية الى المبدعين السودانيين. فهم يستغربون فى كثير من الأحايين كيف بزغ نجم الطيب صالح، وكيف سطعت انوار الفيتورى ولا يعرفون غيرهما. ومن لا يملك الا ان يوافق صديقى عمر فيما كتب؟) وانا بطبيعة الحال لا اوافق جمالاً ولا اوافق عمر. وكيف اوافقهما وهما يخلطان الارز بالعدس ويشتتان الكرة يمينا ويساراً؟ فى العربان عنصرية؟ نعم، ما فى ذلك شك؟ وهى فاشية عندهم منذ عهد جدنا عنترة بن شداد ومن قبله. وما هو الجديد فى ذلك ايها الكاتبان الفحلان، أصلحكما الله وأصلح بكما؟ بيد أن حالنا لن يستقيم قط ان نحن روضنا انفسنا، الأمارة بتمحك المعاذير، على ان نغض الطرف عن أضواء الحقيقة المبهرة كلما سطعت، مثلما جذوة الشمس، واستخفينا فراراً من صهدها تحت غربال الميز العرقى.

(7)

لم يعد لدينا مزيد نقوله فى أمر الاحتيال الأرعن والافتئات على اسم المجذوب واستثماره، بغير حياء، لترويج التصاوير النرجسية وتسويق الاوهام الطاؤوسية. ولكن الدكتورة لمياء شمت عندها ما تقول اذ كتبت: (المجذوب الذى يحمل الغلاف اسمه مجرد حاشية على تلك المتون، او مجرد ظل لذاك الهيكل الضوئى المجيد، او قل مجرد سطح عاكس لتلك المجرة الدرية الغاصة بالضياء، او لعله مسرب جانبى لتصريف تلك الطاقات الذهنية المفيضة، اومجرد خلفية خافته لمسرح وجود ذاك الفرد المطلق. يُستدعى من آن لآخر للتعليق بصورة مجلوبة خالية من التلقائية على انجاز وفتوحات وعبقريات الكاتب. ان أعتى ميكانيزمات الاختزال والخفض لا يمكنها ان تحول المجذوب بكل قوة تأثيره الوجدانية وكارزيمية جاذبيته الاجتماعية الانسانية، وطاقته الفكرية والروحية وحساسيته المستدقة، وتبصراته العميقة وحججه الراجحة وحدسه النافذ وبيانه الوثاب الى محض هامش زائد. كيف يتحول المجذوب بتدبير ينطوى على الخبث الى مجرد ممثل آلى لدور ثانوى فى كتاب يتزين باسمه؟ من للمجذوب والأيادى اللصة تنبش حرمة قبره، وتحرق اوراقه وتسرق وسامته؟) "المصدر السابق".

وما زال ليلنا مع مذكرات أبى سن طفلاً يحبو!

[ نواصل ].

الرسائل العزيزية

عرّفناك من قبل، ايها الاكرم، على خالنا عبد العزيز محمد عبد اللطيف، قاضى المديرية الاسبق، والمستشار القانونى بالمملكة السعودية حالياً، والمعروف فى اوساط اسرتنا الممتدة باسم (مولانا عزيز). واطلعناك على بعض رسائله الالكترونية التى ما ينفك يبعث بها الينا على سبيل المناصحة. وهذا آخر ما وصلنا من رسائله يناصحنا فى أمر سلسلة الادب وقلة الادب:

(سلام يا مصطفى - انني في غاية الحزن والالم لأننى لا اعرف متي ستخرج من جلباب المشاطات وستات الشاى والجبنة وحكاياتهن الفارغة، ومن قال وقيل. لماذ تستهلك الوقت الثمين في كتابة كل هذه الحلقات وفي قيادة معركة فارغة لا قيمة لها؟ هذا موظف سابق في الخارجية وجد لديه الامكانيات المالية والوقت لكتابة ونشر كتاب زبالة مكانه برميل القمامة .لا اري سببا واحدا للانشغال بهذه التفاهات والانحدار لهذا المستوي . العبرة ليست فى طبع ونشر كتاب، وانما بشخص الكاتب وتاريخه وافكاره ومواقفه. وليس كل من طبع ونشر كتاباً يعتبر كاتباً. يا مصطفي أهلنا في السودان مشغولين بكسب العيش وما عندهم وقت للفارغات. الدكتور منصور خالد عنده قدرات كبيرة وفي غاية البلاغة والفصاحة ولا يحتاح الي محام للدفاع عنه، وهو ذاته لم ينحدر الي مستوي بذاءات ابوسن لانه يحترم نفسه فما دخلك انت بالموضوع؟ انت تقول ان ابوسن (عمد الى اعادة صياغة تاريخ قريب ما زالت وقائعه حية تنبض في صدور الناس). طيب اذا الوقائع حية فى صدور الناس انت تعبان ليه؟! ارجو منك ان تفحص وتقارن الكلام الفارغ الذى تكتبه انت بما كتبه الاستاذ فتحى الضو فى مقاله هذا الاسبوع عن الديكتاتوريات نقلا عن مجلة "فورين بوليسى" الامريكية. مقال جاد وممتاز وغنى ومفيد للقارئ، وبعيد عن شغل المشاطات. مع تحياتى.

خالك عبد العزيز).

انتهت رسالة خالنا مناضل الكيبورد، وعليها اشكره. واعتذر نيابة عن الاسرة لكل المشّاطات وستات الشاى على امتداد سوداننا الغالى. وقد احلنا الرسالة فى وقتها الى كهف صديقنا الاستاذ فتحى الضو، رئيس حزب الكهوف، بشيكاغو، الذي افادنا بأنه قام بتسجيل مولانا عزيز ومنحه بطاقة عضوية حزبه، الذى يضم جميع مناضلى الكيبورد على مستوى الوطن والمهاجر.


Post: #107
Title: Re: غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل
Author: زهير الزناتي
Date: 07-15-2010, 05:09 PM
Parent: #106

البطل 6
Quote: (1)

تظل روح النرجسية ونسائم الطاؤوسية، التي استأثرت بمذكرات الراحل علي أبوسن وغلبت عليها، في طليعة العوامل التي فتكت بكتاب "المجذوب والذكريات" فتكاً، وانتهت به الى منحدرٍ مُعتم، متنكّبٍ للجادة، ومفارقٌ لسكك الفكر الرصين. ولولا ذلك العوار، وبعض عللٍ أخرى، مما لحق بهذه السيرة الذاتية لكان خليقاً بها أن تأخذ موقعها اللائق كمصدر من مصادر فهم المجتمعات والدول وتدوين التاريخ. إلى جانب غَلَبة النرجسية والطاؤوسية، يأتي داء المجاهرة والتباهي بالسلوك الفضائحي السافر، والاندفاع المتلذّذ الى حشد الروايات التي تُظهر الكاتب وكأنه عُيينة بن حصن، أحمق فزارة المطاع، الذي قيل إنه مات عن عشرة آلاف جارية. بل أن الكاتب، كما بيّنا من قبل، لا تأخذه لومة لائم في أحاديث الجنس فيفضح أسماء شخصيات بارزة في مجتمعنا ويتحدث، دون خشية أو رادع، عن ولع هذه الشخصيات بالنساء، كما هو الحال مع صحافي سوداني كبير، رحل عن دنيانا قبل صدور الكتاب بسنوات، ذكر اسمه كاملاً، ثم حكى عنه حكايات لا تصلح للنشر عند أهل النُهَى، وكتب ان ذلك الصحافي اشتهر بين أصدقائه بلقب "ود أبرق"، ثم أضاف: (وهو نوع من العصافير شديد النشاط الجنسي)!

لا يطيق أبو سن إلا يتحدث عن ولعه الخاص بالنساء وولع النساء به للحظة واحدة، حتى إنه لم يجد وسيلة يعبر بها عن ضخامة حزنه على القائد الشيوعي عبد الخالق محجوب عندما تناهى إليه خبر إعدامه عام 1971م سوى أن يقول إن الأسى قد بلغَ به مبلغاً امتنع معه عن النظر الى صدور النساء العارية لأسبوع كامل، وهو مستلقٍ على بلاج شاطئ العراة المسمى "سانت تروبي" في منطقة الريفيرا الفرنسية. وبعد أن فصّل كاتب المذكرات نوبة الضيق التي اعترته بعد إعدام عبد الخالق ووصف الحالة النفسيَّة المزرية التي وجد نفسه في قبضتها من هول الفاجعة، كتب يصف أيامه الحزينة وهو على شاطئ الريفيرا: (كنت أقضي وقتي على البلاج.. ولم أخلق علاقة مع أحد. حتى في "سانت تروبي"، حيث تسبح الفاتنات عاريات الصدور، لم أجد في نفسي ميلاً إلى النظر..)، يا لجلال الموت ويا لعظمة المشاعر. وها نحن نعرف مقدار عبد الخالق وعمق معزته في نفس صاحبنا، الذي لا يترك صدور النساء في حالها إلا عند الملمات العظام.

(2)

وخلافاً لما قد يظن البعض فإنه لا اعتراض لنا من حيث المبدأ على تضمين كتب السيرة الذاتية جوانب من التاريخ السري لأصحابها، وقد شاع في صناعة المذكرات، منذ منتصف القرن المنقضى، ما يعرف بـ(أدب البوح). ونحن مثل غيرنا لا نستملح الطُهرية الكاذبة، التي تصوّر كُتاب المذكرات في صور ملائكية مثالية. لم يقدح من مذكرات الزعيم الوطني المصري سعد زغلول في شيء انه اعترف صراحةً بأنه كان في بعض فترات حياته مولعاً بالقمار، ولم ينل من أديبنا العالمي نجيب محفوظ في شيء كونه أملى على كاتب سيرته الذاتية إنه كانت له علاقات نسائية آثمة، وإنه كان يتعاطى المخدرات في مراحل عمرية باكرة. ولكننا كرهنا من سيرة أبي سن أنه جعل من فتوحاته النسائية محور مذكراته وعمودها، فأفاض واستفاض، وأطال واستطال، حتى وقر في يقيننا أن الأمر ليس أمر سيرة ذاتية، بل أمر عقدة نفسية مستحكمة، وأن حاجة الكاتب الى طبيب نفسي يداوي عنه تلك الحالة المرضية، ربما سبقت حاجته الى كتابة مذكراته.

غير أن المجاهرة والتباهي المتعمد بالأخبار والأفكار الصادمة للشعور العام تصل ذروتها عندما يُظهر صاحب المذكرات - بغير مدعاة - الزراية والاستخفاف بعقيدة الإسلام، وهي عقيدة السواد الأعظم من أهل السودان. وذاك منحدرٌ وعر لا يطرقه طارق إلا وقد غابت عنه الحكمة وتملّكه شيطان مُريد، فما بالك برجل تلقَّى العلم في محاضن الإسلام ومعاقله: المعهد العلمي ودار العلوم!

(3)

لم أصدِّق عيناي عندما بلغت الصفحة الستين بعد المائة من الجزء الثاني، وفيها بعض خزعبلات أبي سن ومعاركه الدونكيشوتية مع الدكتور منصور خالد. يقول الكاتب إن منصور وضع على جدران مكتبه الوزاري عدداً من اللوحات التي تشتمل على آيات قرآنية، وأضاف إنه استفسر الفنانة كمالا إبراهيم إسحق عن هذه اللوحات القرآنية فأفادته بأنها من أعمال بعض فناني المعهد الفني بالخرطوم. والمعلومة صحيحة بالقطع، فقد كان أول ما تبادر الى ذهني وأنا أُطالع تلك الفقرة حديثٌ سمعته قبل عهد طويل من صديقي الدكتور الأمين حمودة الباشا، الذي عمل في النصف الثاني من التسعينيات خبيراً بإحدى المنظمات الدولية بنيروبي، وعندما كرَّ عائداً الى الولايات المتحدة كان مما حكاه لي انه زار مكتب الدكتور منصور خالد في العاصمة الكينية، وكانت أول ملاحظة له عندما ولج من باب المكتب هي لوحات الآيات القرآنية الضخمة المعلَّقة على الجدران. منصور إذن ممن يزينون المكاتب والمساكن بالآيات القرآنية، وماذا في ذلك؟ هو مسلمٌ ترَّبى في بيئة مسلمة.. هل هناك مشكلة؟! نعم. الجزء الأصغر من المشكلة هو أن كاتب المذكرات يعتقد أن بعض الآيات التي اختارها الوزير كان يستهدف بها أبوسن نفسه. وهذا من قبيل الوهم والهذر الذي ألفناه عند صاحبنا وما عدنا نتوقف عنده، خاصة وأن الكاتب يذكر آيات قرآنية بعينها، يقول الذين عاصروا ذلك الزمان أنها - خلافاً لزعم الكاتب - لم تكن من بين الآيات التي طرَّز بها منصور جدران مكتبه الوزاري. ولكن الذي حيّرنا وأرهق عقولنا هو الاستنتاج الذي استقاه أبوسن وصرَّح به كتابةً، تأسيساً على كون منصور يحتفي بالآيات القرآنية من حيث المبدأ. كتب أبوسن: (هذه اللافتات الحائطية [القرآنية] فجعتني مرة أخرى في منصور، لأنها كشفت لي أن علاقته بالحضارة والثقافة هي مجرد قشرة لا تلبث، عند حكة بسيطة، أن تكشف عما تحتها من جلد سميك من التخلف). هل صعقك هذا الاستنتاج الشاطح - أعزك الله - كما صعقني وحيّرني؟ هاك إذن مزيداً من الصعق ومزيداً من الحيرة، واقرأ هذا الدليل الآخر الذي توسَّل به صاحب المذكرات الى إثبات أن منصور "رغم مظهره البراق بالثقافة والحضارة فإنه في جوهره رجل متخلف". الدليل يا هداك الله، صدِّق أو لا تصدِّق، هو أن الدكتور منصور خالد يحمل معه دوماً داخل حقيبته الخاصة عند التسفار نسخة من المصحف الشريف!! وقد اجتهد صاحب المذكرات لتوفير البيّنات القاطعة على صدق ادعائه، فذكر اسماً لشخصية سودانية بارزة شهدت بأم عينها المصحف في حقيبة منصور خالد، وأضاف بكل ثقة إن هذه الشخصية سألت منصور عن سبب حمله المصحف الشريف في حقيبته، "فكان رد منصور إنه يحمل المصحف معه دائماً لأنه يتفاءل به" (ص، (160)، الجزء الثاني). يا لمنصور المتخلف! يعلِّق الآيات القرآنية على الجدران، ويحمل المصحف في حقيبته؟!

(4)

وقد عرضنا عليك من قبل – في مقام النرجسية – نماذج عديدة من الروايات التي اشتمل عليها الكتاب والتي يعرض فيها المؤلف نفسه في صورة الشخصية الأسطورية التي حازت المجد من أطرافه، حتى ليتقازم أمامه "نيلسون مانديلا" و"شارل ديغول" و"بابلو نيرودا". فهو الذي اجتمع قادة الأمة ورموزها على أن شفاء السودان من أسقامه ونجاته من وهدة التخلف ربما تحققت على يديه الكريمتين! يدهشك أن تقرأ في صفحات الكتاب كيف أن الزعيم إسماعيل الأزهري كان مأخوذاً بشخصية أبي سن، وهو لمّا يزل في عشرينات عمره، الى درجة أن دهاقين الساسة من شيوخ الحزب الاتحادي وقادته التاريخيين تملكهم الخوف على مواقعهم فجلسوا بليل يحيكون المؤمرات ويتناجون حول أنجع السبل لفك عُرَى الصلات الوثقى التي ربطت الفتى المعجزة بالأزهري. يحدثنا صاحبنا بأن الرئيس الأزهري كان يقدمه على كل السياسيين المخضرمين من أساطين الحزب وان القطبين الاتحاديين الضخمين أحمد زين العابدين وعبد الماجد أبوحسبو كانا يخشيان بأسه ويلتمسان الوسائل لإبعاده عن الرئيس (الذي كان يثق ثقة كاملة في رأيي ويقدمني على الجميع)!!

وقد استفاض صاحب المذكرات، ما وسعته الإفاضة، في تبيان عمق الصلات الشخصية التي ربطته برئيس الوزراء السابق بابكر عوض الله، وكيف انه كان من أقرب المقربين اليه. كتب: (كنت أسهر مع بابكر أربع ليالٍ في الأسبوع على الأقل). بل إنه كان عندما يحضر الى الخرطوم من مقر عمله بسفارات السودان بالخارج فإنه - بحسب المذكرات - كان يتوجه من المطار رأساً الى منزل بابكر عوض الله بحي العمارات فيقيم معه وسط أسرته. ولكن صاحب المذكرات اكتشف أخيراً أن بابكر، الرجل الوحيد في تاريخ السودان الذي جمع بين رئاسة البرلمان ورئاسة القضاء ورئاسة الوزراء، لم يسعَ إلى صداقته لوجه الله، بل لهدف دنيوي زائل، وهو أن (يستغل مقدرات) أبي سن (في مسعاه لتنفيذ انقلاب مايو). كتب صاحبنا إن "مخطط" بابكر كان هو: (أن يستغل مقدراتي ثم يلقيني كحبة النوى بعد أن ينجز انقلاب مايو)، فتأمل!

(5)

إلى جانب النرجسية المفرطة والتباهي بالفتوحات النسائية بغير مدعاة، فإن أكثر ما نالَ من قيمة المذكرات وأضرَّ بمصداقيتها هو ميل صاحبها الى الترخص الشديد في تدوين الحقائق الثابتة وإيراد الوقائع المحقّقة والمستقرة في الذهن العام، فضلاً عن خصلة الانسياق بغير تمييز أو احتراس وراء الرغبة الجارفة في تتبيل الروايات بالتوابل الهندية والعربية، والإفراط في دلق "المحلبية" على حنّاء مذكراته. وذلك كله مما يتعارض كلياً مع مقتضيات ومتطلبات إحسان فن الرواية والصدق في تقديم الحقائق بحسبانها أمانة ووديعة لدى التاريخ. بل إن صاحبنا يعمد في بعض الأحيان الى تغبية القارئ والاستغناء عن عقله تماماً، بالمراهنة على تقادم الوقائع والحادثات، والتعويل على خصيصة سرعة نسيان التاريخ عند السودانيين، فيعيد صياغة الاحداث، او يبتر خواتيم الأشياء كما تداعت على الأرض، ويخترع لها من عنده خواتيم تثير العجب وتبعث على الحيرة.

ما قولك في هذا المثال: يذكر صاحب المذكرات أن نائب رئيس مجلس قيادة الثورة ورئيس الوزراء استدعاه، بعد اندلاع انقلاب 25 مايو 1969م الى الخرطوم من مقر عمله بسفارة السودان بلندن، حيث كان يعمل سكرتيراً ثانياً. ويقول إن نائب الرئيس عرض عليه منصب وكيل وزارة الشباب. وبعد أخذ ورد قرر صاحبنا، بمحض رغبته واختياره، ألا يقبل هذا المنصب وأن يعود الى وظيفته سكرتيراً ثانياً في وزارة الخارجية. ثم يضيف، وهذا هو العجب العجاب بعينه، انه فرض على نائب رئيس الدولة أن يكتب له وثيقة يسجل فيها بخط يده إنه - أي أبوسن نفسه - هو الذي اعتذر عن المنصب بعد أن عُرض عليه، وأن نائب الرئيس وافق صاغراً وكتب له الوثيقة وسلمها له وهو يتمتم: (والله انتو يا ناس أبوسن، كرامتكم دي ما بتلعبوا فيها).

هذه هي رواية صاحبنا. ونحن نفترض جدلاً أن مكتب نائب الرئيس اتصل بأبي سن، بعد يوم أو يومين أو ربما وثلاثة من نجاح الانقلاب، عن طريق وزارة الخارجية. وأن أبا سن بادر الى الاتصال بمكتب الخطوط الجوية السودانية بلندن لحجز مقعد الى الخرطوم، فهو موظف دولة ملزم باستخدام الناقل الوطني، وذلك بطبيعة الحال في العام 1969م حيث كانت هناك طائرة واحدة فقط في الأسبوع تصل بريطانيا العظمى بالسودان. ثم سافر صاحبنا على جناح الطائر الميمون ووصل الى البلاد حيث التقى بعد ذلك بنائب رئيس الدولة وجرت بينها المفاوضات حول توليه منصب وكيل وزارة الشباب. ثم فكر الرجل وقلَّب أخماسه وأسداسه، واستشار من أهله وأصدقائه أهل الشورى، ثم عاد بقرار الاعتذار عن تولي المنصب. عظيم. نحن هنا أمام فعاليات تستغرق في أفضل الاحتمالات سبعة إلى عشرة أيام! ولكن التاريخ المرصود، عنده رواية أخرى تجئ على النحو التالي: في صبيحة انقلاب الخامس والعشرين من مايو 1969م، صدر الأمر الجمهوري الثالث بتشكيل مجلس الوزراء، وأُذيع على الشعب عبر جهازي الإذاعة والتلفزة (جميع القرارات والمراسيم الجمهورية وبضمنها قرار تشكيل مجلس الوزراء كانت معدة سلفاً، وأُذيعت جميعاً بصورة متسلسلة ذلك الصباح، بصوت المرحوم المقدم (م) محمود حسيب). تضمن القرار الجمهوري، بعد تسمية الوزراء والوزارات، فقرة إضافية تقول بأن (هناك ثلاث وزارات أخرى هى: وزارة الشباب، ووزارة التعاون والتنمية الريفية، ووزارة الانتاج والاصلاح الزراعى، ستتم تسمية وزراءها خلال الأيام القليلة القادمة). وبالفعل وخلال أيام تمت تسمية الدكتور منصور خالد وزيراً للشباب (رشحه للمنصب وزير الإرشاد القومي وعضو الحزب الشيوعي الأستاذ محجوب عثمان). وعقب أدائه القسم مباشرةً قام الدكتور منصور خالد بتعيين المرحوم الأستاذ أحمد عبد الحليم وكيلاً لوزارة الشباب. هل ترى - أصلحك الله - كيف ان رواية أبوسن هنا لا تدخل العقل إلا كما يلج الجمل من سم الخياط! فالمنطق المدعوم بالتاريخ الثابت والمحقّق لا يقبلها ولا يزكيها. فإما أن المنصب عُرض عليه فعلاً، ولكن استعصى تنفيذه لأن الوزير الذي أجلسته الثورة على كرسي تلك الوزارة لم يقبل بالترشيح واختار للمنصب شخصاً آخر هو الأستاذ أحمد عبد الحليم، أو أن الرواية مختلقة من أساسها. والذي لا نشك فيه هنا هو أن النزعة النرجسية في شخصية صاحب المذكرات تجعل من الصعب عليه الاعتراف بأن منصور رفضه واختار بدلاً عنه شخصاً آخر!

(6)

المتمعن في روايات أبو سن المتلاحقة عبر مذكراته يلاحظ عنايته الشديدة بالآثار الانطباعية التي يمكن أن تتركها هذه الروايات على القارئ من حيث تأكيد وتثبيت صورته كإنسان رفيع ومتحضر ومثقف واسع الصلات. غير أن كثيراً من هذه الروايات تقود القارئ المتقصي إلى خلاصات مغايرة. فعندما يريد أبوسن أن يعرض بدايات حياته في أم درمان كمثقف يختلط بالصفوة ويعتني بقضايا الفكر فإنه يشير الى عضويته التأسيسية في ندوة، كانت تنعقد كل يوم أحد، تضم عدداً محدوداً من المثقفين، الذين سيصبحون من ذوي الأسماء اللامعة. العجيب هنا هو انه عندما يعرض لنا أسماء رفاقه المفترضين فإنك تكتشف انه لا يعرف هذه الشخصيات حقاً، وان غاية مراده من رص الأسماء وادعاء صداقتها ربما كان هو مجرد تقديم صورة معينة عن نفسه للقارئ. على سبيل المثال يكتب أبوسن في الصفحة (28) من الجزء الأول عن شخصية الراحل الصحافي الكبير جمال عبد الملك ابن خلدون، الذي يُفترض انه كان عضواً في تلك الخلية الصغيرة من المثقفين التي انتمى اليها صاحبنا، ويعرّف أبوسن الرجل على النحو التالي: (اسمه ابن خلدون، وهو مصري إخواني، جاء هارباً الى السودان مع زميل آخر له، وقد أصبح صحافياً وباحثاً معروفاً فيما بعد). والحقيقة ان ابن خلدون لم يكن قط عضواً في جماعة الإخوان المسلمين، لا فى مصر ولا فى السودان، وذلك لسبب ممعن فى البساطة، وهو ان الرجل لم يكن يدين بالإسلام أساساً، اذ انه قبطي مسيحي، (اسمه الأصلي "عبد الملاك"، قبل أن يقوم بتغييره). وكيف لقبطي مسيحي أن يكون "اخوانيا" نشطاً تطارده الحكومة المصرية فيهرب الى السودان كما يزعم صاحبنا؟ والحق أن ابن خلدون عرف بكونه يسارياً بارزاً من نشطاء حركة "حدتو" الماركسية. وأعجب لرجل يفخر بالانتماء الى خلية ضيقة من المثقفين لا شغل لها غير قضايا الفكر، ثم لا يفرق من أعضاء خليته بين الشيوعي والاخواني، ولا يميز بين المسلم والمسيحي!

ومثل هذا التخليط في أمر الشخصيات المحلية، تجده أيضاً في معالجة الكاتب لبعض أسماء الأمريكيين والأوربيين المتناثرة فوق صفحات الكتاب. فعندما ركب المؤلف موجة إثبات عمالة منصور خالد للمخابرات الأمريكية تجده يذكر اسماً لشخصية أمريكية شهيرة على المستويين الأمريكي والدولي هو المستر صاي سالزبيرجر الذي نفهم من المذكرات أن منصور على علاقة به، والعلاقة بسالزبيرجر هذا، بحسب أبو سن، توقع المتورط فيها لزوماً في محظور الاشتباه بالعمالة للمخابرات الأمريكية. وقد تم تعريف سالسبيرجر في الكتاب هكذا: (عميل المخابرات الأمريكية المعروف). وتلك من التعريفات المحيرة أيضاً، فكيف يكون الفرد عميلاً مخابراتياً ويكون معروفاً في ذات الوقت؟ وتخطّف الأسماء الأجنبية من المصادر المختلفة كيفما اتفق وإيرادها في كتابات السودانيين بغرض إثبات السلطة المعرفية المتخطية للحدود المحلية بلية من البلايا التي رزئنا بها. وواضح من السياق الذي أورد فيه أبوسن اسم سالزبيرجر انه لا يعرفه، ولو عرفه لما تردد في إيراد صفته الحقيقية، أو لامتنع، على الاقل، عن وصفه بأنه "عميل معروف" للمخابرات الأمريكية. وأغلب الظن انه وقع على اسمه سماعاً فحفظه ثم أخذ يخبط به خبط عشواء. الواقع أن صاي سالزبيرجر هو واحد من أهم الشخصيات في الولايات المتحدة، وقد يشق على مدير المخابرات الأمريكية نفسه أن يحصل على موعد لمقابلته! سالزبيرجر هذا من أكبر ملاك صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، وهو صديق لمنصور خالد بحسب كتابات منشورة. والنيويورك تايمز والواشنطن بوست هما الصحيفتان اللتان يترقب الناس، في الولايات المتحدة وأوربا، ويترصدون رؤاهما ومواقفهما من الانتخابات العامة لكيما يروا الى أي جانب من مرشحي الرئاسة تقف الصحيفتان، فرأيهما دوماً هو الرأي المرجح. وملاك النيويورك تايمز والواشنطن بوست، مثل ملاك جنرال موتورز، هم من يحكمون أمريكا.

ومثل ذلك الولع غير المستبصر بالأسماء الكبيرة واللامعة تجده عند استخدام الكاتب لاسم الصحافي الفرنسي الأشهر أريك رولو، الذي يرد اسمه في الكتاب عدة مرات هكذا: (اليهودي اريك رولو). ومثل هذا النوع من الاستخدام للاسم مسبوقاً بالديانة تجده عادةً عند المتطرفين الإسلامويين، ورجرجة الكتاب من المتبذلين الى الجمهور الأسفل من عامة العوام، الذين يستهويهم هذا النوع من التوصيف الاستعدائي الأجوف للشخصيات الدولية. وورود مثل هذه الأوصاف من رجل يضع الكثير من المساحيق الحضارية الغربية على وجهه، لدرجة انه يعتقد أن حمل المصحف في الحقائب الشخصية ربما كان مؤشراً على التخلف الحضاري، مما يثير العجب. ولكن العجب يُبطله عرفان السبب. والسبب أن "اريك رولو" هو أيضاً صديق لمنصور خالد. ولا مانع في هذه الحالة من غض البصر عن "مقتضيات الحضارة" واللجوء الى حيل التخلف. ولكن الشيء الذي لسنا على يقين من أن أبا سن كان يعرفه هو أن منصور ليس الصديق السوداني الوحيد للفرنسي "ايريك رولو". الذين يعرفون السودان والسودانيين جيداً، يعرفون بالقطع أن الصديق الأول، بل أصدق أصدقاء "اريك رولو" في السودان، كان هو الراحل عبد الخالق محجوب، وهو ما كتبه "اريك رولو" نفسه. وكنا نظن أن أبا سن يحترم عبد الخالق ويقدره حق قدره، مما يوجب عليه أن يبدي بعض الاحترام اللائق لأصدقائه من الأجانب. ألم يخبرنا انه أضرب عن نهود النساء وأعجازهن الطرية لسبعة أيام كاملات حزناً عليه؟!

(7)

وعلى حرص أبي سن على تقديم نفسه كرجل فكر ومنهج، وإكثاره من الاستدلالات والإيحاءات الأكاديمية في مذكراته، فإنك لا تخطئ الهشاشة الظاهرة في بنيته المنهجية العلمية. من شواهد ذلك أن أبا سن تطوَّع بصياغة تعريف لمصطلح "النخبة"، وذلك في إطار معركة افتعلها وأراد لها أن تكون صراعاً فكرياً بينه وبين الدكتور منصور خالد، حيث افترع مع الرجل نزاعاً حول التعريف الصحيح لذلك المصطلح. ومنازعة منصور وملاقاته في الشعاب الفكرية رياضةٌ خطرة يجمل بأهل النُهى التنائي عنها، فإن لم يكن من الملاقاة بدٌّ فاسألوا الله السلامة. ما علينا، المهم أن أبا سن قدَّم لنا مشكوراً في إطار فتحه الفكري تعريفاً لمصطلح النخبة، وهذا هو التعريف: (النخبة هي الفئة الوطنية الواعية التي تتميز بالطموح الوطني في التقدم والرفاهية لشعبها وتتصف بالاعتزاز الوطني والمصداقية). ولا بد أن فئة من قرائي الأفاضل من معاشر الأكاديميين والمهتمين بالفكر والمنهج إجمالاً، فضلاً عن الأحبة من عشيرة بنى ثقيف، أخذت الآن تهز رأسها وتضرب كفاً بكف، فالاصطلاحات جميعاً، كما هو في علم أهل المصطلح، لا يتم تعريفها بمعايير قيمية. ولا نظن أن صاحبنا كان قد قرأ في حياته العامرة بالمبهجات أياً من معاجم اللغة أو السياسة ليعرف ما الذي يعنيه حقاً مصطلح النخبة(Elite) ، قبل أن يُلقي بنفسه في لجة ذلك العراك!

ويحيّرنا أن المؤلف لا يأبه ولا يلقي بالاً للتناقضات التي تحفُّ برواياته التى لا تنتهى، فهو يكتب انه ذهب الى قصر الاليزيه لحضور حفل عشاء دبلوماسي ممثلاً للحكومة السودانية، وقد كان يشغل وظيفة دبلوماسية بسفارة السودان في باريس. ثم يمضي قُدُماً فيذكر أن الصحافي الكبير الراحل محمد الخليفة طه الريفي نشر في الصفحة الأخيرة من جريدة "الصحافة" صورة له - أي لأبي سن - وهو يصافح الرئيس الفرنسي أثناء ذلك العشاء، وأن الريفي تعرَّض للتقريع الشديد وكاد يفقد وظيفته بسبب نشر الصورة. لماذا؟ لأن بعض النافذين في حكومة مايو احتجوا على نشر صورته وهو الرجل (المعروف بمعارضته للنظام)! سبحان الله. كيف يكون الواحد من هؤلاء "معروفاً بمعارضته للنظام" ويكون في ذات الوقت ممثلاً لحكومة ذات النظام في الموائد والمحافل الأجنبية؟ والذين عاشوا ذلك الزمان يدركون تماماً أن "المشتبه" فقط في معارضتهم للنظام، ما كانوا يجدون لأنفسهم موطئ قدم في وزارة كوزارة الخارجية ولا في غيرها، ناهيك عن أن يكون الواحد "معارضاً معروفاً" كما يتفاخر صاحبنا. ومن غرائب المدهشات ان الرجل " المعروف بمعارضته للنظام" عاد الى الخرطوم سالماً غانماً عند انتهاء فترة عمله الدبلوماسى بباريس، بعد سبعة أشهر فقط من ذلك التاريخ، فكان اول عمل له بعد عودته، كما سبق وبيّنا، ان بادر وأشرف بنفسه على تأسيس فرع الاتحاد الاشتراكي برئاسة وزارة الخارجية، وتولّى منصب أمين فرع موقع العمل بالوزارة، ثم انتقل في وقت لاحق ليصبح عضواً من أنشط أعضاء أمانة العلاقات الخارجية بتنظيم الاتحاد الاشتراكي، وقد طمح الى تولي منصب أمين تلك الأمانة المتخصصة، وهو ما يعادل درجة الوزير المركزى، لولا أن أطاحت به وبآماله مؤامرات السياسيين!

(8)

وحكايات منصور مع توابل أبوسن لا تنتهي. وعلى عادته في أن ينسب الى الآخرين بدون حساب ولا خشية من عقاب، فقد نسب صاحبنا الى منصور انه (استجوب) الراحل عبد الخالق محجوب قبل مقتله عقب أحداث يوليو 1971م وان عبد الخالق رد على إحدى أسئلة منصور أثناء الاستجواب بقوله: (أنا عايز أنتهي). وذلك على الرغم من أن لمنصور كتاب كامل صدر قبل مذكرات أبوسن بسنوات طويلة فصّل فيه أمر لقائه بعبد الخالق قبل محاكمته تفصيلاً دقيقاً (الصفحة 24 وما بعدها، من كتاب Nimeiri and the Revolution of Dismay ، الفصل المعنون Euphoria and Tension). ولم يحدث أن استجوب الرجل عبد الخالق ولم يسأله سؤالاً واحداً، بل ولم يلتقِ به قط منفرداً وإنما في معية عدد كبير من الناس. وكل ما دار بينهما هو انه حيّاه وأشعل له سيجارة. وكل من لاحق الوقائع المحققة والمنشورة لتلك الأحداث يعرف أن عبارة (أنا عايز أنتهي) عبارة جد ذائعة في التاريخ السياسي السوداني المعاصر، بعد أن أصبحت من مأثور ما ورد على لسان عبد الخالق في إجابة له على إحدى الأسئلة التي توجه بها اليه الرئيس السابق جعفر نميري على ملأ من الناس. وقد أُذيعت وقائع استجواب النميرى لعبد الخالق عشرات المرات، كما إن مئات الوثائق الراصدة لأحداث 1971م تحفل بها!

ويذكر أبوسن على نهج تتبيل الروايات وإضافة الملح والفلفل اليها ان النميري، في ثورة غضب جامحة، (عزل الوزير وحاكم الإقليم الشرقي الراحل عبد الله الحسن الخضر بعد أسبوع واحد من تعيينه). وغضبة النميري من الرجل حقيقة، ولكنه لم يعزله بعد أسبوع، بل استمر عبد الله الحسن حاكماً للإقليم لمدة اثني عشر شهراً بالتمام والكمال! ومن رواياته المتبّلة، التي لا يقبلها العقل، ولكنه لا يتردد في إيرادها، انه كان له الفضل في إنقاذ حياة الفنان التشكيلي عثمان وقيع الله من موت محقق. كيف؟ يقول إن الفنان الكبير كان يرقد فاقد الوعي تماماً، تفصله من الموت لحظات، في قسم الحوادث بالمستشفى بلندن، ولكن الأطباء تركوه لمصيره ورفضوا علاجه، لأنهم لم يعثروا على جواز سفره. ولكن أبا سن ظهر فجأه وأبرز بطاقته الدبلوماسية فوافق الأطباء على علاجه وكتبت للفنان الكبير حياة جديدة. ومعلوم أن المستشفيات وأقسام الحوادث في أوربا كلها وفي الولايات المتحدة وكندا، بنص القوانين السائدة في تلك البلدان، تقدم العلاج الفوري للمرضى والمصابين الذين يصلون الى غرف الطوارئ، دون سؤال عن جواز السفر أو غيره. وليس صحيحاً أن الإنسان يُترك ليموت في أي من الدول الغربية إذا كان فاقداً الوعي ولم يُعثر معه على جواز سفر كما يحدثنا صاحب التوابل!

غير ان من ألطف الروايات المتبلة بالبهار الهندي التي وجدتها عند أبي سن تلك التي زعم فيها ان القصر الملكي في بريطانيا رفض تسلم أوراق اعتماد سفير السودان الراحل سر الختم الخليفة، لأن رجال المراسم الملكية ظنوا انه يحمل لقب سير، وذلك تأسيساً على الحروف الثلاثة الأولى من اسمه (Alkhatim-Sir)، حيث ان التقليد البريطاني يقضي بأن حاملي لقب سير لا يضعون ألقابهم أمام أسمائهم عند مخاطبتهم للملكة. ومن أغرب الغرائب التى تستتبعها هذه الرواية - لو أننا صدقنا أبي سن، أن القصر الملكي، وهو الجهة التي تمنح الألقاب في بريطانيا، لا يعرف ان كان قد منح سودانياً هذا اللقب الرفيع ام لا! وقد أجمع عدد من السفراء والدبلوماسيين الذين عاصروا الراحل سر الختم الخليفة وسنوات سفارته في لندن على نفي هذه (النكتة) نفياً تاماً، ولكنهم أيضاً ردوها الى أن الكاتب انما أراد أن يضيف شيئاً من الفلفل للطرفة التي كانت سائدة في ذلك العهد بين السودانيين عند الإشارة لرئيس وزراء حكومة أكتوبر سر الختم الخليفة، خاصةً عندما يتحدثون بشأنه مع البريطانيين!



نقلاً عن صحيفة (الاحداث)




Post: #109
Title: Re: غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل
Author: زهير الزناتي
Date: 07-18-2010, 04:27 PM
Parent: #107

نتمني ألا يتوقف السموأل عن الكتابة ... فلا زال هنالك الكثير ليقوله .. ونمنتي أن يتم نشر الكتاب لم لديه نسخة منه ...

Post: #110
Title: Re: غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل
Author: زهير الزناتي
Date: 07-21-2010, 04:48 PM
Parent: #109

تمنينا إلا يتوقف السموأل عن الكتابة فتوقف البطل أيضاً .. إذا صدرت الأحداث اليوم دون مقال البطل الراتب ... نتمني أن يتسمر السجال الأبدي المثمر في مثل هذه المعارك الأدبية ... فقد كانت مقالات كلا الطرفين قطع أدبية وإن كانت هنالك بعض التجاوزات هنا وهناك إلا إننا استمتعنا بأدب راقي ... فالشكر لهما معاً ....

Post: #111
Title: Re: غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل
Author: زهير الزناتي
Date: 07-21-2010, 08:49 PM
Parent: #110

مقال ذي صلة

Quote: صحافة التسرية والمناصحة

مصطفى عبد العزيز البطل نموذجاً.



إنتشر في الأونة الأخيرة لون من الصحافة الورقية هو في الأساس للتسرية عن القارئ وفي ذات الوقت يتسم كتابه بمناصحة النظام الحاكم في السودان. ربما كان هذا الضرب شائعاً من قبل وأنا (ما واخدش بالي) على الرغم من زعمي بعدم صحة الفرضية الأخيرة، حيث إنني أصف نفسي بالمتابعة الدقيقة لكل ما يكتبه السودانيون في صحافتهم أو في صحافة غيرهم. وأنا زعيم –أي أزعم- أيضاً أن هذا الضرب هو واحدة من الـexternalities أو الـby-products، حسب لغة الاقتصاد الكلي ويعني المصطلحان المنتجات الجانبية إن صحت الترجمة، لنظام حكم دربته ليست قاصرة على مصادرة الحريات وحسب بل حيوات البشر نفسها، وتضاهي في ذلك أيما دربة لأي نظام إستبدادي على مستوى العالم كأنظمة هتلر وستالين وصدام والأنظمة الشهيرة بجرائم الحرب والجرائم الموجهة ضد الإنسانية عبر التاريخ البشري.



أي، بعبارة أخرى، نحن أمام عصر جديد من عصور إنحطاط الصحافة السودانية، شبيه تماماً بعصور إنحطاط الأدب المكتوب باللغة العربية عندما سيطرت النخب الأموية والعثمانية على البلاد الناطقة باللغة العربية وبعض البلدان الناطقة بغيرها. ومن نافلة القول أن العامل الحفاز الـcatalyst وراء الإنحطاطين هو القمع السياسي لكافة أشكال حرية التعبير. ويا للصدفة فالسودان تحكمه عصبة أموية وعثمانية بل وطالبانية ولأمد جاوز العشرين سنة. إذاً من الطبيعي أن تنحط ليس الصحافة وحسب وإنما كافة أشكال الأدب والثقافة والفنون والإبداع، لكن بصورة تختلف في المقدار والنوع عن عصور الإنحطاط الأخرى، لما يتسم به عصرنا من طوفان للمعلومات التي لا تعرف الحد والحدود ولا حتى التعذير.



حسب قوانين علم النفس الإجتماعي فإن فعل السلطة القاضي بمصادرة الحريات والقمع والإرهاب بكافة الأشكال يترتب عليه أحد فعلين فإما المناهضة لهذا القمع أوالتماهي معه. والتماهي (درجات) يتراوح بين التملق إلى اللامبالاة. وفي الحالة السودانية هنالك الصحافة ذات الكتابات المناهضة لسياسات القمع الممنهج الذي تمارسه سلطة المؤتمر الوطني التي لم يتغير نهجها القمعي حتى بعد مسرحية الإنتخابات الهزلية مؤكدة بذلك تزويرها للإنتخابات، الأمر الذي لا يحتاج إلى تأكيد. كتاب الصحافة المناهضة يدفعون أثماناً باهظة في سياق مطالبتهم بحرية التعبير مثل الإعتقال والسجن والتعذيب ومصادرة الصحف بقرارات من جهاز الأمن لا القضاء، هذا فضلاً عن الرقابة القبلية التي تمنع نشر الكتابات المناهضة للقمع في كل الأحيان إلخ. وليس بمستغرب ألا يجد هؤلاء الكتاب المناهضون للقمع أي كلمة تعاطف من كتاب التسرية والمناصحة المتماهون مع قمع السلطة.



شغلنا الكاتب الصحفي مصطفى عبد العزيز البطل قبل أيام، وأعتقد لا يزال يكتب، لكنه لم يعد يشغلني، بنقده لمذكرات د. علي أبوسن. وحسب زعمه في الحلقات الأولى من هذه المقالات الناقدة للمذكرات، بأن هذا الكتاب ليس فيه مايحفل به، بالتالي لِمَ الكتابة عنه؟ أمن قلة ما يستحق الكتابة عنه وما يستحقه القراء من كتابهم أن يميطوا اللثام لهم عنه؟ حتى ولو من باب اللحمة والإنتماء للقلم وما يلاقيه بعضٌ من حملته. غير جدير بالذكر أن تلك الكتابات تزامنت مع مقالات لاهبة أودع كتابها السجون وصودرت صحفهم ومقالات أخرى تناصرهم وتشد من أزرهم وأزر أسرهم، لكن البطل آثر أن يخصنا بنقدهـ لمذكرات ليس بها ما يحفل به على حد تعبيره.



ولعلني تعمدت أن أقول غير جدير بالذكر، لإن مقالات البطل كلها من هذه الشاكلة وفي كل الأزمنة والمناخات وحتى عند الإنتخابات المزورة وتعذيب رفاق القلم وترويع صغارهم وكبارهم، لذلك فهي تحشر نفسها حشراً في صحافة الإنحطاط المنشغلة بسفاسف الأمور والمنصرفة عن القضايا الكبرى، بالتالي هي صحافة تسرية وتسلية وإخوانيات. القضايا الكبرى لها كتابها الكبار بدورهم. البطل يكتب من خارج السودان ورغم ذلك فهو ينزع إلى التسرية عن قرائه وإنتقاد مذكرات د. علي أبو سن دون غيره ممن يستحقون ما هو أكثر من الإنتقاد بل يستحقون المثول أمام المحاكم عن جرائم ثابتة ومؤكدة وأدلتها القطعية متوفرة وموجودة.



من إرشيف كامل للكاتب أحتفظ به في كومبيوتري الخاص وجدت مقالتين تحت عنوان (يا إنقاذيون: الدين النصيحة) و(العبد في التزوير والرب في التدبير)،تمثلان إنحرافاً معيارياً عن مقالات التسرية والإخوانيات التي تشكل القسم الأكبر من كتابات البطل. وهما-أي المقالتين- إذ تفارقان، على إستحياء، درب التسرية والإخوانيات تندرجان صراحة تحت باب المناصحة للنظام القمعي، على نحو ما عبر عن ذلك عنوان المقالة الأولى، ومن باب أن ذلك من حقوق ولاة الأمر على الرعية، وعند البطل من دون التدقيق في الكيفية التي يتولى بها هؤلاء الولاة الأمر ولا في الكيفية التي يتصرفون بها في هذه الولاية (بمعنى mandate) فهو حقهم والسلام وربما بعد السمع والطاعة (كمان).



لوح المحبوب مصطفى عبد العزيز البطل الذي يتأرجح بين التسرية والمناصحة يحظى بقراءة واسعة وسط القراء السودانيين وربما تقريظهم. وهذا لعمري مؤشر قوي على إنحطاط الصحافة وتدنِ كبير ما وصلته في مسيرتها من قبل، وربما مؤشر لظواهر أخرى ليس المجال مجال تفنيدها. فالقارئ السوداني-او قل السوداني- الذي يبحث عن حقه الطبيعي المهدر في الحياة (الكريمة أو غير الكريمة) مجرد حق أن يبقى على قيد الحياة في مناطق عديدة من السودان وبفعل سلطة ينبغي أن تزاح لا أن تناصح، لا يبحث عن التسرية والإبتسامة والتمتع بمقدرات الكاتب في الكتابة والسخرية والتنكيت، بل يبحث بين السطور، إن استطاع إليها سبيلاً، عن همومه ومشاكله .



ومظاهر إنحطاط الصحافة في عهد الإنقاذ المتطاول لا تنحصر في ظهور كتابة التسرية والمناصحة وإنما تتعداها إلى مظاهر أخرى كالرقابة القبلية وإعتقال الصحفيين عن مقالات رأي وتقديمهم إلى محاكم جائرة في نظام قضائي غير نزيه وغير مستقل ومصادرة الصحف بقرارات من الأجهزة الأمنية. لكن صحافة التسرية والمناصحة ينبغي التعامل معها بحذر ويقظة، فهي تدس السم في الدسم وتتلبس لبوس المعارضة والتنوير وهي في الواقع تكرس للقمع والتجهيل وتصمت صمت القبور عن جرائم السلطة الغاشمة حتى في هجمتها الشرسة على الحريات الصحفية.





مرتضى جعفر الخليفة

مترجم


المصدر

http://www.sudaneseonline.com/ar3/publish/article_2235.shtml

Post: #112
Title: Re: غاب أبو سن ولعب أبو ضنب مقال لسمؤال أبو سن رداً علي مصطفي البطل
Author: زهير الزناتي
Date: 07-24-2010, 01:14 PM
Parent: #111