Post: #1
Title: الدكتور عبد الله الفكي البشير: زيارتي الأولى إلى كردستان العراق كانت تجربة أكاديمية وإنسانية ثرية"
Author: اخبار سودانيزاونلاين
Date: 09-17-2025, 07:22 PM
07:22 PM September, 17 2025 سودانيز اون لاين اخبار سودانيزاونلاين-اريزونا-امريكا مكتبتى رابط مختصر
الدكتور عبد الله الفكي البشير: زيارتي الأولى إلى كردستان العراق كانت تجربة أكاديمية وإنسانية ثرية"

حاوره: حسو هورمي نُشر بصحيفة التآخي، بغداد، 16 سبتمبر 2025
شارك الدكتور عبد الله الفكي البشير في المؤتمر الدولي: "الإيزيديون: الدين، التراث، التاريخ والجغرافيا"، الذي نظمه مركز لالش الثقافي والاجتماعي بالشراكة مع جامعة دهوك في قصر المؤتمرات على مدى يومي 29 و30 أبريل 2025. وقد جاءت مشاركته بورقة علمية ضمن محاور المؤتمر، نالت اهتماماً أكاديمياً وإعلامياً واسعاً. وانطلاقاً من أهمية ما قدّمه، ارتأينا أن نفتح معه هذا الحوار، لنسلط الضوء على مضمون مشاركته في المؤتمر، ولنتعرف أيضاً على انطباعاته حول زيارته الأولى إلى كردستان العراق، وما حملته له من أبعاد أكاديمية وإنسانية.
المحاور: يسرّنا أن نرحب بكم، دكتور عبد الله الفكي البشير، في إقليم كردستان العراق ونتمنى أن تكونوا قد قضيتم أوقاتًا سعيدة وممتعة ومثمرة في مدينة دهوك. كانت لكم مشاركة بورقة علمية ضمن محاور المؤتمر، وقد لاقت اهتماماً ملحوظاً على أكثر من صعيد، سواء من الناحية الأكاديمية بما أثارته من نقاشات ثرية مع الباحثين، أو من الناحية الإعلامية بما أحدثته من صدى واسع. وربما من المفيد أن تبسط لنا مضمون هذه الورقة من حيث الفكرة والغاية والعنوان ، وكذلك أن تستعرض طبيعة التفاعل والاستجابة من الحضور وشعوركم عن لهذه الدعوة.
الدكتور عبدالله الفكي البشير
بدايةً، أشكر لكم هذا السؤال وأود أن أعبر عن سعادتي الكبيرة لوجودي معكم في هذا الحوار لتبادل الرؤى والأفكار حول مؤتمر مهم وموضوع أكثر أهمية يخصنا جميعًا. أنا من السودان، وهذه هي المرة الأولى التي أتشرف فيها بزيارة كردستان العراق. لقد استمتعت كثيرًا بالأيام التي قضيتها هنا، حيث لمست كرم الضيافة والأريحية لدى الإنسان الكردي، الذي هو بحق ابن بيئة متعددة ثقافيًا. زرت بعض البيوت الإيزيدية، وجلست مع بعض الإخوة الأكراد، وخضت معهم حوارات وتفاكرات بنّاءة، فوجدت بيننا الكثير من القواسم الثقافية المشتركة والقيم الإنسانية الجامعة، وجئت إلى هنا بدعوة كريمة من جامعة دهوك ومركز لالش الثقافي والاجتماعي للمشاركة في المؤتمر الدولي العلمي: "الإيزيديون: الدين، التراث، التاريخ والجغرافيا"، وكانت تجربة ثرية على المستويين الأكاديمي والإنساني. وعن طبيعة التفاعل الذي دار بيني وبين الحضور، إذ وجدت تجاوباً مثمراً وحواراً غنياً أسهم في إغناء النقاش العلمي حول القضايا المطروحة.
لقد كانت مشاركتي تلبية لدعوة كريمة من المنظمين، وهي تجربة أعتبرها ثرية على المستويين الأكاديمي والإنساني معاً. فقد أتيحت لي فرصة استعراض الأفكار المرتبطة بعمق هذا الموضوع وتعقيداته، وكذلك تبادل الرؤى مع نخبة من الخبراء والباحثين من مختلف التخصصات حول أهمية الحفاظ على التراث الإيزيدي ودوره في تشكيل الهوية الثقافية والتاريخية للمنطقة. إنها بحق تجربة أعتز بها، وآمل أن تكون خطوة في سبيل تعزيز الحوار والتفاهم وتكريس الجسور بين الشعوب والثقافات.
المحاور:ما الذي دفعكم لقبول المشاركة ؟
الدكتور عبدالله الفكي البشير منذ أن تلقيت الدعوة لحضور هذا المؤتمر، شعرت أن المشاركة فيه ليست مجرد خيار، بل واجب ثقافي، أخلاقي، وإنساني. هذا اللقاء يتطلب منا جميعًا أن نلتئم حول موضوع الديانة الإيزيدية وتراثها، خاصة في ظل انتشار الكثير من المفاهيم المغلوطة عنها، التي سمعتها بشكل خاص في السياق الإسلامي. من هنا، تقع مسؤولية المثقف على كاهله، ليقوم بتقديم رؤية علمية ودقيقة حول الديانة الإيزيدية وتاريخها وجغرافيتها، بهدف إخراج هذا الموضوع من حالة الأوهام إلى فضاء الفكر والتحليل العقلاني. هذه الخطوة تساعد في توفير فهم أعمق لهذا المكون داخل الفضاء الإسلامي، مما يسهم في رفع الوعي وتعزيز التنوع الفكري والثقافي، إلى جانب دعم المجتمع الإيزيدي. إنها دعوة جماعية للعمل معًا من أجل تعزيز الهوية الإنسانية المشتركة التي نحتاج إليها جميعًا، إذ تقوم أسس التعايش الحقيقي على الفهم المتبادل. ولتحقيق ذلك، لا بد من البناء على أساس التعامل مع القضايا عبر العقل والفكر بدلًا من السقوط في فخ الأوهام والخزعبلات.
دور المثقف الحر، بغض النظر عن خلفيته الدينية أو الثقافية سواء كان مسلمًا أو مسيحيًا أو صابئيا او لا دينيًا أو من أي مكون آخر، يكمن في العمل الجاد والمستمر على عقلنة وفكرنة التشخيص والنظر، في فكر وحقوق المجموعات الدينية وتراثها الثقافي بشكل عادل وعلمي وموضوعي، حتى يتحقق ترفيع مستوى الحديث والحوار والوعي إلى مصاف العلمية في الفضاء الإنساني. بهذه الطريقة يمكننا تصحيح الصور النمطية والتمثيلات غير الدقيقة التي تسيء إلى فهم الآخر وتعوق تحقيق التفاهم الحقيقي المتبادل.
حضرت إلى هذا المؤتمر بدافع ثقافي وإنساني، حيث قدمت ورقة بحثية بعنوان "التراث الإنساني والأديان والآخر في الفهم الجديد للإسلام - الإيزيدية نموذجًا". انطلاقاً من الفهم الإنساني للإسلام الذي طرحه المفكر السوداني محمود محمد طه. وحقا نحن في حاجة للفهم الإنساني ووفي حاجة للاحتفاء بالهوية الإنسانية التي تجمعنا. ولابد هنا من التعبير عن تحيتي ومحبتي للأخوات الإيزيديات ولآبائهن وأزواجهن وابنائهم وبناتهن، حيثما كن وكانوا، وللإخوان الإيزيديين حيثما كانوا. فالمأساة التي تعرضوا لها تعكس جرحًا في إنسانيتنا وأخلاقنا. ومن واجب المثقف أن يعبر عن هذه المواقف وأن يستخدم الأدوات العلمية لتصحيح المسار، لنتمكن من تحويل التاريخ من مجرد استذكار للمآسي الماضية إلى أداة فاعلة لتحقيق التغيير الإيجابي في مسار الإنسانية.
المحاور : برأيكم، ما هي الضرورة الأساسية لدراسة التراث الإيزيدي، وأين تكمن أهميته على الصعيدين الأكاديمي والإنساني؟
الدكتور عبدالله الفكي البشير
إن الديانة الإيزيدية قدمت إسهامًا مهمًا في الإرث الإنساني، الذي هو حصيلة تراكم جهود جماعات وديانات وأمم متعددة على مر العصور. حماية هذا التراث والاحتفاء به يمثل مسؤولية مشتركة، لأنه جزء من الإرث الإنساني الذي يجمعنا جميعًا. وفقًا لمنظور الفهم الجديد للإسلام الذي استندت إليه في ورقتي الفكرية، يُعتبر التراث الإنساني وسيلة من وسائل المعرفة بالله، وإسهامات الجماعات المختلفة، بما فيها الإيزيديين، جزء لا يتجزأ من هذا التراث.
الاحتفاء بالتراث الإنساني ودراسته، بما في ذلك التراث الإيزيدي، يسهم في تعزيز التعايش وتغذية السلام العالمي، وهو أمر بالغ الأهمية خصوصًا في منطقتنا التي بحاجة ماسة إلى فهم متبادل وتعايش مشترك. العالم اليوم يعيش في واقع إنساني جديد جعل الحدود الزمنية والجغرافية أقل تأثيرًا، مع وحدة كوكبية ومصير مشترك للجميع. فما يمس المجتمع الإيزيدي اليوم يمس السلام العالمي بأسره. وأي اعتداء على التنوع الثقافي والديني داخل العراق أو إقليم كردستان العراق بتعدد مكوناته الرائعة يؤثر سلبًا على التعايش في المنطقة ويمتد تأثيره إلى مختلف بقاع الأرض.
المحاور: هل نفهم من أفكاركم المطروحة أنكم من دعاة "أنسنة التعايش" وتعزيز قيم السلام التي تتجاوز حدود الجغرافيات والهويات الضيقة؟
الدكتور عبدالله الفكي البشير
لاشك إن قضايا التعايش والسلام لم تعد حكرًا على نطاق معين أو دولة بعينها، بل أصبحت قضية تتجاوز الحدود الجغرافية والثقافية وتمس الإنسانية جمعاء. علينا أن ندرك أن حماية هذا التنوع هو المفتاح لبناء عالم أكثر سلامًا وتفاهمًا، حيث تُستثمر الجهود المشتركة لصالح جميع البشر. هذا الموضوع أصبح محور اهتمام مشترك لنا جميعًا، حيث بات من الضروري أن نتكاتف ضد أي شكل من أشكال الاعتداء على جماعة أو طائفة أو ديانة، لأن مثل هذه الاعتداءات تمس الإنسانية جمعاء. من بين المحاور التي تناولتها الورقة، كانت الأفكار الدينية للمفكر السوداني محمود محمد طه الذي أعدم في الخرطوم بتاريخ 18 يناير 1985. هذا المفكر قدم فهمًا جديدًا للإسلام، لكن ذلك الفهم قوبل بتحالف واسع من علماء المسلمين الذين أصدروا فتوى بتكفيره وأدانوه بالردة، مما أدى في نهاية المطاف إلى إعدامه. ورغم ذلك، جاء لاحقًا حكم من المحكمة الدستورية العليا في السودان يبرّئه بعد عام من تنفيذ الإعدام بحقه، لتبدأ بعدها موجة من الاعتذارات. في الوقت الحاضر، يشهد الفكر الذي طرحه محمود محمد طه اهتمامًا متزايدًا في الفضاءين الإسلامي والإنساني، حيث يتم دراسته في الجامعات ضمن رسائل الماجستير وأطروحات الدكتوراه، بما يشمل جامعات في العراق وتونس وعدد من الدول حول العالم. هذا الانفتاح يعكس التقدير المتأخر لفكره الإنساني.
المفكر محمود محمد طه قدّم رؤية تتمحور حول القيم الإنسانية التي أهداها في مشروعه للإنسانية جمعاء. بالنسبة له، مفهوم "الآخر" الذي تناوله بشكل مركزي في أطروحته، لا يقتصر على مجرد قبوله بالشكل التقليدي حيث يُنظر إليه كمن يختلف معي في الدين أو اللغة أو اللون أو العرق. عنده، العلاقة مع الآخر تحمل معاني أكثر عمقًا ولا ترتبط فقط بفكرة القبول السطحي.
المحاور: هل تعتقدون أن هناك مفهوماً مغايراً للآخر في هذا السياق، أم أن الفهم المشترك يمكن أن يسهم في تعزيز الحوار والتعايش؟
الدكتور عبدالله الفكي البشير الحديث عن مفهوم "الآخر" يتجاوز الفهم التقليدي الذي يهيمن على العالم اليوم، حيث يُظن أن قبول الآخر بات أمرًا مُتعارفًا عليه ومُمارسًا بشكل عام. إلا أن الواقع يشير إلى حاجة أعمق وأكبر تمتد إلى إعادة تعريف هذا المفهوم وإلى إعادة تعليم الشعوب لكي يتم استيعاب هذا التعريف بشكل أصدق وأكثر إنسانية. المفكر السوداني محمود محمد طه يدعو إلى مستوى أسمى من قبول الآخر، ليس فقط باعتباره شخصًا يختلف معنا في اللغة أو الدين أو اللون أو الثقافة، بل باعتباره تجسيدًا للحضور الإلهي على الأرض. وفق رؤيته، الآخر ليس مجرد فرد مستقل، بل هو مظهر من مظاهر نفخة الله وروحه التي تسكن في كل إنسان. لذا، لا ينبغي أن تُجرح هذا الآخر، سواء بالكلمات أو الأفعال أو حتى بالخاطر، ولا أن تُنتقص حقوقه مهما كانت الظروف. بل يجب أن يكون الآخر موضع محبة وتقدير، لأن محبة الله تُترجم عبر محبة خلقه، وأكرم خلق الله هو الإنسان. هذه الفكرة تتجاوز الأديان، بحيث يمكن أن تحقق السلام والانسجام بين البشر من خلال مفهوم التعامل مع الآخر بوصفه يحمل جوهرًا إلهيًا. ومن هذا المنطلق، فإن الآخر هو شريك في الإنسانية، بغض النظر عن اختلافاته الثقافية أو الدينية. نحن جميعًا نشترك في الأصول الإنسانية، وهي القلب والعقل، وهي الركائز الأساسية التي تجمع البشر. بالإضافة إلى ذلك، فإن الإنسان يمثل الغاية النهائية لكل الديانات والفلسفات، بينما تُعد تلك الديانات والفلسفات أدوات لتحقيق تلك الغاية التي تتمثل في رفعة الإنسان وكرامته. ولكن للأسف هناك جهل بهذه الحقيقة العميقة عن الإنسان وعن مكانته كغاية نهائية. هذا الجهل ينعكس في الممارسات البشعة التي تظهر في أشكال مختلفة من الإبادات والصراعات العالمية. من المهم أن نواجه هذا الجهل عبر نشر الوعي بمفهوم الآخر وربط السلام بمحبة الإنسان واحترام حقوقه. وانطلاقاً من هذا، فإن الإيزيديين وجميع الناس من حيث هم ناس، بغض النظر عن الدين والإثنية واللسان واللون والجنس، هم عندي، موضع احترام واحتفاء ومحبة. كوننا، كما يقول طه: نحب الله في خلائقه، وأكرم خلائق الله الإنسان، من حيث هو إنسان. ولهذا فإن طه يدعو للحياة في سبيل الله والإنسانية، لا للموت في سبيل الله والإنسانية.
المحاور: هل يمكن أن توجهوا كلمة أخيرة للقراء حول تجربتكم في المؤتمر وزيارتكم الأولى لكردستان العراق؟
الدكتور عبدالله الفكي البشير
في الختام، أود أن أعرب عن خالص شكري لهذه التجربة المثمرة التي أغنتني على المستويين الأكاديمي والإنساني. لقد كانت الفعاليات التي جمعتني بالحاضرين، والنقاشات التي تناولت هذه الأفكار الحيوية، مليئة بالتفاعل الإيجابي والثراء الفكري. استخلصت الكثير من الفوائد من الرؤى المختلفة التي تم طرحها خلال الجلسة، وأترك التقدير النهائي لتجربتي في أيدي الحضور. هذه التجربة عمقت علاقتي وتشبثي بإقليم كردستان- العراق وبأهله، كما عززت قناعتي بأهمية الحوار وتبادل المعرفة بين الثقافات وضرورة الحفاظ على التراث الإيزيدي كجزء من هويتنا المشتركة. كما أنها أظهرت لي جمال وكَرَم الإنسان الكردي بشكل عام والإيزيدي بشكل خاص في كردستان العراق، وكانت فرصة حقيقية للتعمق في قيم هذا الشعب الرائع.
نقلاً عن صحيفة التآخي، بغداد، 16 سبتمبر 2025
|
|