فيليبو و أنا ...

فيليبو و أنا ...


03-31-2007, 05:41 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=3&msg=1175359307&rn=0


Post: #1
Title: فيليبو و أنا ...
Author: محمد حنفي
Date: 03-31-2007, 05:41 PM


.
.
أُتفق انني استاجرت غرفة بشقة، بفلورنسا حاضرة توسكانا الجميلة ، (اوليفيا) صاحبة الشقة بنت فلورنسية جميلة ولطيفة، وغرفتي واسعة تطل نافذتيها الكبيرتين على " فيالي دي ميللي" وهي قرب موقف الباص، كما يمكنني السير على قدمي إلي وسط المدينة إذا أحببت.
كُل الميزات بها جيدة، لكن منذ اللحظة الأولي عرفت ان هناك من لايرحب بي، القط "فيليبو" ، مخلوق ضخم رمادي اللون ولا يحب الرجال ولا السود ! حملته (اوليفيا) رغم وزنه الثقيل تعرفنا ببعضنا
: "فيليبو" وديع جداً وهو اظرف قط علي الاطلاق ، دعه يتعرف إاليك عن قرب وستحبه جداً.
هذا مالم يحدث بالطبع طوال ثلاثة أشهر .
مضت اوليفيا تعرفني ببقية الشقة واضحت لي ان المطبخ والحمام سنشتركهما أنا وهي و(لاورا). لاورا فتاة أُخري تستأجر الغرفة الثالثة ،تعمل ليلاً، وتنام نهاراً ولاتكره القطط.
دخلت إلي غرفتي لترتيب اغراضي، وعلي سبيل التجربة إستلقيت علي أحد السريرين بالغرفة، فإذا بالباب يفتح ويدخل "فليبو" مُتفرساً فيّ. قفز إلي السرير وتسلقني كبهلوان علي حبل، بدأ من قدمي، عبر ساقي وماضيا قُدماً . لم أدر كيف احتملت وزنه الثقيل والكركرة المفزعة التي تصدر عنه . كان يحملق في مثبتا عينه في عيني ببجاحةً، فكرت في مباغتته وقذفه علي الحائط إلا أنني تذكرتُ فساد عقل "الخواجات" الذين قد يسجنونني للقسوة مع الحيوانات، أو يتم ترحيلي لوطني كُمجرم. لم أكن أحتمل بقاءه المُستقفز علي لكنني انتظرت أن يقدم علي خطوة تجعله يستحق العقاب، وكأنما فهم مايدور ببالي فتوقف على بطني مريحا جسده بالكامل علي . حاولت تهدئة نفسي وتنظيم ضربات قلبي، كان الوحش يدعي المسكنة ماسحاً رأسه بصدري، ويمؤ بمكر.
حدثته محاولاً افهامه أنني شخص بسيط، وقد أتيت من بلاد بعيدة ولا انوي اثارة المشاكل. اخبرته عن القطط عندنا كيف أنها في السابق كانت تنعم بوضع شبيه بوضعه الان .
اذكر أن ابنة عمتي كانت تدلل القطط اكثر مما تدلل الام ابنها، وابن خالتي كان يرجوني أن اجلب له قطة، ذلك انه عندما تضع قطة صغارها يكون الاصدقاء والاقارب قد حجزوا المواليد. وفور اكتمال رضاعتهم يذهبون الي منازل اخري ويحظون بالتدليل والملاطفة . أما الآن تسكن القطط البيوت رغم انف اصحابها، ومنذ اكثر من خمسة عشر عاماً لم اري قطاً يقبع في حجر احد، ذلك أن القطط كلها تشعر أنها مذنبة ومطاردة لما تقوم به من خطف اللحم وماتحدثه من فوضي اثناء ذلك من قلب مائدة أو غيره.تسكن أعالي السقوف والجدران وتهبط بتدبير للطعام.
عبر "فيليبو" عن استياءه من مسلكك قطط العالم الثالث بمواء قصير. غيرت الموضوع قليلاً، قلت له أنني ساغادر بعد ثلاثة اشهر طالباً منه التعاون في قضاء هذه المدة بهدوء، وعدته أنني من جانبي لن اوذيه اما اذا كان قلقاً بخصوص (اوليفيا) فانها ستكون مثل اختي وحتي (لاورا) اذا شاء .
كان ينصت مغيراً من وضعية اذنيه في كل مرة . اخيراً جاءت (اوليفيا) بعد ان افتقدت قطها العزيز معتذرة ان قفل الباب في غرفتي يفتح بسهولة اذا دفعته دفعة بسيطة، قائلة انها ستقوم بتغييره اذا كان ذلك يزعجني. اجبتها أن لا داع لذلك، لاحظت عدم ارتياحي من الحيوان الجاثم علي صدري فحضرت لتحمله سائلةً إن كنا قد وصلنا لاتفاق ، فقلت : أتمني ذلك.
امضيت وقتاً ليس بالقصير مفكراً بالامر، علي كلينا " فيليبو وانا"" تقديم بعض التنازلات أو أن الوضع سيكون فظيعاً .
كانت معاناتي الاقتصادية ابرز تجليات المعركة فانا لا استطيع تناول الطعام في المطاعم فاحشة الغلاء. كما انني مدمن علي القهوة ولا يمكنني طلبها لاكثر من مرتين في اليوم بالبار، لذا فقد كان يناسبني جداً التسوق في الاسواق المتجولة (أم دورور) التي تنصب صباحاًفي احد الميادين وتزال مساء، وتناسب ميزانيتي، اذ يمكنني الطبخ في البيت كما اشتهي، وثمن كيلو جرام من البن يساوي ثمن القهوة التي اشربها بالبار ليوم واحد.الا أن "فيليبو" كان قد قرر حرماني من استخدام المطبخ صراحةً ، كان يجلس علي لوحة تقطيع اللحوم والخضر واضعاًعينيه في عيني ويكركر، وعندما اتجه للثلاجة كان يقفز بسرعة ويلتصق ببابها، وعندما يراني اخلط الماء بالبن في التنكه يقفز جالساً علي البوتجاز.
هو للأمانة لم يكن يخطف اللحم خاصتي أو يتشمم خضرواتي وفاكهتي علي خلاف قططنا فهو ياكل فقط اشياء مغذية يشترونها في علب ملونة من السوبر ماركت يقرمشها ثلاث مرات في اليوم ، ولايشرب الماء أو اللبن الا في الاناء الخاص به ، وله صندوق ملئ بالرمل في البلكونة يقضي به حاجته، من هذه الجوانب يبدو محترماً ومقدراً جداً لكن عنصريته هي مايفسد علي سكني.
اوليفيا تحب شاباً من مدينة اخري وفي عطلة نهاية الاسبوع تسافر ليه ويأتي هو في المرة التي تليها وكانت تحتاج الي من يرعي قطها في غيابها وكانت تسالني ان كنت سأبقي في المدينة ام ساسافر لتوصي اخيها او لاورا لوضع طعامه وما الي ذلك وقد حدث مرة انني لم اسافر في (الويكند) فاخذت دوري في الاهتمام بعدوي، وعندما عرف اللعين ان حياته بين يدي اخذ يرشوني بالمسكنة والتهذيب.
بعد أن شربت قهوتي صباح السبت غافلته وحملت الطبق الي البلكونة ووضعت له وجبته هناك ثم اغلقت الباب الزجاجي بين المطبخ والبلكونة، كان هناك شي كنت اراه فقط في مجلة (ميكي) يُدعي (باب القط) وهو من سفه الخواجات وفنكهتهم، عبارة عن فتحه اسفل الباب مقوسة من اعلي ولها مفصلة تفتح في الاتجاهين اذا دفعها القط بجسمه داخلاً او خارجاً وتغلق خلفه برفق .
"فيليبو" لم يستخدم حاسة الشم عندما لم يجد اناءه في مكانه بل تصرف كالخواجات تماماً شاكياً من اختلال نظام اطعامه، رحت اصف له بيدي بالطريقة السودانية مكان اكله والذي كان قد عرفه سلفاً لكنه اراد أن ارجعه له مكانه، لم استجب ومضي هو دافعاً بابه الصغير وعندما اصبح في البلكونة وبدأ يلتهم وجبته غير راض قمت بلصق الباب بشريط لاصق كنت قد اعدتته سابقاً .
في مواعيد وجباته كنت ازيل الشريط بحرص ممسكاً الباب بيدي واصب له وجبته واعيد اللاصق دون السماح له بالخروج، ظل هناك حتي بعد ظهر الغد (الاحد) حين احسست بقرب عودة (اوليفيا) ازلت الشريط واعدت الاناء للمطبخ وكان شي لم يكن استشاط غضباً واظنه قد حاول شرح الامر (لاوليفيا) لكنها كانت حسنة الظن بي صحيح انه قد لان قليلاً بعد الاسابيع الثلاثة الاولي لكنه لم يخلو من سوء طبع، (اوليفيا) كانت تخجل من تصرفاته معي وتحاول التغطية عليها بالقصص التي تحكيها عن لطفه وسرد تاريخه وشجرة عائلته وشقاوة طفولته، مدعمة كل ذلك بالبوم صوره، كانت تقول ان اخيها لامها يحب الكلاب ويكره القطط وقد سمي كلبه باسم حبيبها لاغاظتها، كنت اقدر شعور البنت بالحرج من تصرفات قطها الاليف الذي يعاملني كانسانه الاليف.
رن هاتفي وانا بالخارج ذات مرة، كانت (اوليفيا) مُلتاعة وحدثني عن كارثة. قفزت الي اول باص وقطعت المسافة بين " بونتي ال بينو" والبيت عدواً 0كانت في حالة يرثي لها ومن خلال دموعها قالت : سقط فيليبو من النافذة في طابقنا الثالث وكسر احدي قوائمه.
كدتُ ادفعها عني مقسماً انني لستُ الفاعل لكن تذكرتُ أن ذلك حدث اثناء غيابي وفي وجودها.
امس فقط قام السيد فيليبو بممارسة ضغوطه العنصرية ضدي. كانت (اوليفيا) تدعو اصدقائها للبيت وكان بعضهم يقضي الليل في غرفتها عندما تكون مسافرة, كان لدي ضيوف بغرفتي لكنه قام بكل السخف الممكن تجاههم نكايةً بيّ.
سعدت جداً لنبأ سقوط هذا القط الغبي، نحن نعرف أن القطط لا تسقط ولا تنكسر !
قالت اوليفيا انه لم يغادر الشقة منذ مولده ولا يعرف ان كان يقيم بالطابق الثالث أم الارضي ولسوء حظه أن اول مرة غادر فيها الشقة كانت عبر النافذه .
حاولت تهدئة روعها ودخلت الي المطبخ ضحكت وسع رئتي محاولاً كتم الصوت. كان بودي أن اقيم حفلاً وان اضحك طوال اليوم لكنني خفت ان تلحظ اوليفيا سعادتي فمسحت وجهي وارتديت حزناً واسفاً عميقاً وحملت لها كاس بيرة باردة .
قالت : أن منظره كان فظيعاً بعد وقوعه كان مفزوعاً ومتالماً .
قلت في سري "يستاهل" .
قالت انها اخذته للبيطري وقام بتجبير الساق واحتجزوه عندهم وامروها ان تعود وحدها واعدين بالاتصال بهاباستمرار لتطمينها، كانت الزيارة والمرافقة تمنع للحفاظ علي صحة البيئة بالمشفي.
تمتعت بالحرية اثناء احتجازه وعندما عاد لم استطع ان اخفي شماتتي وهو يمشي بصعوبة وجروح واضحة قرب انفه حيث لم يعد الفرو الرمادي كاملاً والنظرة المتحدية الصلفة استبدلت باخري منكسرة.
دخلت غرفتي واغلقتها خلفي .

Post: #2
Title: Re: فيليبو و أنا ...
Author: هشام آدم
Date: 03-31-2007, 06:28 PM
Parent: #1

________________________

الأستاذ : محمد حنفي

قصة رائعة جداً وبها تقنية عالية الجودة .. عن نفسي
فقد استمتعت بقراءة القصة وتعايشت مع أحداثها وتفاصيلها

دمت طيباً .. ولك خوالص التحية

Post: #3
Title: Re: فيليبو و أنا ...
Author: Ibrahim Algrefwi
Date: 04-01-2007, 00:07 AM
Parent: #1

Quote: حدثته محاولاً افهامه أنني شخص بسيط، وقد أتيت من بلاد بعيدة
ولا انوي اثارة المشاكل. اخبرته عن القطط عندنا كيف أنها في السابق
كانت تنعم بوضع شبيه بوضعه الان .



مرحباً ، محمد حنفي ، تاني .

الكتابة القصصية ، النص الإبداعي ، مالم يقدم الإمتاع علي الرسائل ، يصبح درساً مملاً .
هذه الحكاية ، ممتعة ، ممتعة ومحشوة بالتفاصيل والمرح . أنسنة فيليبو –القط- منحته روح
علي ارواح القطط السبعة ، منحته روح المحاور ، الاخر.

سلام مؤقت ياصديق ، ومحبة دائمة
ساعود لاكتب لك ، ساعود محاولاً ان اكتب ما يفيد


لا أستطيع أن اقاوم فكرة حكاية العنوان هدية السماء للقصة - فيليبو و أنا –
.

Post: #4
Title: Re: فيليبو و أنا ...
Author: fadlabi
Date: 04-01-2007, 01:54 AM
Parent: #1

جميل يا حنفي

مع إنك شرير

Post: #5
Title: Re: فيليبو و أنا ...
Author: محمد حنفي
Date: 04-01-2007, 08:20 AM
Parent: #4

العزيز هشام
شكر كتير ليك ولكلامك اللطيف


ابراهيم ياجريفاوي كنت عاوز اخلي ليك مساحة سرد قصة عنوان البوست لكن شايفك زحيت منها، عموماًالقصة دي عشان تصل هنا مرت بمراحل كتيرة منها ليلة خميس كاملة لاختيار العنوان وما جابت فايدة ومقيلة نهار لطباعتها على الوورد بجهد ابراهيم وسفيان بشير وبالمناسبة ابراهيم من كتر التريقة على الناس الله ابتلاه بي كي بورد لين وماوس صلب وعذبونا في الطباعة، اصدقاء كثر ساهمو كتير في ابداء رايهم في القصة وشكر كتير ليهم


فاضلابي يا لذيذ
والله انا ما شرير لكن انت الخواجات ديل هدو فيك اظن وكتير من الشباب هنا لمن قرو القصة دي قالو لي انت بالك طويل ياخ....

محبتي
حنفي

Post: #6
Title: Re: فيليبو و أنا ...
Author: Ibrahim Algrefwi
Date: 04-02-2007, 11:34 PM
Parent: #1

>>>
>>>

Post: #7
Title: Re: فيليبو و أنا ...
Author: سلمى الشيخ سلامة
Date: 04-03-2007, 00:31 AM
Parent: #1

يا محمد انها لقصة تذكر بطريقة كاقكا فى الكتابة وفيها روح من كل ارواح الكتابة القصصية الحديثة والقديمة هنيئا لنا بكاتب مثلك يحيل الكلمة الى صورة ناطقة (عليك بالترجمة )

Post: #8
Title: Re: فيليبو و أنا ...
Author: محمد حنفي
Date: 04-03-2007, 06:25 PM
Parent: #7

سلام يا سلمى سلامة
افتقدناك كتير و الله يجيبك لينا
شكرا كتير على مرورك وعلى الاشادة
مودتي
حنفي

Post: #9
Title: Re: فيليبو و أنا ...
Author: ناذر محمد الخليفة
Date: 04-03-2007, 06:40 PM
Parent: #1

ألف مبروك يا محمد حنفي

ويل كوم باك ...

بس تاني أوعك تعمل كدة

Post: #10
Title: Re: فيليبو و أنا ...
Author: محمد حنفي
Date: 04-03-2007, 09:23 PM
Parent: #9

ده الـ الله قدرك عليهو ياناذر؟