التجانى يوسف بشير -الى بكرى ابوبكر ومعتصم الحارث

التجانى يوسف بشير -الى بكرى ابوبكر ومعتصم الحارث


03-05-2007, 03:34 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=3&msg=1173105243&rn=0


Post: #1
Title: التجانى يوسف بشير -الى بكرى ابوبكر ومعتصم الحارث
Author: احمد حماد ادريس
Date: 03-05-2007, 03:34 PM


كان شاعرنا مستعجلا لم يعش طويلا - التجانى المولود فى عام 1912م اقتطفته يد المنون وهو ابن الخمسة وعشرون ربيعا فى عام 1927م -بعد ان انهكه الداء الوبيل الذى اناخ بكلكله على رئتيه دون ان يستطيع التغلب عليه وانى له ذلك والفقر المدقع لا يسمح له باشباع رغباته وحاجاته الضرورية او الاستمتاع بوقت فراغه او الخلود للراحة -- ولربما ساعد على تدهور صحته تشاؤمه وعصبيته وضيق خلقه فى اخر عمره -ويصعب ان نحدد الوقت الذى الم به المرض -وان كان من المسلم به انه مات نتيجة لداء الصدر وان المرض كان ذى اثر فعال على نفسه -ويغلب الظن ان المرض اشتد على التجانى وعانى منه خلال سنتين او ثلاث --وانه ضاق ذرعا به حتى انه ابتعد عن اقرب اصدقائه كما نفر من الجلوس مع الناس بل ذهب الى ابعد من ذلك احيانا - اذ كان يامر والده اقرب الناس اليه بالابتعاد عنه -حتى استشعر بقسوته فى مواجهته -ولكن اغلب الظن ان التجانى المسكين كان ينوء تحت اثقال الداء الذى مزق صدره وحطم امانيه وجعله قاب قوسين او ادنى من الموت اذ كان داء الصدر يومئذ فتاكا بل داء عضال والشايع ان لابرء منه وان علاجه مستعصى بل مستحيل فى السودان ولذلك يئن ضحيته تحت رحمته - ومن ثم احس التجانى بان الداء اختزل جسده اختزالا بل شوى عظامه فى حرقة بالغة وامتص دماءه حتى ضعف عوده واصبح هيكلا عظميا لا يستطيع فكاكا او حراكا وغارت عيناه وارتجت اوصاله واستبد به الهم بقى وحيدا من منا لايكون وحيدا عند الحب وعند الموت -حتى صرخ وهو يرثى نفسه قبل وفاته بفترة وجيزة فى القصيدة التى بعثها لصديقه الشاعر محمود انيس الموظف فى تلغراف السكة حديد فى الخرطوم


يا انيس الحياة يقطر منك الطيب نبلا وتعبق الاخلاق
يا اخا الروح عادنى منكم الغيث كثير وليس فيه ابتراق
غمرتنى نعمى يديك على حين تجنت على هواى الرفاق
ما على القلب منهم وبحسبى صاحب ملء روحه اشفاق
ايها الشاعر المجيد ومجد الشعر مما تدوى به الافاق
ارايت الصديق ياكله الداء ويشوى عظامه المحراق
ما رد هذه السقام ولكن صبره الجم للضنى رفاق
جف من عودى الندى فتعرى وتنفث من حوله الاوراق
وذوى قلبه النضير وقد كان له زمانه تخفاق
رحم الله عهده فلئن عاد فضدى لدهرنا ميثاق
وانا اليوم لا حراك كان قد شد فى مكمن القوى اوثاق
بث استنشق الهواء اقتسارا نفس ضيق وصدر ضاق
وحنايا معروقة وعيون غائرات ورجفة ومحاق
ما لنا دون ذا احتيال فان الله فى علمه الشئون الدقاق
لى رجاء فى رحمة الله لما وسعت فى الحياة لما يطاق
فالشفاء الشفاء يا رب والعفو وزدها قوى اذاها الوثاق
كيف اجزيك يا انيس ومالى من يد الجزاء مثلى تساق
فالقريض الذى تقدر لا اعلم ان كان فى الجزاء يستشاق
فاحتفظها ذكرى فان مت فاقرا بينها الحب ما عليه مذاق
او ححيينا فسوف نقرا فيها فترة لا اعادها الخلاق

كتب الاستاذ/ محمد فهمى فى كتابه -روائع شعراء الجيل - ننشر هذه النفثة الحارة من نفثات الشاعر الماسوف عليه المرحوم التجانى يوسف بشير وهى قصيدة من اسمى ما قرات من الشعر فى روحها وفى معانيها وفيما تحمل من اسى وشجن ومن دموع ومن الام -

هى قصيدة من قلب ممزق قد نال منه تنكر الصديق ومجافاة وقسوة المرض والاذى المتكالب ومالاقى فى حياته من عذاب واخفاق فخرجت صادقة مخلصة - هى قصيدة متفجرة من نفس شعرت بانها فى كل ساعة يتردد عليها الاضمحلال وتتعادى نحوها ذئاب المنايا غير رقيقة ولا لينة ولا هينة -والقصيدة موجهة لصديقه الشاعر الكبير انيس -- كان التجانى ذا حساسية عالية وقد زاده المرض احساسا بقيمة الصحة والعافية وترسبت فى نفسه من جرائه الاما دفينة عميقة اذ انك لاتجد فى قصيدته الاخيرة روح التجانى المتحررة الثائرة ولكنك تجد نفس الانسان الضعيفة المستسلمة -- لقد كان المرض احد الاسباب التى جعلت طعم الحياة مرا فى نظر التجانى وكان من بين الاسباب ايضا فصله من المعهد - ولكن لعل السبب الرئيسى لبؤسه وبؤسنا هوماكان يعانيه - وما نزال - من الفقر والجوع وتدنى مستوى المعيشة فى سوداننا -


ونواصل المقارنة بين التجانى يوسف وشاعر تونس الخضراء ابو القاسم الشابى -اذا سمحت يا ابوبكر
لانه لابد من استجماع تركيز الذاكرة عن هذا الموضوع الهام والكلمة المكتوبة امانة عظيمة ومسئولية جسيمة -