ثورة التجار

أخيراً وبعد (17) عاماً استطاع التجار أن ينظموا صفوفهم ويوحدوا كلمتهم ويسمعوا صوتهم للحكومة بـ(لا) كبيرة؛ لا للجبايات... لا للرسوم القسرية... لا للأتاوات غير الشرعية... لا للإذعان لقانون الغاب، بعد ان استكانوا لهذه الممارسات لسنوات عديدة كانوا فيها الأوز التي تبيض ذهباً للحكومة.



وما كان لهذه الثورة ان تكون لولا ان طفح الكيل وبلغ السيل الزبى وفاض حد الاحتمال لدى كل مواطن جراء مطالبات متكررة وبأشكال متعددة وبأسماء متنوعة ما أنزل الله بها من سلطان.



وما كنا نريد ان نشاهد شيخاً هرماً أو امرأة بلغ منها الكبر ان يعجزوا في الحصول على أبسط احتياجاتهم من (دكان الحي) حينها ايقنت تماماً ورأيت بأم عيني كيف تتوقف الحياة عندما ثار تجار التجزئة (القطاعي) بالحاج يوسف واجتمعوا وتوحدوا وتعاهدوا على الا يكون بينهم متخاذل أو مثبط للهمم واتفقوا على الدخول في اضراب مطلبي وإغلاق محالهم احتجاجاً على زيادة الرسوم وقسوة التحصيل التي قصمت ظهرهم بعد ان قاموا بتنظيم أنفسهم بصورة أدهشت المسؤولين أنفسهم وأكدت قوة إرادة المواطن السوداني وانه لا يقهر مهما تطاول عليه الأمر وتكاثرت عليه المطالب وان الضمير الوطني لازال حياً ما أوحى إلى هؤلاء المسؤولين بأن ثمة تنظيمات سياسية وراء هذه الاضرابات التي نجحت في ان تكون سلاحاً قوياً ووسيلة ضغط فاعلة في الحد من هذه المطالب بدرجة جعلت الكثيرين من الذين يصدرون قرارات التحصيل يفكرون جدياً في إعادة النظر في أمرها.



وما كنا نريد لهذه الاضرابات التي نظمها تجار التجزئة بالحاج يوسف ومن قبلهم تجار سعد قشرة والكلاكلة وأم درمان رغم انها دليل عافية للمشهد السياسي السوداني ما كنا نريد لها ان تكون لولا دفع الحكومة للناس بعضهم ببعض وعجلت بها بفعل قراراتها الفوقية دون ان تراعي حق المواطن وبلا وازع من وطنية، وما كنا نريد من التجار ان يختاروا هذا الطريق الذي دفعوا له دفعاً للوقوف في وجه الحكومة وهو يمثل أقصى درجات القطيعة بين الحكومة ومواطنيها لأننا كنا نأمل في ان يعلو صوت الحكمة والعقل الحكومي وتصحو من غفوتها وان تعيد النظر في تعاملها مع المواطن على أسس جديدة من حقوق المواطنة والاحترام المتبادل الذي يكفل له العيش الكريم في وطن عزيز.



لكن يبدو ان الحكومة تريد ان تترسم خطى ذات الدرب الذي بدأته أول المسير وفقاً لشعار (لا تراجع ولا نتراجع) ما ينذر بشر مستطير قد يكون مداه إعادة هيكلة وتشكيل الحياة السودانية من جديد فقضية الثوار قد تكون مزلزلة هذه المرة.

up

++

up