عنف الطلاب ومصرع الحوار الموضوعي

عنف الطلاب ومصرع الحوار الموضوعي


02-22-2007, 09:30 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=3&msg=1172133053&rn=0


Post: #1
Title: عنف الطلاب ومصرع الحوار الموضوعي
Author: عبده عبدا لحميد جاد الله
Date: 02-22-2007, 09:30 AM

عنف الطلاب ومصرع الحوار الموضوعي

الشرق الأوسط
الخميـس 04 صفـر 1428 هـ 22 فبراير 2007 العدد 10313


يتفق الجميع على أن المساومة على كلمة الحق تعني اغتيالها. والحديث عن العنف ليس دعوة له أو إذكاء لنعراته وانزلاقاً لقاعه أو انجرافاًً لفتنته ووقوعاً في وهدته، بقدر ما هو مدخل صدق لمناقشة الأمر بعلانية بغية وضع مؤشرات تستعطف الإصلاح وتبتغي المعالجة. فقد صار العنف وسط الطلاب سبيلاً لحسم الخلافات وخياراً لفض النزاعات، حيث غابت قيم التسامح وسيطرت مفاهيم الإقصاء. وقد يبدأ الصراع في المجتمع ثم يتسرب إلى مؤسساته المختلفة، بما فيها المؤسسات التعليمية. لهذا، فإن صراع الحركة الطلابية في السودان غير معزول عن العنف السائد في أطراف البلاد القصية، وهو تعبير عن حالة الواقع الراهن، وانعكاس للأزمة السياسية الأشمل.

ويؤرخ لبدايات ظاهرة العنف وسط طلاب الجامعات السودانية بمنتصف ستينات القرن الماضي، حيث تصاعدت الاحتكاكات بين الإسلاميين واليساريين نتيجة للتباين الشديد بينهما. ورغم أن التاريخ يسجل حوادث عنف كثيرة في الجامعات، إلا أن هذه الظاهرة تصاعدت بصورة لافتة في الآونة الأخيرة، ما أثار المخاوف حول تداعياتها. فقد وقعت أحداث عنف في جامعة النيلين بالخرطوم اغتيل على أثرها طالب، وأخرى في جامعة الأزهري بأم درمان، وكشفت السلطات الأمنية في الخرطوم عن ترسانة أسلحة بجامعة السودان في منتصف الأسبوع الماضي، فصارت كلمات من قبيل الطلاب، والسياسة، والعنف، مترادفات ثلاثا تكاد تتلازم، طارحة أكبر قضية أو تحد يواجهه المجتمع السوداني اليوم، وتشخص كظاهرة سلبية تهدد أمن واستقرار البلاد التي خرجت لتوها من حروب دامية في الجنوب والشرق، وما زالت تكابد ويلات حرب مشتعلة في الغرب، أي إقليم دارفور.

ولا جدال في أن السودان يعيش في زمن صعب. لكن السؤال الذي يطارد هذه الحقيقة هو: متى لم يكن السودان في زمن غير صعب؟ وهذا الاستدراك، لا ينفي، بالطبع، عسر الواقع، ولا يخففه، ولا ينهض ببدائل جاهزة تطمئن مستقبله، لكنه يوضح بالصدق أن الشدة واجتراح العنف كانا، ولا يزالان، سمة ملازمة للممارسة السياسية وسط الطلاب. فالوضع الأمني والسياسي والاجتماعي في هذه المرحلة يجعل البلاد تعاني من أزمة سياسية مركبة الأبعاد، يختلط فيها الداخلي بالخارجي، في حين يواجه المجتمع مشكلات سياسية تعبر عن انقسام اجتماعي واضح، ويتطلب إنقاذه حواراً عميقاً يهدف إلى تقديم خيارات سياسية حقيقية وفعلية، وبدائل متعددة الوسائط، لمعالجة المعضلات القائمة، ومواجهة التحديات الماثلة.

وقراءة المشهد السوداني العام، بتحولاته وانفجاراته، التي تضع الإنسان فيه أمام مأزقها، تنبئ عن تعقيدات اجتماعية هائلة أفرزتها سنوات الحرب. وتفصح مصائر السياسة، بتصالحاتها ومشاكساتها، عن احتقان يلجم ألسنة الحوار ويعجم منطق التفاهم. والنظر في المشهد، بعد اغتيال طالب جامعة النيلين، هو في جانب من جوانبه، صدمة للعقل وكارثة على المجتمع لم تتنزل فجأة، ولكنها حصيلة لما سبقتها من تراكمات وتفاعلات، ولا ريب في أنها ستخلّف بعدها آثارا عميقة وتداعيات مؤلمة.

وإذا كان من المهم معرفة الجهة التي سببتها فالأهم والأخطر أن الطلاب هم صانعوها. ولذا فهي لا تعبّر عن صراع سياسي بقدر ما تشهد على العجز عن مواجهة العنف الذي صار يتقنه الصغار أفضل من الكبار. وبالأمس فقط استولت إدارة العمليات بشرطة ولاية الخرطوم على كميات من القنابل اليدوية (المولوتوف) والأسلحة البيضاء (السكاكين)، في الركن الشمالي الشرقي من الجناح الجنوبي بجامعة السودان، كانت معبأة وجاهزة لإحداث فوضى وإخلال بالأمن وتخريب الجامعة، تزامناً مع الانتخابات المزمعة لإتحاد الطلاب.

فالحوار السياسي في الجامعات السودانية، كما يمارَس اليوم، يقوم على خطأ مزدوج؛ في مقاربته للواقع السياسي العام وفي هدفه وغاياته، وفي مفارقاته الحاسمة للجدل فيه. فإذا كانت مطلوبات المقاربة، التي يستدعيها الحوار السياسي العام، تتلخص في الرغبة في تقليص الفوارق بين المتحاورين، وحمل طرف على الاعتراف بالطرف الآخر واحترام وجهة نظره، مع تمسك كل طرف بتفوُّق وجهة نظره، فإن المفارقة في ممارسات الطلاب تبدأ من الانطلاق من مسائل خلافية، قد تبدو عادية، ثم لا تلبث أن تتطور إلى مشاحنات وعراك وقتل. لأن بعض حوار الطلاب لا تفرزه ضرورات الحوار، بشروط وأدبيات الحوار، وإنما ينشأ عفواً بمحاولة إقصاء الفكرة الأخرى التي يفترض المحاور ثبوت الاعتراضات المنطقية عليها، من دون تسمية لهذه الاعتراضات بالضرورة.

فهو لا ينشأ مع نشوء حاجة موضوعية، ولا يهدف إلى تحقيق غاية طالبية أو صَونها، ولا يرعى وحدة في التنوع تتلاقى حول جوهر واحد وحيثية مؤكدة، فيثور في تبيان مفاصله الكثير من اللغط، الذي اتسمت به أركان النقاش في الجامعات السودانية، ويتطور جدلاً أو سجالاً لا يدلف إلى نتيجة متوخاة، فتختلط أخطاء المقدمات بفساد النتائج. وسرعان ما ينحرف الحوار برمته عن الجادة ويجتنب الصواب، فتتقافز نذر التعصب في الأذهان، ويلقي التطرف بكلكله على العقول، فيكون العنف والقتل وإراقة الدماء.

إن الحوار الهادف هو الوسيلة المثلى لدرء العنف الطلابي بالجامعات الذي يجب أن يتعزز بنشر ثقافة التسامح، وإعلاء قيم السلام، والتمسك بأدب المكاشفة والمصارحة لحل كافة المشكلات التي تبرز على السطح، وتنظيم النشاط السياسي بين الطلاب بصورة عقلانية، بعيداً عن التطرف الذي يعارض الأهداف المطلوبة. لذا، لا بد للحكومة أن تعمل على توصيف آلية فاعلة لامتصاص الاحتقان، وأن يتوقف الشركاء داخلها عن التعاكس داخل حرم الجامعات، وأن تفرغ العاصمة من السلاح والمليشيات، وتتاح الفرصة للاتحادات الطلابية لتنتظم على أسس ديمقراطية عبر انتخابات حرة حقيقية، تمكيناً للاستقرار السياسي داخل الجامعات، وترسيخه في المجتمع والدولة.

وهناك أسباب كثيرة تكمن وراء ظاهرة العنف، منها التركيبة النفسية وتأثيرات البيئة وضيق قنوات الحوار. إذ يمنع إغلاق منافذ الحوار الطلابَ من تنمية ذاتيتهم الفكرية والاجتماعية والسياسية، ويكون حافزاً لتحريك العنف. وتشكل تأثيرات البيئة عاملاً من عوامل استنهاض العنف، وإشارات إلى ظاهرة الانقلابات العسكرية والصراعات المسلحة وما تتضمنه من انقسامات إثنية وقبلية وطائفية وجهوية. ولذلك، يصبح من المهم فتح قنوات الحوار لأنه سيسحب دعاة التعصب من سراديب السرية وسرادق الإقصاء.

ويرى الجميع أن العنف هو وسيلة المتخلف عقلاً وبصيرة، والعنف السياسي سلوك مخالف للقانون، وجريمة سياسية تستوجب العقوبة الرادعة، ومرفوض أخلاقياً، ودعت كل القوانين إلى محاربته، وكل الأديان السماوية عافته ونبذته، وغالب ومطلق الأعراف الإنسانية دعت إلى مقاومته بتفعيل ثقافة التسامح وإشاعة روح الحوار الذي يثري المعرفة بالنفس والآخر.

فقراءة المشهد الطلابي الراهن، بمدخل الوصف العام، تنتِج المأزق الذي نحن فيه، ولكن التعامل معه بمنظار التشخيص، تحليلاً وكشفاً أو تعرية، ثم توفير العلاج والتدبير، يعتبر ضرورة مرحلية لازمة وحاجة مستقبلية ملحة. فهناك مهمات مطروحة ومستحقات مطلوبة تستدعي المناقشة بشكل مفتوح، وتقديم حلول عملية لها، مستندة إلى رؤية سياسية متماسكة ومشروع وطني شامل. فإذا كانت السياسة في أحد أوجهها هي وضع الصيغ والأفكار والإجراءات وطرق إدارة الاختلاف فإن هذا الإدراك يساهم في إعادة رسم صورة المشهد بتصميم جديد مفيد.

لذا، فمن الضروري أن تنهض مبادرات رسمية ومجتمعية توفر الوسائل والإجراءات الضامنة، وصولاً إلى تهيئة الشروط الموضوعية، في جوانبها المادية والفكرية، لحوار يتميز بالفاعلية والإنجاز. وكذلك طرح مضامين الحوار بمنطق يتعلق بالمقاصد القريبة والغايات البعيدة للتحاور، وتحديد نقاط الخلاف والاختلاف، ووضع الصياغات العامة التي تحدد وظيفة الحوار، وأسس ومقومات التحاور المنطلقة من مصالح الطلاب.

ولا بد من إقامة الندوات وورش العمل لبحث أسباب وجذور العنف الطلابي ووضع علاج ناجع لها، حتى لا تهدد استقرار البلاد. وكانت ندوة «العنف الطلابي» التي أقيمت في اغسطس الماضي بالخرطوم، قد دعت إلى نبذ العنف، وتنظيم وتطوير العمل السياسي وسط الطلاب، وتسهيل وتوفير مقومات النشاط الطلابي، وتفعيل البناء الإداري بالجامعات السودانية لدرء العنف وإشاعة قيم التسامح، وفتح قنوات الحوار، والاتفاق على ميثاق شرف ينبذ كل أشكال العنف السياسي الطلابي، وإقامة منتديات توعية وإرشاد لمؤسسات التعليم العالي وتفعيل دور وسائل الإعلام بتكثيف التوعية والوعظ والإرشاد لنبذ العنف وإشاعة ثقافة السلام والتسامح وفتح أبواب المشاركة والمكاشفة والمصارحة في الشأن الطلابي والسياسي العام بمصداقية وشفافية.

وفي ضوء هذا الفهم، يغدو هدف الحوار ليس حمل الآخر على هجر فكرته واعتناق أخرى، بل على الإقرار بحق الآخر واكتشاف الوحدة في التنوع واكتشاف التنوع في الوحدة. وهذا النموذج البديل للحوار يحوِّل المقارنة بين الأفكار، من مقارنة وصفيّة قائمة على الجدل المسطح إلى مقارنة قيميّة قائمة على المفاضلة المفضية إلى الاقتناع بوحدة الهدف، ومن ثم وحدة المجتمع والدولة.

* أكاديمي ودبلوماسي سوداني في لندن

Post: #2
Title: Re: عنف الطلاب ومصرع الحوار الموضوعي
Author: عبده عبدا لحميد جاد الله
Date: 02-22-2007, 09:34 AM
Parent: #1

السودان: عنف الطلاب ومصرع الحوار الموضوعي