أن تعـــــــــود ، لتحكــــــــــى ...........

أن تعـــــــــود ، لتحكــــــــــى ...........


01-20-2007, 08:39 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=3&msg=1169321995&rn=5


Post: #1
Title: أن تعـــــــــود ، لتحكــــــــــى ...........
Author: عبدالله شمس الدين مصطفى
Date: 01-20-2007, 08:39 PM
Parent: #0


السودلن، أوآخر سبعينيات القرن الماضى ، الموجه الثانية من الإغتراب و الهجرة بإتجاه دول الخليج ، حدثت الموجه الأولى فى أوآئل ستينيات القرن ، و بعد إكتشاف النفط (الذهب الأسود ) ، و حيث أن الخبرة السودانية و الخدمة المدنية كانت من أفضل ما خلّفه الإستعمار فى المنطقة قاطبة ، إتجهت أنظار الخليجيين نحو السودان بإعتباره أفضل الفرص بالسبة لسوق العمالة المطلوبة ، بالطبع كان هناك الكثير من (الأسواق )المتاحة ، إلآ أن مايتمتع به " السودانى " من صفات الجدية و المثابرة و الأمانة ، و حزمة أخرى من الخصال النبيلة ، جعل له ميزة التفوق على رصفائه من الدول الأخرى ، أعود للموجة الثانية ، فبرغم أن الجنيه السودانى كان ما يزال يتمتع بعافيته بعد ، إلآ أن بريق الإغتراب و إغرائه كان طاغياً ، و ذلك لجزالة عائداته و فوائده و لتقدير تلك الدول للعمالة الأجنبية ، أعتقد أن السياسة المتبعة فى تلك الدول و الخاصة بقوانين و لوائح التخديم الخاصة بالأجنبى كانت أفضل مما هو عليه الحال الآن.

Post: #2
Title: Re: أن تعـــــــــود ، لتحكــــــــــى ...........
Author: عبدالله شمس الدين مصطفى
Date: 01-20-2007, 08:42 PM
Parent: #1

الخرطوم بحرى ، و بحكم تركيبتها الفريدة بإعتبارها أكبر تجمع صناعى فى السودان يضم كبريات المصانع و الشركات ، كان لها قصب السبق ، و نصيب الأسد من أفواج هؤلاء المغترين ، فمعظمهم إن لم يكن كلهم كانوا من ذوى الخبرة و الدراية بشتى أنواع المهن و الحرف اليدوية ، و التى إحتاجتها دول الخليج فى ملحمة البناء و التنمية و التعمير.
فى إجازاتهم (السنوية) ، كانوا يسحروننا نحن الصغار بملابسهم الأنيقة ، و ساعات اليد المذهّبة التى تزين معاصمهم ، و أجهزة التسجيل Recorders الضخمة التى درجوا على إحضارها معهم ، نكون فى لعبنا و لهونا البرئ فى الأزقة و أعيننا لا تفارق أول الدرب ، و ما أن تبدو عربة الأجرة المحمّلة بالحقائب الضخمة على ناصية الدرب ، حتى نسابقها بركضنا نحو منزل " المغترب " ، فكنا نعرف قبلها أن " التوم " ود بخيتة مثلاً سيحضر الليلة من السعودية أو الإمارات فى إجازته السنوية ، و نحاول مساعدة الكبار فى جرجرة الغنائم إلى داخل الدار ، كنا نعلم تماماً أن فى باطن إحدى هذه الحقائب تقبع هدية ما من نصيبنا ، و لم يخب ظننا أبداً يوماً ما ، فكل ( الحلة ) كانت بيتاً كبيراً فى يوم ما فى ذلك السودان ، مطالب و هدايا الجيران كانت تصل قبل هدايا و مطالب الأسرة ، المستلزمات الطبية مثلاً ، كالكراسى المدولبة ،و أجهزة قياس الضغط و السكرى ، الأدوية الغالية أو الغير متوفرة فى صيدليات السودان الشحيحة ، النظارات الطبية و..و...و... و التى يبذلها المغترب دون منٍ و لا أذى ، و لا ينال بعدها إلآ تلك الدعوات و الهمهمات الخجولة , ...." يا إبنى ليه التعب ده " أو " كتر خيرك يا ولدى " و دعاء النسوة " أريتك يا يابا تعيش و تجيب ياود السرور ، أريت يوم شكرك ما يجى ".

Post: #3
Title: Re: أن تعـــــــــود ، لتحكــــــــــى ...........
Author: عبدالله شمس الدين مصطفى
Date: 01-20-2007, 08:43 PM
Parent: #2


كان أكثر ما يسحرنى فى هؤلاء النازلون من عوالم أخرى, و بجانب العطر الأنيق الذى يفوح منهم كل الأوقات ، هو حكاويهم ..، الحكايا التى يتفنون فى روايتها و سردها عن حياتهم و مغامراتهم هناك أو فى البلاد التى أتاح لهم عملهم أن يزوروها ، كنت أحس بمتعة و وجل شديد و أنا أسمع حكايا بطولاتهم و أتمثّلنى فى تلك المواقف الممتعة أو العصيبة ، و ما أنا بفاعل مثلاً لو أننى كنت مكان (محمد كلاى) جارنا و هو يواجه تلك العصابة وحده فى تلك الجزيرة الآسيوية النآئية، و التى ذهب إليها مع ( كفيله ) للتعاقد على توريد زيوت نباتية ، و كيف أن براعته فى إستخدام قبضتيه قد أنقذت كفيله و فتحت له باباً لم يحلم به " الله كيييف ، إحنا أولاد بحرى ، إحنا بنلعب كمان ، والله كسرتهم ليك كسِر لما كوركوا ".
و أغرق أكثر فى حكاويهم اللذيذة ، و أغرق فى حلم أن أسافر يوماً ما ، لا لشئ إلآ لأعود و أحكى لفتية و شباب الحلة عن حياتى و مغامراتى فى بلاد الغربة ، و أن أسحرهم و أدوّخهم بالعطر الأنيق الذى يفوح من ثناياى ، و من ملابسى ، و أن أزرع فى أحدهم جرثومة أن يسافر ، و أن يعود ليحكى كما فعل عبدالله ود فاطمة .
الان هنا ، نضب الحديث ، إتسعت الرؤية ،و ضاقت العبارة كما ذكر الشيخ النفرى ، الفضائيات قالت كل شئ ، لم تترك لراوٍ من رواية ، و الإغتراب " الحنيّن " و العطوف كبر و صار منفىً ، وحشاً كاسراً يأكل حتى الأفكار فى الدواخل ، و لا يبقى سوى الصمت و تلمّس الجدران بحثاً عن أمان ضائع ، و إن عدت ذات يوم ، فلا تعود إلآ للبحث عن قدرة الكلام ،عن الذكريات التى تبخّرت دون أن ترويها حتى لذاتك ، تفاصيل يومك هناك لا تهم أحداً ، و لا تغوى أحداً بسماعها ، لا متعة و لا مغامرة ، و لا مجد و لا بطولة فيما تعيشه هناك ، لا شئ سوى الثلج و البرد و البرد و البرد و الخواء ، و اللهث المحموم بحثاً عن لحظة واحدة تستحق أن تروى و تحكى لمستمعين محتملين ما ، فى وطن محتملٍ ما ، فى خارطة محتملةٍ ما .
أن تعود لتحكى لآذان باتت صماء بفعل فاجعة البقاء ، أو رحيل الآخرين.
أن تعود .... لتحكى !!!!!!!!!!!

Post: #4
Title: Re: أن تعـــــــــود ، لتحكــــــــــى ...........
Author: عبدالله شمس الدين مصطفى
Date: 01-21-2007, 05:19 PM
Parent: #3

من الغريب أن لا شئ يكبر عندنا إلآ محنتنا ومأسآتنا، فغربتنا التى كنا نختارها بملْء إرادتنا و نحدد لها مداها و حدودها ، هاهى قد إستطالت و صارت منفىً لا يد لنا فى تحديد مكانه و لا زمانه ، و إن حدث و عدنا منه ذات يومٍ ، فنعود لنصطفّ فى طوابير (الأجانب) بميناء الخرطوم الجوى !!!! و ما نكاد نبدأ فى إعادة علاقتنا مع الناس و الأماكن و الأشياء ، حتى يهتف بنا نداء العودة للمنافى البعيدة ، للأماكن التى هى ليست لنا فى الأصل ، و لم تكن لنا يوماً ما، الأماكن التى لم نختارها ، و لم نصطفيها، و برغم ذلك منحتنا حباً، أمناً و أماناً، و كيانا، الأماكن التى لا " يجفل " فيها المرء كلما رنّ جرس الباب الخارجى ليلاً ، أو كلما دار محرّك سيارة قرب النافذة ، الأماكن التى و برغم حبها القاسى و الباهظ ، إلآ أنها أماكن حقيقية... لها فى القلب أماكن و منازل و... كفى.
فهل نعود يوماً لنحكى ، متى نعودً لنحكى ، متى !!!!!!!

Post: #5
Title: Re: أن تعـــــــــود ، لتحكــــــــــى ...........
Author: عبدالله شمس الدين مصطفى
Date: 01-23-2007, 00:56 AM
Parent: #4

أين ذهب ذلك الفرح القديم، أين ذهبت المتعة،و إحتفاءنا بالحياة و الدنيا؟؟ لماذا فقدت الأشياء بريقها و طعمها... و رونقها؟؟ ما الذى جرى للدنيا و جعلها بهذا العتامة و الكآبة؟؟
ما الذى جرى؟ ماذا تغير