أبوذر الأمين ........... في كون الخوف يمنع الحياة

في كون الخوف يمنع الحياة:
قرشي عوض
أجراس الحرية

أذكر ذلك الصباح جيداً حيث كنا في اجتماع التحرير بصحيفة "الصحافة" تلك المدرسة التي أدين لها بالكثير في مسيرتي المهنية، وكان هو نفس اليوم الذي قطعته أحزاب المعارضة للخروج في تظاهرة لتسليم مذكرة لرئيس الجمهورية احتجاجاً على الزيادة في أسعار السكر والمحروقات، وقد سبقتهم الحكومة وأعلنت تهديداتها بالضرب بيد من حديد، بل ونشرت طوافات الشرطة وحاملات الجنود منذ الصباح الباكر، كنت على ما أذكر مكلفاً برئاسة اللجنة الإعلامية التي تعد للمواجهة، سألني عادل الباز في الاجتماع عما إذا كنا سوف نخرج للشارع في الموعد المحدد وهو الساعة الواحدة ظهراً، فأجبته نعم يا أستاذ، فقال لي "أن الخوف من الموت لا يمنع الموت ولكنه قد يمنع الحياة نفسها" وهي مقولة لنجيب محفوظ ومنذ ذلك الوقت اعتبر أن هذه الجملة من أهم الدروس التي استفدتها من أستاذي الذي علمني الصحافة عادل الباز دون أن يحفل بأية خلافات فكرية أو سياسية، وحين تلم بي المحن أتذكر هذا الحديث، فالإنسان قد يفقد الحياة في حادث سير في حافلة نص نقل يقودها شاب متهور أو في سقوط طائرة انتينوف في طريقها من نيالا، أو ربما يتوقف قلبه عن الحياة لأسباب يكتشفها طبيب مختص، إذاً الخوف من الموت لا ينطوي على درجة كبيرة من العقلانية لأنه واقع لا محالة، لكننا حين نقايض به الحرية والكرامة، فإننا نموت مرتين أو نموت بالفعل لأننا ندفع ثمناً باهظاً من أجل لا شيء، وأعجب لمن يهدد الناس بالموت، أنه قد لا يقتلهم إذا قاموا بتحقيق ما يطلبه منهم لكنه لا يضمن لهم أن لا يموتوا مما يجعل التهديد بلا معنى كما يجعل كل مظاهر القوة والجبروت بلا معنى أمام إرادة رجل حر، هذه الكلمات أعزي بها نفسي في فقد صديقي أبوذر الأمين الذي افتقدته إلى جواري في صفحة (3) بـ"أجراس الحرية" لكنني أحسب أنه رجل، وأبوذر الذي أعرفه ويعرفه كثيرون غيري لن يكسره أحد، بل لن يستطيع حتى أن يستبدل ابتسامته الجميلة التي تميزه عند الشدائد، لكن دعونا من أبوذر فالرجل قد استوفى حظه من المجد ولننظر ملياً فيما قاله نقيب الصحافيين المفترى عليهم من أنه لا يوجد دليل على تعذيب أبوذر رغم وجود الصورة مشككاً في نزاهة وحيادية الوسائط الإعلامية التي نشرت الصور مع أن كل جرائم التعذيب التي حدثت في العالم من أبو غريب إلى غوانتنامو كان الدليل القاطع فيها هو وجود الصور. هل يريدنا تيتاوي أن نقدم إفادات واعترافات الذين قاموا بالتعذيب حتى يقتنع، لكن دعونا نسأل أنفسنا ما جدوى اقتناع تيتاوي أصلاً في قضية أصبحت قضية رأي عام ويتداولها بالنشر والتعليق أكثر من 1000 صحافي وناشط حقوقي على مستوى العالم، كما لا يفوتني أن أشيد بصمود الطاهر أبو جوهرة رئيس القسم السياسي بصحيفة "رأي الشعب" المعتقل مع طاقم الصحيفة والذي نناشد المنظمات الحقوقية وزملاء المهنة التضامن معه ومعرفة تفاصيل ما حدث له ومشاطرة أسرته المكلومة، ويقيننا أن الطاهر ابن دارفور ستعينه الغبائن على احتمال الأذى.