عذاب النار من سلسلة "الدار الآخرة" للشيخ د.عمر عبد الكافي ..

عذاب النار
من سلسلة "الدار الآخرة" للشيخ د.عمر عبد الكافي

الحمد الله رب العالمين حمد عباده الشاكرين الذاكرين، حمداً يوافي نعم الله عليها ويكافئ مزيده، وصلاة وسلاماً على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد، اللهم صل وسلم وبار ك عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، وبعد، هذه بمشيئة الله عز وجل هي الحلقة العشرون في سلسلة حديثنا عن الدار الآخرة أو عن الموت وما بعده. وهي الحلقة الثالثة عن النار والعياذ بالله رب العالمين. أبعدنا الله وإياكم و المسلمين جميعاً عن النار وعن حر النار، وأدخلنا وإياكم والمسلمين الجنة بدون سابقة عذاب.
ندعو الله في بداية هذه الحلقة عسى أن يكون بيننا صالح أو صالحة يستجيب الله من أجله أومن أجلها دعاءنا:
اللهم اجعل لنا جمعنا هذا جمعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، ولا تجعل يا ربنا بيننا شقياً ولا محروماً، ونعوذ بك من سخطك والنار.
نسألك رضاك والجنة ونعوذ بك من سخطك والنار.
اختم لنا منك بخاتمة السعادة أجمعين.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
الحديث عن النار والعياذ بالله حديث تنخلع له القلوب وتوجل منه وتخاف، والحديث عن النار وما فيها من عذاب حديث كان يفرق منه الحبيب -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ويخاف وهو المعصوم -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وهذا دليل على أن الأمر ليس سهلاً ولا هيناً. فلا نأتي إلى المسجد نحضر حلقات دروس الدار الآخرة ثم ننفض كما جئنا. المسألة أكبر من ذلك وأخطر من ذلك وأهم من ذلك. فما من نبي وما من رسول إلا خوف أهله من النار وحذرهم منها. ولعل سيدنا الحبيب المصطفى وهو أرحم الأمة بالأمة. أرحم من على وجه الأرض، بعد الله عز وجل، بأمة محمد، هو سيدنا محمد. لم يترك مناسبة يستطيع أن يوضح فيها الخطر المحيط بالمسلمين في مسألة النار وما فيها إلا وحذر أتباعه وأحفاده منها. وكان يقول:
"إنما مثلي ومثلكم كمثل رجل أوقد ناراً، فلما أضاءت ما حولها جعل الفراش والجنادب (الحشرات) تتناجى من حولها؛ (بدأ الفراش يجتمع حول نور النار التي أوقدها الرجل) وهو يأخذ بحجزها؛ (يبعد الحشرات والفراش أن يقع في النار.
كما قال وللأسف الشديد الشاعر العربي: "فرح بالنور وبالنار معا". الحشرات لا تعرف أين تكون مصلحتها أو مفسدتها والرجل يبعدها). ولكنكم تتفلتون مني فتتقحمون فيها".
أي أن الرسول ينهى الناس عن السيئات: الظلم والنميمة والغيبة والكذب والفواحش والخمر والربا والإنحراف والفوضى والفسق والفجور والحكم بما لا يرضي الله عز وجل.... إلخ، لكن رغم كل هذه النواهي تأبى الناس إلا أن تخالف الله وتخالف رسوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.
وصل الأمر بسيدنا الحسن البصري -رضي الله عنه- حبيبنا الذي نحبه جميعاً، أن قال: "الناس أعداء للأمر. أمرنا الله بالصبر فجزعنا. ولو أمرنا بالجزع لصبرنا".

أمر غريب!.
الله أمرنا بالصبر، لكنك تجد أي أحد تقع عليه مصيبة يهتز عند أول خبطة. إنما الصبر عند الصدمة الأولى. وهذه نلاحظها في مجالات الحياة لأن الإنسان منا قاصر التفكير، محدود الفكر.
وكما قلنا في خطبة الجمعة، إن العاقل يأخذ من الدنيا ما يفيده ويعرف أن الدنيا خطر عليه لأنها دنيا. العاقل ضربنا به المثل كالطبيب أو عالم الحشرات أو عالم البيولوجيا الذي يأتي بالثعبان أو العقرب ويستخلص منهما السم لكي يستخدمه كدواء. هكذا العالم في الدنيا. من يعرف الدنيا ومشاكلها يأخذ من الدنيا ما يعود عليه بالنفع في الآخرة. هذا هو الإنسان العاقل. فالدنيا مزرعة الآخرة بالنسبة للمؤمن؛ أي أن عليك أن تعرف كيف تعيش في الدنيا لتصل في الآخرة إلى الجنة وتكون من الوارثين. اللهم اجعلنا من الوارثين لجنتك يا رب. عليك أن تعرف متاعب الدنيا.
واعلم أن كل شيء ضد هوى النفس هو الذي يوصلك إلى الجنة، وكل شيء مع هوى النفس هو الذي يودي بك إلى جهنم.
اعلم أن النفس عدوة كإبليس تماماً.
الدنيا، النفس، الهوى و إبليس، كل هؤلاء أعداء كان يستعيذ منهم أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- فيقول: إني بليت بأربع ما سلطوا إلا لجلب مشقتي وعنائي: إبليس ونفسي والدنيا والهوى. كيف الخلاص وكلهم أعدائي!
أما نحن فمغمورين ظهراً لبطن و ليعلم المسلم أن كل شيء ضد هوى نفسه هو الذي يقربه من الله.
النفس تجزع مثلاً أن تكون فقيرة؛ والفقر خير من غنى يطغيها.
"وغنى النفوس هو العفاف. فإن أبت فجميع ما في الأرض لا يكفيها". هكذا قال علي ابن أبي طالب كرم الله وجهه.
النفس لا تحب الفقر . لكن لحكمة يعلمها الله، الله عز وجل يعلم أن في فقرك نجاحك ونجاتك يوم القيامة. وفي فقرك قربك من الله عز وجل . ولو أنك من رجال الأعمال الذي يحسبون الوقت بالثانية، عندمايقال له: أراك في المسجد، يقول: مشغول! يا أستاذ، هناك ذنوب لا يكفرها إلا السعي على الرزق! بعد المليون الأول والثاني والرابع نفس القضية، لا زال يسعى على الرزق. يقول: لا زلت لم أضمن يوم الغد.
سبحانك يا مقلب القلوب، سبحانك يا من تعز الفقير بطاعتك، عندما يعطيه الله طاعة، يعطيه قناعة.
وبما أنه أعطي الطاعة والقناعة فقد اختار له رب العباد كل خير.
اللهم اختر لنا الخير من عندك يا رب العالمين.
فكل ما هو ضد النفس هو الذي يقربك من الله. وما مع النفس هو الذي يودي بك إلى النار.
وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً: "كل ما يؤنسك بالدنيا هو الذي يبعدك عن الجنة. وكل ما يزعجك في الدنيا هو الذي يقربك من الجنة". ما معنى يؤنسك بالدنيا؟ الأطفال، وأم الأطفال، والمال والجاه والدرجة العلمية والنجاح... كل هذا يؤنسك بالدنيا ويبعدك عن الله.

وما يزعجك في الدنيا كالمصائب والابتلاءات والاختبارات والامتحانات. كل امتحان ينزل عليك تخرج منه أنظف. والمؤمن كقطعة من الذهب. والذهب فيه خلائط، مشوب بعناصر رديئة: فيه قصدير ونحاس و.. هل تظن أن هذا الذهب الذي تلبسه السيدات يخرج من الأرض ذهباً؟ بل يخرج مع الذهب كثير من المعادن الإنسان رخيصة لأن الذهب من المعادن النفيسة. والمجوهراتي يدخله النار. لابد أن يدخله النار لكي يسيح وينظف. كثافة الذهب ثقيلة. ينزل إلى أسفل. أما الخبث، المعادن الإنسان رخيصة المختلطة به، فتصعد إلى فوق. يسمونها خبث، زبد: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ} الرعد17.
بعد دخول الذهب إلى النار إذن، تكون الحصيلة أنه أولاً: انتفت عنه جميع الشوائب، ثم حصلنا على الذهب، الإبريز الخالص. هكذا المؤمن. المصائب تجعل منه مؤمناً صادقاً، تأتيه مصيبة ثانية يخرج منها مؤمناً عابداً، ويدخل في ابتلاء رابع يخرج منه مؤمناً قريباً من الله، إلى أن يصل إلى درجة الصديقية.
اللهم احشرنا في زمرة الصالحين يا رب.
فهذه الاختبارات لتنقية شوائبك. لا تظن أبدا أن الله يبتليك لأنه يكرهك. أبداً. بل يبتليك لأنه يريد أن يرفع درجتك عنده أو أنه كتب لك درجة معينة عملك قد قصر في الوصول إليها.
مثلاً، ولله المثل الأعلى: موظف كسول لكنه أمين. رئيسه في العمل يحبه ويريد أن يرقيه لكن الرجل ليس لديه في ملفه شيئاً يثبت أنه يستحق الترقية. يحاول أن يتحايل له على أي شيء فيقع الموظف في ظلم مثلاً، يتعاطف معه الناس جميعهم، ثم يدخل بعد ذلك في انتخابات اللجن النقابية، رشحه الناس. يجد نفسه بعدما كان عاملاً بسيطاً أصبح عضواً في مجلس الإدارة. فيقول لنفسه: لا. لا بد أن أشتغل الآن. لم يعد هناك مكان للكسل. فيكون هذا الظلم القليل الذي وقع عليه جعله يستفيق ويصبح عاملاً نشيطاً ثم يصل إلى الدرجة التي يريده رئيسه أن يصل إليها. ولله المثل الأعلى.
كتب الله لك درجة معينة، وأنت لا تصلي بالليل ولا تصوم بالنهار ولا تكثر من مجالس العلم ولا قلبك مليء بالحب للناس ولا... ولا.. فيزيدك الله الابتلاءات، ويرزقك الصبر في نفس الوقت. فسبحان الله الحنان المنان. هو الذي يبتلي وهو الذي يصبر.

وكان سيدنا أبوبكر -رضي الله عنه- يقول: يا رب، اللهم اشرح لي صدري ثم حملني من الهموم ماشئت.
و سيدنا عروة ابن مسعود -رضي الله عنه- الصحابي الجليل، عندما أجمع الأطباء على قطع ساقه من جهة الركبة.
قال: هل ليس هناك علاج دون هذا؟
قيل له: لا. ليس هناك علاج إلا القطع.
قال : انتظروني حتى أدخل في الصلاة. بمجرد ما أندمج، توكلوا على الله. ثم دخل في الصلاة.
أين كان هؤلاء الناس يذهبون بعدما يدخلون في الصلاة! ألست أنت في الصلاة مع ستمائة موضوع! بل أنت لا تحل المشكلة الصعبة إلا داخل الصلاة! أليس هذا بالشيطان!
أتذكر أبا حنيفة حينما جاءه سائل. توارد الخواطر والافكار. يقول له السائل: يا أبا حنيفة.
قال: نعم.
قال: بعت عقاراً لي. ووضعت ثمنه في مكان في بيتي ونسيته.
قال أبو حنيفة: وما شأني بذلك؟ (هل أنا حاوي أم أفتح المندل أم... أنا رجل يقول هذا حلال وهذا حرام. وهذا ما يفعله معظم الناس أيضاً إذ يستخدمون الدعاة نفس استخدام هذا الرجل الذي ذهب إلى أبا حنيفة. كل مشكلة تصب على رأسهم يأتون إلى الدعاة. مع أن كل ما نعرفه هو أن نقول : هذا حلال أو حرام.
المهم، أنه قال له: إنما سأقول لك شيئاً مادمت قصدتني في النصيحة، اذهب إلى بيتك وقم لله هذه الليلة. صل لغاية الصبح صلاة تبتغي بها وجه الله. ذهب الرجل وهو طبعاً حالته كحالتنا في أول ركعة تذكر مكان المال. فخرج من الصلاة! وكلنا هذا الرجل. فهو صلى وصام لأمر فعندما قضي الأمر لا صام ولا صلى.
جاء الفجر وهو فرح. نظر إليه أبو حنيفة وفهم.
قال: وجدت مالك!
قال: وكيف عرفت؟
قال: وجهك يقول هكذا. ما صنعت الليلة؟
قال: تذكرت مكان المال في أول ركعة.
قال: ونمت بقية الليل؟
قال: نعم.
قال: كنت أثق أن إبليس لن يدعك تتعبد لله الليلة. (هذا شغل الشيطان).
فالناس الذين يصبرون على الطاعة، فقد أعطاهم الله تعالى قدرة إلاهية ونوراً إلاهياً جعلهم قريبين منه سبحانه.
اللهم صبرنا على طاعتك وصبرنا عن معصيتك يار ب العالمين.

اليوم إن شاء الله الحلقة الثالثة عن النار. الموضوع فيه رعب. وكل ما نطلبه من الله أن يوفقنا للأعمال الصالحة التي تبعدنا عن النار، وأن يقربنا إلى الجنة ويجعلنا وإياكم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
هذه الحلقة إن شاء الله تخص أنواع العذاب في النار. وكل نوع من العذاب من الكتاب والسنة.
لمن يكون هذا العذاب؛ أي كيف يكون توزيع أنواع العذاب المختلفة في النار بما ورد في الكتاب، كتابنا العظيم القرآن وفي السنة المطهرة عن الصادق الأمين -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.

كان الحسن البصري يقول: إن نفسي تفضل الظل على الشمس. فكيف لا تفضل الجنة على النار؟
تجد هناك قليلاً من الشمس ويقول الإنسان في تذمر: هذه نار! حر! لكن اليوم الحرارة زادت أربع درجات وهذا شهر عشرة، هكذا تنبأ لنا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وقد رأينا في علامات الساعة الصغرى أن يصير الولد غيظاً وأن يصير الشتاء قيضاً. يتحقق كلام رسول الله الذي لا ينطق عن الهوى: أن يصير الولد غيظاً: ترزق بولد يريك المر بعدما كان الولد رحمة و عزوة. وكان الرجل يفرح أن له ثلاثة أو أربعة أو خمسة أبناء. يقول هؤلاء سندي عندما أهرم. الآن الذي عنده ولدين أو ثلاثة يقولون له كفاية! لماذا يا ابني؟ يقول: لأنهم يقولون لنا هذا في التليفزيون. يا ابني، هؤلاء يضحكون عليك. كثر الذرية وربنا يرزق. إياك أن يضحك عليك أحد ويقول لك: المصروف على اثنين ليس هو المصروف على خمسة. من قال لك؟ أأنت الذي ترزق أم الرزاق هو الذي يرزق؟
فلماذا أنت إذن تخاطب الله تعالى وتقول: يا حنان يا منان؟ تعرف معنى منان؟ أي أنه يعطي النوايا قبل السؤال؛ أي أن ابنك قبل أن ينزل من بطن أمه، قبل أن ينزل، من يكتب رزقه؟ أنت؟ أنت لا تستطيع أن ترزق نملة. نملة!
نملة سيدنا سليمان قالت له: أنت تنسى. لو اعتمدت عليك أضيع! إنما اعتمدت على رزاق لا ينسى!
الشخص منا، يمكن من كثرة المشاكل أن ينسى أهل بيته! لكن الله لا ينسانا سواء منا المؤمن أو الكافر: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً} مريم 64.

لن يقول سبحانه مثلاً: لن نرسل هواء للمصريين اليوم! ليس ضروري، أو سكان رومانيا أو الدول الملحدة، لا تطلع عليهم الشمس، أو هذه السنة لا نرسل عليهم لا هواء ولا شمس! هل هذا معقول! بل هو الحنان المنان الكريم سبحانه وتعالى، هذا وهم يعصونه!
اللهم اجعلنا من التوابين ومن المتطهرين يارب العالمين. الإنسان العادي يفضل الظل على الشمس. فمن الأعقل أن يفضل الجنة على النار.
سيدنا عيسى كان يبكي ويقول: كم من شخص مليح ووجه صبيح في النار يصيح!
"ترى من أهل النار الجعفري الجوار".
قالوا من الجعفري هذا يا رسول الله ؟
قال: الجعفري هو الممتلئ جسداً الخاوي داخلاً.
أي شخص ذو جسم ممتلئ، تظن من منظره أنه شخص مهيب ومحترم لكنك بمجرد ما تجلس وتتكلم معه تجد داخله فارغاً: "تكلموا تعرفوا"؛ فالمرء مخبوء تحت لسانه.
دخل الأحنف ابن قيس حليم العرب على معاوية، وكان معاوية كثيراً ما يسمع به، فتشوق لرؤية هذا الأحنف الذي يضرب به المثل في الحلم.
"الأحنف بالباب يا أمير المؤمنين".
قال: أدخلوه!
فدخل رجل: السلام عليك ياأمير المؤمنين.
قال: عليكم السلام.
قال: أنا الأحنف ابن قيس.
نظر معاوية. وجد رجلاً قصيراً أعور ذميم الخلقة!
فوجئ سيدنا معاوية بمنظر الرجل الأذن تسمع بالمعين خير أن تراه. فأنت أحياناً تسمع بأناس فلا تحب أن تراهم. والأحنف أحد كبار العرب وزعماء المسلمين -رضي الله عنه-.
نظر إلى معاوية وقال: ياأمير المؤمنين،
ترى الرجل النحيف فتزدريه وفي أثوابه أسد هصور
ضعاف الطير أطولها أعناقـاً وما طال البازات ولا الصقور ضعاف الطير أكثرها فراخاً وأم الصقر×قلا× نذور لقد طال البعير بغير لـب فما استغنى عن العظم البعير يصرفه الفتى في كل وقت ويخسفه على الخسف المرير ضعاف الأسد أكثرها زئيراً وأصرمها اللواتي لا تزيـــــــر

سبحان الله! الأسد تجده هادئاً راسياً، لكن عندما يكثر من الزئير كالكلب الذي ينبح، تعلم أنه بعيدا عن بيته.
فالقضية أن الله عز وجل يوم القيامة عندما يقول: {فلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً} الكهف 105.
يقول: الحبر السمين الذي هو الضخم الجثة صاحب البطن الكبيرة التي امتلأت من كثر الحرام والعياذ بالله، صاحب الجثة الضخمة هذا، الذي كنت تخافه في الدنيا، إذا مر على الصراط، يدوسه الناس كالذر على الصراط يوم القيامة لأنه لم يكن يقيم لله وزناً في الدنيا.
قال أحدهم: يابصري، أريد أن أعرف مكانتي عند الله. مالي عند الله.
قال: انظر مالله عندك وما مكانة الله عندك تعرف مالك عند الله وما مكانتك عنده؛ (تريد أن تعرف مكانتك عند الله، انظر كم يساوي ربك ودينك عندك. إذا كان الدين عندك كل شيء، فأنت عند الله كل شيء. إذا كان الدين عندك آخر شيء...)
حضرت الدرس مرة واحدة ياحضرة الشيخ! مرة! أين كنت من قبل؟ هذه كلها أيام ضائعة.
إخواني الذين يعملون معي منذ ثمانية عشرة أو عشرين سنة، عندما يحسبون الحياة مرة أخرى، ماذا خسروا؟! بالعكس. اللهم اجعله في ميزان حسناتهم وحسناتنا يارب العالمين.
والذي يضيع وقته فيما لا يرضي الله عز وجل؟
رجل من الفنانين التائبين، ربنا يهدي الجميع ويحشرنا في زمرة الصالحين، استمر أربعين سنة في الفن. ثم هداه الله. وجاء تائباً بفضل الله. وتاب واعتزل. فجاء يزورني. وهو جالس لمح شيئا غريباً جداً. شيء ربما لم يكن قد خطر في باله.
قال: لو سمحت، هذه الشرائط على الدولاب لمن؟
قلت: والله هي لأخواننا بارك الله فيهم الذين يسجلون لنا ويأتونا بنسخ من الكلام الذي نقوله.
قال: كم شريط تقريباً؟
قلت: والله هي شيء لمنفعة الناس بعد أن نجلس معهم فنستفيد منه وننسخ منه ونعطي نسخ للغير، وهي قرابة ثلاثة آلاف شريط.
قال: كم مدتها؟
قلت: ساعة ونصف.
قال: يعني أن خمسة آلاف ساعة كلام في ذكر الله وأنا أمضيت أربعين سنة كلام في غير مرضاة الله!
قلت: بالعكس أنت أعظم عند الله مني.
لماذا؟ لأن العبد عندما يتوب، ربنا يبدل سيئاتهم حسنات. فالذي سيئاته كثيرة تكون حسناته يوم القيامة أكثر، لكن هذا يحدث فقط عندما تتوب و يكرمك ربنا بالتوبة النصوح، فأعظم إنسان الذي يتوب عليه الله.
و قال عليه الصلاة والسلام : "عاشروا التوابين فإنهم أرق أفئدة".
لكن ليس معنى ذلك أن الذين يحضرون دروس العلم لا ترق قلوبهم، بل بالعكس، درس العلم هذا من الواجب أن يعلمك ترقيق القلب. اللهم رقق قلوبنا بالعلم وبالخشية منك يارب العالمين.
عندنا عدة نماذج من الكتاب والسنة، صور من العذاب والعياذ بالله في النار، ربنا يبعدنا وإياكم عن النار وما فيها. ولكي لا نبتعد كثيراً، أول نوع من أنواع العذاب، العياذ بالله رب العالمين، هو شجرة الزقوم.

شجرة الزقوم وردت في: الواقعة وفي الصافات، وسنرى النماذج إن شاء الله ونفصلها لأننا قلنا بأن كل الحديث عن الدار الآخرة من نصوص من الكتاب والسنة لكي نبقى مرتبطين بما جاء في الكتاب وبما جاء في السنة المطهرة. ننظر في النص الأول، والقرآن يفسر بعضه بعضاً: {ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ} الواقعة 51، {لَآكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ} الواقعة 52، {فَمَالِؤُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ}الواقعة 53، {فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ} الواقعة 54، {فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ} الواقعة 55، {هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ} الواقعة56. والعياذ بالله رب العالمين.
شجرة الزقوم: تزقم الشيء. أولاً الله عز وجل يتحدث عن صنفين: الضال والمكذب: {الضالون المكذبون}، الضال والعياذ بالله رب العالمين هو كل من لم يأتمر بأمر الله عز وجل؛ أي الذي لا يصلي مثلاً، فهو ضال، الذي لا يزكي أو لا يصوم أو التي لا تتحجب، كل هؤلاء ضالون، وكل ضال مكذب لأنه يكذب لله عز وجل في أمره. هو إنسان ضل لأنه كذب الله وكذب رسوله فيما جاء به. فيقول: من قال لك؟ قال الله! وقال رسوله! المسالة ليست مسألة اجتهاد شخصي، إنما نقرأ عليه الآية، فيكذبها، ثم لا يهتدي، بل يضل. فكل ضال مكذب وكل مكذب ضال. الإثنين مترتبين على بعض.
المكذب، بماذا يكذب؟ يكذب بحقيقة يوم القيامة لأنه لو آمن وأيقن بحقيقة يوم القيامة لما كذب ولما ضل، ولو أيقن بما في يوم القيامة من عذاب وأهوال لاهتدى وما كذب. يكلمهم الله فيقول: {ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ} الواقعة 51، {لَآكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ} الواقعة 52.
تزقم الإنسان الشيء أي ابتلعه بصعوبة بالغة، كأن تأكل لقمة أكبر من حجم فمك فتقف في حلقك. هذا يسمى التزقم.
تساءل أهل العلم هل شجرة الزقوم أهي موجودة في الدنيا أم لا؟
هناك رأي يقول بأنها موجودة وهي شجر كريه المنظر، سيء الطعم، موجوداً بشمال نجد في جزيرة العرب.
ولكن البعض يرد ويقول لا. وبأن هذا الشجر شيء جديد على اللغة العربية وأن كلمة شجرة الزقوم يصفها القرآن بصفاتها هنا والعياذ بالله رب العالمين. وسنرى الجماعة المكذبين في مكة عندما نزلت هذه الآيات، ماذا قالوا فيها؟ {فَمَالِؤُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ} الواقعة 53. يأكلون إلى أن تنتفخ بطونهم والعياذ بالله رب العالمين. {فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ} الواقعة 54، لأنها عندما تدخل الأمعاء تقطعها، وهذا الطعام ذو الغصة يحتاج معه إلى ماء، فيعطوه شراباً من حميم، والحميم هو كل شيء يغلي، والحميم هنا هو عصارة أهل جهنم.
{فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ} الواقعة 55.
الهيم: إما هي الإبل العطشى، أو الهيم وهي الرمال، مهما تسقي الرمال لا تشبع، أو أن الهيم هي الإبل التي مرضت بمرض الهيم وهو مرض كوادي عند البشر يسمى مرض الإستسقاء؛ أي أن الجمل يظل يشرب ويشرب ويشرب ولا يشبع إلى أن يموت من كثرة الشرب.
هذه صورة إنسان ضال مكذب يأكل من شجرة من زقوم فيملأ منها بطنه، فيشرب عليها من الحميم، فيشرب شرب الهيم.
{هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ} الواقعة 56.
النزل في اللغة العربية هو الفندق، ولذلك بعض الدول العربية تقول على الفندق:نزل، فكأن النزل أو الفندق بدلاً من أن يكون خمسة نجوم في الدنيا وثلاث وأربع نجوم، يكون نزل هؤلاء ومكانهم في الآخرة أن يأكل من شجرة من زقوم، فيشرب عليها من الحميم، فيشرب شرب الهيم -والعياذ بالله رب العالمين-.
نسأل الله ألا يجعلنا من الضالين ولا من المكذبين.

النص التالي :
{أَذَلِكَ خَيْرٌ نُّزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ} الصافات62، {إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ} الصافات 63.
عندما نزلت آية الواقعة عن شجرة الزقوم، نادى أبو جهل على جاريته:
ـ ياجارية، ×××× من العجوة والزبد (وهذه كانت أحلى الأكلات العربية في ذلك الوقت) وزقمينا. إنها عجوة يثرب وزبد يثرب سوف نتزقمها في النار يوم القيامة ويضحك علينا محمد.
يسخر أبو جهل ويقول بأن محمد -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يضحك علينا؛ أي زقوم يتكلم عنه! بل هي عجوة وزبدة سنأكلها!
ويقول تعالى {إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ} الصافات 63 لأن كلمة التزقم في لغة العرب أن البلح من شدة حلاوته تكسر هذه الحدة بالزبد، وهو لكي يضله الله سبحانه وتعالى ويغريه، وهو أصلاً ضال، يقول {إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ} الصافات 63، الضالين مثل أبي جهل والعياذ بالله.
{إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ} الصافات 64.
وعندما تقيس بالعقل تتعجب. كيف! شجرة في النار! تحترق!
ذكر الله عز وجل هذه الشجرة فقال {إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ} الصافات 63، {إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ} الصافات 64، أي أن الله عز وجل يريد أن يغوي هذا الضال فذكر هذ الشجرة في أصل الجحيم، والجحيم دركة من الدركات السبع. فيكون لشجرة الزقوم مكاناً معيناً في النار؛ {إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ} الصافات 64، {طَلْعُهَا (ثمرها) كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ} الصافات 65؛ لم ير أحد منا الشيطان أبداً، لكننا نتخيله، ونشبه به شخصاً عبوساً أو شكله قبيح فنقول: "كان شكله والعياذ بالله ساعة الغضب كالشيطان"، لكراهة المنظر. وعندما نرى شخصاً ذو وجه سمح لطيف نقول: "كالملك"!
فربنا يصف طلع أو ثمر شجرة الزقوم كأنه رؤوس الشياطين ولذلك نسوة العزيز قالوا على سيدنا يوسف {فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّيناً وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا هَـذَا بَشَراً إِنْ هَـذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ} يوسف 31، فشبهنه بملك كريم.
اللهم اجعل قلوبنا ووجوهنا ملائكية يارب.
{طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ} الصافات 65، {فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِؤُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ} الصافات 66، {ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْباً مِّنْ حَمِيمٍ} الصافات 67.
الشوب: هذا الثمر الذي شكله كرؤوس الشياطين مشوب، أي مختلط بالحميم وهو والعياذ بالله، الصديد والعصارة التي تنزل من أهل جهنم؛ يعني أن أباجهل عندما يتكلم عن العجوة المخلوطة بالزبدة، ربنا يقول له لا. إنها شجرة من زقوم طلعها كرؤوس الشياطين.
وقال فيها أيضاً: الشجرة الملعونة.
{وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَاناً كَبِيراً} الإسراء 60.
مهما خوفهم الله لا فائدة. نسال الله تعالى أن يجيرنا وإياكم من عذاب النار ومافيها يارب العالمين.
فثمرة شجرة الزقوم وهو شكله كرأس الشيطان مختلط بعصارة أهل جهنم. {ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ} الصافات 68؛ أي أنهم ينتقلون من مكانهم ليذهبوا إلى مكان يأكلون فيه ثم يرجعون، كما يحدث مع المساجين.
اللهم فك أسر المأسورين في الله والمسجونين في الله والمحبوسين في الله. أمين يارب العالمين.
المسجونين عندما يصعدون بهم الجبل لكي يكسروا الأحجار، يربطوهم ثم بعد الإنتهاء من العمل يرجعوهم ليرتاحوا في الزنزانة.
{ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ} الصافات 68؛ أي أنه بعدما يذهب ويأكل من الشجرة، شجرة الزقوم التي طلعها كرؤوس الشياطين، ومخلوطة بالحميم يرجعوهم إلى الجحيم.
{ إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ{43} طَعَامُ الْأَثِيمِ{44} كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ{45} كَغَلْيِ الْحَمِيمِ} الدخان 46.
يقول سيدنا جبير ابن سعيد -رضي الله عنه-:
إذا جاع أهل النار استغاثوا من الجوع فأغيثوا بشجرة الزقوم.
كما رأينا في الحلقة الماضية عندما يمر عليهم السحاب فيسألون: ما تودون؟ فيقولون: مادام هناك سحاب فوقنا نحن نود أن ينزل علينا ماء، فإذا بالسحابة تمطر أغلالاً وسعيراً. فأغيثوا بشجرة الزقوم. فأكلوا منها فانسلخت وجوههم حتى لو أن ماراً مر عليهم يعرفهم ماعرف وجوههم. فإذا أكلوا منها ألقي عليهم العطش فيغاثوا بماء كالمهل الذي انتهى حره. فإذا ×××× من وجوههم أنضج حره الوجوه، فيصهر به ما في بطونهم والجلود. ويضربون بمقامع من حديد. فيسقط كل عضو على حياله ، فيدعون بالويل والثبور: {لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً وَاحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً} الفرقان 14.
يقولون: وامصيبتاه واثبوراه! أي يا للهلاك، ياللكارثة! وسوف يدعون ثبوراً كثيراً.

تعالى إلى النوع الثالث من العذاب، والعياذ بالله: الضريع.
{لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِن ضَرِيعٍ} الغاشية 6، {لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِن جُوعٍ}.
الضريع: الذي يكون في آخر +++++ النخل، وهو شوك يسمون السم. هذا الشوك هو الضريع.
فيأكل الواحد منهم شوكاً.
وهذا طبعاً صورة مصغرة من عذاب الآخرة لكي نفهمها. لكن هو شيء أصعب.
لمن هذا الضريع؟ نفس القضية لمن لا يقول الحق ولا ينطق إلا بالباطل. لمن يملأ لسانه بكلمات ++++ كالمغنيين الذي يقولون قلة أدب والشعراء الذين يقولون كلاماً قبيحاً.
أين سيذهبون من الله؟ عندما يقول الشاعر الأهبل: "قدر أحمق الخطى"!
قدر أحمق؟!! وقال أيضاً الشاعر: "لا حسلم للمكتوب ولا برضو حبات مغلوب".
ربنا يقول: سلم للمكتوب وهو يقول "لا حسلم للمكتوب!"
لا، ستسلم رغم أنفك!
والمصيبة يقول لك: "و أوصف للناس الجنة وأنا في النار".
سبحان الله!
نسأل الله أن يجعل ألسنتنا لاهاية بذكره آناء الليل وأطراف النهار.

النوع الذي بعده: الغسلين والعياذ بالله.
{فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ} الحاقة 35، {وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ} الحاقة36.
هذا الغسلين، والعياذ بالله، هو صديد أهل النار الذي قال فيه الحبيب "لو أن دلواً من غسلين أريق في الدنيا لمات أهل الدنيا جميعاً من نتن رائحته".
هذا فيما يخص الطعام. تعالى الآن إلى الشراب، والعياذ بالله.

شراب أهل النار:
وقلنا {فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ} الواقعة54.
{وَسُقُوا مَاء حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُمْ} محمد 15.
{لَّا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلَا شَرَاباً} النبأ 24، {إِلَّا حَمِيماً وَغَسَّاقاً} النبأ 25.
الحميم: ما اشتد حره.
والغساق: ما اشتد برده.
يأخذ حميماً يقطع الأمعاء ثم يأخذ وراءه الغساق يسقط منه جلده.
أنت أحياناً، بصورة مبسطة، عندما تأتي بماء بارد جداً على درجة التجمد، وتشربه، تشعر بصداع! هذا في الدنيا فما بالك بالغساق الذي أعده الله عز وجل لعذاب الذين لا يتقون الله في الآخرة.
الذي يشرب الحميم والغساق الذي لم يكن يتعب نفسه في الدنيا لله.
هل أنت الآن في جلستك هذه وتعبك ومعاناتك ستضيع عند الله؟
المحجبة والمنقبة في عز الحر والعرق يتساقط هل تضيع حبات عرقها؟ والله إن حبات عرقها في الميزان يوم القيامة ثقيلة إن شاء الله رب العالمين، أما التي تمشي عارية، سبحان الله، نسأل الله أن يتوب على نسائنا وبناتنا.

{هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ} ص 5، {وَآخَرُ مِن شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ } ص 58.
أي نوعين ، نوعين من كل أنواع العذاب والشراب، والعياذ بالله رب العالمين.

وتحدثنا في الحلقة السابقة عن نوع من أهل العذاب الذين هم أهل الحسرات أي الذين يدخلون النكد على بيوت المسلمين، وأهل الإشاعات.

هذا فيما يخص الأكل وهذا الشرب وهذا وادي الحسرات.

هل أهل النار عراة؟ لا.
بل يلبسون.. ثياباً من نار {فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ} الحج 19.
من يلبس هذه الثياب من نار؟
الذي كان في الدنيا لا يلبس إلا من حرام أو يلبس ثوب الكبرياء مثلاً لأن الكبرياء إزار الله والعظمة رداء الله: الكبرياء إزاري، والعظمة ردائي. فمن نازعني فيهما ألقيته في ناري ثم لا أبالي.
ولذلك من أول الناس دخولاً إلى النار: الفقير الفخور، فعلى الأقل الغني إذا تفرعن قليلاً، على الأقل لديه ذريعة: ماله ينسيه ويميل به عن الحق، وأما الفقير، وإن كان ذو علم، فمهما علم فعلمه قليل. كلنا جهلاء إلا ما علمنا الله عز وجل. اللهم علمنا ما جهلنا يارب وذكرنا ما نسينا يارب العالمين.
{ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّار} الحج 19.
اسمع كلام سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: "من أكل برجل مسلم أكلة (أي رجل باع مسلماً شيئاً فنصب عليه وأكل منه شيئاً، والنصابين كثر في كل وقت وفي كل حين، وطالما أن في الدنيا مغفلين، فالنصابين بخير!
وطرقوا الباب عند أحد الناس في الجيزة. فتحت السيدة.
قالوا: من فضلك البيه فلان موجود؟
قالت: لا، ذهب إلى العمل.
قالوا، وكانوا يلبسون زياً كتب عليه عمر أفندي: والله، لقد ترك لكم كنبة من عندنا، من عند عمر أفندي...
قالت: نحن لا نريد كنبات.
قالوا: ليس ذلك من شأننا. نحن العبد المأمور. نسلمها ونذهب. ما عليك إلا أن توقعي بالاستلام.
وقعت السيدة بالاستلام. أخذوا الكنبة ووضعوها في الداخل. بعد قليل، نزلت السيدة من البيت إلى مشوار ما، خرج الأستاذ الذي كان ينام في الكنبة، أخذ كل ما في الشقة وذهب.
لو أتينا بهذا الشخص بعدما مسكناه وقطعنا يده.
أو الرجل الموظف في مصلحة حكومة المدينة في المحافظة أو في إدارة المباني أو .. أو .. أو .. إلخ .. إلخ .. وقطعنا يده ...
هل سينتشر النصب والسرقات هذه كلها؟ معقول؟ غير معقول!
"هذا رجل مسجل خطر"! مادام مسجلاً خطراً، فلماذا تركته يخرج؟ إلا إذا كان من المتهمين بقلب نظام الحكم أو مقاومة السلطة فيرمى في غيابات السجون ولا يخرج أبداً لأن هذه قضية أمن دولة والثاني لا إنه يسرق الناس!
لا والله لم يسرق شيئاً من أحد! إنه شخص يقول قال الله قال الرسول. من المحتمل أن يكون قد تعدى الحدود بعض الشيء، لكنه... يمكن أن نتفاهم معه...
نحن نتفاهم معه وليس أنت لأنه يحبنا نحن، وعندما يأتي نسأله، وبالكتاب والسنة نهدئه، لأنك أنت عندما تأخذه وترميه في السجن ماذا ستأخذ منه؟
أما الكارثة الأخرى، اللص الذي دخل المصعد وراء أحد السيدات ثم أقفل الباب وراءه وأخرج من بين ملابسه مطوى وهددها: اخرجي كل ما معك.
قالت السيدة: لكن افتح الباب أولاً لكي أرى وأعطيك ما تريد. وكانت سيدة فاضلة ومحجبة.
فتح اللص الباب، فدفعته بكل قوة من الله وصرخت حرامي، حرامي، أمسكه البوابون، اتصلوا بقسم البوليس.
في كل مرة يسألون يقولون لهم أنتم تبع نقطة العجوزة. لا أنتم تبع نقطة الأوقاف. لا أنتم تبع قسم الدقي...
فقال أحد أصحابنا ماشاء الله عليه: نحن البيت الفلاني بجانب الفندق الفلاني، أنا أرى الآن اثنين ملتحين يحومان حول الفندق، أخاف أن يكون بنيتهما حرق الفندق أو شيء من هذا القبيل... في الحين حضرت ثلاث سيارات أمن مركزي!
ثم ننتظر رحمة تنزل من الله)!
يقول سيدنا الحبيب: "الذي يأكل بمسلم أكلة، أي يبيع مسلم لأحد النصابين أو أحد المسيحيين أو أحد..، أطعمه الله مثلها في جهنم، ومن كسى أو اكتسى برجل مسلم كساه الله مثلها في جهنم".
نفس القضية. "اكتسى برجل مسلم" أي، ضيع على أحد حقه، أخذ ماله بدون وجه حق، فاكتسى بها أو كسى بها أحد، يكسيه ربنا من ثياب النار، والعياذ بالله رب العالمين.

ونظل مع ثياب أهل النار: {وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ} إبراهيم 49.
مقرنين: متسلسلين في الأغلال.
{سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمْ النَّارُ} إبراهيم 50.
قطران يغلي لأن داخل قلبه كان أسوداً وكان كذلك يدخل الكآبة على بيوت المسلمين.

ومن حديث سيدنا رسول الله "إذا لم تتب النائحة خرجت من قبرها مسربلة بسرابيل من قطران، ناكشة شعر رأسها، على هيأة القردة والخنازير. تأخذها ملائكة جهنم (الزبانية) ويقولون لها: نوحي على أهلها كما كنت تنوحين في الدنيا".
أوصي زوجتك اليوم أو أمك أو أختك أو بنتك، قل لها إن مت اليوم وأخرجت صوتاً أنا بريء منك ومن أي صوت إلى يوم القيامة.
الحديث "صوتان ملعونان: صوت نائحة عند مصيبة، وصوت رنة عند فرح"، التي هي الزغاريد. على ماذا تزغردون؟
والشباب، يقف الولد أمامك عارياً تقريباً ويضحك. أليس هناك حياء! إذا كنت آت من عند جماعة أوروبيين من الذي يتعرون ويسبحون في شواطئ خاصة فهذا لا يخصنا نحن. نحن أناس ذووا قيم وكتاب وسنة. ولازال بيننا علماء يقولون قال الله قال الرسول، وأناس يذهبون المساجد.
الدين لم يضع بعد. صحيح أن نذر القيامة ظهرت، ولكن لا يزال هناك موحدون في مصر. هناك أناس موحدون والحمد لله رب العالمين وموحدات، ومؤمنين ومؤمنات.

ذكرنا أكل وشرب ولبس أهل الناس.

فأين ينامون ؟ {لَهُم مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ} الأعراف 41.
إذن فالفراش نار ومن فوقهم غواش الذي هو: الغطاء، الفرش والغطاء نار.
وكان رجل يزور القبور ويقول : "ياأهل القبور، بعد الرفاهية والنعيم معالجة الأغلال في النار، وبعد القطن والكتان ثياب القطران؟" هذا الرجل كان لا يعرف إلا القطن والكتان ليأتي الآن ويتفرج! "وبعد تلطف الخدم والحشم مقارنة الشيطان في نار جهنم مقرنين في الأصفاد". نسأل الله السلامة.
يقول الله عز وجل لأهل النار والملائكة تبلغ: "أو لو كان لكم ملء الأرض ذهباً لافتديتم أنفسكم من عذاب اليوم؟
- نعم، نفتدي!
- فقد طلبنا منكم أهون من ذلك: أن تقولوا لا إله إلا الله وتعبدونني لا تشركون بي شيئاً، فأبيتم وعصيتم وضللتم وكذبتم، فكان هذا مثواكم".
والعياذ بالله رب العالمين.

نوع آخر من أنواع العذاب: هناك جبل في النار. يلهم الكافر والفاجر وأهل النار أنه لو صعد الجبل هذا وظل يصعد فسينجو. قال ربنا {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً} المدثر 11 إلى قوله تعالى {سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً} المدثر 17.
ما صعوداً؟ جبل لكل مكذب بيوم الدين ولكل مكذب بأوامر الله عز وجل وكل جبار عنيد لا يلين للمسلمين.
قال "من جاء إلى أخيه متنصلاً من ذنبه (معتذر) صادقاً كان أم كاذباً ولم يقبل عذره لن يشم رائحة الجنة يوم القيامة!"
حذار أن يأتيك أحد يعتذر وتقول لا!
فيستمر بتسلق جبل "الصعود" عندما يصل إلى آخره تكون يديه ورجليه ذابت من شدة الحر.
وبمجرد أن يصل إلى حد الجبل ينهار به الجبل فيقع إلى الدرك الأسفل. وهكذا إلى أبد الآبدين. صعبة! الموضوع ليس سهلاً. نسأل الله السلامة.

الجبارين لهم حظ سيء جداً في النار والعياذ بالله. وكذلك العنيد أو العنيدة:
- تحجبي!
- لا.
- ستتعلقي في النار من شعرك هذا! وسلاسل وأغلال من نار في رجليك ويديك العارية.
لا فائدة.
يوضعون في واد يسمى "هبهب". كل جبار عنيد وكل مدخل الحزن على بيوت المسلمين.
هل هيأة أهل النار تبقى كما كانت؟
لا.
ربنا يبدل الجلود لأن هذه الجلود هي مراكز الإحساس والجلود التي كانوا يفتخرون بها أمام الناس.
تخيل أنت المرأة التي تظهر في الإعلان تدهن رجلها بالكريم وتقول الكريم الذي يعيد إليك الشباب أربعين سنة!
وتتسكع في مشيها وترسل شعرها في وجهك. ياست، اتق الله!
تقول: ياسيدي، هذا شغل.

تعال إلى وادي آثام.
{وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً} الفرقان 68.
وادي آثام وادي فيه حيات وعقارب. كل حية وعقرب فيها من السم سبعون قلة بقلل هجر: هجر قبيلة عربية كانت عندهم خزانات. عندما ربعت وقسمت ووصلت إلى المساحة الحقيقية بالكيلو وجدت أن كل حية أو عقرب بها خمسة عشرة ألف وخمسمائة كيلو أي خمسة عشرة طن من السم في وادي "أثام".
هذا لكل من يجعلون مع الله إلاهاً آخر ويشهدون الزور ويزنون ويشربون الخمر ويأكلون مال اليتيم ولا يحكمون بالعدل وهكذا.

{وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا (النار) مَكَاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ (مقيدين) دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُوراً}.
وثبوراه، وثبوراه أي وهلاكاه ومصيبتاه!
"فإذا بقي في النار من يخلد فيها وضعوا في ثوابيت من نار فيها مسامير من نار ثم جعلت تلك الثوابيت في ثوابيت أخرى في النار. فقذفوا في نار الجحيم. فيرون أنه لا يعذب في النار غيرهم.
ابن مسعود تلى هذه الآية بعدما سمع الحديث: {لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ} الأنبياء 100، والعياذ بالله رب العالمين، {لَهُم مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ النَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ} الزمر 16، نسأل الله السلامة.

هناك أيضاً لكل من يؤذي المسلم، يسلط عليه الله يوم القيامة في النار داء الجرب.
ويخلق له أظافر من نحاس والنحاس محمى، يظل يهرش ويهرش إلى أن يتساقط لحمه، فلا يبقى إلا عظمه.
هؤلاء الذين يؤذون المسلمين وتخيل الذين يضربون المسلمين ويسجنوهم.
ابن عمر عندما حج ورأى الكعبة قال: ياكعبة الرحمن، ما أبهاك وما أجملك وما أعظم حرمتك! لكن حرمة المؤمن عند الله أعظم من حرمتك!"
حرمة المؤمن عند الله أعظم من الكعبة لأن المؤمن أعظم من خلق الله عز وجل. فإذا كان المؤمن عند الله أعظم من الكعبة، فكيف يكون الذي يؤذي المؤمن؟ وأفضل العباد أنفعهم لعباد الله سبحانه وتعالى.

أعظم عذاب أهل النار وأسوأ عذاب هو: الحجاب عن وجه رب الأرباب!
{كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ} المطففين 15.
وهذا أصعب وأسوأ أنواع العذاب حتى قيل: لو تجلى الله بوجهه الكريم على أهل النار لنسوا ما فيه من عذاب! ولو حجب الكريم وجهه عن أهل الجنة لما راقت لهم الحياة في الجنات لحظة.
فالنعيم كل النعيم بمطالعة وجه الكريم والعذاب كل العذاب بالحجب عن وجه رب الأرباب.
اللهم لا تمنعنا من رؤية وجهك الكريم.
اللهم لا تحرمنا من لذة النظر إلى وجهك الكريم.
اللهم لا تحرمنا من لذة النظر إلى وجهك الكريم.
اللهم لا تحجبنا عن وجهك الكريم يوم القيامة.
اللهم متعنا بالنظر إلى وجهك الكريم في الجنة بدون سابقة عذاب يارب العالمين.
اللهم زحزحنا عن النار.
اللهم أجرنا من النار.
اللهم أجرنا من النار وأدخلنا الجنة مع الأبرار، تب على كل عاص واهد كل ضال، اشف كل مريض، سد دين المدينين، فك كرب المكروبين، تب علينا توبة نصوحاً ترضيك عنا يارب العالمين.
اللهم إنا نسألك رضاك والجنة ونعوذ بك من سخطك والنار، نسالك رضاك والجنة ونعوذ بك من سخطك والنار. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

*

اللهم اجرنا من عذاب النار جميعا يارب ..