جلابية بقلشية !!

الجلابية أو ما يسمى بالثوب السوداني في الخارج، هذا الملمح السوداني الأصيل الذي ينم عن عبقرية الإنسان السوداني في الإبداع والابتكار.. مثلت الجلابية وعلى مر التاريخ والعصور ثقافة حصرية للشعب السوداني ، وهي مثار إعجاب عندهم حتى أنهم تفننوا في تحوير تشكيلاتها إلى أنواع عديدة دون المساس بمظهرها وجوهرها . تغنى بها المغنون وصفق لبريقها الآخرين ، نجد أن الفنان محمد وردي : ( يا بلدي ياحبوب.. أبو جلابية وتوب ) . وأيضا تغنت بها الفتيات : ( الجلابية بيضاء مكوية حبيبي بسحروك ليا) . . وسمي أشخاص بها مثلا يقال فلان أبو جلابية .. واصبحت لها قصات معروفة ( جلابية أم رقبة ) وجلابية جيوبها بالخلف .. وجلابية بياقات .. واصبحت داخل المجتمع السوداني تصنف بها الطوائف والقبائل .
وعندنا في المنطقة .. أي منطقة حجر العسل الجلابية المعروفة .. وبمقاساتها المعروفة .. ماعدا جلابية مشهورة للعم (البقلش) والبقلش من أبناء البسابير الملاحة ..وهو تميز بجلابية واسعة جدا .. حتى انه إذا أراد أن يدخل يده في القميص الذي يبلبس عادة داخل الجلابية لا يحتاج لرفع الجلابية .. فقط يقوم بادخالها عن طريق فتحة اليد دون عناء لا اليد تقدر ب50 أو 60 سم .. حتى شاعت في المنطقة اسم الجلابية بقلشية .. وهي كناية بالبقلش ..!!
ويقال والعهدة على الراوي أن ابنا من أبناء المنطقة عمره لا يتعدي ال6 سنوات قال لوالدته أنا داير لي جلابية بقلشية) .. وبالطبع امه لا تعرف ماذا يعني بالجلابية البقلشية .. وقالت في سرها ربما يكون نوع من القماش ظهر جديد عند الخياط.. ربما موضة جديدة .. وسط إصراره الكبير بما يطلب .. امه أخذته إلى الترزي ، وأمام الترزي ردد عبارة جلابية بقلشية كثيرا .. الخياط قال لوالدته : ( أنتي تعرفي جلابية بقلشية يعني شنو؟) قالت : لا .. قال لها : جلابية مثل جلابية البقلش .!! والبقلش شخصية مشهورة في المنطقة نسبة لمجاملاته الدائمة في السراء والضراء وتميزه بالجلابية الكبيرة . فالتفتت الوالدة لابنها وبعفوية : (ااااا جنا أنا بخيطها ليك لكن إنتا بتملاها لي زي البقلش؟)..
وهنالك شخصيات سودانية اشتهرت بالعمامة الكبيرة منهم الأستاذ حسين خوجلي الصحفي المعروف والفنان القامة كمال ترباس .. ورجل الاعمال المشهور بابكر ود الجبل . ويقال في زمن النكد ، تم منع استيراد الأشياء التي لا تصنع وطنيا .. ومنها الأقمشة ، كيف لا .. ونلبس مما نصنع ونأكل مما نزرع !! وان احدهم جاء من الغربة ويحمل معه (طاقة) من قماش (التترون) وتم حجزه في المطار بحجة انه حاول تهريب سلعة ممنوعة .. وأصبح يبرر حمله للسلعة الممنوعة بانها جاء بها هدية عمامات للثلاثة الذين ذكرناهم !! ( ترباس – حسين خوجلي – ودالجبل ).
ومعرفتي بعمنا البقلش شخصية باعتباره صديق للوالد .. واذكر ذات مرة جاءنا في المنزل .. واقام معنا ليلة ، وعندما أراد الخلود إلى النوم (علق) الجلابية في (الشماعة) .. والشماعة عندنا كانت من النوع الذي يقف على أربعة أرجل .. هي تشكي وتبكي منا .. ولكن عندما أصبح الصبح وجدناها ملقية على الأرض .. أنا أرجعت السبب لوقوع الشماعة على الارض جلابية البقلش .!!
وهذه الموضة البقلشية تفشت عندنا .. وابن عمتي أخذني معه للترزي في الخرطوم فقال للترزي : (الجلابية عادة يدها كم سنتمتر؟) قال له : 20- 25 سم .. فقال له : (اعملها لي 45 سم ) !! الترزي ضحك ضحكا شديدا ..!! وحزونا حزوه في ذلك .. واذكر خيطت جلابية كبيرة جدا .. يدها 45 سم .. وشاء الله وقدر أن سافرت للمملكة العربية السعودية لم اتركها خلفي .. وهناك الجلابية تميز السوداني تمييزا كثيرا .. لكن لا اعرف ماذا يسمون الاسراف في القماش العادة البقلشية ؟ على العموم ضحكت على نفسي عندما كنت أسير بجوار (برج الفيصلية) اكبر صرح معماري في المملكة واقدل بها أمام (العجم) من البلاد غير العربية الذين تمتلأ بهم المملكة . ولكن تبقى الحقيقة الاكيدة في أن الابتكار ليس له وطن .. لكنى فكرت في تسجيل الجلابية البقلشية كماركة وعلامة تجارية إذا سمح لي البقلش بذلك . حتى تدخل موسوعة الأرقام القياسية . ربنا يعطيك العافية ويمد في أيامك البقلش .. تذكرتك والله العظيم .