أيام فى حضرة الطيب صالح وحديث الأدب والفكر والسياسة (قراءة متجددة فى فكر ذاك العملاق الخالد)

أعود مرة أخرى لهذا اللقاء القديم والذى سبق وأن أجريته مع الاستاذ الطيب صالح رحمه الله فى أبريل 1998 فى مدينة جدة

والذى نشر فى عددين من صحيفة (الخرطوم) والتى كانت مهاجرة ولا توزع داخل السودان فى ذلك الوقت ...مما حرم الكثير من

المهتمين من داخل السودان من الاطلاع على الكثير من آراء الاستاذ ورؤاه فى ما تطرق اليه هذا اللقاء من قضايا الأدب والفكر

والسياسة وقد كان الحوار محاولة لسبر اغوار نفس ذاخرة وقراءة لأفكارهذا العلم المعلم والمفكر السودانى الكبير فى قضايا

قلما يتطرق اليها الاستاذ أو يحدث بها وفى مقدمتها ا آراءه ورؤاه السياسية وتوصيفه الدقيق وقراءته للأزمة السودانية المزمنة ..

علمت من الدكتور حسن أبشر الطيب بعيد نشر ذاك اللقاء أن هذا الحوار قد اختير من قبل هيئة التحرير ليضمن فى كتاب سبعينية الطيب

صالح والتى قامت تظاهرتها الثقافية فى القاهرة فى 1999 والتى بدورى أشهد أن كان من أوائل الذين نادوا بها وبتكريم الطيب صالح

كان هو الدكتور بشرى الفاضل ...

ونسبة للاسفار والامور الاكاديمية وإنقطاعى الطويل عن الكتابة فقد انقطع تواصلى مع د.حسن أبشر ولا علم لى حتى الآن

ان كان ذاك الكتاب قد صدر بالفعل أم لا أو إن كان هذا اللقاء فقد نشر ضمنه .......

.....

جاء هذا اللقاء فى العام1998والاستاذ الطيب صالح حينها يرفض ويتحاشى التواصل والحديث للاعلام زهدا

من تلك النفس الكبيرة فى إبراز الذات ... واذكر حينما طلبت من أستاذنا د.الباقر أحمد عبد الله

مساعدتى فى إقناع الاستاذ بالموافقة على إجراء حوار معى إعتذر لى د.الباقر بأنه لا يريد إزعاجه

بما لا يحب وهو فى ضيافته ولكنه قال لى : الأمر فى يدك وأعتبرها أنت قضية نجاح أو فشل ...فلم يكن

هناك بد حينها من إستخدام بعض الحيلة البريئة نوعا ما .....

....

فحينما إلتقينا فى اليوم التالى ....جلسنا بمفردنا وبدأنا الدردشة التى أرادها الاستاذ عوضا لى عن الحوار الصحفى ..

و بدأت معه بسيرة الادباء والنقاد ودلفنا الى غادة السمان وديزى الامير وغيرهن من كاتبات الستينيات وكتاباتهن الجريئة

الصادمة ...

وبدا الاستاذ مستمتعا ومسترسلا فى الحديث وضاحكا من محاولاتى توجيه بعض إيماءات وسهام الاتهام ... ولكنى أحسست بحرج عظيم

حينما رأى جهاز التسجيل الصغير المخفى ... مد اليه يده وقال : هل كنت تسجل هذا الحديث ...أنت لم تقل لى ...قلت عفوا ولكنك

رأيتنى أحضر هذا الجهاز وأضعه أمامى (ولم أقل ورائى ) فانا إعتبرت هذا إستئذان ضمنى ثم ليس امامى الآن سوى الاعتراف بانه بعد أن

غادرتك بالامس سهرت طويلا محاولا تدوين كل كلمة قلتها بالامس من الذاكرة : وبالطبع نسيت الكثير: فانا الآن أسجل لنفسى وهذا ليس

حوارا وانا لست صحفيا ...

وبعد أن حدجنى الاستاذ مليا هز رأسه وابتسم :

شجعتنى تلك الابتسامة أن أبادره بسؤال : لماذا تتحاشى رموزنا الاضواء و لماذا نجحت موسم الهجرة ,

وماهى قصة الرسائل التى بحوزة غادة السمان وهى تهدد أحيانا بنشرها(وهذا كان محض إختلاق من

عندى)....

سألتة من أين أتى هؤلاء وسألته عن نوبل نجيب محفوظ وعن الشخصية السودانية ما لها وما عليها وعن الصور

النمطية التى تلاحقها ظلما وعدوا , وعن أزمة النشر والثقافة وعن ما هى رؤيته عن أم

المشاكل ( قضية الجنوب ) وما تثيره وتنعكس به على الوسط الثقافى من اسئلة الهويه وتحلقنا

مع ادونيس ونزار ونجيب محفوظ وأحمد مطر ... وتلاحقت الاسئلة وأنا غير مصدق أن جهازى الصغير لايكف

عن الدوران بعد أن ملأ ستة من الاشرطة وقلمى المسرع المرتجف يسجل عن هذا الطود العظيم عصارة فكره وحصاد

مهم من تجربة حياتهوحكمتها , وحتى حينما جلسنا على مائدة الغداء كنت أسجل مما حدا بدكتور

الباقر أن يقول فى حزم مقاطعا : بالغتى ياشداد : خلى الراجل يتغدى وبعدين واصل معاه ...



وهكذا وعلى مدى ثلاث ساعات ويزيد امتد اللقاء والاستاذ ينادينى بتلك الكلمة السودانية

الحانية الملأى حبا وحميمية يا( ود أخوى) .......


خرجت من تلك الايام الثلاثة التى قضيتها فى صحبة الطيب صالح بما لا يحصى من الدروس

والفوائد وتغيرت نظرتى للكثير من الامور ....أوردها او أورد جلها معلقا على ما قد توقع

هو و تنبأ به هو من أمور وتطورات قبل أكثر من عشرة أعوام نراها ونرى ملامحها اليوم

عندنا ماثلة دون ان تثير إستغراب أحد .....


(وفضلا راجع شريط آخر كنت نقلت فيه خبرا بالامس عن صحيفة الرآى العام ).

..

حينما أبديت سعادتى بلقاءه للوهلة الاولى : أجابنى مبتسما .. ياأخى نحن ناس فقرا ...

وقال : الطيب صالح ..إسم كبير : ثم ضحك وأضاف : كما يقولون تسمع عنه خيرا من ان تراه !!


حينها لم يكن فى إستطاعتى أن أقول له : لو قلت :

(أنا الذى نظر الاعمى الى أدبى واسمعت كلماتى من به صمم )

لكان هذا حقا .....


فليس أروع ما فى هذا الروائى المبدع ,تلك اللغة الرائعة السليمة السلسة , ولا ذلك الصوت القوى

وهو الاذاعى المخضرم وفارس البى بى سى ....ولا تلك المعرفة الموسوعية ...أجمل من ذلك كله :

ضحكته تلك الدافئة العميقة ...ذات الطعم والنكهة السودانية العبقة ...إنها تضفى على سامعها

مزيدا من الحماس وتزيده إحساسا بأن كل ما يقوله فيه خير كثير !!

..................................................................................


وأنا اعلم أيها الاخوة/ت الكرام ان حديث الاستاذ هذا هو عندى فى مقام الوصية ...

فلا أتدخل عبر هذه السطور فى ماقد قال رحمه الله واترك أى تعليق لا حق من

عندى منفصلا ان شاء الله ....

رحم الله الاستاذ الطيب صالح وأدخله فسيح الجنان ...

إذن نبدأ هذه السياحة الراقية فى ذلك العالم الثر الساحر : عالم الطيب صالح

فى حضرة الطيب صالح (2): الناس فى هذه الدنيا شعوب متحدة...هم الى أن ينزع جلده

الجزء الثالث من حوار قضية الهوية:




الطيب صالح (3):الجنوبيون هم الذين منعوا السودان أن يقي...ا ملوال قال هذا صحيح

أذكر طرفة متعلقة بهذا الحديث بعيد نشره

فقد قال لى الأستاذ الكبير فضل الله محمد (رئيس التحرير) مهنئا ومشيدا بالحوار
: لقد بدأت من حيث إنتهى الآخرون .. فقلت نعم وحقيقة أنوى قريبا كتابة
مذكراتى التى هى صفحة واحدة واعتزل الصحافة مباشرة بعد أن اجرى حوارا معك أنت كذلك !
قال وأين تنوى نشره ؟ قلت هنا فى الخرطوم
فضحك الاستاذ فضل الله طويلا وقال

ده لكن إسمه من دقنو وفتللو ياشداد

رحم الله حكيم الامة السودانية الطيب صالح
فقد كان من القلائل الذين لايخشون فى الحق لومة لائم

هاهو يقول مالايجرو على قوله كثيرون.

الطيب صالح حكيم العالم كلو .
..
متابعين .
تحياتى

أهلا باالأخ الأديب عثمان موسى

وصدقت ياسيدى فليس أهم مافى حياة الطيب صالح وسيرته

الأدب ... بل الحكمة النادرة والنظرة الثاقبة والمعرفة الموسوعية التى جعلته كبيرا..فوق الآخرين ..

عرفه كثيرون خارج السودان وآسف أقول القلة القليلة فى السودان ...


شكرايا عثمان ونواصل إنشا الله

.