أوراق غير صالحة للنشر .. (مذكرات شيطانية) +18

لا أحب الرحيل ..
ولكن ماذا عساي أن أفعل وأنا ذلك القابض على رماد المرتب .. وحالتي هذه قد تكون أفضل كثيرا .. من غيري على بؤسها , ..
تمضي بنا عجلة الأيام وأنا مركون أو مركول - فبأي الحرفين يمكن وصف حالتي هنا في ظل الطواحين..
ويبقى الرحيل من بيت لآخر ميقاتا لذوي العاهات المادية .. ما لم تملك منزلك الخاص بك فأنت بكل تأكيد سترحل من مكان لآخروسيكون هذا هو حالك إلى أن تضعك الأقدار في يوم ما.. أمام شئ ما .. لتصبح بعدها داخل منزلك الخاص ..
حتى الآن لم أقابل هذا الشئ ..الما .. تسير طاحونة حياتي كما هو مخطط لها بالضبط , أرحل كل بضعة أعوام من منزل لآخر ومن شقة لأخرى وأنا لا آزال أنتظر هذا (الما) الذي أصبح تغيير حياتي مرهون بيوم لقائه .. كل عام يزيد الإيجار بتلك النسبة المئوية ومرتبي باقي كما هو !!
صامدا في وجه كل رياح التغيير .. كم هو متغطرس .. ما كل هذا الجبروت أيها المرتب؟؟ الغريب في الموضوع أني لا أؤمن بالتطيّر ..وإلا لتطيرت من هذه الزوجة .. ألم يحدثونا عن الدابة والبيت والزوجة ؟؟ كلهم تغيروا ما عدا الأخيرة ! المنزل يتغير كلما تضاعفت تلك النسبة المؤوية كل عام .. والدابة هي في الأصل غير ثابتة تختلف من ذوات الأربع لذوات الثلاث ومع بداية الشهر – أجمل أيام الشهر – تكون الدابة خاصة بي أمتلكها لمشوار كامل مرتان ...
الجمعة الأولى من كل شهر أذهب بها برفقة زوجتي وأطفالي لمنزلهم القابع في آخر حدود أمدرمان الشمالية
والجمعة التي تليها أذهب بها لمنزل امي وأبي ..
ماذا هذا الذي أكتب ؟؟!!
ما هذه التفاصيل التي أكتبها هنا ؟؟
هذه ليست قصتي !! لم أحضر هذه الرزمة من الأوراق وسلة النفايات لأحدثكم عن أوضاعي المادية أو أطلب إستشارة أحدكم ..
محمد !!
هناك وقت يكفي كل هذه التفاصيل وتفاصيل أخرى قادمة ..
عد مرة أخرى لجادة الأمر وحدثهم عن ما بين يديك ..

قابلت ذلك السمسار أول مرة حين قدمه صديق لي كان على علم بميعاد رحيلي عن المنزل الذي أسكنه الآن ببحري ..
كنت قد فكرت وقررت أنه من الأنسب لي أن أجعل زوجتي تسكن بالقرب من أهلها ..هنا في امدرمان لعدة أسباب
أهمها أن أحذف عبارة (دايرة أمشي لي ناس بيتنا) من معجم إختلافاتي معها ..
أن أمنحها حرية البقاء في المنزل أو الذهاب (لي ناس بيتا) متى ما أرادت ..
ها ها ..! كغيري .. نسوق هذا العذر أو السبب ونخبئ وراءه ما نريد حقيقة ..
نحن نريد أن نأخذ حريتنا ..أو أن يكون لدينا أكبر قدر من الوقت بلا زوجة أو أولاد أمام أعيننا ..
نخرج لأصدقاءنا أو نبقى وحدنا في المنزل نداعب أزرار الريموت كما يحلو لنا نستلقي في السرير
نمسك بالكتاب أو الصحيفة ونرتشف الحروف والكلمات .. نتصل بمن نحب دون أسئلة
ولكن حين يسألني أحدهم .. سأرد – كغيري – (والله بس عشان نرتاح من مشوار ناس بيتهم ده كلو يوم والتاني ) ها ها ها !!
أكاد أجزم بأن النفاق أصبح خصلة متأصلة في ذواتنا ..
لا أحد يريد الإعتراف بملله من الزواج والجلوس تحت ظل الطواحين .
محمد ؟؟!!
ها أنت مرة أخرى تغرق في ما لا يعني الناس هنا !

حسنا ..
سأبدأ من هنا مرة أخرى .. بلا تفاصيل شخصية ..
كنت – كعادة كل المؤجرين – كثير التنقل والرحيل .. فارقت الإستقرار مذ أن فارقت غرفتي الصغيرة في منزل أبي .. أو قد يكون قبلها بقليل عندما أتيته في ذلك اليوم أتقافز ماشيا وفرحتي تحملني فلا أنا أمشي على الأرض ولا أطير في الهواء .. لأخبره بتحديد موعد زواجي !! في تلك اللحظة تنقسم أعمارنا وحياتنا بكل تفاصيلها الصغيرة وأحلامها الكبيرة إلى مرحلتين .. قبل وبعد الزواج .. فبعد الزواج تستبدل كل مداخل ومخارج الحواس لدينا بأخريات تكون موضبة ربما داخل (الشنطة) أو تسلم لك باليد ومعها صك الزوجية.. فلا العيون هي تلك العيون تنظر إلى العالم ليرتد إلينا البصر بما كنا نراه .. ولا العقول هي تلك التي خططت ورسمت وقرأت وكتبت .. على كل حال .. ساقتني خيوط القدر لهذا المنزل منذ بضعة شهور وبدقة – أرجوها في القارئ الحصيف – كان ذلك قبل 37 يوما بالتمام والكمال .. هذه ستكون الليلة رقم 38 في هذا المنزل الجديد – ربما سأدعمه ببعض الصور التوضيحية لاحقا- هنا في أحد أحياء امدرمان الجديدة ...

دخلت إلى المنزل الجديد – المهجور أول مرة لأتفقده وأقف على بعض التفاصيل المهمة حتى أستطيع تقيم مبلغ الإيجار الذي سيدفع كل شهر ...
أكثر ما أسعدني في هذا المنزل أن الإيجار سيدفع شهريا بلا مقدم .. ولا توجد زيادة سنوية
وصاحب المنزل سيدفع فاتورة الماء .. كل هذه المغريات جاءت برفقتها حيرة ..!
كيف لمنزل بكل هذه الصفات أن يكون مهجورا !!
كان جلياً أن المنزل لم يسكنه أحد ردح من الزمان .. بقايا آخر الساكنين هنا لازالت تملأ المكان .. أشياء متناثرة هنا وهناك والجدران كأنها كتب التاريخ .. أرتال من الأتربة متكدسة على الجنبات وفضلات القطط والكلاب الضالة كنقاط الترقيم على الأرض – عجيب أن أنعت تلك الكلاب بالضالة .. ربما يستخدم هذا المصطلح أو اللفظ في مكان آخر من الكوْن وربما لو كان للكلاب مقدرة محاكمتي لما ترددت أبداً .. فالكل هنا .. ضال
إتخذت شكل الإمتعاض وأنا أرد على ذلك السمسار وأظهرت له زهدي في المنزل برغم كل شئ..
بعدها بيوم أو إثنين كنت المؤجر لهذا العقار حسب ما هو مكتوب في هذه الورقة .. المنزل يتكون من غرفتين وصالة كبيرة في المنتصف وصالة أخرى بين الغرفتين وحمام ومطبخ .. كل هذا البنيان يقع في منتصف المساحة الأرضية يحيطه فناء خارجي من جميع الجهات وباب يطل على ميدان من جهته الشرقية ... الحي يعتبر من الأحياء الجديدة في امدرمان ومجموع البنايات الغير مكتملة أكثر من تلك المأهولة بالبشر ..
...!

؟؟

ربما لا أستطيع الفكاك من هذه التفاصيل ..!

أو

ربما هي محاولة يائسة مني لأخرج من هذا المنزل في نفس يوم دخولي إليه
لا أرغب في موصلة الكتابة .. لا أريد أن يكون هذا المنزل ملازما لي حتى في أوراقي .
ألم يكن من الأجدر أن أطلق العنان لقلمي وأحدثكم بشئ من الخيال عن حياتي الهانئة
في ظل الطواحين . !

سرد ممتع....

واصل.

ها انا أكمل ليلتي الثامنة وثلاثين ولا زلت أحاول الكتابة ..
..
ربما سيكون لهذا المنزل شأناً في يوم من الأيام ..
كأكثر المنازل إمتلاءاً بالأسرار ..
أو ربما ستفوق شهرته منزل أميتيفيل في نيويورك .. أو سيتم إستدعاء الشيخ الروحاني السوسي ذلك المغربي المشهور في (تنقية) مثل هذه المنازل من كل شئ ..


كل شئ ..!

Fathi Ali Mohammed

شكرا للمتابعة

سأعود للمواصلة