جميلة لكن! بدون طعم أو لون أو رائحة

جميلة لكن! بدون طعم أو لون أو رائحة


01-05-2010, 08:22 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=260&msg=1262719362&rn=1


Post: #1
Title: جميلة لكن! بدون طعم أو لون أو رائحة
Author: أيمن مبارك أبو الحسن
Date: 01-05-2010, 08:22 PM
Parent: #0

عرف عن الراحل جون قرنق الدعابة والفكاهة. وتداول الناس عنه الكثير من الطرف منها أنه حينما كان يدرس بالجامعة سأله أخاه الأكبر:
- جون: إنت تقرأ سنو؟
- أنا بقرأ فلسفة ومنطق.
- منطق ده يعني سنو؟
- منطق ده يعني: انت عندكم كلب؟
- أيوه عندنا كلب.
- طيب: انتو عندكم كلب معناتو عندكم بيت.. معناتو عندكم ابو وعندكم أم، معناتو عندكم اخوان .. معناتو انت ود حلال.
وبعد أيام كان شقيق قرنق يمشي في الطريق فقابله أحدهم، وسأله:
- إنت جون أخوك دا بقرأ سنو...
- أجابه: بقرأ منطق.
- سأله: منطق يعني سنو؟
وهنا اعتدل شقيق قرنق للشرح فقال للسائل: أيوا منطق ده يعني سنو... انتو عندكم كلب؟
- قال السائل: لا ما عندنا كلب.
- وبسرعة أجابه شقيق قرنق: معناتو أنت ود حرام!
تذكرت هذه الطرفة وأنا أشاهد بالأمس مراسم افتتاح برج دبي – أطول برج في العالم. وفجأة خطر ببالي سؤال "شيطاني" وهو: هل هناك مدن بنات حلال وأخرى من رحم الحرام!
قد يبدو السؤال غريباً و"شيطانياً" .. لكنه من جهة أخرى قد يكون منطقياً إذا ما قسناه على طرفة الراحل جون قرنق، خاصة إذا حاولنا البحث في دبي المدينة الحديثة وما آلت إليه حالياً فقد نجد المبرر لهذا السؤال.
كان بعض الشعراء يشبهون المدن بالنساء، حيث لكل امرأة خصوصية لا تشبه الأخرى...
والمدن هي إحدى الأدوات الهامة التي تشكل شخصية وهوية الإنسان المقيم فيها. قديما قال الشاعر علي بن الجهم بعد أن شكلته المدينة وصاغت وجدانه وصبغت هويته:
عيون المها بين الرصافة والجسر جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري
أعدن لي الشوق القديم ولم أكن سلوت ولكن زدن جمرا على جمر
والمدن مثل العطر تعرف كنهها وماهيتها وقتما تشم رائحتها. فإذا أغمضوا عينيك ثم نقلوك إلى دمشق ثم فتحوها وقالوا لك تعرّف على هذه المدينة: من المؤكد أنك ستدرك أنها دمشق.. من عبق الماضي الذي يصبغ المدينة، أو شكل المآذن، أو بقايا التاريخ. وهكذا الحال في بغداد والقاهرة وروما وغيرها.
لكن إذا قيض لك نفس الحال مع دبي فلن تتمكن من التعرف على هذه المدينة .. حيناً تبدو لك أنها إحدى مدن الشرق الحديث سنغافورة أو هونج كونج، ثم تغير رأيك بعد قليل لتخمن أنها من مدن أمريكا اللاتينية، أو جنوب أفريقيا.. سوف تحتار في تمييز شخصية هذه المدينة التي نجح قادتها في كنزها بغابات من الأسمنت. حولوها إلى أنهار من الأسفلت، وجزر من الحجارة، وأبنية تناطح السحاب.. حتى ما تبقى من آثار قديمة علبوها خلف أسوار من الأسمنت ثم خصصوا وقتاً لزيارتها فصارت مثل الأضرحة.
لا يمكن أن ننكر جمال المدينة .. لكنه مثل المرأة التي غطت وجهها بمساحيق من الألوان والمكياج الصارخ مخبئة تحت ذلك شكلها الحقيقي. حتى شوارعها تنضح بالمفارقات العجيبة، فتبدو لك أحياناً فرنسية بلكنة يابانية، وأحياناً نصف أمريكية ونصف عربية.. جمال مشوه يذكرني بالطباخ الذي حاول أن يخترع طبخة فزاد في الملح ثم أضاف السكر والفلفل وجوز الهند فأخرج طبيخاً مبتكراً لكنه لا ينتمي لأي طبيخ ومن دون مذاق.
كثر الحديث في الفترة الأخيرة عن الهوية الوطنية لدبي، لكنه كان يتم من جانب التركيبة السكانية والتنوع البشري العجيب الذي تتسم به المدينة لدرجة دعت قادة البلاد لإعلان عام 2008م عاماً للهوية الوطنية مما يعني اعترافا بالخطر الماثل الذي بات يهدد النسيج الوطني. ولم يقتصر الأمر على اختلال التركيبة السكانية في البلاد التي يشكل الأجانب أكثر من 85% منهم 75% فقط من الجنسية الهندية والبقية يشكلون الجنسيات الأخرى والتي تقدر بأكثر من 200 جنسية، حتى أضحى المواطن المحلي غريباً في بلده.
يعترف بعض المسئولين في هذه الأمارة أن موضوع الهوية أصبح يشكل أحد اكبر المهددات للأمارة الصغيرة وللفريق ضاحي خلفان أحد رجال دبي مقولة مشهورة حيث قال: "أخشى من أننا "نبني العمارات ونخسر الإمارات" في إشارة واضحة للتغير الكبير الذي شهدته الأمارة في بنيتها مما أحالها إلى جزيرة معزولة وسط محيطها العربي، فأصبحت مثل اللحن النشاز في كونسترو متماسك. وإذا أردنا أن نفلسف المسألة قياساً على طرفة الراحل قرنق فيمكننا أن نسأل مرة أخرى: هل هناك مدن بنات حلال وأخرى من رحم الحرام!

Post: #2
Title: Re: جميلة لكن! بدون طعم أو لون أو رائحة
Author: علي الكرار هاشم
Date: 01-06-2010, 07:30 AM

أيمن
تحياتي
موضوعك رائع ورايق
افتتاح برج خليفة بدبي
كان حدثا
هو الأعلي ثم كان الافتتاح نفسه غاية في الروعة والجمال

اعتقد أن توصيف المدن يأخذ البعد النسبي حيث أن كل شخص يطبع صورة المدينة في نفسه بما وجده فيها
وقد كان استاذنا أحمد عبد الجبار يشكو كثيرا من مدينة كسلا ولعله وجد فيها بعض العنت أو لم ترق له فقال فيها بيتا لا زلت أذكره
الشيخ يسكن في بيت من الطين في المرغنية في حي الشواطين
والشاعر العربي قالها صريحة وما حب الديار الديار شغفن قلبي ولكن حب من سكن الديارا

محبتي

Post: #3
Title: Re: جميلة لكن! بدون طعم أو لون أو رائحة
Author: أيمن مبارك أبو الحسن
Date: 01-07-2010, 07:39 AM
Parent: #2

الأخ العزيز علي الكرار
لك تحيتي ومودتي .. وأشكرك لكلامك الجميل.
صحيح كما قلت أن توصيف المدن شي نسبي. ولكن ألا تتفق معي أن المدينة كائن له شخصية ومزاج خاص. وبالضرورة أن يكون هذا المزاج مشتقاً من نفس الوسط حتى لا يكون غريباً ومعزولاً.
لك تقديري ..