لو كنت رئيساً لحزب المؤتمر ((الوطني)) لسلمت حكم البلاد للحركة الشعبية

كثيرون منا ربما لا تعجبه فكرة أن يكون عضوًا في حزب المؤتمر ((الوطني)) الحاكم، دعك من أن يكون زعيماً له. ولكلٍِ منا دواعيه ومنطلقاته الخاصة في ذلك، إلا أن الفكرة التي عنونت بها المقال انبثقت أثناء حوار مع صديقي الذي لا تروق له أفعال الحزب المذكور، بل يكيل عليه النقد والتقريع ويتمنى اليوم الذي يزول فيه تفرده بحكم البلاد.
عالجني صديقي قائلا "لو كنت في محل ناس الحكومة بِسلِّم البلد للحركة الشعبية" وأردف "وبعداك نشوف البحصل شنو. على الأقل لو انفصل الجنوب المسئولية بعد داك تكون للحركة الشعبية".
لا أخفى عليكم أني ذهلتُ من هذا الطرح ومنه تحديداً. ولكني تماسكت. وتبادلنا النقاش في عجلٍ تبلورت فيه فكرة أن ذلك الطرح قد يدرأ عن البلاد خطر الانفصال ولو حيناً.
ولكن بعد أن استفردتُ بنفسي تأملت الطرح وها أنقله في منابر الرأي أعيد فيه صيغته على النحو التالي:

ماذا لو تسلمت الحركة الشعبية حكم البلاد غداً وليس بعده؟

الحركة الشعبية رغم أنها هي الجديرة والأولى بالإجابة على هذا السؤال، إلا أن التساؤلَ الذي يطرح نفسه ويظلُ قائماً هو هل فكرت الحركة الشعبية يوماً باحتمال تدحرج كرة السلطة إلى ملعبها وسط حالة الهياج وفي ظل المنعطف الخطير الذي يمر به السودان؟
بمعني أن يتجاسر حزب المؤتمر ليؤكد (وطنيته ) المضافة إلى اسمه ويقوم بتسليم السلطة إلى الحركة الشعبية حفاظاً على وحدة البلاد وبحثا عن سبيل آخر لإخراج السودان من أزماته المتتالية.
ربما قفز إلى أذهان البعض فكرة حكومة الوحدة الوطنية. ولكني استبعدها هنا لاعتبارات لا مجال لذكرها، فقط أذكر أن الحركة الشعبية أكبر شريك للمؤتمر (الوطني) في السلطة والمال الذي يخرج من خزينة البلاد وأكثر المشاكسين السياسيين له.

أولا كيف تتعامل الحركة وهي في السلطة مع فكرة الاستفتا.
هل ستستمر فيه لإجرائه في الوقت المحدد له واتجاهات الرأي العام في الجنوب تجاه الوحدة تتناقص يوما بعد يوم، أم ستحاول بكل ما أوتيت من قوة إبراز إيجابية الوحدة وجاذبيتها.
لا تنسوا أن الحركة الشعبية ستكون في هرم السلطة وستكون بيدها المال وبوق الإعلام.


يتبع

هل ستشكل الحركة الشعبية حكومة وحدة وطنية من كافة الأحزاب تمثيل نسبي مثلاً. ولو كان كذلك، على أي معايير تستند عليها في تحديد النسب. وهل ستستثني حزب المؤتمر (الوطني) من هذا التمثيل علماً أن لهذا الحزب ثقلاً شعبياً لا يُستهان به.
كيف تتعامل الحركة الشعبية مع البرلمان الحالي هل ستبقيه أم تحله وتدعو على أثره إجراء انتخابات جديدة، أم تحله وتختار أعضائه تعييناً.
كيف تملأ الحركة الشعبية الفراغ الدستوري في حالة غياب البرلمان لاسيما والحركة الشعبية تنشد الحكم الديمقراطي الراشد الذي يدعمه وجود برلمان فاعل.

يتبع

كيف تستطيع الحركة الشعبية التعامل مع أجهزة الدولة المختلفة من بنوك ووزارات وكثير من مؤسسات الدولة وهي تعاني في جسدها آلاماً مثخنة بجروح تسببت من ضربة فساد أو طعنة صالح عام.
أتساءل هل تلجأ الحركة الشعبية إلى وسائل وآليات التمكين التي استعان بها المؤتمر (الوطني) لتثبيت الحكم الديمقراطي الراشد؟ أم ستهدر وقتاً في صغائر وتوافه قد يثيرها الشامتون.


يتبع

هذا السيناريو شبيه بما يدور هذه الأيام في اليابان بعد أن فتح الله على الحزب الديمقراطي المعارض بزمام السلطة بعد نصف قرن من حكم الحزب الليبرالي.

تحدث الحزب الديمقراطي عندما كان في المعارضة عن علاقة السياسة بالمال وتورط الحزب الحاكم في ذلك الوقت. وانتقد فساد البيروقراطيين واتهمهم بإدارة شئون البلاد بمعزل عن السياسيين واعداً الشعب بمحاربة هذا السلوك.
انتقد كذلك التحالف القائم بين اليابان والولايات المتحدة وعدم عدالته وعد بمراجعته جذرياً بمجرد تسلمه السلطة.
انتقد خصمه بالنفقات الباهظة ووعد بتخفيض الموازنة للسنة المالية.
ليس هذا فحسب فقد وعد أيضا وهو في المعارضة بإلغاء رسوم المرور في الطرق السريعة ودعم الأسر المثقلة بالأطفال.
هذه الوعود البراقة الجذّابة كانت سبباً في كسب الحزب ثقة الجماهير وكانت الأسس الداعمة لتبوئه السلطة.

يتبع

وماذا بعد!

• رئيس الوزراء الجديد وأمين عام الحزب الديمقراطي كانوا أول المتورطين في إدعاء علاقة السياسة بالمال.
• واجه الحزب مصاعب في تسيير كثير من دفة الأمور في البلاد بمعزل عن البيروقراطيين.
• التحالف الأمني القائم بين البلدين يمر بمنعطف يحتاج إلى تنازلات من اليابانيين.
• قدم الحزب الديمقراطي وهو في السلطة أكبر موازنة مالية عرفتها اليابان على مدى التاريخ.
• الحكومة لا تستطيع إلغاء رسوم الطرق السريعة لعدم وجود مال. ولكنها وعدت في استحياء بدعم الأسر.


يتبع

لا أريد هنا عقد مقارنة بين ما يحدث في اليابان وما يمر به السودان، فكلٍ ظروفهما. ولكن تخيلوا معي إمساك حزب المؤتمر (الوطني) بالسلطة لعقدين كاملين. فالذين وُلدوا صبيحة الثلاثين من يونيو 1989 أصبحوا رجالاً ونساءً ومنهم من تزوج ورزق بذرية. بعبارة أخرى مرور جيل كامل على تاريخ السودان في ظل هذه الحكومة وقد تشرب وارتوى من سياساتها حتى الثمالة.


يتبع

بالتأكيد سوف لن يتنازل المؤتمر عن السلطة بهذه البساطة التي طرحتها والتي ربما عدّها البعض نوعا من السذاجة والترف الخيالي.
وستبقي أطروحات صديقي لا علاقة لها بواقع مجريات الأحداث في السودان .
وستظل (لو) في عاليه كذلك ضرباً من الأحلام المزعجة.
وسيبقى السؤال مطروحاً ، هل فكرت الحركة الشعبية يوما بتدحرج الكرة إلى مرماها ليلاً؟

محاكمة الرئيس المتهم بجرائم دارفور لا تحتاج إلى (حكّة رأس) مني أو من الحركة الشعبية فالعدالة تعلو ولا يعلى عليها. وكل متهم برئ حتى تثبت إدانته.
ربما لهذا السبب تحديدا يظل هذا السيناريو كله خيالاً ولا علاقة له بالواقع.

انتهى

*

+

العزيز/ عمر ساكن
تحياتي واحتراماتي

والله كان ما افتراضك ده أقرب إلى الخيال كان الواحد أدلى بدلوه

لكن تسلسك منطقي rational بحقيق



طيب : قول سلم نفسه فهل يقبل بتسليم الحكم ؟

الاخ آدم
تحياتي واحترامي الخالص،
سعدت بمروركم.
لأنه لا يريد أن يسلم نفسه لذا لا يريد أن يسلم الحكم.
تحياتي