Post: #1
Title: طموحات مهنية تتكسر عند بوابة السلطان ..... صلاح شعيب
Author: الرفاعي عبدالعاطي حجر
Date: 11-12-2006, 03:38 AM
| Quote: ليسمح لي الصحفي الناجح و(الناجع) صلاح شعيب في طرح هذا الموضوع للناقش فهوموضوع جدير بالتوقف عنده... |
رفاعي. الصحافة السودانية: طموحات مهنية تتكسر عند بوابة السلطان صلاح شعيب المساحة المتاحة للصحافة السودانية الآن، برغم وسعها في جانب التحرير والمقالة وبعض محاولات التجويد المهني الدؤوبة الساعية للتجسير بين إنتاج الصحافة ومن يودون تلقي المطبوع منها، غالبا ما تتقلص بالسياسات الرسمية التي يسنها حماة الدولة في تنظيمهم للمهنة، وبالتالي تعاني صحافتنا من أمرين نتاج ذلك التنظيم، الاول هو أن هذه القوانين تتم في ظل نظام غير ديمقراطي، إذا تغاضينا هنا عن إمكانية صلاحه العام، فإننا لا نتغاضي عن القول إنه لا يلتزم بالتطبيق الحرفي لما يسن من إجراءات ولوائح عمل، وهذه الاجراءات بغير عدم مشاركة أهل المهنة الصادقين في صياغيها الاولية حتي إنتهت كأوامرا واجبة التطبيق، فإنها لا تخلو من أسباب المحاباة والتمييز في تطبيقها نحو مؤسسة وتجاهل أخري، فوق أن هذه الاجراءات غير قابلة للنقد ثم التعديل إن تطلب الحال. الامر الثاني هو أن مناخنا الشمولي نفسه إن هو كذلك ــ وكونه لا يمكن أن يبدع سياسيا ــ لا يستطيع أن يفرد مجالا لصحافة مسؤولة قادرة علي تطوير نفسها مهنيا عبر الطباعة الراقية والتصميم المتقن والتجويد في التبويب وفي الصياغتين المحكمتين للمادة الخبرية والكتابية، وكذلك إحداث التجريب الصحافي الذي ربما يتشجع الصحافيون في بذله من أجل تحقيق ملكاتهم المهنية ولجلب قاعدة قراء عريضة. وأيضا أن هذا المناخ المعني غير قادر علي أن يسمح للصحافة حتي تكون سلطة رابعة حقيقية تستطلع في قضايا الناس وتنشر المعرفة في واقعهم وتكون أداة للمحاسبة وكشف الفساد والاعوجاج، وترقية الشعور بالمسؤولية الوطنية لدي المتنفذين السياسيين، ومن يسايسونهم من رعية، وأخيرا وليس آخرا فإن صحافتنا ليست سلطة رابعة جريئة تتيح مساحات معتبرة لاهل الفكر والادب وغيرهم ليلونوا الصحافة برجاحة البصيرة وجمال الالهام وسنة الصدق الفني . وفي الواقع فإن هذا المناخ نفسه، ولكونه أيضا يعاني من فقدان الإلهام للابداع عموما، فإن الصحافة التي تتربي في كنفه لا تستطيع أيضا أن تغير بضربة لازب طبيعة إنغلاقه الاحادية من أجل الدفع بالواجبات العامة التي يجب لنظام كهذا أن يراعيها وأن يهتدي بها، وهل يمكن للصحافة المعتاشة علي الاعلانات الحكومية أن تجبر السلطة علي مراعاة الانفتاح، او قل الانفراج السياسي، والذي معناه خلق أسس حقيقية للممارسة الحزبية الديمقراطية وتحقيق استقلال القضاء وحرية العمل النقابي وخلق الشفافية في فكر وتجربة الجهاز التنفيذي وإعادة الخدمة العامة إلي سابق مجدها حيث نزاهتها وقوميتها النسبية، ومساواة السودانيين في سبل كسب العيش من دون تمييز في الايدلوجيا وناحية الانتماء الجغرافي أو ــ قبل هذا وذاك ــ الاعتراف أن هذه السنين العجفاء من "الانقاذ" قد دحرجت الوطن إلي الهاوية، وعليه تغدوالمسألة أكبر من طموحات صحافيين شرفاء يقضون سحابة يومهم في صالات التحرير علي امل تغييرالواقع بحروفهم السلمية المشبعة بإحساس الرقيب الداخلي ، إنما المسألة هي حاجة السودانيين الملحة لنظام سياسي يخلق وحدتهم من بعد تشرذم، ويعيد ترتيب أولوياتهم ويجعل صنع القرار السياسي الجماعي هو السبيل الوحيد نحو الاستقرار والسلام. ومهما يكن من أمر هذا المناخ، فإن التحرير الصحافي الذي هو ثمرة الصحافة قبل أن تكون مساهمات الكتاب والمعلنين هي السبب لانتشار الصحيفة، لا يستطيع وحده إقناع القراء بالاستمرار في شراء الصحيفة، فهذا التحرير يواجه أزمة تقييم سواء من أصحاب الرساميل الصحافية أو من سلطة الامن، فالمبالغ التي يتقاضاها المحررون لا تسد حاجتهم المادية في ظروف وعثاء كهذي، كما أنهم لا يجدون أية تسهيلات في فرص علاجهم وأسرهم، وإنهم نادرا ما يتلقون فرصا أكبر في التدريب عند مؤسسات صحافية متطورة في الخارج أو حتي اكتساب لغات أخري تساعدهم في التغطية الخارجية، فضلا عن ذلك فإن حماية الصحافي من قبل جور المؤسسة الناشرة لعطائه قضية قديمة قدم " التصفيف المطبعي " ولم يوجد لها حل لا من قبل مجلس صحافة ومطبوعات لا يقوده صحافيون، ولا نقابة صحافيين تساوي بين المحرر الصحافي وعمال المطابع . والحال هكذا لعلنا كثيرا ما رأينا كيف أن بعض هذه المؤسسات لا تلتزم بدفع مرتبات كثير من الصحافيين برغم أن مجالس إداراتها تضم نخبة من أصحاب القلم، إضافة إلي أن هذه المؤسسات لم تألوا جهدا في تحسين شروط خدمة الصحافي بما تسعي لتحفيزه أو إستقطاع جزء من أرباحها الوفيرة لتحسين مكتبه الفقير في الصحيفة، أو تزويده بمكتبة للتزود بالمعرفة وبالمراجع كما فعل هيكل في الاهرام، أو تحديد مبلغ يعينه في ملبوساته التي تعطيه قدرا من "الوجاهة الاجتماعية" وتحسن مظهره العام أو تعينه المؤسسة، عبر لوائح خدمتها الانسانية إن وجدت، في توفير أقساط السكن أو المساهمة في مناسبات الاتراح والافراح. وإذا كان المحررون يتحملون كل هذه "المشقات" في بيئة طاردة للابداع وعصية علي تفجير المواهب، فإن ما يقلق مضاجعهم ويؤرق مآقيهم هو أن هناك "مشاق" سلطة أمنية تعيش في ذاكرتهم كرقيب لا مناص منه في نظام غير تعددي، وكما لو أن هذا الرقيب قد إبتني إرثا في تخويف رؤساء التحرير وأصحاب الرساميل الصحافية حين دلف في اللحظات الاخيرة من الصباح نحو المطابع لايقاف هدير نسخ صحيفة ما ، فإنه قد أوصل الرسالة لرؤساء التحرير والاقسام الصحافية: خلق الرقيب الآخر الحاذق في دهاليز التحرير، إذن تبقي رقابة المحرر والكاتب نحو إدارته التحريرية المباشرة، ورقابته نحو زائر الليل الذي يملك ملفات الرصد ل " تجاوزات" الصحافيين في سودان يعتقل فيه الصحافي كونه يملك معلومات! وهكذا يكون قدر الصحافة أن تحني هامتها في واقع يريدها أن تعينه في شموليته أكثر من أن يشمل الناس جميعهم بالاعانة، فما كانت القناعة يوما أن تكون الصحافة التي مقدر لها أن تلعب بالبيض والحجر أن ترفع من مستوي القارئ إلي سقف يدرك فيه ماهية نواحي العبور به إلي المستقبل القريب، ناهيك عن البعيد، وكيف تتحق مقولة أديبنا/الشاعرالرائد التيجاني يوسف بشير حين قال "الصحافة يابنت السماء ونزيلة الأرض وموقظة الأمم من سبات الغفلة والجمود.." وكيف لنا أن نرد الاعتبار لنثر شاعرنا العظيم ونحقق أمله الصحافي..؟ كيف بالله كيف توقظنا مهنة البحث عن المتاعب من سبات الغفلة وطارئات الجمود..؟ علي أنه لو كان ما قال به الرائد بشير الذي لا يكذب أهله قد تجاوز العقود الاربعة، فما بالنا إذن نعيد إنتاج الازمة الصحافية التي هي متوارثة جيلا إثر جيل، بينما الرقيب الذي يضيره تملك الصحافيين للمعلومة ما يزال يثبت إنه سليل أولئك الذين أمسكوا بزمن الاديب التيجاني يوسف بشير، وما حققوا طموحه "الطرير الشباب" لوجود صحافة كأنها بنت السماء! بالنسبة لمستوي تقييم الاداء المهني لمشاكل التحرير الصحافي، فإن المرء يدرك أن هناك إشراقات متميزة ينهض بها بعض أصحاب الخبرة من الاجيال الماضية ممن أتاحوا المجال للاجيال الصاعدة من المحررين وكتاب الاعمدة الذين أثبتوا حسا في تطبيق فنون الصحافة، وهناك جهود مثابرة من هذا الجيل لتحقيق بصمته الخاصة في هذه المهنة النكدة، غير أن الملاحظة الجديرة بالانتباه هي أن العدد القليل من المبدعين تتناثر أسماؤهم وسط الاصدارات الصحافية اليومية الكثيرة، وذلك ما يضيع هذه الجهود، حيث إن القارئ ولضعف مقدرته الشرائية لا يمكن أن يلم بكل الاعمال الصحافية الجيدة، والشئ الآخر هو أن المطبوع من الصحيفة الواحدة لا يتجاوز بضع آلاف، وذلك يعني أن إنتشارها سلحفائيا ما يجعل رسالة الصحافي قليلة الانتشار في بلد مترامي الاطراف. وربما تبرز هنا مشكلة التوزيع، إذ يتركز في المدن الكبيرة و لايغطي كل الولايات بسبب عدم توافر شبكة مواصلات بينها و بين العاصمة و مدنها وقراها. هذه العقبة الكبيرة في ربط المنتج الصحفي بالمتلقي تطرح سؤالا حول التأثير الذي يمكن أن تحدثه، أو قل أحدثته، صحافة الخرطوم علي مستوي الذهن السوداني ككل، فالشواهد هي أنه ليست لدينا مؤسسات توزيع ضخمة للمنشور من العمل الاعلامي تعمل علي أيصال الوعي ليس إلي عواصم الولايات القريبة من العاصمة فقط وإنما إلي غالبية السودانيين في الريف، والذين هم هدف الصحيفة والكتاب أيضا، وللاسف إن الصحافة السودانية قد أهملت الريف وجعلت من المدينة محط إهتمامها، ونادرا ما قامت بإرسال بعثات صحافية للتحقيق حول مشاكله علي النحو الذي بذله بعض الاكاديميين الانثروبلوجيين في إجراء دراسات قيمة عن النظم السياسية والادارية والاقتصادية لبعض الديار والقبائل والمجتمعات السودانية. ولقد كان يمكن لصحافتنا أن تلعب دورا بارزا في التعريف بالريف البعيد والذي هو متعدد ثقافيا وإثنيا، وذلك ما يجعل المادة المحققة المكتوبة عنه غنية بالمفارقات والتشويق وجدة المعلومة، وهذه كلها محفزات للصحافي المغامرالناجح والذي لا يعرف له كسلا ً. هذا النوع من التحقيقات، إذا كان قيض له أن يتم، فإنه يجعل من صحافتنا منابرا للهم القومي وأداة معرفية ينعكس فيها التنوع في التناول والاختلاف في طرائق النظر، بيد أن ما وقر في ذهن المحرر لصحافة مركزية أن تغطية شؤون الخرطوم في كل المجالات تأخذ ربما ب90 في المئة من حجم الصحيفة، بينما تتفضل علي الولايات ببعض الاعمدة المختصرة لجهود المراسلين للصحيفة من الولايات، والذين يدفعون من حر مالهم لخدمات الفاكس والتلفون، ويتفاجأون بإهمال رسائلهم أو تمزيقها. علي أن المسؤولية المهنية والاخلاقية لترقية الأداء الصحافي لتتجاوز الصحافيين والكتاب ومجلس الصحافة وتشجيع القراء إنما هي مسؤولية مجتمع يعاني من فقدان البوصلة السياسية التي تهديه للاستقرار المجتمعي، وهذه المسؤولية ليست فرض عين أو كفاية علي جهة دون أخري ، فلا مندوحة من مبادرة الدولة، وهي من بعد ضنينة في التنازل عن "الكسب الحزبي" الذي تحقق لقسمها الذي يعقد ويحل ، والعشم هو أن تواصل حمائم الدولة في فك الحظر أمام صناعة الصحافة وتوفير مدخلاتها وتصحيح التشريعات الصحافية التي تحد من دور الصحافة والصحافيين في إحداث التغيير علي كل مستويات الحياة، إن علي الدولة أن تسهم في إعفاء مستوردات الطباعة من الجمارك وإعفاء المؤسسات الصحافية من الضرائب وكذلك تحفيز الصحافيين بإعفائهم جمركيا من إستيراد السيارات التي تعينهم في العمل.ولقد كان مؤتمر الاعلاميين بالخارج الذي إنعقد اخيرا قد تناول بعض مشاكل الاعلام الملحة والتي من بينها مشكلات صحفية، ولكن عاب ذلك المؤتمر إرتجاليته ومحاولة السلطة توظيفه كما هو شأن المؤتمرات التي دعت وتدعو لها، حيث يتم بخفة عظيمة توجيه الاوراق المقدمة والمد اولات بما يحقق الغرض السياسي لا الاعلامي ــ مثلا ــ الذي هو محل الإئتمار أو التباحث، وللحق تميز ذلك المؤتمر بالصرف البذخي والذي لو تم توجيهه لخزانة اتحاد الصحافيين لتكريم الرواد من أهل الصحافة الذين يعانون المرض والفقر لكان أفضل، كما أن تلك المصروفات كان يمكن أن تساعد في إستيراد مطابع متقدمة يعاني السودان من عدم وجودها، ولعل المتصفح لمنتجاتنا الاعلامية يدرك رداءة الطباعة وتداخل الالوان المضيع لفنون المخرجين، أوليس من الممكن في هذا السياق مطالبة الدولة بتوجيه الاموال لقيام مصنع للورق، وهو مشروع معد كما أعلم وكان يفترض أن ينفذ في أحدي مدن جنوب السودان، وماذا عن مصانع الاحبار والادوات المكتبية وهذه مدخلات طباعية ما يزال استيرادها يكلف المزيد من العملة الصعبة. إن إتحاد الصحافيين والذي تقع عليه مسؤوليات جسام في حماية أهل المهنة من مظالم المستثمرين في حقل الصحافة وأيضا بوصفه الداعم لوجود صناعة صحافية متطورة مهنيا، بعد توفيره لاحتياجات الصحافي، ينبغي أن يعيد النظر في عضويته التي تجاوزت الالفين، حيث فيها يتساوي الصحافي مع غير الصحافي في مبذولات تحسين الاداء التحريري، هذا وضع غير عملي ويفتح الباب لمن لا مهنة لهم للالتحاق بعضوية هذا الاتحاد والذي من اسمه يجب التركيز علي فئة محددة ممن يقع عليهم العب الاكبر لخلق صحافة نزيهة ومتقدمة. ولقد كان هذا هو عهد الناس بنقابة الصحافيين القديمة، والتي ضمت فقط أصحاب القلم الصحافي ولم تفتح الباب علي مصراعيه لكل من عمل بالصحف لحيازة العضوية. كما أن الاتحاد مطالب بتطوير خطته بحيث تشمل حماية الصحافيين من الاعتقالات والاستدعاءات، ويكون له كذلك دور في مراقبة عقود العمل بين الصحافي والمؤسسات التي تخدمه، ويمكنه أن يحدد الحد الادني لاجور التعاقد مع عضويته علي أن تشمل كافة الامتيازات وحقوق ما بعد الخدمة، و لابأس من أن يسعي الاتحاد لتحفيز الصحافيين عبر جوائز سنوية تمنح لافضل إنتاج تحريري في مجال التغطية الخبرية والتحقيقات والحوارات والاستطلاعات والاخراج الافضل والملفات الثقافية والتصوير والتصحيح والترجمة، والعمود السياسي والاجتماعي والرياضي والفني..إلخ عموما ،هذا غيض من فيض، وربما عدنا لتناول الموضوع من زاوية أخري.
|
Post: #2
Title: Re: طموحات مهنية تتكسر عند بوابة السلطان ..... صلاح شعيب
Author: خالد عويس
Date: 11-12-2006, 06:09 AM
Parent: #1
الأخ الرفاعي شكرا على نقل هذا المقال المعمّق للزميل والصديق العزيز صلاح شعيب. كتب صلاح ما يدور بأذهان الكثيرين من الصحافيين والإعلاميين السودانيين، ولعل مقاله هذا يكون مدعاة لنقاشات معمّقة حول الأمر هنا في سودانيز أون لاين، خصوصا مع وجود عدد كبير من الزملاء والزميلات. ولي عودة
|
|