السوّتا فيني الجوافة ..ما سوتها أم كليكة لي جناها

السوّتا فيني الجوافة ..ما سوتها أم كليكة لي جناها


12-16-2009, 12:14 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=250&msg=1260962073&rn=0


Post: #1
Title: السوّتا فيني الجوافة ..ما سوتها أم كليكة لي جناها
Author: محمد يوسف الزين
Date: 12-16-2009, 12:14 PM

بعد يوم طويل ومرهق ورتيب كعادة كل أيامي التي توقفت عن جلب المدهش الذي يخرج من الملل شأن حالي منذ وقت ليس بالقصير ، جلست أتناول غدائي مع أفراد عائلتي كمتعة أخيرة باقية .. وفي جلستي تلك وأنا لا أزال بعدُ أتلمظ و"أكدّ" بكثير من الإلفة بواقي العظام كأي أسد أصيل في براريه يجلس تحت شجرته المحببة ويداعب بأسنانه بعد أن شبع البقية الباقية من لحم فريسته بحب ومتعة ، توحّد مشهدي مع مشهد ذلك الأسد فتثائبت مثله وودت في الحقيقة أن يظهر في تلك اللحظة ضبع أو اثنين فيحومان حول المائدة فأقوم بحركة "تحميرة" من عينيّ أؤكد بها زعامتي أولاً وأؤكد بها وضاعة الضباع ثانية.
أخرجني من حلقة "ناشيونال جيوغرافك" تلك طبقٌ ضخم من الفاكهة وضعته زوجتي أمامي ولا أعلم هل كانت تقصد بحركة "ردم" كمية من الفواكه أن تعترف بأني أصبحت أخيراً سِيد "قـُفّـة" بعد أن كنت لوقت طويل مجرد "قـُفّـة"! ، وهي لا تعلم بالطبع أني ملأت كيسي من بائع متجول باعني من عربته "البوكسي" آخر بضاعته مسرعاً وغادر العاصمة مستعجلاً موافقاً على أسعاري المتواضعة ، وزاد اللحظة جمالاً وبهاءً أن زوجتي أتتها مكالمة من أكثر صديقاتها "برياً" فخرجت وأعرف أنها لن تعود قبل أن "يخلص" رصيد "صاحبتها" ، تأملت الطبق الضخم فتكوعت مباشرة في مضجعي ممداً رجلي فوق أختها وغصت في الوسائد والطنافس وتناولت تفاحة ضخمة وقضمتها ثم..صفّقت بكلتا يدي طالباً من الحاجب أن يدخل الغواني ومعهم الأخ "زرياب" إياه صاحب العود فرد الحاجب "كما يأمر مولاي أمير المؤمنين" ، قهقهت مزبداً من طرفة الوزير حول اعدائي "البرامكة" وأنا أصلح من عبائتي الملكية. الى أن دخل المغني فتناولت قطعة "جوافة" ورحت أتأملها.. هل كان أمير المؤمنين يعرف هذه الفاكهة أم وحده النجاشي ولقمان الحكيم يعلمون بشأنها! هل هي الأُترجّة التي قصدها النبي في الحديث؟! الجوافة التي تملأ شوارع قريتي النيلية تلك الشجرة غير الظليلة ولكن من أجل عيون ثمرتها التي تُشتهى من كل قاصي وداني ملأت الشجرة قريتنا ، تلك الثمرة لا تخذلك أبداً مهما بدا لك شكلها "معفصّاً" أو فيها ليناً ..أو قسوة أو بها "بقع"! ، فاغراءها دائماً يأتي من أماكن أخرى فيها.. تبدأ برائحتها الزكية ولا تنتهي بألوانها المتبدلة في داخلها بين الاصفرار والاحمرار ،
ولا أدري لماذا خطر لي عندما حدث لي ما حدث بعد قليل حينما قضمت من الجوافة.. وحده ذلك الهتاف القديم خطر لي والذي كان يطلقه درويش قريتنا وهو يمر من أمامك فجأة فيقول لك شاكياً " السوّتا فيني الجوافة أنا ..ما سوتها أم كليكة لي جناها" تلك العبارة التي لم أفهمها من الدرويش ولا أعرف قصة الرجل مع الفاكهة الشهية ولا أعرف قصة أم كليكة و"جناها" ، قال بعضهم في بعض حكاية الرجل أنه كان في قديم العهود شاباً وسيماً كامل العقل حكيمه الى أن أغواه شباب من أطراف القرية ليتذوق "عِرق" الجوافة والذي برعت فيه احدى نساء "الاندايات" ففعل يومها تحت سكرهِ فعلةً كبيرة لا يعرف أحد ما هي! ولكنهم أجمعوا على فظاعتها التي لا تقل عن القتل أو الخيانة ومنذ ذلك الوقت صار صاحبنا درويش القرية وساكن شوارعها.
امتدت يدي للفاكهة وكنت ما زلت في طنافسي ملك لغابتي وحولي من بعيد بعد الضباع ، وزوجتي ما زالت في جلستها عبر الأثير مع صديقتها تنتظر أن ينقطع الحديث بدون أن ينقطع ، وقد نسيت البرامِكة والفرس ومكرهم بي ، ونسيت همي ومللي ، وكان مازال "زرياب" يحمل عوده يدندن وحوله الغواني وأظنني أسمع..
إن الغواني قتلت عشاقها
ياليت من جهل الصبابة ذاقها
في صدغهن عقارب يلسعننا
ما من لسعن بواجد ترياقها

حينما قضمت قضمة كبيرة من الفاكهة الطازجة "إياها"..و كج كش كج و ..أيييي
بذور الجوافة تخترق أضراسي وتسكن هناك ، فلا أنام بعدها الا مع الفجر الأول!
متألماً ولكن ها أنا قد نسيت مللي أيضاً