صـاحبة الظل الجميـل .. قصـة

صـاحبة الظل الجميـل .. قصـة


11-11-2009, 11:39 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=250&msg=1257979191&rn=0


Post: #1
Title: صـاحبة الظل الجميـل .. قصـة
Author: هشام الطيب
Date: 11-11-2009, 11:39 PM

قلبي يجرُّ أحلاماً أعرفها وتَعرفني ، ونهاراً أسود يَمضغ أُمنياتي في كُل يـوم وما زال يتخبط
أقفُ الآن خلف نافذتي وعِند كُل مَساء ، بجـواري بعضُ أمنياتٍ مُنتشرة على سَاحة القَلب وكماً من الآلام تمددت على أرصفة الروح تُغَني .
-حسناً إنه وقتُ الدواء ..

Post: #2
Title: Re: صـاحبة الظل الجميـل .. قصـة
Author: هشام الطيب
Date: 11-11-2009, 11:42 PM
Parent: #1

أنظرُ لساعتي أجدُ أن وقت حضورها قد حان ، أنظرُ صوب نافذتها أجدها مازالت غارقةً في الظلام الدامِس ، يُدب القلق بداخلي كثيراً ، تزداد خفقات القلب ، لم يتأخر ظلها عن حضوره أبداً ، آه تذكرت ساعتي لازال وقتها مُتَقدماً بدقيقتين أو ثلاث ، ستأتين إذاً يا صاحبة الظِل الليلي الجميل وتَحملين الضوء في عينيك ، سيأتي ظِلك وستدهشين ضوء القمر الحـزين.
تأتي كما الشمس في الصباحات الشتوية تغمرُ الأرض بالدفء ، ويأتي ظِلها تغمره النشوة ليلاً ، يأتي في موعده دائماً ، التاسعة مساءً ، كانت تفتحُ أبواب النافذة قبل أن تفتح أضواء غرفتها ، كأنها تعلم بوجودنا ، أنـا و أمنياتي تقفُ بجواري والقمر الحزين الذي لم يكُن في حضرة ظِلها سوى قطعة رمزية تزيِّن اللوحة خارج إطار النافذة ، تتلصص عيناي حركاتها بدقّة ، أراقب ظِلها المنعكس على ستارةِ النافذة ناصعة البياض .
الآن يَرتمي ظِلها مستقيماً يهمسُ للأشياء من حوله ، الطاولة ، أوراق الدراسة ، الكُرسِّي ، وأصيص الورد على حافة العين حيثُ تكتمل تفاصيل لـوحَتي الظلِّية . يَتعرجُ ظِلها عند وصوله لستار النافذة يَبدوا جميلاً مشهده وهو يقاوم حِدة الأضواء المُنبعثة بقوة من سقف غرفتها ، كانت عند كل مساء تفتح نافذة النشوة في غرفتها ، لكنها لا تسدل ستارها الأبيض أبدا ؛ هذا الستار لم يُسدل إلا في فصل الصيف مرةً وفي أحلامي السعيدة قديماً مرةً أو مرتين تقريباً .
تكون الساعة التاسعة وسبع دقائق على حسب توقيت ساعتي حين يبدأ مُقدم برنامج
(العُشَاقْ هـذا المَسـاء) في النعيق على مذياع حُجرتها ، يأتيني نعيقه عبر نافذتها صاخباً ليبدد نشوتي وتأملي .. فأتذمر ..
- تباً ؛ هذا الصوت يُفسد "لوحتي" دائماً !
تبدأ اللوحة في النعاس أمـام عينيَّ كلَّما ظَل ذلك الوغد يُثرثر بصوته الكئيب على سماعة المذياع ، يَكون ظِلها قد ملّ حديث العشق بسبب الصوت النشاز . يَتحرك ظلها يَجول حـول غرفتها ، يفصحُ عن كآبة عشاق المذياع في هذا المساء ، أراها تُحركُ يَدها ، يَدها تحدِثُ فمها الآن ، يدُور بينهما حديث قصير ، يبدوا أنها تتثاءب ، لا لم يحن وقت النوم بعـد ، يذبل أكليل الورد بجوارها إذ لم يزل ذلك الوغد على المذياع يثرثر ، تَجلس هَي على الكرسيِّ ، تتأرجح ، يتدلى شعرهـا ، ينساب خطوطاً سوداء على سطح ستارتها البيضاء ، ثم ظلها يتحرك .. ببطء .. ببطء جميل ..
أكون أنـا مشدوهاً لبُرهة .. أرشف قهوتي التي ماعادت تجدي مفعولاً ..
أقف خلف نافذتي ، بجـواري بعضُ أمنياتٍ مُنتشرة على سَاحة القَلب وكماً من الآلام تمددت على أرصفة الروح تُغَني .
الآن هـاهي صاحبة الظل الجميل تستعيد حيويتها لمُجَرد أن يختم ذلك المذيع نَعيقه بـجملته الفضلى في البرنامج:
- نستمع الآن إلى أغنية المساء ثم نستقبل اتصالاتكم ..
أبتسم أنا على نافذتي .. وأرى أبتسامتها تزينُ لوحتي .. فتعادوني نشوتي ..
هاهي لوحتي تعاود الشروق إذاً..
أراها الآن في أبهى حُللها ..
أرى ظلها بوضوح ، تنهض ، تُحرك الكُرسي ، تَبحثُ عن مساحة ، تطوّحُ رأسها بحركةٍ شبه دائرية ، تنشرُ شعرها خطوطاً سوداء على أطراف اللوحة ، أراها وقد طوَّت باقة معطفها ببطء وأهدته للكُرسي ثم زادت من مستوى صوت المذياع درجة ؛ الموسيقى في هذا الشتاء دافئة تخفف عبء النار ، والأوتار مضبوطة ومُحكمة على درجة الدفء الذي نحتاجه ذات شتاء وذات عواصف قلبية ، أرى ظِلها بوضوح ، وصوت موسيقى المذياع يأتيني عالياً ، يا للهول إنها ترقص ؛ إكليل الورد بجانبها ينضح ، تتفتح الأزهار عند غرفتها في المساء ، والرقص في هذا المساء يقيكِ شر الحُزن ، الحُزن لابُد أنه كائن ضخم كان يعبث في الدواخل لكنه يوشك اليوم على الانقراض .
مشدوهٌ أنا أراقب في صمت . مملوء بالنشوة ..
وظِلها يرقُص على أنغام موسيقى المساء خلف ستارة بيضاء ناصعة لم تُسدل الى في أيـام الصيف وفي احلامي السعيدة قديماً مرةً أو مرتين ..
يا إلهي .. "لوحتي" تتجلى معانيها .. والالوان الوان الظلال ، كُلٌ بلونٍ واحد ، والإضاءة خافتة ، ، أقفُ أنا خلف نافذتي وبجواري أمنياتي المبعثرة على أرصفة القلب وبيدي فنجاناً يزيد من ضغط سريان العشق في دمي !
وقلم الرصاص تَحت طاولتي ، أتناوله مسرعاً لأكتب على جدران "الغرفة" الذي تصدع وأمتلأ من كثرة ملاحظاتي المسائية عن اللوحة ..
- " مساء الجُمعَة الساعة التاسعة والنِصف كانت لوحتي ترقُص !".
ثُم أضحكُ بصوت عـالٍ ، أسخرُ من نفسي ، أنا الشخص الذي يؤرخ ايامه بحركات ظِلها عند المساء .
الآن أتمنى ان تُصبح كُل الأيام يوم الجمعة .. لكن قلبي يَجرُّ كماً من الأُمنيات تَعرفني وأعرفهـا ، وليلُ أعمى يَبتلعُ أحلامي في كُل يـوم ومَازال يَتخبط حتى بزوغ الفجر ..!
هشام الطيب ..

Post: #3
Title: Re: صـاحبة الظل الجميـل .. قصـة
Author: هشام الطيب
Date: 11-12-2009, 00:24 AM
Parent: #2

,