أيلولة مشروع الجزيرة للقطاع العام ... ليست مقدسة

ربما إخترت العنوان عاليه على نحو من إستجابة مضادة, لمن زعم أن من يؤيد بيع مشروع الجزيرة يقع في محظور الخيانة العظمى. وربما تضافرت عوامل التاريخ والجغرافيا لجعل إرتباطي بهذا المشروع عضوضا, فأنا إبن طيبة الشيخ عبدالباقي وهي مسقط رأسي ومرتع طفولتي ومبتدأ عذاباتي وخاتمة أمنياتي.

وربما من المهم التقديم الأوفي من الشخصي, والمرتبط بعامة أهلي المزارعين في المشروع. لهذا سوف أطرح مجموعة من الأسئلة ذات الصلة بواقع مشروع الجزيرة, عساها تستنهض مجرى آخرا للوعي بقضية هذه المشروع.

فهل هناك ثمة مزارع راضي عن الملكية العامة لهذا المشروع؟ بمعنى أن هل العلاقة الحالية أوفت مستحقاته الإنتاجية وأورثته نعمة تجعل يدافع عن مشروع الجزيرة مدى الحياة؟

بل هل العلاقات ما قبل الحالية, من حكومة إلى شراكة إلى نظام حساب فردي إلى ما هو متبع الآن, وفرت للمزراع عيشا كريما وحياة يستجدر الدفاع عنها بمثل العتو الذي ألحظ؟

وهل هناك مزارع منذ نشأة المشروع وإلى الآن يملك بيت مبني من الطوب الأحمر؟

وهل هناك مزارع يملك عربة؟

وهل هناك مزارع عفاه الزمن من الملاريا والدوسنتاريا وعذابات الطين اللزج؟

وهل هناك مزارع نال قسطا وافيا من التعليم؟

وهل هناك مزارع يلبس غير عراقي الدمورية والسروال أب تكه والطاقية؟ {الجلابية للمناسبات}

وهل هناك مزارع يأكل غير الويكة والكسرة والعصيدة وما يشابه ؟

بل هل هناك مزارع يأكل سلطة ول بيض؟ مع أنهم ينتجونهما , لكن عسرهم يجعلهم يفضلون بيعها.

وهل هناك مزارع إمتنع عن التعامل مع نظام { الشيل } ... ولو لعام واحد؟

وهل هناك مزارع يملك رصيدا ماليا ؟ لدواعي الزمان ... اليوم الأسود.

وهل هناك مزارع يقطن قرية تتوفر فيها كافة الخدمات الضرورية ؟

وهل هناك مزارع لم يذهب إلى مدني لقضاء أبسط الحاجيات؟

وهل هناك مزارع نجى من لسعة دبيب أو قرصة عقرب؟

وهل هناك مزارع بدين؟ ... غير عبدالرحيم أبوسنينة ... أمد الله في عمره.

فالحياة في مشروع الجزيرة شقاء في شقاء وغض النظر عن علاقات الإنتاج.
وربما الإجابة الصادقة على الأسئلة عاليه تعكس بجلاء وضع المشروع من
غابر الأيام ... وإلى يومنا هذا ... وليس لهذا الأمر صلة بحفنة من أغنياء
المزارعين ... وإن لهم معاناتهم ... كسائر القوم.

لا أعلم كم قضى المؤتمرون في محفل تحالف المزارعين بقرية طيبة الشيخ
عبدالباقي ... لكن ليتهم قضوا ليلة واحدة, ليعرفوا بأنفسهم لسعات البعوض
وتلك النماذج من البعوض ومن الحشرات الغليدة, التي يستحيل معها الإغفاء
... ناهيك عن النوم... فحال المشروع لا يسر بأية حال.

ثم ... إلى إنعطافة تاريخية أراها مهمة, فالمستعمر أذن بسيطرة الدولة على مشروع
الجزيرة لعدم وجود كادر وطني يمكن أن يتولى هذه المهمة, وهذا ما شرعوا فيه وما
تواصلوا معهم إلى حين رحيلهم. لكنها بأية حال لم تكن فكرة جوهرية صادرة من نخاع
عقلهم الإقتصادي, فالمستعر كان زول سوق وقطاع خاص, وقد حاربوا الأفكار الإشتراكية
حينها في بلدهم شر حرب, فلا يمكن أن يكونوا في بلدهم رأسماليين وفي مستعمراتهم
إشتراكيين. فقط هي الظروف الموضوعية للبلدان قيد الإستعمار.

فما نبقى زي الأعمى المسكوه عكاز, فالمفاهيم في حالة تداعي وتغير على مدار الزمن, ولابد
وقد إنقضى وقت طويل على خروج المستعمر, لكن ظلت المفاهيم كما هي ... إلا من رحمه ربي.
ولا أظن أن توافق المنظور الإستعماري مع بقايا أفكار إشتراكية, هي التى سوف تقرر مصير
مشروع الجزيرة, إنما سوف يقرره واقع حال المشروع الإقتصادي والإجتماعي, في ظل تساوق
هذا المنظور مع معطيات العصر ومسارب تقدمه.

الزراعة في عموم العالم المتقدم والناهض, هي أكثر من حظي بالتخصيص والملكية الفردية. وقد
ترتب على ذلك نهوض نوعي عالي, رفع من كفاءة العمل الزراعي ومن معدلات إنتاجه ونوعيته.
فما ممكن يا جماعة الدولة تباري التقانت وأبوستة وأبوعشرين إلى ما شاء الله؟ فللدولة أولويات
قومية أهم, وليس لي مانع أن تسيطر الدولة على نطاقات حيوية كالثروات باطن الأرض
والخدمات الإستراتيجية كالمياه والكهرباء, وربما التحكم المرن على التجارة الخارجية, بالإضافة
لكون الدولة هي صانع السياسيات الإقتصادية الدورية واليومية لإقتصاد المجتمع. فهذا يكفي وأنظر
في تقليله كلما إرتفعت كفاءة القطاع الخاص والمستثمرين, حتى نرى يوما ما أصغر حجم لأصغر
إدارة حكومية ممكنة.

أما الثمن المقابل لأن ترفع الدولة يدها عن إدارة القطاع الزراعي, فهو دعم الزراعة وبشكل مستمر,
لأن الزراعة إستثمار ترتفع فيه معدلات المخاطرة, لإعتماده بشكل أو آخر على الطبيعة وما تجود به
وما تمتنع عنه, إضافة إلى الكوارث الطبيعية والآفات الفالتة وما يتصل.

أكرر ... أن مشروع الجزيرة ليس مشروعا مقدسا, إذ يمكن النظر في عدة سيناريوهات لإعادة
تأهيليه وبشكل إستراتيجي... بل يمكن بيعه ... بس ما أسع, إذ أعتقد ألا يعرض مثل هذا السيناريو
إلا في ظل حكومة منتخبة, ليتحمل الشعب مسئوليته وليطرح الأسئلة ذات الصلة للمسئولين وأمام
الناس وفي نطاق اللجنة الإقتصادية للبرلمان المنتخب وبمشاركة ممثلي المزارعين, حتى تتوفر
أوضح صورة ممكنة حول هذا السيناريو ومردوداته ومضاعفاته, والتي من أهمها فيما أعتقد أن
يرتفع بمستوى الحياة لمزارعي المشروع, وأن يكون في تغيير نمط الملكية هذا ما يجعلهم أوثق
إتصالا بالحياة المعاصرة وأقرب إلى المستشفيات والمدارس والطرق المعبدة وما يتبع... هذا لغير
الحقوق الجوهرية المتعلقة بالتعويضات لمن لم يسعهم التصور الجديد, لتكون هذه المرة بشكل منهاجي
وقانوني يمنع الظلم ويوفر العدل المطلوب ... والحياة الكريمة للجميع.

... مع تقديري

To who are concerned, it's up

*

الاخ حيدر
تحياتي
الميدان يا حمبدان
الانتخابات علي الابواب
أتمني أن يستفيد أهلي في الجزيره

Quote: الاخ حيدر تحياتي الميدان يا حمبدان الانتخابات علي الابواب أتمني أن يستفيد أهلي في الجزيره

بالإنتخابات أو بدونها ... فمشروع الجزيرة
يحتاج إلى إصلاح جذري, مفتوح على كل الإحتمالات.
ولمشروع الجزيرة وضعية إقتصادية وإجتماعية أرجو
أن تقلل من { تسييس } النظر في مستقبله, لجهتي
الحكومة والمعارضة ... فخلوا أهل هذه الرقعة من
الأرض السودانية وهذا الإقليم الذي يقع ضمن حدوده
مشروع الجزيرة ... أن يبينوا ما هم فاعلون, بلا
خوف من حكومة ولا إرضاء لمعارضة... فالقسمة الإقليمية
والجهوية الرائجة هذه الأيام, تسمح لعميد الإقتصاد
السوداني { مشروع الجزيرة } أن يكون محور تنادي
إقليمي ... طالما هانت الزلابية القومية.

شكرا أخي عبدالرحيم ... ويتواصل الحوار.