توشـــــــــــــــكى بعيون مصرية

توشـــــــــــــــكى بعيون مصرية


09-24-2009, 02:40 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=240&msg=1253756426&rn=1


Post: #1
Title: توشـــــــــــــــكى بعيون مصرية
Author: عوض يعقوب
Date: 09-24-2009, 02:40 AM
Parent: #0

فى شهر أغسطس من كل عام تقفز الى ذهنى ذكرى موقعة توشكي، تلك التى لم يعد يذكرها أحد، رغم انها احدى المواقع المهمة فى التاريخ المصرى والسودانى فى آن واحد، فقد كانت تلك الموقعة التى شهدها شهر أغسطس عام 9881، كانت هى بداية النهاية لذلك المد الكاسح الذى فجره واحد من أبرز الدعاة الدينيين والسياسيين فى التاريخ المصرى السودانى الحديث ممن امتزجت الحقيقة لديهم بالوهم، وتعانق الواقع عندهم مع الأسطورة، واختلط الممكن على أيديهم بالمستحيل!!ذلك هو محمد أحمد الدنقلى الذى عرف بعد ذلك بالمهدى والذى كان يقول بأن النبى صلى الله عليه وسلم على اتصال مباشر به، وأنه قد بشره بأنه سيفتح مكة، كما سيفتح المدينة والقدس، ثم يموت بعد ذلك بعمر طويل فى الكوفة! وقد قاد المهدى ثورة عارمة قدر لها أن تحقق نجاحا ملموسا ضد الوجود المصرى فى السودان، غير ان اصابته بحمى التيفود أجهضت آماله العريضة ففارق الحياة قبل أن يحكم قبضته حتى على كل ربوع السودان، وعندئذ تولى زمام الأمور من بعده خليفته عبدالله التعايشى وهو من أسوأ الحكام الطغاة الذين شهدتهم السودان، ربما على مدى تاريخها كله!! وقد حلم التعايشى بتحقيق جانب من الطموحات السياسية للمهدى لكنه سرعان ما أدرك استحالة تحقيق هذه الأحلام وفى مقدمتها فتح مكة.
حينئذ تفتق ذهنه عن بدعة غريبة ـ أو بالأحرى ليست غريبة على حاكم مثله ـ حيث قام ببناء قبة فوق قبة المهدى بأم درمان، وألزم السودانيين بالحج إليها بدلا من الحج الى بيت الله الحرام! وبذلك أصبحت تلك القبة بديلا عن الكعبة المطهرة بأمر الطاغية عبدالله التعايشي! ومع هذا فإن تلك الحماقة رغم شناعتها لم تكن هى التى عجلت بانكساره، فقد ارتكب فى الحقيقة غلطة عمره عندما فكر فى غزو مصر، وتجاوز مرحلة التفكير الى مرحلة التنفيذ فسير إليها حملة بقيادة عبدالرحمن النجومي، متصورا أن تلك الحملة سوف تمهد أمامه الطريق لكى يصبح خليفة على مصر والسودان، ثم بعد ذلك خليفة على كل المسلمين!وفى 3 أغسطس 9881 التقت تلك الحملة بقوة الدفاع المصرية التى كانت مكونة من 5863 مقاتلا أغلبهم من الجنود المصريين، وإن كان من بينهم فى الوقت ذاته عدد كبير من الجنود السودانيين الذين هربوا من جيش النجومى وانضموا الى اخوانهم المصريين، كما كان من بينهم كذلك عدد من الجنود الانجليز (حيث حرصت انجلترا كعادتها أن يكون لها تمثيل ولو رمزى فى المعركة على نحو تتحمل معه أقل قدر ممكن من الغرم لكى يكون لها فى النهاية أكبر قدر ممكن من الغنم)، وقد استطاعت القوة المصرية المكونة من أقل من أربعة آلاف مقاتل، أن توقع هزيمة ساحقة بقوات عبدالرحمن النجومى التى كانت تفوقها أضعافا مضاعفة فى العدد، حيث قتلت منها 0021، (وكان من بين القتلى عبدالرحمن النجومى نفسه)، كما أسرت 0004 كان من بينهم أحد أبنائه وهو عبدالله عبدالرحمن النجومى الذى انضم فيما بعد الى الخدمة فى القوات المسلحة المصرية!وقد كانت معركة توشكى هى بداية الطريق الى اسقاط أكاذيب عبدالله التعايشي، وأشنع تلك الأكاذيب هى ما زعمه من أن الحج الى القبة التى بناها بأم درمان بديل عن الحج الى بيت الله الحرام.

د. نصار عبد الله
جريدة العربى
6/9/2009