من دلائل نبوّته صلّى الله عليه وسلّم

من دلائل نبوّته صلّى الله عليه وسلّم


09-09-2009, 09:36 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=240&msg=1252528570&rn=0


Post: #1
Title: من دلائل نبوّته صلّى الله عليه وسلّم
Author: Hashim Elemam
Date: 09-09-2009, 09:36 PM

من دلائل نبوّته صلّى الله عليه وسلّم
في المنبر العام لسودانيزونلاين أحاديث كثيرة عن الدين ، يتراوح أصحابها بين مؤمن به ومنكر له ، وفيه جدل عقلي في أمور غيبيّة لا يحسن فيها الجدال العقلي ،فالغيبيّات لا يدركها العقل والإيمان بها يسبقه بالضرورة الإيمان بالرسل وتصديقهم وتصديق ما جاءوا به من الوحي ، ولقد رأيت أن أضع بين يدي القرّاء موجزاً لكتاب قيّم هو كتاب الدكتور/منقذ بن محمود السفّار المسمّى " دلائل النبَوّة " ، ففيه أيّما غناء لمن أراد أن يدلَل على صدقه ونبوّته صلى الله عليه وسلّم ، ولا يغني هذا الموجز عن قراءة الكتاب فهو بحر لا يدرك قعره ولا ينزف غمره .
سأقسم محاور هذا الموجز إلى عدّة بوستات حتّى لا يمل القاريء ويجد فرصة للمداخلة وبالله التوفيق .
من دلائل نبوّته صلّى الله عليه وسلّم :
( 1 )
إخباره بغيوب تحققت في حياته
قال تعالى : "قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إنّي ملك" الأنعام : 50 ، وقال جلّ شأنه : " ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء " الأعراف : 188 فإذا أخبر صلّى الله عليه وسلّم عن شيء من الغيوب فإنّما يخبر بشيء من علم الله الذي خصّه به ، وأطلعه عليه ليكون برهان نبوّته ، ودليل رسالته ، ومن هذه الغيوب التي أخبر بها صلّى الله عليه وسلّم وتحققت في حياته :
أ‌- إخباره صلّى الله عليه وسلّم بهزيمة الفرس وانتصار الروم في وقت كادت فيه دولة الفرس أن تزيل الامبراطوريّة الرومانيّة من خارطة الدّنيا ، فقد سيطرت جيوش كسرى أبروويز على أجزاء عظيمة من مملكة الرومان ، ودانت لها بلاد الشام ، وبعض مصر ، وأنطاكية حتّى همّ هرقل ملك الروم ، أمام هذا الطوفان الفارسي ، أن يفرّ لولا أن أقنعه كبير الأساقفة بالصمود .
وسط هذه الأحداث ، وخلافاً لكل التوقعات ، نزل قوله تعالى : " غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ..الروم : 2-5" ، ولقد كان الأمر كما أخبر عنه – صلّى الله عليه وسلّم – وكما جاء في القرآن ، ففي عام 623 م وما بعدها استطاع هرقل أن يتغلّب على مجونه ولهوه ، وشنّ ثلاث حملات ناجحة فأخرج الفرس من بلاده ، وتوغّل حتّى وصل ضفاف دجلة داخل حدود الدولة الفارسيّة ، واضطر الفرس أن يطلبوا الصلح بعد هزيمتهم في معركة ( نينوى )وأعادوا لهم الصليب المقدّس – حسب زعمهم –وكان قد وقع في أيديهم .المكان الذي انتصر فيه الفرس يقع في منطقة الأغوار قريباً من البحر الميت وهو أخفض مكان في الكرة الأرضيّة كما ذكرت الموسوعة البريطانيّة وغيرها من المصادر .فانظر دقّة اللفظ القرآني ( في أدنى الأرض ) من أخبر محمّداً بكلّ ذلك لولا أنّه مؤيّد بالنبوّة والوحي ؟!



Post: #2
Title: Re: من دلائل نبوّته صلّى الله عليه وسلّم
Author: عمر صديق
Date: 09-09-2009, 09:40 PM
Parent: #1

الاستاذ هاشم


تحياتي



وشكرا علي هذا البوست واساحاول ان ارفده ببعض ما ذكره شعراء المديح عن معجزاته صلي الله عليه وسلم

Post: #3
Title: Re: من دلائل نبوّته صلّى الله عليه وسلّم
Author: عبد الرحيم حسب الرسول
Date: 09-09-2009, 09:41 PM
Parent: #1

نتابع

Post: #4
Title: Re: من دلائل نبوّته صلّى الله عليه وسلّم
Author: عبد الرحيم حسب الرسول
Date: 09-09-2009, 09:41 PM
Parent: #1

نتابع

Post: #5
Title: Re: من دلائل نبوّته صلّى الله عليه وسلّم
Author: Hisham Manssor
Date: 09-09-2009, 09:53 PM
Parent: #4

صلى الله عليه وسلم
متابعين

Post: #6
Title: Re: من دلائل نبوّته صلّى الله عليه وسلّم
Author: عبدالوهاب علي الحاج
Date: 09-09-2009, 09:57 PM
Parent: #5

عليه افضل الصلاة واتم التسليم







___
يديك العافية ياشيخ هاشم وخواتيم مباركة

Post: #7
Title: Re: من دلائل نبوّته صلّى الله عليه وسلّم
Author: Hashim Elemam
Date: 09-09-2009, 10:18 PM
Parent: #1

ب- خبر كتاب حاطب بن أبي بلتعة - رضي الله عنه - الذي أرسله إلى قريش مع امرأة يخبرهم بعزم النبي صلى الله عليه وسلّم على غزو مكّة . قال عليه الصّلاة والسّلام لعلي والزبير والمقداد رضي الله عنهم :" انطلقوا حتّى تأتوا روضة خاخ ، فإنّ بها ظعينة، ومعها كتاب فخذوه منها .
ج- خبر الرّيح :قال عليه الصلاة والسّلام : "ستهب عليكم الليلة ريح شديدة ، فلا يقم فيها أحد منكم ، فمن كان له بعير فليشدّ عقاله " قال أبوحميد راوي الحديث: فقام رجل فحملته الريح فألقته بجبلي طيء
فمن أنبأه -صلّى الله عليه وسلّم بذلك ؟!
د- نعيه لقادة مؤتة الثلاثة الذين استشهدوا بالشام ، وهو بالمدينة ، فقد نعى زيداً وجعفراً وابن رواحة للنّاس قبل أن يأتيهم خبرهم " أخذ الراية زيد فأصيب ، ثمّ أخذ حعفر فأصيب ، ثم أخذ ابن رواحة فأصيب ، وعيناه تذرفان ، حتّى أخذ الراية سيف من سيوف الله حتّى فتح الله عليهم "

Post: #8
Title: Re: من دلائل نبوّته صلّى الله عليه وسلّم
Author: الشامي الحبر عبدالوهاب
Date: 09-09-2009, 10:31 PM
Parent: #7

جزاك الله خيرا اخ هاشم الامام علي فتح هذا البوست



Quote: خبر كتاب حاطب بن أبي بلتعة - رضي الله عنه - الذي أرسله إلى قريش مع امرأة يخبرهم بعزم النبي صلى الله عليه وسلّم على غزو مكّة . قال عليه الصّلاة والسّلام لعلي والزبير والمقداد رضي الله عنهم :" انطلقوا حتّى تأتوا روضة خاخ ، فإنّ بها ظعينة، ومعها كتاب فخذوه منها .



ولما وصلوها انكرت ذلك
فاستل علي كرم الله وجه سيفه موقنا بما ارسلهم النبي صلي الله عليه وسلم من اجله
فما كان من المرأة الا ان اعترفت واخرجت الورقة التي كتبها حاطب من بين شعرات راسها


ومتابعين يا اخ هاشم

Post: #9
Title: Re: من دلائل نبوّته صلّى الله عليه وسلّم
Author: عمر صديق
Date: 09-09-2009, 11:42 PM
Parent: #8

http://www.sahoor.tv/madeeh/videos.php?id=147

Post: #10
Title: Re: من دلائل نبوّته صلّى الله عليه وسلّم
Author: ابراهيم بقال سراج
Date: 09-10-2009, 00:00 AM
Parent: #9

أنشر الموقع في أنحاء العالم حتى يعرفوا من هو أعظم خلق الله

Post: #11
Title: Re: من دلائل نبوّته صلّى الله عليه وسلّم
Author: عمر صديق
Date: 09-10-2009, 00:01 AM
Parent: #9

http://sudaniyat.net/up/uploading/aljaidein.wma



http://www.rasoulallah.net/index.asp



http://http//www.rasoulallah.net

Post: #12
Title: Re: من دلائل نبوّته صلّى الله عليه وسلّم
Author: Hashim Elemam
Date: 09-10-2009, 04:59 AM
Parent: #11

جزى الله الإخوة المتداخلين خير الجزاء، وأجزل مثوبتهم على حبّ نبيّه صلى الله عليه وسلّم و( الماعندو محبّة ما عندو الحبّة )

Post: #13
Title: Re: من دلائل نبوّته صلّى الله عليه وسلّم
Author: Hashim Elemam
Date: 09-10-2009, 05:16 AM
Parent: #12

( 2 )
إخباره بغيوب تحققت بعد وفاته :
أ- خبر أم حرام بنت ملحان ، جاء في متن الكتاب :

ومن الغيوب الباهرة التي كشفت لنبينا صلى الله عليه وسلم خبر أم حرام بنت ملحان ، فقد سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((أول جيش من أمتي يغزون البحر قد أوجبوا)).
قالت أم حرام: قلتُ: يا رسول الله أنا فيهم؟ قال: ((أنتِ فيهم)).
ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر مغفور لهم)).
فقلتُ: أنا فيهم يا رسول الله؟ قال: ((لا)).
قال ابن حجر: " وفيه ضروب من إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بما سيقع، فوقع كما قال , وذلك معدود من علامات نبوته: منها إعلامه ببقاء أمته بعده، وأن فيهم أصحابُ قوةٍ وشوكة ونِكاية في العدو, وأنهم يتمكنون من البلاد حتى يغزوا البحر, وأن أمَّ حرام تعيش إلى ذلك الزمان, وأنها تكون مع من يغزو البحر, وأنها لا تدرك زمان الغزوة الثانية ".
وفي حديث يرويه الشيخان أنه صلى الله عليه وسلم نام يوماً في بيتها، ثم استيقظ وهو يضحك، فسألَتْه: ما يضحكك يا رسولَ الله؟ قال: ((ناس من أمتي عُرضوا عليّ غُزاة في سبيل الله، يركبون ثبج [ظهر] هذا البحر، مُلوكاً على الأَسِرّة، أو مثل الملوك على الأَسرّة)).
قالت: فقلت: يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني منهم، فدعا لها.
ثم وضع رأسه فنام، ثم استيقظ وهو يضحك، قالت: فسألته أم حرام: ما يضحكُك يا رسول الله؟ قال: ((ناس من أمتي عُرِضوا عليّ غُزاة في سبيل الله )) فقالت: يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني منهم، قال: ((أنت من الأولين)).
فركبت أمُّ حرامٍ بنتِ مِلحانٍ البحرَ في زمن معاوية رضي الله عنه ، فصُرعت عن دابتها حين خرجت من البحر، فهلكت.
وقد نقل الطبراني وغيره أن قبرها معروف في جزيرة قبرص.
فمن الذي أعلم النبي صلى الله عليه وسلم بما يكون بعده؟ من الذي أعلمه بأن أمته سوف تغزو البحر من بعده، وأن أم حرام بنت ملحان ستعيش حتى تدرك هذا الغزو، فتشارك فيه؟

Post: #14
Title: Re: من دلائل نبوّته صلّى الله عليه وسلّم
Author: Hashim Elemam
Date: 09-10-2009, 05:22 AM
Parent: #13

ب-إخباره بستة أحداث رتّب وقوعها ن قال صاحب الكتاب :
وبينما النبي صلى الله عليه وسلم في تبوك؛ أنبأ أصحابه بوقوع ستة أحداث مهمة، رتب وقوعها فقال لعوف بن مالك: ((اعدد ستاً بين يدي الساعة: موتي، ثم فتحُ بيت المقدس، ثم مُوتانٌ يأخذُ فيكم كقُعاص الغنم، ثم استفاضة المال حتى يُعطى الرجل مائة دينار فيظل ساخطاً، ثم فتنةٌ لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته، ثم هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر، فيغدِرون، فيأتونكم تحت ثمانين غاية، تحت كل غايةٍ اثنا عشر ألفاً)).
وفي هذا الحديث يذكر النبي صلى الله عليه وسلم أحداثاً ستة يرتبها، أولها: موتُه صلى الله عليه وسلم، ثم فتحُ بيت المقدس، وقد كان ذلك في العام الخامس عشرَ من الهجرة، ثم موت عظيم يصيب الصحابة، وتحقق ذلك في طاعون عِمواس في السنة الثامنةِ عشرة للهجرة، ثم استفاضةُ المال حين كثرت الأموال زمن الفتوح في عهد عثمان، ثم الفتنةُ التي تصيب العرب، وقد وقعت زمن فتنة قتل عثمان رضي الله عنه التي كانت بوابة للفتن التي ما تركت بيتاً إلا ودخلته.
وأما العلامة الأخيرة، وهي الهدنة ثم الحرب مع بني الأصفر- وهم الروم - فقد اتفق العلماء على أنها لم تقع، وأن ذلك يكون في فتن وملاحم آخر الزمان.
قال ابن حجر: " وفيه أشياء من علامات النبوة قد ظهر أكثرُها".
ولو شئنا الحديث عن الحدث الرابع منها؛ فإنا نذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم : ((لا تقوم الساعة حتى يكثر فيكم المال فيفيض، حتى يُهِمَّ ربَ المال من يقبلُ صدقَتَه، وحتى يعرِضَه فيقولَ الذي يَعرِضُه عليه: لا أَرَب لي)).

قال ابن حجر: "في هذا الحديث إشارة إلى ثلاثة أحوال:
الأولى: إلى كثرة المال فقط، وقد كان ذلك في زمن الصحابة، ومن ثَم قيل فيه: ((يكثر فيكم)) ..
الحالة الثانية: الإشارة إلى فيضه من الكثرة، بحيث أن يحصل استغناء كلُّ أحدٍ عن أخذ مالِ غيرِه, وكان ذلك في آخر عصر الصحابة وأولِ عصر مَن بعدَهم، ومن ثَم قيل: ((يُهِمَّ ربَ المال))، وذلك ينطبق على ما وقع في زمن عمرَ بنِ عبد العزيز.
الحالة الثالثة: فيه الإشارة إلى فيضه وحصول الاستغناء لكل أحد، حتى يهتم صاحب المال بكونه لا يجد من يَقبل صدقته، ويزداد [أي الهمُّ] بأنه يعرضه على غيره؛ ولو كان ممن لا يستحق الصدقة، فيأبى أخذَه، فيقول: لا حاجة لي فيه، وهذا في زمن عيسى عليه السلام" أي بعد نزوله.

Post: #15
Title: Re: من دلائل نبوّته صلّى الله عليه وسلّم
Author: Hashim Elemam
Date: 09-10-2009, 05:42 AM
Parent: #14

ج-ومما أخبر به النبيّ صلّى الله عليه وسلذم قدوم أويس القرني :
ومما أخبر به صلى الله عليه وسلم من المغيبات - التي أطلعه الله عليها لتكون برهان نبوته - قدومُ أُويس القَرَني من اليمن، وقد ذكر صلى الله عليه وسلم لأصحابه بعضَ صفته وأحواله ، فقال: ((إن رجلاً يأتيكم من اليمن، يقال له: أُويس، لا يدع باليمن غيرَ أمٍ له، قد كان به بياض، فدعا الله فأذهبه عنه؛ إلا موضعَ الدينار أو الدرهم، فمن لقيه منكم فليستغفر لكم)).
وقد كان كما أخبر صلى الله عليه وسلم، فقد أقبل أهل اليمن زمن عمر؛ فجعل يستقري الرفاق، فيقول: هل فيكم أحد من قَرَن؟ حتى أتى على قرن، فقال: من أنتم؟ قالوا: قَرَن.
قال: فوقع زِمامُ عمر رضي الله عنه أو زِمام أويس، فناوله أحدهما الآخر، فعرفه.
فقال عمر: ما اسمك؟ قال: أنا أويس.
فقال: هل لك والدة؟ قال: نعم.
قال: فهل كان بك من البياض شيء؟ قال: نعم، فدعوتُ اللهَ عز وجل فأذهبَه عني إلا موضعَ الدِرهم من سُرَّتي لأذكر به ربي.
فقال له عمر رضي الله عنه : استغفر لي. قال: أنتَ أحقُّ أن تستغفر لي، أنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال عمر رضي الله عنه : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن خير التابعين رجل يقال له أويس، ولهُ والدة، وكان به بياض، فدعا الله عز وجل، فأذهبَه عنه إلا موضعَ الدِرهم في سُرَّتِه)) فاستغفَر له أويس، ثم دخل في غِمار الناس، فلم يُدر أين وقع [أي ذهب].[
قال النووي: "وفي قصة أويس هذه معجزات ظاهرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم".
د- خروج النّار في أرض الحجاز :
ويخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن بركان يثور في الحجاز ينعكس ضوؤه بالشفق، فيلحظه أهل بصرى بالشام، فتحقق تنبؤه صلى الله عليه وسلم عام 654هـ، ليكون دليلاً آخر على نبوته ورسالته صلى الله عليه وسلم، فقد قال عليه الصلاة والسلام: ((لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز، تضيء أعناقَ الإبل ببصرى)).
قال النووي: "وقد خرجت في زماننا نار بالمدينة سنة أربع وخمسين وستمائة، وكانت ناراً عظيمة جداً، من جنب المدينة الشرقي وراء الحرة، تواتر العلم بها عند جميع الشام وسائر البلدان، وأخبرني من حضرها من أهل المدينة".
قال ابن كثير: "وقد ذكر أهل التاريخ وغيرهم من الناس، وتواتر وقوع هذا في سنة أربع وخمسين وستمائة، قال الشيخ الإمام الحافظ شيخ الحديث وإمام المؤرخين في زمانه شهاب الدين عبد الرحمن بن إسماعيل الملقب بأبي شامة في تاريخه: إنها ظهرت يوم الجمعة في خامس جمادى الآخرة سنة أربع وخمسين وستمائة .. وذكر كتباً متواترة عن أهل المدينة في كيفية ظهورها شرق المدينة .. وقد ذكر الشيخ شهاب الدين أن أهل المدينة لجؤوا في هذه الأيام إلى المسجد النبوي، وتابوا إلى الله من ذنوب كانوا عليها".
ثم نقل رحمه الله بعض ما قيل من شعر فيها:

يا كاشف الضر صفحاً عن جرائمنا *** فقد أحاطـت بنـا يا رب بأساء
نشكو إليك خُطوباً لا نـطيق لها *** حـملاً ونحـن بهـا حقاً أحقاء
زلازل تخشع الصمُّ الصِّـلاد لها *** وكيف تقوى على الزلزال صماء
أقام سبعاً يرجُّ الأرض فانصدعت *** عن منظر منه عين الشمس عشواء
بحـر من النار تجري فوقـه سفن *** من الهضاب لها في الأرض إرساء
يرى لهـا شرر كالقصـر طائشةٌ *** كأنهـا ديمـة تنصَبُّ هطْـلاء
تنشق منها قلوب الصخر إن زفرت *** رعباً وترعد مثل الشهب أضواء
فيالهـا آية من معجـزات رسول *** الله يعقـلها أقـوام ألبـاء
ه--خروج الدّجالين :


ومن علامات نبوته صلى الله عليه وسلم إخباره عن ظهور الدجالين الذين يدَّعون النبوة، فقال محذراً منهم: ((لا تقوم الساعة حتى يُبعث دجالون كذابون قريباً من ثلاثين، كلهم يزعم أنه رسول الله)).
وفي رواية: ((في أمتي كذابون ودجالون، سبعة وعشرون، منهم أربع نسوة، وإني خاتم النبيين، لا نبي بعدي))
قال ابن حجر: "وليس المراد بالحديث من ادعى النبوة مطلقاً؛ فإنهم لا يُحصَون كثرة، لكون غالبهم ينشأ لهم ذلك عن جنون .. وإنما المراد من قامت له شوكة، وبدت له شبهة ".
وأول النسوة الأربع اللاتي يتنبأن بالكذب سجاحُ التميمية التي ادعت النبوة في وسط الجزيرة العربية، قال ابن حجر: "وقد ظهر مصداق ذلك في آخر زمن النبي صلى الله عليه وسلم، فخرج مسيلمة باليمامة, والأسود العنسي باليمن, ثم خرج في خلافة أبي بكر طليحةُ بن خويلد في بني أسد بن خزيمة, وسجاح التميمية في بني تميم.. ".
وقد نصّ النبي صلى الله عليه وسلم وأنبأ عن دجالَيْن يظهر أمرهما بعده، وقد ادعيا النبوة في آخر حياته صلى الله عليه وسلم، وهما مسيلمةُ الكذاب في اليمامة، والأسودُ العنسي في اليمن.
فقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم في رؤياه أن في يديه سِوارين من ذهب، يقول صلى الله عليه وسلم: ((فأهمني شأنُهما، فأُوحي إليَّ في المنام أن انفُخْهما، فنفختُهما، فطارا، فأوَّلْتُهما كذابَيْن يخرجان بعدي)).
وقد تحققت رؤياه، فكان مسيلمة أول الكذابَين، فقد قدم المدينة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل يقول: إن جعل لي محمد الأمر من بعده تبِعتُه، فأقبل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يده قطعة جريد فقال: ((لو سألتني هذه القطعة ما أعطيتُكَها، ولن تعدوَ أمر الله فيك، ولئن أدبرت ليعقِرَنك الله، وإني لأراك الذي أُريتُ فيك ما رأيت)).
قال أبو هريرة: (فكان أحدهما العنسي، والآخر مسيلمة الكذاب صاحب اليمامة).
قال النووي: "قوله: ((ولئن أدبرت ليعقرِنك الله )) أي إن أدبرت عن طاعتي ليقتلنك الله .. وقتله الله تعالى يوم اليمامة، وهذا من معجزات النبوة "
فقد خرج الصحابة لقتاله، وقتله الله بأيديهم، فأطفأ كيده، وأطاش سهمه.
ومثله رد الله كيد أخيه في الضلالة ، الأسودِ العنسي ثانيَ الكذابَيْن ، وذلك لما ادعى النبوة قبيل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم, وتابعه قوم من أعراب اليمن, فقوي، واشتد بهم ساعِدُه, فقتله الله على يد فيروزٍ الديلمي وبعضِ المسلمين من أهل اليمن، بمساعدة زوجة الدعي الكذاب، فتحقق فيه ما رآه النبي صلى الله عليه وسلم في رؤياه، فصارت ضلالته هباء تذروه الرياح }فأما الزبد فيذهب جفاءً وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال{ (الرعد: 17).
ومن الكذابين الذين ادعوا النبوة؛ كذابٌ أنبأ النبي صلى الله عليه وسلم أنه يخرج في ثقيف، وخبره نبأ صدق ترويه أسماء بنت الصديق، فقد دخلت على الحجاج بن يوسف الثقفي بعد مقتل ابنها عبد الله بنِ الزبير فقالت للحجاج: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا أن في ثقيف كذاباً ومُبيراً، فأما الكذاب فرأيناه، وأما المبير فلا إخالُكَ إلا إياه).
قال النووي: " المبير: المهلك، وقولها في الكذاب: (فرأيناه) تعني به المختارَ بنَ أبي عبيد الثقفي، كان شديد الكذب، ومن أقبحه [أنه] ادعى أن جبريل صلى الله عليه وسلم يأتيه، واتفق العلماء على أن المراد بالكذاب هنا المختارُ بنُ أبي عبيد، وبالمبير الحجاجُ بنُ يوسف".
ومن أخبار المختار الكذاب ما ينقله لنا التابعي رِفاعة بنُ شداد، حيث يقول: دخلت على المختار الثقفي ذات يوم، فقال: جئتني والله، ولقد قام جبريل عن هذا الكرسي.
يقول رِفاعة: فأهويت إلى قائم سيفي [أي ليقتله] ، فذكرتُ حديثاً حدثناه عمرو بن الحَمِقِ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إذا اطمأن الرجل إلى الرجل، ثم قتله بعدما اطمأن إليه؛ نُصب له يوم القيامة لواءُ غدر))، قال رِفاعة: فكففتُ عنه.
وهكذا كان تنبؤ المختارِ الثقفيِ مُصدقاً لخبر أنبأ به النبي صلى الله عليه وسلم عن الكاذب الذي يخرج في ثقيف، كما كان الحجاج هو الظالم الذي يكون من ثقيف، وهذا خبر وحي أخبره به ربه علام الغيوب.
ولن ينقطع هؤلاء الكذابون في التاريخ، فقد قال عليه الصلاة والسلام: ((يكون في آخر الزمان دجالون كذابون، يأتونكم من الأحاديث بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم، فإياكم وإياهم، لا يضلونكم ولا يفتنونكم)).
ومن هؤلاء الدجالين الذين جاؤوا بالمنكر من القول؛ المتنبئ الكذاب ميرزا غلام أحمد القادياني الذي ظهر قبل قرن من الزمان في الهند، وردّ أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم ادعى النبوة.
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن ضلالة هذا الدعي فيما رواه عنه المقدام بنُ معدي كرب حيث قال صلى الله عليه وسلم: ((ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن، فما وجدتم فيه من حلال فأحِلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرِّموه)).
قال المباركفوري: "وهذا الحديث دليلٌ من دلائل النبوة وعلامةٌ من علاماتها، فقد وقع ما أخبر به، فإن رجلاً قد خرج في البنجاب من إقليم الهند، وسمى نفسه بأهل القرآن، وشتان بينه وبين أهل القرآن، بل هو من أهل الإلحاد .. فأطال لسانه في رد الأحاديث النبوية بأسرها, وقال: هذه كلها مكذوبةٌ ومفترياتٌ على الله تعالى، وإنما يجب العمل على القرآن العظيم فقط، دون أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم, وإن كانت صحيحةً متواترةً".
وهكذا، فإن إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بخبر هؤلاء الكذابين إنما هو إخبار ببعض غيب الله الذي أطلعه الله عليه ، ليكون تحققه دليلاً على صدق النبي صلى الله عليه وسلم وبرهاناً على نبوته ورسالته.

.









Post: #16
Title: Re: من دلائل نبوّته صلّى الله عليه وسلّم
Author: Hashim Elemam
Date: 09-10-2009, 04:49 PM
Parent: #15

ولا يزال للحديث بقيّة.

Post: #17
Title: Re: من دلائل نبوّته صلّى الله عليه وسلّم
Author: Hashim Elemam
Date: 09-10-2009, 09:11 PM
Parent: #16

( 3)
إخباره صلّى الله عليه وسلّم بكيفيّة ومكان وفاة بعض معاصريه:

ومن أمارات نبوّته أنّه أخبر بوفاة بعض أصحابه ، وأهل بيته ، وغيرهم من أعدائه ، وتبيينه لكيفيّة ومكان وحال مصرعهم ،قال صاحب الكتاب :
أ- وقد أعلم الله نبيه صلى الله عليه وسلم بزمان أو كيفية موت بعض أصحابه وأهل بيته، كذلك بعض أعدائه، فأخبر به صلى الله عليه وسلم، فكان تحققه برهاناً على نبوته وعلماً من أعلام رسالته، إذ لا يمكن لأحد معرفة ذلك ولا التنبؤ به إلا من قِبلِ اللهِ علامِ الغيوب.
ومن هذه الأنباء الباهرة؛ إخبارُه صلى الله عليه وسلم عن شهادة عمرَ وعثمانَ وعلي وطلحة والزبير، رضي الله عنهم أجمعين، وأن موتهم سيكون شهادة، وأنهم لن يموتوا على فُرُشِهم أو سواه مما يموت به الناس.
وقد صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم على حراء، هو وأبو بكرٍ وعمرُ وعثمانُ وعليُ وطلحةُ والزبيرُ، فتحركت الصخرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اهدأ، فما عليك إلا نبيٌ أو صديقٌ أو شهيد)).[1] فشهد صلى الله عليه وسلم لنفسه بالنبوة، ولأبي بكر بالصديقية، ولعثمانَ وعليَ وطلحةَ بالشهادة.
قال النووي: " وفي هذا الحديث معجزاتٌ لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم: منها إخبارُه أنّ هؤلاء شهداء, وماتوا كلٌّهم غيرَ النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر شهداء ; فإنّ عمرَ وعثمان وعليّاً وطلحة والزّبير رضي اللّه عنهم قُتلوا ظلماً شهداء ; فقتلُ الثلاثةِ [أي عمر وعثمان وعلي] مشهور, وقُتلَ الزّبير بوادي السّباع بقرب البصرة منصرفاً تاركاً للقتال, وكذلك طلحة، اعتزل النّاس تاركاَ للقتال, فأصابه سهم، فقتله, وقد ثبت أنّ من قُتل ظلماً فهو شهيدٌ".[2]
وقد بشّر النبي صلى الله عليه وسلم عمر بالشهادة مرة أخرى حين رآه يلبس ثوباً أبيضَ فقال له: ((أجديدٌ ثُوبُك أم غسيل؟)) قال: لا، بل غسيلٌ. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((اِلبس جديداً، وعِش حميداً، ومُت شهيداً)).[3]
وكان كما قال عليه الصلاة والسلام، فقد قتله أبو لؤلؤة المجوسي وهو قائم يصلي الصبح إماماً بالمسلمين في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم سنة ثلاث وعشرين للهجرة النبوية، ليكون مقتله رضي الله عنه مصداقاً لنبوءة النبي صلى الله عليه وسلم وعلامةً من علامات نبوته ورسالته.
وأما ثاني الشهداء، أمير المؤمنين المظلوم عثمان بن عفان، فقد بشّره النبي صلى الله عليه وسلم بشهادته، وأنبأه أنها ستكون في فتنة طلب منه أن يصبر عليها، وذلك لما جلس أبو موسى الأشعري مع النبي صلى الله عليه وسلم على بئر أريس في حائط من حيطان المدينة .
يقول أبو موسى: فجاء إنسان يحرك الباب، فقلت: من هذا؟ فقال: عثمانُ بن عفان. فقلتُ: على رِسْلك، فجئتُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فقال: ((ائذن له ، وبشره بالجنة على بلوى تصيبه)).
يقول أبو موسى: فجئتُه، فقلت له: ادخل، وبشّرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة على بلوى تصيبُك.[4]
وفي رواية أن عثمان (حمِد الله، ثم قال: اللهُ المستعان).[5] أي حمِد الله على بشارة النبي له بالجنة، وطلب من الله العون على بلائه حين تصيبه الشهادة.
وثالث المبشرين بالجنة في قوله صلى الله عليه وسلم: ((اهدأ، فما عليك إلا نبيٌ أو صديق أو شهيد)).[6] هو علي رضي الله عنه ، أبو السِّبْطين ، وقد أنبأه رسول الله في حديث آخر بأن الأشقى [أي ابن ملجِم] سيقتله بضربة في صِدْغَيه.
وذات يوم مرِض علي رضي الله عنه مرضاً شديداً ، فزاره أبو سنان الدؤلي، فقال له: لقد تخوفنا عليك يا أمير المؤمنين في شكواك هذه.
فقال له علي: لكني والله ما تخوفتُ على نفسي منه، لأني سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم الصادقَ المصدوقَ يقول: ((إنك ستُضرب ضربةً ها هنا، وضربةً ها هنا - وأشار إلى صُدغَيه - فيسيل دمها حتى تختضب لحيتُك، ويكونَ صاحبها أشقاها، كما كان عاقر الناقة أشقى ثمود)).[7]
ولأجل هذا الحديث ما كان رضي الله عنه يخاف على نفسه الهلكة في مرضه، فلسان حاله يردد ما قاله عبد الله بن رواحة رضي الله عنه :


وفينا رسول الله يتـلو كتابَـه *** إذا انشق معروف من الصبح ساطع
أرانا الهدى بعد العمى فقلوبـنا *** بـه موقـنات أن ما قـال واقـع

Post: #18
Title: Re: من دلائل نبوّته صلّى الله عليه وسلّم
Author: Hashim Elemam
Date: 09-10-2009, 09:15 PM
Parent: #17

ب-وتقبل فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم تمشي ، فيقول لها أبوها: ((مرحباً بابنتي))، تقول أم المؤمنين عائشة: ثم أجلسها عن يمينه أو عن شماله ، ثم أسرَّ إليهاً حديثاً، فبكت، ثم أسرَّ إليها حديثاً فضحكتْ.
فقلت لها: ما رأيتُ كاليوم فرحاً أقرب من حزن، فسألتُها عما قال؟ فقالت: ما كنت لأُفشي سِرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فلما قُبِض النبيُّ صلى الله عليه وسلم سألتُها، فقالت: أسرَّ إلي: ((إن جبريل كان يعارضني القرآن كلَ سنة مرة ، وإنه عارضني العام مرتين، ولا أراه إلا حضر أجلي، وإنك أولُ أهلِ بيتي لحاقاً بي، فبكيتُ، فقال صلى الله عليه وسلم: أما ترضَينَ أن تكوني سيدةَ نساء أهل الجنة أو نساءِ المؤمنين))، فضحكتُ لذلك. [8]
وفي رواية أخرى أنها قالت: (فأخبرني أنه يُقبض في وجعه الذي توفي فيه؛ فبكيت، ثم سارَّني، فأخبرني أني أولُ أهلِ بيته أتبعُه؛ فضحكت).[9]
وفي هذا الحديث يخبر النبي صلى الله عليه وسلم بثلاث غيوب، أولُها: اقترابُ أجله، وقد مات عليه الصلاة والسلام في تلك السنة.
وثانيها: إخبارُه ببقاء فاطمة بعده، وأنها أولُ أهل بيته وفاة. وقد توفيت بعده صلى الله عليه وسلم بستة أشهر فقط، فكانت أولَ أهل بيته وفاة.
وثالثها: أنها سيدةُ نساء أهل الجنة، رضي الله عنها.
قال النووي: " هذه معجزة ظاهرة له صلى الله عليه وسلم , بل معجزتان , فأخبر ببقائها بعده , وبأنها أول أهله لحاقاً به, ووقع كذلك , وضحكت سروراً بسرعة لحاقها".[10]

Post: #19
Title: Re: من دلائل نبوّته صلّى الله عليه وسلّم
Author: Hashim Elemam
Date: 09-10-2009, 09:20 PM
Parent: #18

ج-وأيضاً، من دلائل نبوته وأعلام صدقه صلى الله عليه وسلم ؛ إخبارُه أمَ المؤمنين ميمونةَ أنها لا تموت في مكة، فقد مرضت ميمونة في مكة، واشتد عليها المرض، فقالت لمن عندَها: أخرجوني من مكة، فإني لا أموتُ بها، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرني أني لا أموت بمكة.
فحملوها حتى أتوا بها سَرِف، إلى الشجرة التي بنى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم تحتها في موضع الفَيئة .[11] فماتت هناك ودفنت، وقبرها معروف اليوم في ضاحية النوارية بمكة، فكانت وفاتُها خارجاً عن مكة، كما أخبر الذي لا ينطق عن الهوى.
د-ومن هؤلاء الذين تحدث النبي صلى الله عليه وسلم عن وفاتهم، سِبطُه الحسين بن علي ريحانة أهل الجنة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لإحدى أزواجه: ((لقد دخل علي البيت ملَك لم يدخل عليَّ قبلًها فقال لي: إن ابنك هذا حسين مقتول، وإن شئت أريتُك من تربة الأرض التي يقتل بها. قال: فأخرج تربة حمراء)). [12]
وهكذا كان فقد قُتل رضي الله عنه في كربلاء العراق عام 60 هـ، فمن أدرى نبيه صلى الله عليه وسلم بأن الحسين مقتول؟ ومن الذي أراه تربة مقتله؟ إنه الله العليم.

Post: #21
Title: Re: من دلائل نبوّته صلّى الله عليه وسلّم
Author: Hashim Elemam
Date: 09-10-2009, 09:23 PM
Parent: #19

ه-والأعجب منه تنبؤ النبي صلى الله عليه وسلم بشهادة امرأة ، وهي أم ورقةَ بنتَ عبد الله بن الحارث، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها كل جمعة، وكان يسميها الشهيدة فيقول: ((انطلقوا نزور الشهيدة)).
وذلك أنها قالت: يا نبي الله، أتأذنُ فأخرجُ معك، أمرّضُ مرضاكم، وأداوي جرحاكم، لعل الله يُهدي لي شهادة؟ قال: ((قَرِّي، فإن الله عز وجل يُهدي لك شهادة)).
وقد أدركتها الشهادة زمن عمر رضي الله عنه ، وكانت أعتقت جارية لها وغلاماً عن دُبرُ منها [أي يُعتقان بعد وفاتها] فطال عليهما، فغمّاها [أي خنقاها] في القطيفة حتى ماتت.[13] فكانت وفاتُها شهادة كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم.
فكيف جزم النبي صلى الله عليه وسلم بوفاتها غيلة دون سائر الميتات، وهو أمر يندر في النساء؟ إنه دليلٌ آخرُ من دلائل نبوته وآيات رسالته.
ويغدو النبي صلى الله عليه وسلم إلى تبوك، ويتأخر عن الجيش أبو ذر لبطئ بعيره، فيتركه، ويحمل متاعه على ظهره، ليلحق بالنبي صلى الله عليه وسلم في تبوك.
وبينما المسلمون يتفقدون من تخلَّف عنهم، لاح في الأفق سوادُ رجلٍ يمشي، قالوا: يا رسول الله، هذا رجل يمشي على الطريق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كن أبا ذر))، فلما تأمله الصحابة، قالوا: يا رسول الله، هو واللهِ أبو ذر.
فقال صلى الله عليه وسلم: ((رحم الله أبا ذر، يمشي وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده)).
لقد عرَف النبي صلى الله عليه وسلم شخصَ أبي ذر قبل وصوله إليهم بما أعلمه الله، كما تنبأ صلى الله عليه وسلم بأن أبا ذر، كما هو الآن يمشي وحده بعيداً عن أصحابه ، فإنه سيموت وحده بعيداً عنهم، ثم يبعث من ذلك المكان وحده.
وتمضي الأيام لتُحقق نبوءةَ النبي صلى الله عليه وسلم ، فتدرك الوفاةُ أبا ذر في الربذة، فلما حضره الموت أوصى امرأته وغلامَه: إذا مِت فاغسلاني وكفّناني، ثم احملاني، فضعاني على قارعة الطريق، فأول ركب يمرون بكم، فقولوا: هذا أبو ذر.
فلما مات فعلوا به كذلك ، فاطلع ركب من أهل الكوفة، وفيهم ابن مسعود، فما علموا به حتى كادت ركائبهم تطأ سريره [أي من إسراعهم إليه].
فاستهل ابن مسعود رضي الله عنه يبكي، ويقول: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ((يرحم الله أبا ذر، يمشي وحده، ويموت وحده، ويُبعث وحده)).
فنزل ابن مسعود فولِيَ دفْنه. رضي الله عنهما.[14]
وفي رواية أن أم ذر بكت لما حضرته الوفاة، فقال لها: ما يبكيك؟ قالت: وما لي لا أبكي، وأنت تموت بفلاة من الأرض، ولا يدَ لي بدفنك، وليس عندي ثوب يسعُك، فأكفِنك فيه؟
قال: فلا تبكي وأبشري، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لنفر من أصحابه وأنا فيهم: ((ليموتَن رجل منكم بفلاة من الأرض، يشهده عصابة من المؤمنين))، وليس من أولئك النفر أحد إلا وقد مات في قرية أو جماعة، وإني أنا الذي أموت بفلاة ، والله ما كذَبت ولا كُذِبت.[15]
لقد بشرها رضي الله عنه بمقدَم من يعينها على دفنه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال متنبئاً عن ذلك الذي يموت بفلاة بأنه ((يشهده عصابة من المؤمنين)).
وجزْمُ أبي ذر أنه ذلك الرجل ، لأن الباقين ممن شهدوا هذا القول قد ماتوا في قرية أو جماعة، ولم يبق إلا أبو ذر ، وهو الذي حقق ما أخبر عنه محمد صلى الله عليه وسلم.
فمن ذا الذي أخبر محمداً صلى الله عليه وسلم بموت أبي ذر وحيداً؟ ومن الذي أخبره بمقدم جماعة من المؤمنين يتولون تجهيزه ودفنه؟ إنه عالم الغيب والشهادة العليم الخبير.

Post: #20
Title: Re: من دلائل نبوّته صلّى الله عليه وسلّم
Author: james
Date: 09-10-2009, 09:22 PM
Parent: #18

شكرا...
صلى الله عليه وسلم

Post: #22
Title: Re: من دلائل نبوّته صلّى الله عليه وسلّم
Author: Hashim Elemam
Date: 09-10-2009, 09:27 PM
Parent: #20

و-ومن دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم إخبارُه عن موت النجاشي في أرض الحبشة في يوم وفاته، وهذا خبر تحمله الركبان يومذاك في شهر ، يقول أبو هريرة رضي الله عنه : (نعى رسول الله صلى الله عليه وسلم النجاشي في اليوم الذي مات فيه، خرج إلى المصلى، فصف بهم، وكبر أربعاً). [16]
قال المباركفوري: "وفيه عَلمٌ من أعلام النبوة لأنه صلى الله عليه وسلم أعلمهم بموته في اليوم الذي مات فيه، مع بُعدِ ما بين أرض الحبشة والمدينة". [17]
وفي اليوم السابق ليوم بدر، تفقد رسول الله أرض المعركة المرتقبة، وجعل يشير إلى مواضع مقتل المشركين فيها، ويقول: ((هذا مصرع فلان)).
قال أنس: ويضع يده على الأرض هاهنا هاهنا. فما ماطَ أحدهم عن موضع يد رسول الله صلى الله عليه وسلم.[18]
وهذا الحديث من أعلام النّبوّة ومعجزاتها، وذلك لإنبائه صلى الله عليه وسلم بمصرع جبابرتهم , وتحديده أماكنَه، وقد وقع كما أخبر صلى الله عليه وسلم .
وأخبر صلى الله عليه وسلم بقتل المسلمين لأمية بن خلف، وتفصيل ذلك أن سعد بن معاذ كان صديقاً لأمية، وكان أمية إذا مر بالمدينة نزل على سعد، وكان سعد إذا مرَّ بمكة نزل على أمية، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة؛ انطلق سعد معتمراً، فنزل على أمية بمكة ... فقال سعد: يا أمية، فوالله لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنهم قاتلوك)).
فقال أمية: بمكة؟ قال سعد: لا أدري. ففزع لذلك أمية فزعاً شديداً.
فلما رجع أمية إلى أهله قال: يا أم صفوان، ألم تري ما قال لي سعد؟ قالت: وما قال لك؟ قال: زعم أن محمداً أخبرهم أنهم قاتلي، فقلتُ له: بمكة؟ قال: لا أدري. فقال أمية: والله لا أخرج من مكة.
فلما كان يومُ بدر؛ استنفر أبو جهلٍ الناسَ، قال: أدركوا عِيرَكم، فكره أمية أن يخرج، فأتاه أبو جهل فقال: يا أبا صفوان، إنك متى ما يراك الناس قد تخلفْتَ وأنت سيد أهل الوادي؛ تخلفوا معك، فلم يزل به أبو جهل، حتى قال: أما إذ غلبتني، فوالله لأشترين أجود بعير بمكة.
ثم قال أمية: يا أم صفوان، جهزيني. فقالت له: يا أبا صفوان، وقد نسيتَ ما قال لك أخوك اليثربي!؟ قال: لا، ما أريد أن أجوز معهم إلا قريباً.
فلما خرج أميةُ أخذ لا ينزل منزلاً إلا عَقَل بعيرَه، فلم يزل بذلك، حتى قتله الله عز وجل ببدر".[19]
والعجب كل العجب من يقين أمية بتحقق موعده صلى الله عليه وسلم وفَرَقِه من ذلك، لكن أنى له أن يُكذِّبَ الصادقَ الأمين الذي مازالوا منذ شبابه يشهدون له بالصدق ] فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون [ (الأنعام: 33).

Post: #23
Title: Re: من دلائل نبوّته صلّى الله عليه وسلّم
Author: Hashim Elemam
Date: 09-10-2009, 09:31 PM
Parent: #22

ز-ومن أخبار الغيوب الدالة على نبوة النبي صلى الله عليه وسلم؛ إخباره بسوء خاتمة بعض من يظن أنهم يموتون على الإسلام أو قد يدخلون فيه، فقد تنبأ النبي صلى الله عليه وسلم بهلاك عمه أبي لهب وزوجِه على الكفر، حين أخبر - فيما نقله عن ربه - ببقائهما على الكفر وهلاكهما على ذلك، قال تعالى: } تبت يدا أبي لهب وتب * ما أغنى عنه ماله وما كسب * سيصلى ناراً ذات لهب * وامرأته حمالة الحطب * في جيدها حبل من مسد { (المسد: 1-5)، فكيف جزم النبي صلى الله عليه وسلم بضلال عمه، وهو أقرب الناس إليه، ومَظِنة الميل إليه؟ هل كان ذلك إلا بإعلام الله له.
قال ابن كثير: " قال العلماء: وفي هذه السورة معجزة ظاهرة ودليل واضح على النبوة فإنه منذ نزل قوله تعالى: { سيصلى ناراً ذات لهب * وامرأته حمالة الحطب * في جيدها حبل من مسد } فأخبر عنهما بالشقاء وعدم الإيمان، لم يُقيَضْ لهما أن يؤمنا، ولا واحدٌ منهما، لا باطناً ولا ظاهراً، لا مُسِراً ولا معلناً، فكان هذا من أقوى الأدلة الباهرة الباطنة على النبوة الظاهرة".[20]
ومثله في الدلالة على النبوة إخباره صلى الله عليه وسلم عن سوء خاتمة رجل قاتل مع المسلمين فأحسن البلاء والجلاد، يقول أبو هريرة رضي الله عنه : شهدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لرجل ممن يدعي الإسلام: (( هذا من أهل النار)).
يقول أبو هريرة: فلما حضر القتال قاتل الرجل قتالاً شديداً، فأصابته جراحة، فقيل: يا رسول الله، الذي قلتَ له: إنه من أهل النار؛ فإنه قد قاتل اليوم قتالاً شديداً، وقد مات! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إلى النار)).
قال أبو هريرة: فكاد بعض الناس أن يرتاب. فبينما هم على ذلك إذ قيل: إنه لم يمت، ولكن به جراحاً شديداً.
فلما كان من الليل لم يصبر على الجراح، فقتل نفسه، فأُخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فقال: ((الله أكبر، أشهد أني عبدُ الله ورسولُه)) ثم أمر بلالاً فنادى بالناس: ((إنه لا يدخلُ الجنة إلا نفسٌ مسلمة، وإن الله ليؤيد هذا الدين بالرجلِ الفاجر)).[21]
وروى الشيخان من حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه نحواً من هذه القصة ، في قصة رجل يدعى قزمان، حيث ذكرا أن المسلمين اقتتلوا مع المشركون , وفي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قزمان لا يدع لهم شاذّة ولا فاذّة إلا اتّبَعها يضربها بسيفه, فقيل: ما أجزأ منا اليوم أحد كما أجزأ فلان [أي قزمان]. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أما إنه من أهل النار))، فقال رجل من القوم: أنا صاحبه.
قال سهل: فخرج معه، كلما وقف وقف معه, وإذا أسرع أسرع معه.
قال: فجُرح الرجل جرحاً شديداً، فاستعجل الموتَ، فوضع سيفَه بالأرض، وذُبابَه بين ثدييه ، ثم تحامل على سيفه، فقتل نفسه.
فخرج الرجل الذي يتابعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أشهد أنك رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم: ((وما ذاك؟)) فأخبره بخبر الرجل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: ((إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة - فيما يبدو للناس - وهو من أهل النار، وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار - فيما يبدو للناس - وهو من أهل الجنة)).[22]
قال ابن حجر: "في الحديث إخباره صلى الله عليه وسلم بالمغيبات، وذلك من معجزاته الظاهرة".[23]
وبينما النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه قادمون من سفر؛ إذ هاجت ريحٌ شديدة، تكاد أن تدفن الراكب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بُعِثَت هذه الريح لموت منافق))، فلما قدم المدينة، فإذا منافق عظيم من المنافقين قد مات.[24]
قال النووي عن هذه الريح: "أي عقوبةً له، وعلامةً لموته وراحةِ البلاد والعباد به".[25]
وهذه الأخبار المتواترة في معناها؛ دليل على نبوة النبي صلى الله عليه وسلم وأنه مؤيَّد ببعض علم الغيب من ربه ] عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً * إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصداً * ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم وأحاط بما لديهم وأحصى كل شيء عدداً [ (الجن: 26-28).
ولله دَرُّ حسان بن ثابت إذ يقول عن خليله صلى الله عليه وسلم:


نبيٌ يرى ما لا يرى الناسُ حولَه *** ويتلو كتابَ الله في كل مشهد
فإن قال في يومٍ مقالةَ غائبٍ *** فتصديقُها في ضحوة اليومِ أو غد


-----------------------------------------------------
[1] رواه مسلم ح (2417).
[2] شرح النووي على صحيح مسلم (15/190).
[3] رواه أحمد ح (5363)، وابن ماجه ح (3558)، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه ح (2863).
[4] رواه البخاري ح (3674).
[5] رواه البخاري ح (3693).
[6] رواه مسلم ح (2417).
[7] رواه الحاكم (3/122)، والطبراني في الكبير ح (173). قال الهيثمي: إسناده حسن. مجمع الزوائد (9/188).
[8] رواه البخاري ح (3624)، ومسلم ح (2450).
[9] رواه البخاري ح (3626)، ومسلم ح (2450).
[10] شرح النووي (16/5).
[11] رواه أبو يعلى ح (7110)، والبخاري في التاريخ الكبير ح (379). قال الهيثمي: "رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح" مجمع الزوائد (9/401).
[12] رواه أحمد في المسند ح (25985)، والحاكم (3/194)، ووافقه الذهبي على تصحيحه، وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح. مجمع الزوائد (9/301)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة ح (882).
[13] رواه أحمد ح (26538)، وأبو داود ح (571)، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود ح (552).
[14] رواه الحاكم في المستدرك (3/52)، وحسّن إسناده ابن كثير في البداية والنهاية (5/9).
[15] رواه أحمد ح (20865)، وابن حبان ح (6670)، وحسّنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب ح (3314).
[16] رواه البخاري ح (1254).
[17] تحفة الأحوذي (4/115).
[18] رواه مسلم ح (1779).
[19] رواه البخاري ح (3950).
[20] تفسير القرآن العظيم (4/366).
[21] رواه البخاري ح (3602).
[22] رواه البخاري ح (2742), ومسلم ح (112).
[23] فتح الباري (7/542).
[24] رواه مسلم ح (2782).
[25] شرح النووي على صحيح مسلم (6/141).

Post: #24
Title: Re: من دلائل نبوّته صلّى الله عليه وسلّم
Author: حسن حماد محمد
Date: 09-10-2009, 09:48 PM
Parent: #1

عليه الصلاة والسلام
بوست مبارك - لنا عوده

Post: #25
Title: Re: من دلائل نبوّته صلّى الله عليه وسلّم
Author: Elawad
Date: 09-10-2009, 10:34 PM
Parent: #24

Quote: أبان مولده عن طيب عنصره *** يا طيب مبتدأ منه ومختتمِ
يومٌ تفرَّس فيه الفرس أنهمُ *** قد أنذروا بحلول البؤْس و النقمِ
و بات إيوان كسرى وهو منصدعٌ *** كشمل أصحاب كسرى غير ملتئمِ
و النار خامدة الأنفاس من أسفٍ *** عليه و النهر ساهي العين من سدمِ
و ساءَ ساوة أن غاضت بحيرتها *** و رُد واردها بالغيظ حين ظمي
كأن بالنار ما بالماء من بلل *** حزناً وبالماء ما بالنار من ضرمِ
و الجن تهتف و الأنوار ساطعةٌ *** و الحق يظهر من معنى و من كلمِ
عموا و صموا فإعلان البشائر لم *** تسمع وبارقة الإنذار لم تُشَمِ
من بعد ما أخبره الأقوام كاهِنُهُمْ *** بأن دينهم المعوجَّ لم يقمِ
و بعد ما عاينوا في الأفق من شهـب *** منقضةٍ وفق ما في الأرض من صنمِ
حتى غدا عن طريق الوحى منهزمٌ *** من الشياطين يقفو إثر منهزمِ
كأنهم هرباً أبطال أبرهةٍ *** أو عسكرٌ بالحصى من راحتيه رمـىِ
نبذاً به بعد تسبيحٍ ببطنهما *** نبذ المسبِّح من أحشاءِ ملتقمِ
جاءت لدعوته الأشجار ساجدةً *** تمشى إليه على ساقٍ بلا قدمِ
كأنَّما سطرت سطراً لما كتبت *** فروعها من بديع الخطِّ في اللقمِ
مثل الغمامة أنَّى سار سائرة *** تقيه حر وطيسٍ للهجير حَمِ

و ما حوى الغار من خير ومن كرمٍ *** و كل طرفٍ من الكفار عنه عمِ
فالصِّدْقُ في الغار والصِّدِّيقُ لم يرما *** و هم يقولون ما بالغار من أرمِ
ظنوا الحمام وظنوا العنكبوت على *** خير البرية لم تنسج و لم تحمِ
وقاية الله أغنت عن مضاعفةٍ *** من الدروع وعن عالٍ من الأطُمِ

صلى الله عليك و سلم يا سيدي يا رسول الله أفضل صلاة و أتم تسليم.
جزاك الله خيرا يا أستاذ هاشم و أجزل لك المثوبة.

Post: #26
Title: Re: من دلائل نبوّته صلّى الله عليه وسلّم
Author: Hashim Elemam
Date: 09-11-2009, 05:03 AM
Parent: #25

( 4)
إخباره صلّى الله عليه وسلّم بأخبار الفتن:




وإن مما أخبر عنه صلى الله عليه وسلم من الغيوب الدالة على نبوته؛ أخبار الفتن التي وقعت بين أصحابه بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، فكان إخباره بذلك برهان نبوته وعَلم رسالته.
فقد أشرفَ النبي صلى الله عليه وسلم يوماً على أُطم من آطام المدينة فقال لأصحابه: ((هل ترون ما أرى؟)) قالوا: لا. قال: ((فإني لأرى الفتن تقع خلال بيوتكم كوقع القطر)).[1]
قال النووي: "والتشبيه بمواقع القطر في الكثرة والعموم، أي: أنها كثيرة، وتعُمُّ الناس، لا تختص بها طائفة، وهذا إشارة إلى الحروب الجارية بينهم، كوقعة الجمل وصِفِّين والحرة، ومقتلِ عثمان، ومقتلِ الحسين رضي الله عنهما وغيرِ ذلك، وفيه معجزة ظاهرة له صلى الله عليه وسلم".[2]
ويبين ابن حجر معنى اختصاص المدينة بالفتن، فيقول: "وإنما اختصت المدينة بذلك لأن قتل عثمان رضي الله عنه كان بها، ثم انتشرت الفتن في البلاد بعد ذلك، فالقتال بالجمل وبصفين كان بسبب قتل عثمان، والقتال بالنهروان كان بسبب التحكيم بصفين، وكل قتال وقع في ذلك العصر إنما تولد عن شيء من ذلك، أو عن شيء تولد عنه ".[3]
وكما أنبأ النبي بوقوع فتنة قتل عثمان في المدينة المنورة، فإنه أشار إلى ما سيقع من الفتن في العراق أو بسبب أهلها ، فقال صلى الله عليه وسلم وهو يشير إلى المشرق: ((الفتنة من ها هنا)).[4]
قال ابن حجر في شرحه: "وأول الفتن كان منبعها من قبل المشرق، فكان ذلك سبباً للفرقة بين المسلمين، وذلك مما يحبه الشيطان ويفرح به، وكذلك البدع نشأت من تلك الجهة".[5]
وإن أول الفتن التي ابتلي بها الصحابة رضي الله عنهم خروج المنافقين على عثمان بن عفان رضي الله عنه ، وطلبهم نزعه من الخلافة ثم قتله رضي الله عنه ، وقد أخبر النبي عثمان ببعض معالم هذه الفتنة فقال له: ((يا عثمانُ، إنه لعل الله يقمّصُك قميصاً، فإن أرادوك على خلعه، فلا تخلعه لهم )).[6]
لقد أنبأه رسول الله صلى الله عليه وسلم - كما سبق – أنه يموت شهيداً، وها هو ينبئه عن خلافته، وأن ثمةَ من يريد خلعَه من هذه الخلافة، فطلب منه النبي صلى الله عليه وسلم عدم موافقتهم عليه، وكل ذلك من أخبار الغيب الصادقة الدالة على نبوته صلى الله عليه وسلم.
قال المباركفوري: "يعني إن قصدوا عزلك عن الخلافة، فلا تعزل نفسك عنها لأجلهم؛ لكونك على الحقّ، وكونهم على الباطل , ولهذا الحديث فإن عثمانَ رضي الله عنه لم يعزل نفسَهُ حين حاصرُوهُ يوم الدّار ".[7]
ووصف النبي صلى الله عليه وسلم بدقة معالم هذه الفتن التي تتابعت بعد مقتله، وكأنه صلى الله عليه وسلم يراها ، وفي مقدمتها الفتنة الكبرى التي اقتتل فيها الصحابة في معركتي الجمل وصفين، وذلك بعد وفاته بثلاثين سنة، فيقول: ((لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان، دعواهما واحدة)).[8]
قال ابن كثير: "وهاتان الفئتان هما أصحاب الجمل وأصحاب صفين، فإنهما جميعاً يدعون إلى الإسلام، وإنما يتنازعون في شيء من أمور المُلك ومراعاة المصالح العائد نفعها على الأمة والرعايا، وكان ترك القتال أوْلى من فعله، كما هو مذهب جمهور الصحابة".[9]
قال ابن حجر: " قوله: ((دعواهما واحدة )) أي دينهما واحد، لأن كلا منهما كان يتسمى بالإسلام, أو المراد أن كلا منهما كان يدعي أنه المحق".[10]
وكون دعوى الطائفتين واحدة لا يمنع أن الحق مع إحداهما دون الأخرى ، وقد أوضحه صلى الله عليه وسلم ، فشهد بأنه مع الطائفة التي تقاتل فرقة مارقة تخرج بين المسلمين يومئذ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تمرق مارقة عند فرقة من المسلمين، يقتلها أولى الطائفتين بالحق)).[11] فكان ذلك شهادة بالغة بأن الحق مع عليٍّ وأصحابه، لقتالهم لمارقي الخوارج في وقعة النهروان.
قَالَ القرطبي: "وفي هذا الحديث عَلَم من أعلام النبوة، حيث أخبر بما وقع قبل أن يقع".[12]

Post: #27
Title: Re: من دلائل نبوّته صلّى الله عليه وسلّم
Author: Hashim Elemam
Date: 09-11-2009, 05:07 AM
Parent: #26

وكان صلى الله عليه وسلم قد تنبأ بظهور الخوارج، وحدد صفاتهم وسماتهم، لما جاءه ذو الخويصرة متهماً النبيَّ صلى الله عليه وسلم بالظلم في قسمة الغنائم قال: ((إن له أصحاباً، يحقِر أحدُكم صلاتَه مع صلاتهم، وصيامَه مع صيامهم، يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ... آيَتُهُم رجلٌ أسود، إحدى عضديه مثل ثدي المرأة، أو مثلُ البضعة تدردر، ويخرجون على خير فرقةٍ من الناس)).
قال أبو سعيد الخدري: (أشهد أني سمعت هذا الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم, وأشهد أن علي بن أبي طالب قاتلهم وأنا معه، فأمر بذلك الرجل، فالتُمِس، فأتي به حين نظرت إليه على نعت النبي صلى الله عليه وسلم الذي نعته).[13]
قال النووي: "وفي هذا الحديث معجزات ظاهرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه أخبر بهذا، وجرى كله كفلق الصبح، ويتضمن بقاء الأمة بعده صلى الله عليه وسلم، وأن لهم شوكة وقوة، خلاف ما كان المبطلون يشيعونه، وإنهم يفترقون فرقتين، وأنه يخرج عليه طائفة مارقة، وأنهم يشددون في الدين في غير موضع التشديد, ويبالغون في الصلاة والقراءة, ولا يقيمون بحقوق الإسلام، بل يمرقون منه, وأنهم يقاتلون أهل الحق, وأن أهل الحق يقتلونهم، وأن فيهم رجلاً صفة يده كذا وكذا، فهذه أنواع من المعجزات جرت كلها، ولله الحمد".[14]
وثمة ميزان آخر للفتنة، إنه عمار بن ياسر ، رآه النبي صلى الله عليه وسلم عند بناء مسجده صلى الله عليه وسلم يحمل لبِنَتين لبنتين، فيما كان الصحابة يحملون لبِنة لبِنة، فجعل صلى الله عليه وسلم ينفض التراب عنه، ويقول: ((ويح عمار، تقتلُه الفئة الباغية، يدعوهم إلى الجنة، ويدعونه إلى النار))، قال أبو سعيد: يقول عمار: أعوذ بالله من الفتن.[15]
قال النووي في شرحه للحديث: " وفيه معجزة ظاهرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم من أوجه: منها أن عمارًا يموت قتيلاً, وأنه يقتله مسلمون, وأنهم بُغاةٌ, وأن الصحابة يقاتِلون, وأنهم يكونون فِرقتين: باغية, وغيرها, وكل هذا قد وقع مثل فلق الصبح, صلى الله وسلم على رسوله الذي لا ينطق عن الهوى, إن هو إلا وحي يوحى". [16]
وقال ابن عبد البر: "وتواترت الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((تقتل عمارَ الفئةُ الباغية))، وهذا من إخباره بالغيب وأعلام نبوته صلى الله عليه وسلم ، وهو من أصح الأحاديث". [17]
وقد قتِل عمارُ في جيش عليٍّ سنة سبع وثلاثين للهجرة النبوية، فكان دليلاً آخر على صحة موقف أبي الحسن علي رضي الله عنه ، وهو أيضاً دليل على صحة نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم، وإلا فمن ذا الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بما يقع بعد وفاته من تمايز المسلمين إلى فئتين، وأن الباغية منهما تقتل عماراً؟ لا ريب أنه وحي الله الذي يعلم السر وأخفى.

Post: #28
Title: Re: من دلائل نبوّته صلّى الله عليه وسلّم
Author: Hashim Elemam
Date: 09-11-2009, 05:10 AM
Parent: #27

ومما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من أخبار الفتن إخباره عن خروج إحدى أزواجه على جمل، وأنه يقتل حولها كثير من المسلمين، فعن ابن عباس رضي الله عنها قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أيتُكنَّ صاحبة الجمل الأدبب [أي كثير وبر الوجه]، يقتل حولها قتلى كثيرة، تنجو بعدما كادت)).[18]
وقد تحققت نبوءته صلى الله عليه وسلم حين سارت عائشة رضي الله عنها جهة البصرة قبيل وقعة الجمل، فلما بلغت مياه بني عامر نبحت الكلاب، فقالت: أي ماء هذا؟ قالوا: ماء الحوأب، قالت: ما أظنني إلا أني راجعة.
فقال لها الزبير: بل تقدمين، فيراك المسلمون، فيصلح الله عز وجل بينهم، قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي ذات يوم: ((كيف بإحداكن تنبح عليها كلاب الحوأب)).[19] فتحقق ما أخبرها به النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته بخمس وعشرين سنة، ليكون إنباؤه دليل صدقه وبرهان نبوته.
وإذا كانت الفتنة قد عصفت رياحها بالكثيرين، فإن ثمة من لا تضره الفتنة ولا يشترك فيها، إنه محمد بن مَسْلَمة، يقول حذيفة رضي الله عنه : ما أحد من الناس تدركه الفتنة إلا أنا أخافها عليه؛ إلا محمد بن مسلمة، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا تضرك الفتنة)).[20]
ولما أطلَّت الفتنة برأسها حقق محمد بن مسلمة نبوءة النبي صلى الله عليه وسلم عنه، فاعتزلها، وكسر سيفه، واتخذ سيفاً من خشب. [21]
وكما أخبر صلى الله عليه وسلم عن الفتن التي تفرق المسلمين؛ فإنه أنبأ عن التئام شمل المسلمين على يد الحسن بن علي رضي الله عنهم ، يقول أبو بكرة رضي الله عنه : بينا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب؛ جاء الحسن، فقال عليه الصلاة والسلام: ((ابني هذا سيد, ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين)).[22]
وقد كان كما أخبر صلى الله عليه وسلم ، فقد تنازل الحسن لمعاوية عن الملك عام أربعينَ من الهجرة، فسُمِّيَ عامَ الجماعة لاجتماع المسلمين فيه على خليفة واحد بعد طول فرقة واختلاف.
قال ابن حجر: "وفي هذه القصة من الفوائد علم من أعلام النبوة، ومنقبة للحسن بن علي؛ فإنه ترك المُلك، لا لقلة، ولا لذلة، ولا لعلة, بل لرغبته فيما عند الله، لما رآه من حقن دماء المسلمين، فراعى أمر الدين ومصلحة الأمة ".[23]
وفي ذلك كله شهادات تترى على نبوة النبي صلى الله عليه وسلم الذي خصه الله بهذه الأخبار من غيبه، فتحققت، لأنه صلى الله عليه وسلم


أرانا الهدى بعد العمى فقلوبنا *** به موقنات أن ما قال واقع


------------------------------------
[1] رواه البخاري ح (7060)، ومسلم ح (2885).
[2] شرح النووي على صحيح مسلم (18/7-8).
[3] فتح الباري (13/16).
[4] رواه البخاري ح (5296)، ومسلم ح (2905).
[5] فتح الباري (13/51).
[6] رواه الترمذي ح (3705)، وأحمد في المسند ح (24639)، وصححه الألباني في صحيح الترمذي ح (29233).
[7] تحفة الأحوذي (10/137).
[8] رواه البخاري ح (6936).
[9] البداية والنهاية (6/214).
[10] فتح الباري (6/713).
[11] رواه مسلم ح (1065).
[12] فتح الباري (12/314).
[13] رواه البخاري ح (3610)، ومسلم ح (1064).
[14] شرح صحيح مسلم (7/166-167).
[15] رواه البخاري ح (428)، ومسلم ح (5192) واللفظ للبخاري.
[16] شرح النووي على صحيح مسلم (8/40).
[17] الاستيعاب (2/481).
[18] رواه ابن أبي شيبة في المصنف ح (37785)، قال الهيثمي في مجمع الزوائد: "رواه البزار ورجاله ثقات" (7/474).
[19] رواه أحمد ح (23733)، والحاكم (3/129)، وصححه، ووافقه الذهبي، وقال ابن كثير في البداية والنهاية: "هذا إسناد على شرط الصحيحين ولم يخرجوه" (6/212).
[20] رواه أبو داود ح (4663)، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح ح (6233).
[21] انظر العبر، الذهبي (1/9).
[22] رواه البخاري ح (7109).
[23] فتح الباري (13

Post: #29
Title: Re: من دلائل نبوّته صلّى الله عليه وسلّم
Author: Hashim Elemam
Date: 09-11-2009, 09:24 PM
Parent: #28

( 5 )

إخباره صلى الله عليه وسلم بفتوح أمته للبلدان


ومن الغيوب الدالة بتحققها على نبوة النبي صلى الله عليه وسلم؛ ما أخبر عنه صلى الله عليه وسلم مراراًً من انتشار الإسلام وظهور أمره على الأديان، وبلوغه إلى الآفاق، وهو أمر غيب لا مدخل فيه للتخمين ورجم الظنون، فإما أنه كاذب صادر من دعي، أو هو خبر صادق أوحاه الله الذي يعلم ما يُستقبَل من الأحداث والأخبار.
وشواهد ذلك كثيرة في القرآن والسنة، منها قوله تعالى: } هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون { (التوبة: 33)، وقد صدقه الله فقد ظهر أمره، وتم نوره، وعظُم دينه .
وقد قال صلى الله عليه وسلم منبئاً عن ملك أمته وسلطانها: ((إن الله زوى لي الأرض، فرأيتُ مشارقَها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكُها ما زوي لي منها، وأعطيتُ الكنزيْن الأحمرَ والأبيض)).[1]
قال النووي: "وهذا الحديث فيه معجزاتٌ ظاهرة, وقد وقعت كلُّها بحمد اللّه كما أخبر به صلى الله عليه وسلم ... المراد بالكنزين الذّهب والفضّة, والمراد كنزَيْ كسرى وقيصر، ملِكي العراق والشّام، وفيه إشارة إلى أنّ مُلكَ هذه الأمّة يكون معظم امتدادِه في جهتي المشرق والمغرب, وهكذا وقع، وأمّا في جهتي الجَنوب والشَّمال فقليل بالنّسبة إلى المشرق والمغرب".[2] فقد أعلمه الله بانتشار دينه، وبسؤدد أتباعه وأمته من بعدِه على فارس والروم وغيرها من البلاد.
ومثل هذه النبوءة العظيمة بل أعظم منها؛ تنبؤه صلى الله عليه وسلم عن بلوغ دينه إلى أقاصي الأرض، في قوله: ((ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليلُ والنهار، ولا يترك الله بيت مَدَرٍ ولا وبرٍ، إلا أدخله اللهُ هذا الدين، بعز عزيز، أو بذلِّ ذليل، عزاً يُعز الله به الإسلام، وذُلاً يذل الله به الكفر)).
وكان تميم الداري رضي الله عنه يؤكد تحقق هذه النبوءة فيقول: قد عرفتُ ذلك في أهل بيتي، لقد أصاب من أسلمَ منهم الخيرُ والشرفُ والعزُ، ولقد أصاب من كان منهم كافراً الذلُ والصَغارُ والجزيةُ.[3]

Post: #30
Title: Re: من دلائل نبوّته صلّى الله عليه وسلّم
Author: Hashim Elemam
Date: 09-11-2009, 09:27 PM
Parent: #29

نعرض لذكر بعض الفتوحات التي بشر بها النبي صلى الله عليه وسلم ، فتحققت حال حياته أو بعد وفاته ، فكانت دليلاً على نبوته ورسالته.
منها، تنبؤه صلى الله عليه وسلم بنصر بدر العظيم، وذلك في وقت كان المسلمون يعانون في مكة صنوف الاضطهاد ويُسامون سوء النكال؛ وفي وسط هذا البلاء نزل على النبي صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: } أكفاركم خيرٌ من أولئكم أم لكم براءةٌ في الزبر % أم يقولون نحن جميعٌ منتصرٌ % سيهزم الجمع ويولون الدبر% بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمرّ { (القمر: 43-46).
فقال عمر بن الخطاب [أي في نفسه]: أي جمع يهزم؟ أي جمع يُغلَب؟ فلما كان يوم بدر رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يثِب في الدرع، وهو يقول: }سيهزم الجمع ويولون الدبر{ فعرفتُ تأويلها يومئذ.[4]
فهذه الآية نزلت قبل الهجرة بسنوات؛ تتحدث عن غزوة بدر واندحار المشركين فيها، وتتنبأ بهزيمتهم وفلول جمعهم.
وقبيل معركة بدر أدرك النبي صلى الله عليه وسلم اقتراب تحقق الوعد القديم الذي وعده الله، فقام إلى العريش يدعو ربه ويناجيه: ((اللهم إني أنشِدُك عهدَك ووعدَك، اللهم إن شئت لم تُعبَد بعدَ اليوم)).
ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من عريشه، وهو يقول: ] سيهزم الجمع ويولون الدبر % بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر [.[5]
وهكذا كان، فقد هزمت جموعهم، وولوا على أدبارهم، وصدق الله نبيَه الوعدَ، وعدَ الله لا يخلف الله الميعاد.
ورأى النبي صلى الله عليه وسلم في رؤياه أنه يأتي المسجد الحرام ويطوف به، فأخبر أصحابه، فسُروا بذلك، وظنوا أن ذلك يكون في عامهم، فتجهزوا مع النبي صلى الله عليه وسلم آمّين البيت الحرام معظمين لحرْمَته، فصدتهم قريش عن البيت، وانتهى الأمر بإبرام صلح الحديبية الذي ألزم المسلمين بالعودة إلى المدينة، وأن يعتمروا من عامهم القابل.
وشعر الصحابة بغبن الشروط التي تضمنها الصلح، حيث اعتبره بعضهم من الدنية، فجاء عمر بن الخطاب فقال: يا رسول الله، ألسنا على الحق، وهم على الباطل؟ فقال: ((بلى)) فقال: أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار؟ قال: ((بلى)).
قال: فعلام نعطي الدنية في ديننا؟ أنرجع ولما يحكمِ الله بيننا وبينهم؟
فقال صلى الله عليه وسلم: ((يا ابن الخطاب، إني رسول الله، ولن يضيعني الله أبداً)) ... فنزلت سورة الفتح فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم على عمر إلى آخرها.
فقال عمر: يا رسول الله أوَفتح هو؟ قال: ((نعم)).[6] وأنزل الله في إثرها آياتٍ من سورة الفتح.
لقد صدق الله رسوله القول: }إنا فتحنا لك فتحا مبيناً{ (الفتح: 1) ، فكانت الآية عزاء للنبي وصحابته في عودهم إلى المدينة من غير أن يطوفوا بالبيت الحرام، فقال صلى الله عليه وسلم: ((لقد أُنزلت عليَّ آية هي أحب إليّ من الدنيا جميعاً)).[7]
قال ابن حجر في تبيان معنى الفتح العظيم الذي حققه المسلمون في صلح الحديبية: "المراد بالفتح هنا الحديبية، لأنها كانت مبدأَ الفتح المبين على المسلمين , لما ترتب على الصلح الذي وقع منه الأمن ورفع الحرب، وتمكن من يخشى الدخول في الإسلام والوصولَ إلى المدينة من ذلك، كما وقع لخالدٍ بنِ الوليد وعمرو بنِ العاص وغيرِهما, ثم تبعت الأسباب بعضَها بعضاً إلى أن كمل الفتح ...
قال [الزهري]: لم يكن في الإسلام فتحٌ قبلَ فتح الحديبية أعظمَ منه, وإنما كان الكفر حيث القتال, فلما أمن الناس كلهم؛ كلم بعضُهم بعضاً، وتفاوضوا في الحديث والمنازعة، ولم يكن أحد في الإسلام يعقِل شيئاً إلا بادر إلى الدخول فيه , فلقد دخل في تلك السنتين مثلُ من كان دخل في الإسلام قبل ذلك أو أكثر .
قال ابن هشام: ويدل عليه؛ أنه صلى الله عليه وسلم خرج في الحديبية في ألف وأربعِمائة، ثم خرج بعد سنتين إلى فتح مكة في عشرةِ آلاف.[8]
وقبل أن يظهر لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أبعاد الفتح العظيم؛ عزم النبي صلى الله عليه وسلم على الرجوع إلى المدينة ؛ وأمر الصحابة بذبح الهدي والعود إلى المدينة، فكرهوا عودتهم من غير أن يأتوا البيت، فيحققوا رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم، فأتى عمرُ رضي الله عنه النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: أوليس كنتَ تحدثُنا أنا سنأتي البيت فنطوفَ به؟ قال: ((بلى، فأخبرتُكَ أنّا نأتيه العام؟)) فقال عمر: لا. فقال صلى الله عليه وسلم: ((فإنك آتيه ومطَوِّفٌ به)).[9]
ونزلت آيات القرآن تؤكد صدقَ ما رآه النبي صلى الله عليه وسلم في رؤياه وتنبأ بحتميةَ تحققِ ما أوحى الله إليه في رؤياه: } لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين لا تخافون { (الفتح: 27)، وقد تحقق ذلك في عمرة القضاء في العام الذي يليه.
قال القرطبي في هذه الآية وغيرِها: " فهذه كلها أخبار عن الغيوب التي لا يقف عليها إلا رب العالمين، أو من أوقفه عليها ربُ العالمين ، فدل على أن الله تعالى قد أوقف عليها رسولَه، لتكون دلالة على صدقه".[10]
وأثاب الله الصحابة على صدق بيعتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم عند شجرة الرضوان بفتح قريب ومغانم وفيرة، أثابهم بفتح خيبر، فقال واعداً إياهم: } لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحاً قريباً % ومغانم كثيرةً يأخذونها وكان الله عزيزاً حكيماً % وعدكم الله مغانم كثيرةً تأخذونها فعجل لكم هذه وكف أيدي الناس عنكم ولتكون آيةً للمؤمنين ويهديكم صراطاً مستقيماً { (الفتح: 18-20).
إن الله يعد أصحاب الشجرة في هذه الآية بمغيَّبات عدة ، منها الوعد بفتحٍ قريب ومغانمَ كثيرةٍ فيه } وأثابهم فتحاً قريباً % ومغانم كثيرة يأخذونها { (الفتح: 18-19).
قال الطبري: "وأثاب الله هؤلاء الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة - مع ما أكرمهم به من رضاهُ عنهم وإنزالِه السكينة عليهم وإثابتِه إياهم – فتحاً قريباً ، معه مغانمُ كثيرةٌ يأخذونها من أموال يهود خيبر، فإن الله جعل ذلك خاصة لأهل بيعة الرضوان دون غيرهم".[11]

Post: #31
Title: Re: من دلائل نبوّته صلّى الله عليه وسلّم
Author: Hashim Elemam
Date: 09-11-2009, 09:30 PM
Parent: #30

والتنبؤ بفتح خيبر لم يكن تنبؤاً بأمر ميسور قريب النوال، بل هو أمر دونه خرط القتاد؛ فإن خيبر حصون منيعة ، وفيها عشرة آلاف من المقاتلين الشجعان ، أي ما يساوي سبع مرات عدد المسلمين القادمين لفتحها ، لكنه موعود الله.
وما إن لاحت بالأفق حصونها حتى قال صلى الله عليه وسلم: ((خرِبت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قوم ]فساء صباح المنذرين[ (الصافات: 177)، قال أنس: فهزمهم الله)).[12]
قال أبو القاسم الأصبهاني: "وفيه من دلالة النبوة أنه كان كما قال، خرِبت خيبر بعد نزوله صلى الله عليه وسلم بساحتهم".[13]
وكما أخبر عن فتح خيبر فإنه تحدث عن جلاء اليهود منها، وقد وقع ذلك زمن خلافة عمر رضي الله عنه ، فقد اعتدى بعض أهل خيبر على عبد الله بن عمر؛ فقام عمر خطيباً فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عامل يهود خيبر على أموالهم، وقال: ((نقِرُّكم ما أقرَّكم الله))، وإن عبد الله بن عمر خرج إلى ماله هناك، فعُدي عليه من الليل، ففُدِعت يداه ورجلاه، وليس لنا هناك عدو غيرهم، هم عدونا وتهمتنا، وقد رأيت إجلاءهم.
فلما أجمع عمر على ذلك؛ أتاه أحد بني أبي الحقيق فقال: يا أمير المؤمنين، أتخرجنا وقد أقرنا محمد، وعاملنا على الأموال، وشرَطَ ذلك لنا؟
فقال عمر: أظننتَ أني نسيتُ قول رسول الله: ((كيف بك إذا أُخرجت من خيبر تعدو بك قَلوصُك ليلةً بعد ليلة؟)) فقال: كانت هذه هُزَيلة [مزاحاً] من أبي القاسم.
قال: كذبتَ يا عدو الله.
فأجلاهم عمر، وأعطاهم قيمة ما كان لهم من الثمر مالاً وإبلاً وعروضاً من أقتاب وحبال وغير ذلك.[14]
وقال ابن حجر: " أشار صلى الله عليه وسلم إلى إخراجهم من خيبر، وكان ذلك من إخباره بالمغيَّبات قبل وقو عها". [15]
ولم يكن فتحُ خيبرَ الوعد الوحيد الذي وعده الله أصحابَ الشجرة، بل قد بشّرهم بغيرِها، فقد بشرهم بفتح بلاد منيعة لم يقدروا على فتحها من قبل.
واختلف العلماء في تحديدها ، هل هي الطائف أو مكة؟ فكلتاهما استعصت على المسلمين، قال تعالى: } وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها وكان الله على كل شيءٍ قديراً{ (الفتح: 21).
والذي اختاره الطبري وغيرُه أن هذه الآية الكريمة بشارة بفتح مكة، وأنها البقعة التي رامها المسلمون ولم يقدروا عليها بعد، قال الطبري: " المعنيُّ بقوله: } وأخرى لم تقدروا عليها { غير [غيرُ خيبر]، وأنها هي التي قد عالجها ورامها فتعذّرت، فكانت مكةُ وأهلُها كذلك، وأخبر الله تعالى ذِكرُه نبيَه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين أنه أحاط بها وبأهلها، وأنه فاتحُها عليهِم". [16]
وتحقق الوعد بفتح مكة التي وعد الله - من قبل - نبيه بفتحها يوم الهجرة، وهو قريب من الجُحفة فقال له مواسياً: } إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد { (القصص: 85).
قال القرطبي: "ختم السورة [سورة القصص] ببشارة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بردِّه إلى مكة قاهراً لأعدائه .. وهو قول جابر بن عبد الله وابن عباس و مجاهد وغيرهم".[17]

Post: #32
Title: Re: من دلائل نبوّته صلّى الله عليه وسلّم
Author: Hashim Elemam
Date: 09-11-2009, 09:33 PM
Parent: #31

وقد غادر النبي صلى الله عليه وسلم الدنيا ولما يرى بأم عينه بعضاً مما وعده الله تعالى في دينه وأمته، ولكنها تحققت زمن خلفائه وأتباعه عليه الصلاة والسلام.
وأول هذه الأخبار الصادقة ما ذكره القرآن من وعد للأعراب الذين لم يخرجوا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى عمرة الحديبية، فقال لهم الله مختبراً صدقهم وإيمانهم: } قل للمخلفين من الأعراب ستُدعون إلى قومٍ أولي بأسٍ شديدٍ تقاتلونهم أو يسلمون فإن تطيعوا يؤتكم الله أجراً حسناً وإن تتولوا كما توليتم من قبل يعذبكم عذاباً أليماً { (الفتح: 16).
وقد اختلف المفسرون في هؤلاء القوم أولي البأس الشديد الذين سيدعى الأعراب المتخلفون إلى قتالهم على أقوال، منها أنهم هوازن أو ثقيف أو فارس والروم ، ونقل الواحدي عن جمهور المفسرين أنهم بنو حنيفة، لقول رافعٍ بنِ خَديج رضي الله عنه : (والله لقد كنا نقرأ هذه الآية فيما مضى } ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد { فلا نعلم من هم، حتى دعانا أبو بكرٍ إلى قتال بني حنيفة، فعلمنا أنهم هم).[18] فكان هذا الوعد غيباً آخرَ أطلع الله عليه نبيه، حين بشره بالنصر والظفر على قوم أولي بأس شديد، يُدعى هؤلاء الأعراب إلى قتالهم، وكان ذلك في حروب المرتدين أتباعِ مسيلمةَ الكذاب.
ومما بشّر به صلى الله عليه وسلم، فتحقق بعده كما أخبر، بشارتُه بفتوح اليمن والشام والعراق واستيطان المسلمين بهذه البلاد، حيث قال صلى الله عليه وسلم: (( تُفتَح اليمن فيأتي قوم يُبِسُّون[19] فيتحملون بأهلهم ومن أطاعهم، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، وتُفتح الشام فيأتي قومٌ يُبِسُّون، فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، وتُفتح العراق فيأتي قومٌ يُبِسُّون، فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون)).[20]
قال النووي: "قال العلماء: في هذا الحديث معجزاتٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنه أخبر بفتح هذه الأقاليم، وأن الناس يتحملون بأهليهم إليها ويتركون المدينة، وأن هذه الأقاليم تفتح على هذا الترتيب [اليمن ثم الشام ثم العراق]، ووجِد جميعُ ذلك كذلك بحمد الله وفضله".[21]
ويؤكد الإمام ابن حجر تحقق هذه النبوءات النبوية، فينقل عن ابن عبد البر وغيره قولهم: "افتتحت اليمن في أيام النبي صلى الله عليه وسلم وفي أيام أبي بكر, وافتتحت الشام بعدها, والعراق بعدها، وفي هذا الحديث عَلم من أعلام النبوة, فقد وقع على وفق ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم وعلى ترتيبه, ووقع تفرق الناس في البلاد لما فيها من السعة والرخاء, ولو صبروا على الإقامة بالمدينة لكان خيرًا لهم".[22]
وأما فتح فارس، فقد بشر به رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه، فقال: ((لتفتحن عصابة من المسلمين كنز آل كسرى الذي في الأبيض)).[23]
وتحقق الوعد زمنَ خلافة عمر بن الخطاب، ففتحه الصحابة فكان أول من رأى القصر الأبيض ضرار بن الخطاب، فجعل الصحابة يكبرون ويقولون: هذا ما وعدنا الله ورسوله .[24]
وكذا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بفتح مصر؛ ودعا إلى الإحسان إلى أهلها إكراماً لهاجر أم إسماعيل، فقد كانت من أرض مصر، كما أخبر بدخول أهلها في الإسلام واشتراكهم مع إخوانهم في التمكين له، قال صلى الله عليه وسلم: ((إنكم ستفتحون مصر .. فإذا فتحتموها فأحسنوا إلى أهلها؛ فإن لهم ذِمة ورحِماً))، في رواية لابن حبان: (( فاستوصوا بهم خيرًا، فإنهم قوة لكم، وبلاغ إلى عدوكم بإذن الله)).
والتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى أبي ذر فقال: ((فإذا رأيتَ رجلين يختصمان فيها في موضع لَبِنة فاخرج منها)).
وتحقق ذلك زمنَ خلفائه الراشدين، فكان أبو ذر رضي الله عنه ممن فتح مصر وسكنها، يقول رضي الله عنه : فرأيت عبدَ الرحمنِ بنَ شرحبيلَ بنِ حسنة وأخاه ربيعة يختصمان في موضع لَبِنة، فخرجت منها.[25]
قال النووي: "وفيه معجزة ظاهرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، منها إخباره بأن الأمةَ تكون لهم قوة وشوكة بعده، بحيث يقهرون العجم والجبابرة، ومنها أنهم يفتحون مِصر، ومنها تنازع الرجلين في موضع اللَبِنة، ووقع كلُ ذلك ولله الحمد".[26]
وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الفتوح التي تقع على أيدي أصحابه ومن بعدهم، تستمر إلى ثلاثة أجيال بعده صلى الله عليه وسلم قبل أن تتوقف، ففي الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يأتي على الناس زمانٌ يغزو فِئام من الناس، فيقال لهم: فيكم من رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فيقولون: نعم. فيفتح لهم.
ثم يغزو فئام من الناس فيقال لهم: فيكم من رأى من صحب رسولَ الله صلى الله عليه وسلم؟ فيقولون: نعم. فيفتح لهم.
ثم يغزو فئام من الناس فيقال لهم: هل فيكم من رأى من صحب من صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولون: نعم. فيفتح لهم)).[27]
قال النووي: "وفي هذا الحديث معجزاتٌ لرسول صلى الله عليه وسلم ، وفضلُ الصحابة والتابعين وتابعيهم".[28]

Post: #33
Title: Re: من دلائل نبوّته صلّى الله عليه وسلّم
Author: Hashim Elemam
Date: 09-11-2009, 09:36 PM
Parent: #32


Post: #34
Title: Re: من دلائل نبوّته صلّى الله عليه وسلّم
Author: Hashim Elemam
Date: 09-11-2009, 09:42 PM
Parent: #33

ولا تتوقف نبوءات النبي صلى الله عليه وسلم عند فتوح العراق والشام ومصر زمن أصحابه ، بل يمتد إخبارُه ليحدث عن فتح بلاد بعيدة المنال، عصية القلاع، القسطنطينية عاصمة دولة الروم، يقول صلى الله عليه وسلم: ((لتُفتحن القسطنطينية فلنِعمَ الأميرُ أميرُها، ولنعم الجيشُ ذلك الجيش))، قال عبد الله بن بشر الخثعمي راوي الحديث: فدعاني مسلمة بن عبد الملك، فسألني فحدثته، فغزا القسطنطينية.[29]
لقد جزم مسلمة بتحقق هذه النبوءة، فأراد أن يحوز شرفها، فغزا القسطنطينية، لكن الله اختبأها لفتى بني عثمان محمدٍ الفاتح رحمه الله، فكان فتحُه لها دليلاً آخر على نبوة النبي صلى الله عليه وسلم.
لكن العجيب المدهش الذي يلوي الأعناق من أخبار الفتوح أن بعض هذه الأخبار كانت في وقت ضيق المسلمين، وعلى خلاف ما توحي به الأحداث، بل على عكسه ونقيضه ، لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتنبأ - وهو في ضنك البلاء وأُوار المحنة - بما لا يمكن لأحد أن يحلُم به ولو في رؤياه.
ومنه أنه صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه وهم يعذبون بالنار والحديد في بطحاء مكة، وفيهم خباب بن الأرَتّ، الذي تقدم إليه شاكياً فقال: ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو الله لنا؟ فقال صلى الله عليه وسلم: ((كان الرجل فيمن قبلكم يُحفر له في الأرض، فيُجعل فيه، فيجاء بالمنشار، فيوضع على رأسه فيُشق باثنتين، وما يصده ذلك عن دينه، ويمشَّط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب، وما يصده ذلك عن دينه".
ثم بشره النبي صلى الله عليه وسلم ببشارة عظيمة مذهلة فقال: ((والله ليَتِمَّنَّ هذا الأمر، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون)).[30]
إنه صلى الله عليه وسلم يتنبأ بتمام أمر دينه، وبأمن أصحابه في زمنٍ ما كانوا يجرؤون فيه على إعلان دينهم خوفاً من بطش قريش وعذابها.
وفي المدينة المنورة ألقى الخوف بظلاله على المسلمين، ولنسمع إلى أُبي بن كعب وهو يصف حالهم: لما قدم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وأصحابُه المدينة، وآواهم الأنصار، رمتهم العرب عن قوس واحدة، وكانوا لا يبيتون إلا في السلاح، ولا يصبحون إلا فيه.
فقالوا: ترون أنـَّا نعيشُ حتى نبيتَ مطمئنين لا نخاف إلا الله عز وجل؟ فنزل قوله تعالى: } وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً { (النور: 55) وكان كذلك، فقد أمَّنهم الله من بعد خوفهم، وسوَّدهم الأرض، واستخلفهم فيها من بعد ذلتهم، ومكَّن لهم دينهم في مشارق الأرض ومغاربها.
قال القرطبي: " وقد فَعلَ اللهُ ذلك بمحمدٍ وأمتِه، ملّكَهُم الأرض، واستخلفهم فيها، وأذل لهم ملوكاً تحت سيف القهر بعد أن كانوا أهل عز وكبر، وأورثهم أرضهم وديارهم وأموالهم } وعد الله إن الله لا يخلف الميعاد { (الزمر: 20)".[31]
وفي موقف آخر من المواقف الصعبة التي عانى منها الصحابة أتى عدي بن حاتم النبي صلى الله عليه وسلم، وبينما هو عنده؛ أتاه رجل فشكا إليه الفاقة، ثم أتاه آخر فشكا إليه قطع السبيل.
فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى عَدي، وقال: ((فلعلك إنما يمنعك عن الإسلام أنك ترى من حولي خصاصة، أنك ترى الناس علينا إلْباً)).
ثم ألقى النبي صلى الله عليه وسلم نبوءة مفاجئة أذهلت عَدياً، فقد قال له: ((يا عدي، هل رأيت الحيرة؟)) فأجابه: لم أرها، وقد أُنبئت عنها.
فقال صلى الله عليه وسلم: ((فإن طالت بك حياة لترين الظعينة [أي المرأة] ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة، لا تخاف أحداً إلا الله)).
يقول عدي، وهو يتشكك من وقوع هذا الخبر: قلت فيما بيني وبين نفسي: فأين دُعَّار [لصوص] طيءٍ الذين سعروا البلاد؟
وقبل أن يفيق عدي من ذهوله وحديثه مع نفسه أسمعه النبي صلى الله عليه وسلم نبوءة أعظمَ وأبعد، فقال: ((ولئن طالت بك حياة لتُفتحنَّ كنوزُ كسرى)).
ولم يصدق عديٌ مسمعه، فسأل النبيَّ صلى الله عليه وسلم مستوثقاً: كسرى بنِ هُرمز؟
فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم بلسان الواثق من ربه - رغم ضعف حاله وفاقة أصحابه -: ((كسرى بنِ هرمز، ولئن طالت بك حياة لتريَنَّ الرجل يُخرج ملء كفه من ذهب أو فضة، يطلب من يقبله منه فلا يجد أحداً يقبلُه)).
ثلاث نبوءات لا يمكن لغير مؤمنٍ أن يُصدق بوقوعها في ذلك الزمان وفي مثلِ تلك الظروف، لكنها دلائل النبوة وأخبار الوحي الذي لا يكذب.
يقول عدي: فرأيتُ الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوفَ بالكعبة لا تخاف إلا الله، وكنتُ فيمن افتتح كنوز كسرى بنِ هرمز، ولئن طالت بكم حياة لترون ما قال النبي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم [عن الرجل] يخرج ملء كفه.[32]
وصدق عدي رضي الله عنه ، فقد تحققت الثالثة زمن الخليفةِ الراشدِ عمرَ بنِ عبد العزيز.
ومثله قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا تقوم الساعة حتى يسير الراكب بين العراق ومكة؛ لا يخاف إلا ضلال الطريق)).[33] إنها من أخبار الغيب الدالة بتحققها على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم.
ولما أتت جموع الأحزاب إلى المدينة، يرومون استئصال المسلمين؛ أمر النبي صلى الله عليه وسلم بحفر الخندق حول المدينة، وبينما هم يحفرون عرضت لهم صخرة حالت بينهم وبين الحفر، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذ المعول، ووضع رداءه ناحية الخندق، وقال: ]وتمت كلمة ربك صدقاً وعدلاً لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم[ (الأنعام: 115) فندر ثُلث الحجر، وسلمان الفارسي قائم ينظر، فبرق مع ضربةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم برْقة.
ثم ضرب الثانية والثالثة .. فكان مثله.
فتقدم إليه سلمان فقال: يا رسول الله رأيتُك حين ضربتَ، ما تضرب ضربة إلا كانت معها برقة! فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا سلمان رأيتَ ذلك؟)) فقال: إي والذي بعثك بالحق يا رسول الله.
قال: ((فإني حين ضربت الضربة الأولى رُفعت لي مدائنُ كسرى وما حولها ومدائنٌ كثيرة حتى رأيتُها بعينيّ)).
فقال له من حضره من أصحابه: يا رسول الله، ادع الله أن يفتحها علينا .. فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك.
((ثم ضربتُ الضربة الثانية، فرُفعت لي مدائن قيصر وما حولها حتى رأيتها بعينيّ)). قالوا: يا رسول الله ادع الله أن يفتحها علينا .. فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك.
((ثم ضربت الثالثة فرفعت لي مدائن الحبشة وما حولها من القرى حتى رأيتها بعيني)).
وقبل أن يطلب الصحابة منه الدعاء لهم بفتحها؛ بادرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالقول: ((دعوا الحبشة ما ودعوكم، واتركوا الترك ما تركوكم)). [34]
وقد أطلع الله نبيه على ما يكون من أخبار الحبشة والترك، وما تحدثه حروبهم من النكال بالمسلمين، فكره قتالهم ، وأوصى باجتنابهم.
أما الحبشة فإنهم يهدمون الكعبة في آخر الزمان ، فقد قال صلى الله عليه وسلم: ((يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة)). [35]
وأما الترك فمنهم التتار الذين استباحوا بغداد، وقتلوا فيها ما يربو على مليونين من المسلمين عام 658هـ.
قال ابن كثير: "وفي هذه السنة [643هـ] كانت وقعة عظيمة بين جيش الخليفة وبين التتار لعنهم الله، فكسرهم المسلمون كسرة عظيمة، وفرقوا شملهم، وهزموا من بين أيديهم، فلم يلحقوهم، ولم يتبعوهم خوفاً من غائلة مكرهم، وعملاً بقوله صلى الله عليه وسلم: ((اتركوا الترك ما تركوكم))". [36]
وعلل بعض أهل العلم الأمر بترك قتالهم بـأنه "لأن بلاد الحبشة وغيرهم، بين المسلمين وبينهم مهامِهُ وقِفار، فلم يكلِّف المسلمين دخول ديارهم لكثرة التعب وعظمة المشقة، وأما الترك فبأسهم شديد، وبلادهم باردة، والعرب وهم جند الإسلام كانوا من البلاد الحارة، فلم يكلفهم دخول البلاد، فلهذين السِّرين خصصهم".[37]
ولما انقضت غزوة الأحزاب، ولت جموعهم الأدبار، وقبل أن ينقشع غبارُ إدبارهم أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بنبوءة ما كان له أن يطلع عليها لولا إخبار الله له، فقال: ((الآن نغزوهم ولا يغزوننا، نحن نسير إليهم)).[38]
وهكذا كان، إذ كانت غزوة الأحزاب آخر غَزاة غزتها قريش في حربها مع النبي صلى الله عليه وسلم، وقد غزاهم المسلمون بعدها، وفتحوا مكة بعون الله وقدرته، فمن الذي أعلم النبي صلى الله عليه وسلم أن هذه الألوف التي دهمت المدينة لن تعود إليها بعد هذه الكَرَّة الخاسرة؟ إنه الله رب العالمين.
قال ابن حجر عن قوله صلى الله عليه وسلم: ((الآن نغزوهم ولا يغزوننا)): "وفيه علمٌ من أعلام النبوة، فإنه صلى الله عليه وسلم اعتمر في السنة المقبلة، فصدّتهُ قريش عن البيت، ووقعت الهدنة بينهم إلى أن نقضوها، فكان ذلك سببَ فتح مكة، فوقع الأمر كما قال صلى الله عليه وسلم".[39]

---------------------------
[1]رواه مسلم ح (2889).
[2] شرح النووي على صحيح مسلم (18/13).
[3] رواه أحمد ح (16509).
[4] جامع البيان (22/602).
[5] رواه البخاري ح (2915).
[6] رواه البخاري ح (4484)، ومسلم ح (1785).
[7] رواه مسلم ح (1786).
[8] فتح الباري (7/506)، وانظر سيرة ابن هشام (2/321).
[9] رواه البخاري ح (2734).
[10] الجامع لأحكام القرآن (1/105).
[11] جامع البيان (11/347).
[12] رواه مسلم ح (3361).
[13] دلائل النبوة (3/952).
[14] رواه البخاري ح (2528).
[15] فتح الباري (5/387).
[16] جامع البيان (11/350).
[17] الجامع لأحكام القرآن (13/248).
[18] الجامع لأحكام القرآن (16/231).
[19] أي يزينون إليهم السكنى في تلك البلاد ويدْعونهم ليرحلوا إليها.
[20] رواه مسلم ح (1875).
[21] شرح النووي على صحيح مسلم (9/159).
[22] فتح الباري (4/110).
[23] رواه مسلم ح (2919).
[24] انظر البداية والنهاية (7/64).
[25] رواه مسلم ح (2543)، ورواية ابن حبان رواها في صحيحه ، الموارد ح (2315).
[26] شرح صحيح مسلم (16/97).
[27] رواه البخاري ح (3649)، ومسلم ح (2532) واللفظ له.
[28] شرح صحيح مسلم (16/83).
[29] رواه أحمد ح (18478)، وحسّن إسناده ابن عبد البر في الاستيعاب (1/250)، ورواه الحاكم في المستدرك (4/468)، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.
[30] رواه البخاري ح (3612).
[31] الإعلام بما في دين النصارى (1/338).
[32] رواه البخاري ح (3595)، فيما عدا قوله: ((فلعلك إنما يمنعك عن الإسلام أنك ترى من حولي خصاصة، أنك ترى الناس علينا إلباً))، فإنها من رواية الحاكم (4/564).
[33] رواه أحمد ح (8615)، قال الهيثمي: "رجاله رجال الصحيح" مجمع الزوائد (7/639).
[34] رواه النسائي ح (3176)، وأبو داود ح (4302)، وحسنه الألباني في صحيح النسائي ح (2976).
[35] رواه البخاري ح (1591)، ومسلم ح (2909).
[36] البداية والنهاية (13/168).
[37] عون المعبود (11/276).
[38] رواه البخاري ح (4110).
[39] فتح الباري (7/468).

Post: #35
Title: Re: من دلائل نبوّته صلّى الله عليه وسلّم
Author: Hashim Elemam
Date: 09-12-2009, 05:25 AM
Parent: #34

(6 )
إخباره صلى الله عليه وسلم بأخبار آخر الزمان وعلامات الساعة


وإن من دلائل النبوة ما أخبر صلى الله عليه وسلم أنه يكون بين يدي الساعة، ونراه أو نرى بعضه في حياتنا اليوم، وهو ما يسميه العلماء بأشراط الساعة الصغرى، وهذا الحاضر - الذي نراه اليوم - كان غيباً أطلع الله عليه نبيه ، ليكون شاهداً على نبوته ورسالته.
ومن الأخبار المتعلقة باقتراب الساعة ما يحدثنا عنه صلى الله عليه وسلم بقوله: ((من أشراط الساعة أن يقِلَّ العلم، ويظهر الجهل، ويظهر الزنا، وتكثر النساء، ويقِلَّ الرجال، حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد)).[1]
وزاد في رواية في الصحيحين: ((ويُشربَ الخمر، ويَظهرَ الزنا)).[2]
وفي رواية أخرى: ((وتكثُرَ الزلازل، ويتقاربَ الزمان، وتَظهرَ الفتن، ويكثُرَ الهرْج، وهو القتل)).[3]
وفي رواية: ((يتقاربُ الزمان، ويَنقصُ العمل، ويُلقى الشح)).[4]
فهذه ثمان علامات تكون بين يدي الساعة.
أولها: ظهور الجهل وقلة العلم الشرعي بين الناس، وذلك لقبض العلماء وظهور الرؤوس الجهال الذين يفتون بغير علم، فيَضلون ويُضلون، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس، ولكن يُقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يَترُك عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً، فسُئلوا، فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا)).[5]
قال ابن بطال: "وجميع ما تضمنه هذا الحديث من الأشراط، وقد رأينا عياناً، فقد نَقص العلم وظهر الجهل".[6]
وتعقبه ابن حجر فقال: "الذي يظهر أن الذي شاهده كان منه الكثير مع وجود مقابله [أي العلم]، والمراد من الحديث استحكامُ ذلك، حتى لا يبقى مما يقابله إلا النادر .. فلا يبقى إلا الجهل الصِرف، ولا يمنع من ذلك وجود طائفة من أهل العلم؛ لأنهم يكونون حينئذ مغمورين في أولئك".[7]
ولئن كان ذلك في زمن ابن بطال ثم ابن حجر فإنه في زماننا أظهر وأبْيَن، ولا يخفى هذا على عاقل يرى ما رُزئنا به اليوم من موت العلماء، وتصدر الأدعياء.
وأما العلامة الثانية من علامات النبوة التي أخبر بها صلى الله عليه وسلم فهي شيوع شرب الخمر بين المسلمين، وقد أنبأ صلى الله عليه وسلم أن الذين سيشربونها؛ يسمونها بغير اسمها، وأنهم يستحلونها، ولا يرون أنها الخمر التي حرمها الله، قال صلى الله عليه وسلم: (( يشرب ناس من أمتي الخمر، يسمونها بغير اسمها))، وزارد في رواية الدارمي: ((فيستحلونها)).[8]
وبيانُه فيما أخرجه البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ليكونن من أمتي أقوامٌ يستحلون الحِرَ والحرير والخمر والمعازف)).[9]
وقد كان هذا - وللأسف - عند بعض جهال المسلمين، غفلة منهم وجهلاً، فتعاطوا هذه المحرمات، لما رأوها سميت بالمنشطات أو المخدِّرات أو المشروبات الروحية، والحق أنها جميعاً خمر حرمها الله ولعن شاربها وبائعها وصانعها، وقد قال عمر رضي الله عنه على المنبر وهو يخطب في المسلمين: (أما بعد، نزل تحريم الخمر وهي من خمسة: العنب والتمر والعسل والحنطة والشعير، والخمر ما خامر العقل)[10]، أي غطاه، فكل ذلك خمر.
قال القرطبي: " في هذا الحديث عَلم من أعلام النبوة، إذ أخبر عن أمور ستقع؛ فوقعت، خصوصاً في هذه الأزمان".[11]
وأما ثالث أشراط الساعة المذكورة في الأحاديث آنفاً؛ فهو انتشارُ الزنا وشيوعُه بين الناس، وهو أمر يكثر - عياذاً بالله – عند غير المسلمين، وهذه الشناعة استقبحتها الأمم طوال تاريخ الإنسانية، وأصبحت الآن تعرض في وسائل التقنية الحديثة، وعمدت بعض الدول إلى تقنينها، وأجازتها قوانينها وتشريعاتها، بل جعلها بعضهم ضرباً من ضروب التجارة والكسب.

Post: #36
Title: Re: من دلائل نبوّته صلّى الله عليه وسلّم
Author: Hashim Elemam
Date: 09-12-2009, 05:28 AM
Parent: #35

ورابع الأشراط التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم ؛ كثرة الفتن وما يستتبعها من كثرة الهرج الذي هو القتل، وقد أبانه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((والذي نفسي بيده ليأتين على الناس زمان لا يدري القاتل في أي شيء قَتل، ولا يدري المقتول على أي شيء قُتِل)).[12]
ونجد مصداق هذه النبوءة النبوية في كثرة الحروب والفتن التي يقتل فيها الأبرياء، فلا يدري القاتل من يقتُل، ولا لماذا يقتُل، ومثلُه المقتول. أجارنا الله من الفتن.
وهذا يفسر لنا العلامة الخامسة من علامات النبوة، الواردة في قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((وتكثرَ النساء ويقلَ الرجال، حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد))، فإن الرجال هم وقود الحروب والفتن دون غيرهم.
قال ابن حجر: "قيل سببه أن الفتن تكثر، فيكثر القتل في الرجال؛ لأنهم أهل الحرب دون النساء ... والظاهر أنها علامة محضة لا لسبب آخر، بل يُقدِّر الله في آخر الزمان أن يقِلَ من يولد من الذكور، ويكثر من يولد من الإناث ".[13]
وإلى صدق هذه النبوءة وقرب تحققها تشير الإحصاءات العالمية، حيث وصلت نسبة الذكور حسب إحصاءات الأمم المتحدة عام 2002م إلى 48%، وتتوقع دائرة الإحصاءات الأمريكية أن تصل نسبة الذكور عام 2100م إلى 38% من سكان الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما يؤكد أن ما أخبر به صلى الله عليه وسلم في طريقه إلى التحقق.
وأما العلامة السادسة مما يكون بين يدي الساعة فهي تقارب الزمان، فقد قال صلى الله عليه وسلم: ((لا تقوم الساعة حتى يُقبضَ العلم، وتكثُرَ الزلازل، ويتقاربَ الزمان..)).[14]
وقال: ((يتقاربُ الزمان، ويَنقصُ العمل، ويُلقى الشح)).[15]
قال التوربشتيُ: "يُحمل ذلك على قلة بركة الزمان، وذهابِ فائدته في كل مكان، أو على أن الناس لكثرة اهتمامهم بما دهمهم من النوازل والشدائد وشُغْلِ قلبهم بالفتن العظام؛ لا يدرون كيف تنقضي أيامهم ولياليهم".[16]
وقال الخطابي: "معناه قِصَر زمان الأعمار وقلة البركة فيها .. وقيل: قِصر مدة هذه الأيام والليالي؛ على ما روي أن الزمان يتقارب حتى يكون السنة كالشهر، والشهرُ كالجمعة، والجمعةُ كاليوم، واليومُ كالساعة، والساعةُ كاحتراق السَعَفَة".[17]
وهكذا فقد حمل العلماء الحديث على ثلاثة معانٍ: قصرُ الأعمار أو ذَهابُ بركتها أو تقاربُ الزمان حقيقة.
فأما المعنيان الأولان فهما مشاهدان بكثرة بين الناس اليوم، وبخاصة ذَهاب بركة العمر، حيث تنقضي السنة، والواحد منا يظنها شهراً، وينقضي الشهر، ولا نحسبه إلا أسبوعاً.
وأما المعنى الثالث الذي يقضي بتناقص الزمان حقيقة، فلعله يكون قبيل الساعة، حين يختل الكثير مما نعهده من نواميس الكون التي جعلها الله، فتشرقُ الشمس من مغربها، وتتكلمُ السباع، إلى غيره مما هو خارج عن مألوفنا في سنن الله الكونية.
وسابع أشراط الساعة التي تنبأ النبي صلى الله عليه وسلم أنها تكون؛ كثرةُ الزلازل ونقارب أوقاتها، وهو أمر يعجب المرء لكثرته في هذه الأيام، وهو في ازدياد مستمر، حتى لا يكاد يمضي الشهر إلا وتهتز الأرض هنا أو هناك، فمن الذي أعلم النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الغيب قبل ألف وأربعِ مائةٍ سنة؟ إنه الله علام الغيوب.
وأما ثامن علامات الساعة ودلائل النبوة فهو إخباره عن كثرة الشح بين الناس لقوله صلى الله عليه وسلم: ((ويُلقى الشح)).
قال ابن حجر: " فالمراد إلقاؤه في قلوب الناس على اختلاف أحوالهم، حتى يبخل العالم بعلمه، فيترك التعليم والفتوى، ويبخل الصانع بصناعته حتى يترك تعليم غيره، ويبخل الغني بماله حتى يهلك الفقير، وليس المراد وجود أصل الشح؛ لأنه لم يزل موجوداً".[18]
وهذا كله قد كثر في أهل الزمان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وروى الإمام مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تقوم الساعة حتى يكثُر المال، ويفيضَ حتى يَخرجَ الرجلُ بزكاة ماله فلا يجد أحداً يقبلها منه، وحتى تعودَ أرض العرب مروجاً وأنهاراً)).[19]

Post: #37
Title: Re: من دلائل نبوّته صلّى الله عليه وسلّم
Author: Hashim Elemam
Date: 09-12-2009, 05:31 AM
Parent: #36

ولما سبق الحديث عن كثرة المال فإنا نتحدث هنا عن عود أرض العرب مروجاً وأنهاراً، فالبشارة النبوية تضمنت خبرين: أولُهما: أن أرضَ العرب - أي جزيرة العرب - كانت مروجاً وأنهاراً، أي كانت خضراءَ كثيرةَ المياه، والثاني: أنها ستعود كذلك قبل قيام الساعة.
ومن المعلوم أن جزيرة العرب تنعدم الأنهار فيها اليوم، وتقل المساحات الخضراء في ربوعها، بينما يخبر الحديث أنها كانت وسترجع إلى غير هذه الحال.
وحين تحدث القرآن عن قوم نبي الله هود، قومِ عاد الذين عاشوا في جنوب جزيرة العرب وقريباً من صحراء الربع الخالي، قال ممتناً عليهم: ] واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون % أمدكم بأنعام وبنين % وجنات وعيون [ (الشعراء: 132-134)، فذكر أن بلادهم المقفرةَ اليومَ كانت مروجاً وبساتين كثيرة المياه.
وليست بلادُ عاد الوحيدةَ من المدائن القديمة التي دفنتها ذرات رمال الصحراء، التي أغرقت بكثبانها الكثير من المدن التي كانت عامرة في غابر الأيام، كمدينة الفاو ومدينة أوبار المكتشفَتين حديثاً في جنوب جزيرة العرب، ومثل هذه المدن لا تُشاد في صحراءَ جرداء، بل في واحة خضراءَ كثيرةِ المياه.
وهذا الخبر نجد مصداقه أيضاً عند علماء الجولوجيا والآثار، حيث يؤكدون أن جزيرة العرب كانت قبل عشرين ألف سنة رقعة خضراء كثيرة المياه والأنهار، وفيها الكثير من أنواع الحيوانات التي تتواجد عادة في المراعي والغابات، كما شهد بذلك ما بقي من آثارهم.
كما أكد صدقَ هذا الخبر النبوي الدكتور هال ماكلور في أطروحته للدكتوراه والتي كانت عن الربع الخالي، فذكر أن البحيراتِ كانت تغطي هذه المنطقة الصحراوية خلال العصور المطيرة التي انقضت قبل ثمانية عشرَ ألفَ سنة. [20]
ووافقه العالـم الجيولوجي الألماني الشهير البروفسور الفريد كرونر في مؤتمر علمي أقيم في جامعة الملك عبد العزيز بالمملكة العربية السعودية.
وأضاف بأن عود جزيرة العرب إلى تلك الحال مسألة معروفة عند العلماء، وأنها حقيقة من الحقائق العلمية، التي يوشك أن تكون، وقال: هذه حقيقة لا مفر منها.
ولما أُخبِر بقول النبي صلى الله عليه وسلم ((وحتى تعود أرض العرب مروجاً وأنهاراً)) تعجب، وقال: "إن هذا لا يمكن أن يكون إلا بوحي من أعلى" أي من عند الله.
وقال: "أعتقد انك لو جمعت كل هذه الأشياء، وجمعت كل هذه القضايا التي بسطت في القرآن الكريم والتي تتعلق بالأرض وتكوين الأرض والعلم عامة، يمكنك جوهرياً أن تقول: إن القضايا المعروضة هناك صحيحة بطرق عديدة، ويمكن الآن تاكيدها بوسائل علمية، ويمكن إلى حد ما أن نقول: إن القرآن هو كتاب العلم الميسر للرجل البسيط، وإن كثيراً من القضايا المعروضة فيه في ذلك الوقت لم يكن من الممكن إثباتها، ولكنك بالوسائل العلمية الحديثة الآن في وضع تستطيع فيه أن تثبت ما قاله محمد صلى الله عليه وسلم منذ 1400 سنة".[21]
ويحسُن هنا التذكير بما حملته إلينا الأخبار عن تصوير جزيرة العرب من الفضاء، واكتشاف العلماء من خلال هذه الصور أنها تَسبح فوق نهر من المياه الجوفية، يمتد من غرب الجزيرة العربية إلى شرقها, ناحية الكويت, حيث أوضحت الصور أن مساحةً شاسعة من شمال غرب الكويت عبارة عن دلتا لهذا النهر العملاق .
فمن الذي أخبر محمداً صلى الله عليه وسلم بحال جزيرة العرب قبل آلاف السنين؟ ومن الذي أنبأه بما سيكون عليه حالها في قابل الأيام؟ إنه وحي الله الذي يشهد له بالرسالة صلى الله عليه وسلم.

Post: #38
Title: Re: من دلائل نبوّته صلّى الله عليه وسلّم
Author: Hashim Elemam
Date: 09-12-2009, 05:34 AM
Parent: #37

ومن أشراط الساعة الأخرى التي تنبأ النبي صلى الله عليه وسلم أنها تكون بين يدي الساعة، ونراها تكثر في حياة الناس اليوم قوله صلى الله عليه وسلم: ((يأتي على الناس زمان لا يبالي المرء ما أخذ منه، أمن الحلال أم من الحرام)).[22]
وقال ابن التين: " أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بهذا تحذيراً من فتنة المال، وهو من بعض دلائل نبوته لإخباره بالأمور التي لم تكن في زمنه، ووجه الذم من جهة التسوية بين الأمرين، وإلا فأخذ المال من الحلال ليس مذموماً من حيث هو". [23]
وابتلي المسلمون اليوم بانتشار الربا ودخول معاملاته في شتى صور الحياة الاقتصادية، حتى إنه يصيب بقتامه حتى أولئك الذين ينأون عنه، ليصدق فينا قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((يأتي على الناس زمان يأكلون الربا، فمن لم يأكله أصابه من غباره)).[24]
قال السندي متحدثاً عن هذه البلية: " هو زماننا هذا، فإنا لله وإنا إليه راجعون، وفيه معجزة بينة له صلى الله تعالى عليه وسلم".[25]
وهو في زماننا أظهر وأبين، فقد أضحت البنوك الربوية ملاذاً يحفظ الناس فيه من الضياع أموالهم، بل ينالون منها رواتبهم وحقوقهم، وعن طريقها يدفعون أثمان بضائعهم وغيره، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وروى الإمام أحمد أمراً آخرَ تنبأ النبي صلى الله عليه وسلم بأنه يكون في آخر الزمان، ونراه يكثر في أيامنا، ألا وهو أن يخص المرء بسلامه معارِفَه دون بقية المسلمين، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن من أشراط الساعة أن يسلّم الرجل على الرجل، لا يُسلم عليه إلا للمعرفة)).[26]
وفي رواية أخرى أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((إن بين يدي الساعة تسليم الخاصة، وفُشُوَّ التجارة، حتى تعين المرأة زوجها على التجارة، وقطع الأرحام، وشهادة الزور، وكتمان شهادة الحق، وظهور القلم)).[27]
وهكذا فإخبار النبي صلى الله عليه وسلم عما يصنعه اليوم كثير من الناس، وهو تسليم المرء على خاصته من أقرباء وأصدقاء دون بقية المسلمين الذين لا يعرفهم، هذا الإخبار منه صلى الله عليه وسلم علامة على نبوته، لأنه إخبار بغيب لا يعلمه إلا الله أو من أطلعه الله عليه.
وقد تضمن الحديث السالف أموراً أخرى كثرت في دنيا الناس، وبخاصة قطع الأرحام وشهادة الزور وكتمان الحق.
كما ذكر الحديث أمراً عجباً حين أخبر عن فشو التجارة ومشاركة المرأة زوجها فيها، وهو ما يكثر في زماننا.
وأعجب منه قوله صلى الله عليه وسلم: (( وظهور القلم))، أي تعلم الناس الكتابة، وهو أمر لم يتحقق إلا في هذا القرن، حيث تراجعت نِسب الأمية بين شعوب العالم، وهي في طريقها إلى الزوال، وبخاصة مع تيسر سبل التعليم وتقدم وسائط الاتصالات.
والسؤال ، كيف عرف النبي صلى الله عليه وسلم قبل أربعة عشر قرناً أن الكتابة تفشو بين الناس، لقد أنبأ به في عصر كان عدد الكتبة فيه لا يكاد يتجاوز الألف. إنه عَلم آخر من أعلام النبوة.
ومن براهين النبوة المتعلقة بأشراط الساعة قوله صلى الله عليه وسلم: ((من أشراط الساعة أن يتباهى الناس في المساجد)).[28]
قال أنس: (يتباهون بها، ثم لا يعمرونها إلا قليلاً).
ولما تيقن ابن عباس بتحقق هذا الخبر النبوي قال: (لتزخرفُنها كما زخرفت اليهود والنصارى).[29]
قال ابن رسلان: "هذا الحديث فيه معجزة ظاهرة لإخباره صلى الله عليه وسلم عما سيقع بعده، فإن تزويق المساجد والمباهاة بزخرفتها كثر من الملوك والأمراء في هذا الزمان بالقاهرة والشام وبيت المقدس".[30]

Post: #39
Title: Re: من دلائل نبوّته صلّى الله عليه وسلّم
Author: Hashim Elemam
Date: 09-12-2009, 05:36 AM
Parent: #38

ومن هذه الأخبار العجيبة الباهرة إخباره صلى الله عليه وسلم بتطاول الناس في البنيان، قال هذا في وقت ما عرف الناس فيه شاهق البنيان، ففي صحيح مسلم أن جبريل سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أمارات الساعة، فقال صلى الله عليه وسلم : ((أن تلد الأَمَة ربّتها، وأن ترى الحفاة العراة العالةَ رِعاء الشاء يتطاولون في البنيان)).[31]
قال النووي : "معناه أن أهل البادية وأشباههم من أهل الحاجة والفاقة تبسط لهم الدنيا حتى يتباهون في البنيان".[32]
وقد تحقق هذا في زماننا ، فتقدم العلم، وكثر المال، وارتفع - بفضل الله - البنيان، ووصل الأمر بالناس إلى التفاخر فيه، وأغدق الله من فضله وجوده على بلاد كانت تشكو الفقر، فأضحت - بفضل الله - أغنى بلاد الدنيا، فتطاول أهلها مع غيرهم في البنيان، وهو مصداق ما أنبأ عنه صلى الله عليه وسلم.
ومما أخبر صلى الله عليه وسلم أنه يكون قبيل الساعة، وتحقق في زماننا؛ استغناء الناس عن ركوب الدواب، التي استبدلوها بما أنتجته التقنية الحديثة من السيارات والطائرات وغيرها من وسائل الانتقال، وهو أمر حديث أشار إليه القرآن بقوله: ]والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينةً ويخلق ما لا تعلمون[ (النحل: 8) فإذا ما خلق الله هذه الوسائل الجديدة تحققت نبوءة رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((ولتُتركن القِلاص فلا يُسعى عليها)).[33]
وذكر النبي صلى الله عليه وسلم في حديث آخر بعض صفات المركوبات التي سيستحدثها الناس وبعض ما سيرافقها من المنكرات فقال: ((سيكون في آخر أمتي رجال يركبون على السروج كأشباه الرجال، ينزلون على أبواب المسجد، نساؤهم كاسيات عاريات على رءوسهم كأسنمة البخت العجاف )). [34]
وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن بعض الشرور التي تصيب أمته بين يدي الساعة، ونرى كثيراً منها بين المسلمين اليوم، ومنها أنّا نرى في بعض بلاد المسلمين من يقرأ القرآن في المآتم وعلى القبور أو على أبواب المساجد، يرجو من ذلك المال أو الشهرة ، لا الأجر والثواب، بل إن بعضهم يقرأ بحسب ما يعطى من المال، وهذا مصداق لما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عنه حين قال: ((من قرأ القرآن فليسأل الله به، فإنه سيجيء أقوام يقرؤون القرآن يسألون به الناس)).[35]
وفي رواية البيهقي: ((فإن القرآن يتعلمه ثلاثة: رجل يباهي به، ورجل يستأكل به، ورجل يقرأ لله عز وجل)).[36]
والناظر في أحوال الكثيرين من شباب وفتيات المسلمين يسوؤه ما يراه من تقليد للآخرين في زيهم وشاراتهم وعاداتهم وتقاليدهم، بل وقصات شعورهم، فقد صدق فيهم قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لتتبعن سَنن من كان قبلكم شبراَ شبراَ، وذراعاً بذراع، حتى لو دخلوا جُحر ضب تبعتموهم. قلنا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: فمَن؟)).[37]
قال النووي: "السَنَن بفتح السين والنون، وهو الطريق، والمراد بالشبر والذراع وجحر الضب التمثيل بشدة الموافقة لهم، والمراد الموافقة في المعاصي والمخالفات، لا في الكفر، وفي هذا معجزة ظاهرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد وقع ما أخبر به صلى الله عليه وسلم".[38]
وأما ما ينتشر بين المسلمات من تبرج وتكشف في جلابيبهن وملابسهن التي أضحت صورة من صور الغواية لا الستر؛ فهذا تحقيق لما أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ((صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات، رؤوسهن كأسنمة البُخت المائلة، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا)).[39]
ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم : ((رؤوسهن كأسنمة البخت)) كما نقل النووي: "يعظمن رؤوسهن بالخمُر والعمائم وغيرها مما يلفّ على الرأس، حتى تشبه أسنمة الإبل".[40]
قال النووي: "هذا الحديث من معجزات النبوة، فقد وقع ما أخبر به صلى الله عليه وسلم، فأما أصحاب السياط فهم غلمان والي الشرطة، أما الكاسيات ففيه أوجه [منها أن المرأة] تكشف شيئاً من بدنها إظهاراً لجمالها، فهن كاسيات عاريات يلبسن ثياباً رقاقاً تصِف ما تحتها، كاسيات [في الصورة، لكنهن] عاريات في المعنى".[41]

Post: #40
Title: Re: من دلائل نبوّته صلّى الله عليه وسلّم
Author: Hashim Elemam
Date: 09-12-2009, 05:39 AM
Parent: #39

ولئن كان بعض هذا في زمن النووي رحمه الله؛ فإنه في عصرنا أظهر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم.
ومما يكون بين يدي الساعة أيضاً ضياع الأمانة بين الناس، وهو ما تنبأ به النبي صلى الله عليه وسلم حين جاءه أعرابي فقال: متى الساعة؟
يقول أبو هريرة رضي الله عنه : فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث، فقال بعض القوم: سمع ما قال فكره ما قال، وقال بعضهم: بل لم يسمع، حتى إذا قضى صلى الله عليه وسلم حديثه قال: ((أين أراه السائل عن الساعة؟)) قال: ها أنا يا رسول الله.
فقال صلى الله عليه وسلم: ((فإذا ضيِّعت الأمانة فانتظر الساعة))، قال: كيف إضاعتها؟ قال: ((إذا وسِّد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة)).[42]
قال ابن بطال في معناه: "أن الأئمة قد ائتمنهم الله على عباده، وفرض عليهم النصيحة لهم، فينبغي لهم تولية أهل الدين، فإذا قلَّدوا غير أهل الدين فقد ضيعوا الأمانة التي قلدهم الله تعالى إياها".[43]
فمن ضياع الأمانة في آخر الزمان أن تسند المسؤوليات لا إلى أربابها من أصحاب الكفاءات، بل إلى ما يملكه المرء من معارف وأموال يسترضي بها الآخرين.
وما تزال الأمانة تقل بين الناس حتى يأتي عليهم زمان تنقلب فيه الموازين، وترفع فيه الأمانة (( فيصبح الناس يتبايعون، فلا يكاد أحدهم يؤدي الأمانة، فيقال: إن في بني فلان رجلاً أميناً، ويقال للرجل: ما أعقله! وما أظرفه! وما أجلده! وما في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان)).[44]
وتعاني أمة الإسلام حالة غريبة من التشرذم والضعف، وأصبحت بلادها كلأً مستباحاً للقاصي والداني، ولم يشفع لها أنها جاوزت المليار والربع من المسلمين، فهم غثاء كغثاء السيل، فصدق فيهم حديث النبي صلى الله عليه وسلم: ((يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها)) فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: ((بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن))، فقال قائل: يا رسول الله وما الوهن؟ قال: ((حب الدنيا وكراهية الموت)).[45] إنه نبوءة من لا ينطق عن الهوى، وهو علم آخر من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم ورسالته.
وهكذا فإن وقوع ما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بعد مضي هذه القرون من تنبئه بهذه الأحداث وتلك المظاهر، لبرهان صدق ودليل حق على نبوة النبي صلى الله عليه وسلم.

--------------------------------------------
[1] رواه البخاري ح (79)، ومسلم ح (4825).
[2] رواه البخاري ح (80)، ومسلم ح (2671).
[3] رواه البخاري ح (1036).
[4] رواه البخاري ح (6037)، ومسلم ح (157).
[5] رواه البخاري ح (100)، ومسلم ح (2673).
[6] فتح الباري (13/18).
[7] فتح الباري (13/18).
[8] رواه النسائي ح (5658)، وأبو داود ح (3688)، وأحمد ح (17607)، والدارمي ح (2100)، وصححه الألباني في صحيح الجامع ح (9584).
[9] ذكره البخاري معلقاً بصيغة الجزم في باب: "ما جاء فيمن يستحل الخمر ويسميه بغير اسمه".
[10] رواه البخاري ح (5581)، ومسلم ح (3032).
[11] نقله عنه ابن حجر في الفتح (1/179).
[12] رواه مسلم ح (2908).
[13] فتح الباري (1/215).
[14] رواه البخاري ح (1036).
[15] رواه البخاري ح (6037)، ومسلم ح (157).
[16] تحفة الأحوذي (6/514).
[17] عون المعبود (11/223).
[18] فتح الباري (13/20).
[19] أخرجه مسلم ح (157).
[20] مجلة الإعجاز العلمي، العدد السادس (ص 33).
[21] إنه الحق، هيئة الإعجاز العلمي للقرآن والسنة برابطة العالم الإسلامي (ص 34).
[22] رواه البخاري ح (2059).
[23] فتح الباري (4/347).
[24] رواه النسائي ح (4379)، وأبو داود ح (2893) ، وابن ماجه ح (2278).
[25] حاشية السندي على النسائي (7/243).
[26] رواه أحمد ح (3838)، وصحح إسناده الشيخ أحمد شاكر.
[27] رواه أحمد ح (3860)، والبخاري في الأدب المفرد ح (1049)، وصححه الحاكم (4/110)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة ح (647).
[28] رواه النسائي ح (689)، و أبو داود ح (449)، وابن ماجه ح (739)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود ح (432).
[29] الخبران ذكرهما البخاري معلقين في باب "بنيان المساجد".
[30] عون المعبود (2/84).
[31] رواه مسلم ح (8).
[32] شرح صحيح مسلم (1/159).
[33] رواه مسلم ح (255).
[34] رواه أحمد ح (7043).
[35] رواه الترمذي ح (2917)، وأحمد ح (19384).
[36] رواه البيهقي في شعب الإيمان ح (2630).
[37] رواه البخاري ح (7320)، ومسلم ح (2669).
[38] شرح صحيح مسلم (16/219-220).
[39] رواه مسلم ح (2128).
[40] شرح صحيح مسلم (17/190-191).
[41] شرح النووي على صحيح مسلم (17/190)، وانظر فيض القدير ، للمناوي (4/208).
[42]رواه البخاري ح (6496).
[43] فتح الباري (11/342).
[44] رواه البخاري ح (7086).
[45] رواه أبو داود ح (3745)، وأحمد ح (21363)، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح ح (5369).

Post: #41
Title: Re: من دلائل نبوّته صلّى الله عليه وسلّم
Author: عمر صديق
Date: 09-14-2009, 09:53 PM
Parent: #40

Quote: صلى الله عليك و سلم يا سيدي يا رسول الله أفضل صلاة و أتم تسليم.
جزاك الله خيرا يا أستاذ هاشم و أجزل لك المثوبة