Post: #1
Title: صناعــة القســوة
Author: عبدالله الشقليني
Date: 08-30-2009, 09:35 PM
  صناعـــة القســـوة
ورد في الذكر الحكيم
{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ }آل عمران159
بمثل هذا المسلك يتعين أن يكون النهج وتكون السماحة ، لا القسوة .
(1)
في زمان بلادٍ أسدل القائمون على أمرها بمعروف ونهي عن النكير في نظرهم بالقوة الباطشة وقُذِفَ النقد الخلاق والخلاف بأنه النفاق ، وهو عندهم أشر من الكُفر الصريح . فغدارة محشوة بالرصاص السهل الممتنع تنتظر كل لمحة من نبت ثقافي أو فني متلون بألوان العواطف الإنسانية ، إلا وهبّت ريح عاتية تجتثه من الجذور. ترى الوجوه الغبرة وقد تجعدت ، وعشرات العضلات قد تحفزت في الوجوه . الشَعر في المواضع التي تميز الذكورة نبتت بلا تنسيق كالطفيليات على ضفاف المزارع . الهندام وضبطه رجس من عمل الشيطان ، وملابس الذكور الداخلية تشبه ملابس أجدادنا الأقدمين في سالف العصر والأوان . الوجوه تنظر و الشرر يتطاير و عند كل حيلة حياة ينتفض الغضب و تلتهب نيرانه ، تأكل الأخضر واليابس. اختطاف حقيقي لعقيدة تراوح سعة بقدر سعة أذهان المُعتقدين ، وتغدو حجراً أصم في يد النَقَلة والمؤتمرين بأوامر " أهل الفتوى " و حِرز الذين لبسوا ملابس العلماء . أنشبت المؤسسة التي اختطفت العقيدة أظفارها على الحياة ، ظاهرها وباطنها . يفتشون العقول .
لم تذهب العقيدة وحدها طائعة . ألبسها " السادة الجُدد " جلد الماشية الثقيل الخشن وقرءوا بعيون الذين ابتنوا قصوراً من " الحجارة " على أساس من طين السبخة الهش . على قبس من آراء الأقدمين و دون تمحيص ونقد نهضوا يعلّمون الناس الدين.أقاموا البيّنات من التراث الشفهي المُتراكم قبل التدوين ، ومن أحاديث جرجر أذيالها سلاطين المُلك من بيت الغنى وجاه قريش من أباطرة السلف .
(2)
جاء الغول من قفر يابس ، وجوفٍ حار وبطنٍ جائعة . هاجرت القرون الوسطى بممالكها وصولجانها وجاءتنا ماثلة تشكلتْ لحماً ودماً. إن صراع الذين اختطفوا العقيدة من سماحتها عقدوا العزائم أن يقفوا في وجه التطور . رغم أنهم يستمتعون بخيرات العصر ونِعم الحضارة . فهي عندهم من تسخير المولى لهؤلاء الكفرة الفجرة لخدمة الناس والمسلمين ، وليست لهم زاد في الآخرة وفي المآل.
اجتمع أمراء أهل حلِّهم وعقدهم . وقدحوا أذهانهم .تمسحوا بجاه السلاطين ما استطاعوا إليه من سبيل ، وأكلوا في موائدهم حتى نبت لحمهم نبت السُحت . وساقتهم الأطماع أن يستأثروا حتى بكرسي السلطان . ما أجملك أيها الكرسي السلطاني الباهر .
تتقلب أنت في الأضواء .تثب إليك القلوب الضعيفة من خراب باطنها ، فقد تألقتَ ورفعتَ قامات ما كان لها أن ترتفع . صعدوا إليكَ بليل غفلة الآخرين ونعموا بنعيم كان المأمول أن يكون قسمة بين الجميع ، فصار خدمة للصفوة ! ، وأي صفوة هم وأي ميزة لهم غير مكر السوء وأثرة النفس ؟! .
تذوقوا جنة الدنيا ، وأذاقوا الآخرين لهباً من عذاب .إن اختلفت معهم فأنت " منافق أو كافر" تخرج هي من ألسنتهم كما يخرج الزفير من الصدور . وما أسهلها صفة لغليظي القلوب اعتادوا قولها بيسر ، في العلن وفي الخفاء . فتحوا الطريق وفاحت ريحهم لكل من يشتهي ومن لا يشتهي . وتقاطر عليهم الناعمون والمهادنون والغليظة قلوبهم ، والمؤلف قربَهم بالمال حين وبالبطش أحياناً. يؤسسون المبادئ في الأنفس ليس بالمحبة ونور كاريزما الدُعاة ، بل بغسل الأدمغة وبالقهر .
ما أصعبها ثقلاً على الأنفس التي تحس العقيدة رفيقة بالفقراء . تٌربت على الكتف وتطرد الأحزان التي لا قُدرة لها على تغيير الواقع .
فما الذي جنينا ، حتى يفتح لنا كتاب التاريخ صفحة تكاد تحترق من قسوة البعض على النفوس الآمنة ؟
**
|
Post: #2
Title: Re: صناعــة القســوة
Author: عبدالله الشقليني
Date: 09-05-2009, 11:01 PM
Parent: #1
ندخل مؤسسة الفتوى ...
|
|