|
لهاث مر ـ قصة قصيرة ـ
|
قصة قصيرة ُلهَاثْ مُرّ بقلم : معتصم حامد عبدالرحيم
(1) أربعووون عاماً .. قالها بلهاث وآهة أحس معها بأن روحه ستغادر جسده .. آآآه جسده .. أيها التعس الذي عشت كل هذه السنوات وأنت تحمل هذا الرأس المثقلة بالهزيمة .. لا تسألني عن معنى الهزيمة فلن أجيبك أنت وحدك من كنت تحملها وما زلت .. وأنت وحدك من سيجيب فإن لم تجد الإجابة اليوم فستجدها غداً أو بعد غدٍ أو كما يتفق عندما تنطلق رصاصة الرحمة .. أتدري ماهي رصاصة الرحمة .. ستعرفها في حينها فلا تستعجل .. سوف يأتي هذا اليوم .. سوف يأتي حتماً .. (2) أفرد صدره وتنفس بعمق لدرجة أحس معها بأنه قد سحب كل الاحتياطي من أوكسجين الدنيا والآخرة ضحك من تعبيره المفاجيء .. ماذا يضيره فهي فورة الصبا والشباب والولوج إلى عالم جديد كان يتحضر له عبر مقاعد الدراسة حتى بات على المشارف .. وهاهو الآن يدرج نحو هذا العالم .. عالم الإنغماس والصراع والدخول في من يقتنص من ومن يفوز .. بالكاد ابتلع ريقه وموظف رسم الزمن كل خطوط الطول والعرض على وجهه .. ضحك عندما شبهه بنخلة عتيقة جف فيها ماء الحياة .. وقفته تلك وشت بأنه كان ينظر لما خلف خلف ركام الزمن لهذا الموظف .. هو لا يعني تلك الدواليب الخشبية العتيقة المتلتلة بالأضابير الكالحة التي تبدو جلياً للعيان فسوادها المتسخ يعلن عنها .. لا يدري لماذا فكر في تلك اللحظة بأن كل تواريخ المحن والآهات والزفرات والحياة والموت تكمن داخلها .. أشاح بوجهه عنها عندما أحس بنظرات الموظف مصوبة نحوه الذي فاجأه بقوله : ووين شهادة الميلاد والخبرة وو .... انتفض كمن لسعته عقرب وهو يدمدم .. ميلاد .. ميلاد .. متمتماً : ميلاد أيه يا أبوميلاد إنت .. وافتر وجهه عن ابتسامة ساخرة لم تخرج منه كما يتفق وهو يجول بنظراته في وجه هذا الموظف الكالح ونظراته الزائغة كانها تستجير من غدر الزمان ، مستطرداً في سره تُرى أهو الآخر يملك مثل هذه الشهادة ؟؟ اعتـدل قائـلاً للموظف الذي تململ في انتظار إجابته .. إنها مع الأوراق .. ربما لم تقع عليها عيناك ويضيف ساخراً (الزائغتين) لا يدري لماذا انتابه الخوف وهو يفكر بأنه سوف يجيء عليه يوم ما يأخذ شكل هذا الموظف .. قال الموظف آآه هذه هي إذن عد إلينا بعد خمسة أيام فقط لملم أطرافه ونظر للموظف بحزن عميق وخرج مهرولاً .. قرر في نفسه أن لا يعود مطلقاً لا بعد خمسة أيام ولا قبلها .. متمتماً بحنق : فلتذهب الأوراق إلى الجحيم إنها صور ضوئية على أية حال .. شعر بسرور خفي بأنه قد نفذ بجلده في آخر لحظة .. وانطلق يصفر لحناً لا يعرف من أين أتاه ربما ليحتفل معه بنجاته فواصل وهو يتلمس البهجة .. (3) عوضية حسين خير السيد ..... ناداها المنادي بصوت حاول أن يضع فيه كل حرفته الإذاعية .. هرعت عوضية حيية خفيفة كالريشة وصوت كعبها العالي يمور شباباً دافقاً يضج في بلاط الممر الطويل اللامع حتى أنه يترك أثراً على أذنيك لفترة .. واختفت في أحد المكاتب ..... وو.... بعد سنوات التقيتها في الشارع الموصل للإذاعة تنقل خطواتها المثقلة شحماً ولحماً وكأنها تجر وراءها عربة إسمها محن الزمان ورغبات لم تجد لها ترتيباً قد ضاعت سدى .. تفرست في عينيها .. هالني أنه لم يتبق لها سوى طموح مؤود حتى ثمالته وحزن رقد بما فيه الكفاية على صفحات وجه انغرست فيه كل سكاكين التجربة والفناء الذي تجر خطواتها إليه جراً للإلتقاء به .. لا محال .. لم يعد لها من وجهة غيره ولا خيار .. عادت مرة أخرى كريشة لكنها في مهب الريح .. خطوة .. خطوتان .. ويسدل الستار .. (4) التقيا في زحام الحياة .. أعجبته .. أعجبها .. أصبحا كنجمتين التقتا دون سابق أوان .. كل حاول الاقتراب .. لكن كان هناك شيء أقوى منهما كان يعب الخطى ليوسع الفارق بينهما .. كأن أفريز الشارع الملون بالأبيض والأسود حديثاً يجعلهما لايقويان على المسير .. يعلمان تماماً أنه ليس بالسبب المقنع .. شيء ما .. شيء ما .. وحين فشلا في المحاولات جرت منهما دمعتان حارتان .. ثم ذابا كندف الثلج وغابا في زحام كانا الأصل فيه .. وراحا .. لم يعد من طريق آخر .. رقد الحزن على صفحات الشارع الحديث الدهان بلون أبيض يرافقه لونه السواد .. لكنه كان حزناً موغلاً حتى العصب .. وذاكرة ..
|
|
|
|
|
|