دكين بقي مُمل

Quote: ولأنها ما تزال في سكوتها وجلال صمتها الطويل أفكر جادا بالعودة إلى أطراف الخرطوم ... انا لا اصلح للحياة بعيدا عنها اكثر من اربعين كيلو .. قد حدثتكم فيما حدثتكم عن الاشواق تستهلك ذاكرتي وعن صمتها الذي طال حتى تكلم الغريب .. الان ما تبقى لي من ذاكرتي شي سوى بعض شوارع وناس البيت .. تشكل هذه البت خطرا ضمن اخطار اتتني متوالية في العام الاخير من تسعة وعشرين عاما ... سأعود إليها حاملا تقويم ام القرى .. لن احدثها عن مسغبتي هنا ..وسأترك التقويم بين يديها.. ستشهد ايامه باني كتبت خلف كل يومٍ عن يومي .. ما يحدث عند كل صباح وعن مساءآت الرياض .. تواريخ ماساة مسطرة .. لا شي يمنعني منها سوى اني اخشى الموت .. اخاف الجيش السوداني.. بصورة اكثر وضوحا انا إن عُدت قد يقتلني ناس الالزامية .. قد اموت بين ظهرانيهم ... اموت وفي خاطري حبيبة ما قبلتها بعد..ودنيا ما دخلتها اموت فينقطع نسلي ... لا شي يضمن لي أن امارس كرامتي وعملي وتقبيلي بعيدا عنهم.. حتما سيرسلونني إلى أقاصي الجنوب ضمن أحد المتحركات التي ما بقي فيها شي من معنويات ممتشقا كلاشنكوف.. ايامها اغلب القوم كانوا قد قدموا باختيارهم تدفعهم شواهد متباينة.. تاركين في أزقة الحلة زغاريد البعض ونواح الامهات.. يأتون ُزمرا ، ُزمرا.. اعوامئذ كان الفتية يلهِبون البقية حماسا.. يجأرون بالدعاء... ينشدون في جماعات محرفين الحان الحقيبة وإيقاع التـُـم ُتم ... .ُيحرمون القهوة لمن يشاؤن في ديار الجعلييين.. يحلمون الاحلام ... ويقولون هذا من فضل ربي .. لا متحمسين بالجوار الآن ، تلك كانت جماعة ٌ ذاهبة ٌ إلى السماء كلٌ بما نوى ...وكلٌ بما عمِل .. الآن فقط جماعات مبُعثرٌ يقينها ما بين خيبة الآمال في القيادة وبين رفاق مضوا في تطرف المليشيا واحتفالات الرصاص.. ساكون بينهم غريب.. والجياشة يدخنون كل ما تنبته الأرض ويشربون ما تيسر .. .يضحكون وليس في بالهم من أحلام العودة شي ... .يرددون الجلالات التي سادت قبل أن يدخل المديح جلالات الجيش واحلام الجند .. الجلالات المنقولة بدقة من حكـّـــــامات جنوب دارفور وشمالها .. ما من شك مطلقا باني سأموت باكياً هناك بين تلك الظلال وعند عشبٍ ما.. خادماً وطنيا في زمن بلا ملامح لوطن لم تُحدد ملامحة بعد .. سينعاني ملازم من الكتيبة بصوت جهور: استشهد فلان الفلاني .. رقم كده .. يُدفن حسب التعليمات.. ويتم تبيلغ قيادة الخدمة في الخرطوم بكرة الصباح .. انتهي البيان.. سينتقل الخبر بطيئا من دغلٍ إلى سهل ومن سهلٍ الي جبل ومن جبلٍ إلى جهاز لا سلكي .. اللواء 21 مظلي ملكال .. الرنك.. الجبلين ... حامية كوستي .. التدريب الموحد جبل اولياء.. وتمر ذبذبات خبر موتي بجوار أذن أنيسة في طريقها إلى القيادة العامة ولانها ليست ب antenna ستستقبل بعد يومين خبر موت ابنها شفاهة ً من مجندين لم تراهم في حياتها .. يسوقون اليها الخبر وهم يرددون آياتٍ من الذِكر الحكيم .. ويخرجون من البيت وسط عويل موغلٍ في الألم .. يسرعون الخطى عند منعطف الشارع ورا بيت ناس ضو البيت وكأنهم تخلصو من عبءٍ ثقيل .. (دكين ضحوي من مواليد جزيرة إرِس ..اقاصي الشمال .. الرّي المصري الابتدائية .. الكدرو المتوسطة.. المَقرن الثانوية.. خمسة أعوام بجامعة الخرطوم.. 1999 في اخر بيوت الحلفايا المطلة على اللاسلكي و2000م بين خشم القربة وام مرّحي ... سافر للرياض وربنا كاتب يومو في الاستوائية) هكذا سيردد المنظِرون من الاهل. الزول ده التقول كان عارف نفسو ..تصوروا ليلة سفرو جانا مبلبل ودّعنا..حلفنا عليهو يقعد يتعشى معانا ..قال لينا انا زول سفر.. بس العفو والعافية.. مرق من البيت والمطرة دي كابة كب تقول السما اتفتحت اليوم داك .. تلك أحاديث ضو البيت في الصيوان ظهيرة خبر وفاتي.. وآآ شريري ياود انيسة ..جيت من غربتك لي يوم كُربتك.. هكذ سيردد نساء الحلة بينما امي تهيل ترابا على رأسها وتسترجع اياماً قديمات في نواحٍ يكادُ السامعُ يحسبُ أن لا نهاية له.. سيصل الخبر إلى خير الرفاق في دنياي .. ستقفُ (هند) حيث ابلغوها بالخبر وعطر كارولينا هريرا (ون تو ون) يملا السماء عاتبة ٌ تنظرُ نحو الجنوب. ستبكي (رمانة) نهارها كله وتنتحب ..وينحبسُ النفس عندها يبحثون لها عن بخاخ الازمة في الحقائب ُكلها .. وكعادتهم لن يجدوه .. ستظل المسكينة لأسابيع قادمة تغني في ذهول بعض ما رددناه في الشرقي وعند عتبات الاكزام .. سياتون إلى منزلنا في جماعة يقتسمون الحزن.. يتصدرهم ابو اللول بحكم القرابة .. وقريبا من الصيوان سيشير ابو اللول تجاه ابي ليؤدي البقية مراسم الفاتحة، وسيجلس بعدها بعيدا عن الاهل وسط الاصدقاء.. كانت علاقاته مع الاهل سيئة دوما ..فقد كان سكيرا يجاهر بما يفعل.. وأهلي يسكرون بيد انهم يخفون عن زوجاتهم ليالي الخمر والرائحة... لن يقرا احدهم الفاتحة فالحزن اكبر من يقينهم .. كمبال سيحمل في سيارته حزنا كثيرا ومواد تموينية لم يكلفه بها احد.. شوالات سكر ،دقيق ،بصل ،زيوت وفحم.. واحزان فوق احزان .. كريما ً كان في حضوري ..مواِجبا ً في غيابي .. و سخيا ً في مماتي.. حبيباً كان.. بطلعة تسرني .. سيتخذُ بعدها مجلسا قصيا من الصيوان .. وستمر بخياله زخمٌ من الصور .. افراحٌ انطوت .. طرفٌ من احاديثَ مؤجلة.. مشاوير في شمبات .. ليالي عند مقرن النيلين يرتفع فيها دخان البنسون ... نساء نواضر في ربيع العمر ملكوا علينا كل شي.. ثم غار بهم ليل القرين فيلدج والليل هطول .. مشاريعَ نجحت .. وأخرى لم تكن لتحقق حتى ولو ظللت حيا مائة عام .. علي عبد الرحمن سيجلس حيث اخي ..سيشاركه العزاء بكلمات احصيت بدقة وسيصمت بعدها ..هادئا كنسيم ..باردٌ كقمر.. والدار غاصة بالنساء ستبحث نهلة وايمان ورمانة عن امي وسط الثاكلات .. لن يكون الامر صعبا فاكثرهن نواحا هي قطعا امي ..سيقمن بمقالدتها وهي لا تعبأ بمن جاء لا بمن ذهب .. لا بمن قالد .. ستدخلهن بنت خالي باكية إلى حيث اختي في حزنها الخاص والعالم ينهار تحتها .. ولا صوت للبكاء عند اختي .. فقط حالة تنذر بالخطر وذهول لا قياس له .. ستشاركها نهلة وايمان الذهول وستبقى رمانة في دمعها وببهدلة الشعر الجميل الذي طالما بللته بالمطر لاجلي ..ولاجله جلسنا بالنيل الازرق اياما . . وعند المساء ستأتي رباح .. وحيدةٌ بضفائر محلولة .. وبوجه لا ُينسى وحاجبان مقرونان.. رباح.. آمالي التي انطوت ..افراحُ الانسان.. الجزء اللطيف من دورة حياة الكلية.. ما تعودت أن تزور البيوت في غير موعدٍ مناسب ... حتى ولو كان ميتما.. حتى ولو كان الميت الود (دكين) الما جادي .. سترى صورتي في ثياب التخرج اعلي (اليونت) .. ستري اخر ابتسامة ما جادة .. في بيت بكا جادي .. (القاكي وين.. القاكي وين لو طالعة من بيت الخليفة وداخلة لي ميز العساكر .. القاكي وين بين الانبياء السايقين تروبر والصحابة الراكبين مواتر..) سينقضي المسا وياتي مساء اخر وسيمضي الناس لما يُسروا له .يتدافع الناس في معايشهم الجبارة وينسوا الغائبين القابعين في جنبات الارض بعيدا عن الحياة.. بعد زمان غير يسير سيسمع مروان بالخبر في الرياض وسيتذكر المرارات المتتالية التي اتت علينا منذ أن التقينا في شتاء جبل اولياء 94 وشغفي بالجهنميات المزهرِة على ابواب المنازل .. سيضطر بعدها وتحت ضغط الضمير المعذب أن يكتب إلى منى عثمان عن الحب الذي بدلته الجغرافيا ..وعن الندم العميق الذي لازمني في اواخر ايامي لعهدٍ لها قطعناه وما حفظت له زماما.. ساوصي بان يكون مثواي الاخير بمقابر حلة حمد ..قريبا من الغالية قريبا من النيل .. تمر بقبري حين تخرج إلى صديقاتها في حلة خوجلي .. وتقف به عند غروب الشمس في اسابيع الوفاء الاولى .. سياتي إلى منزل الغالية ــ بحكم قُربه من قبري ــ اصدقاء غابوا في شتات الأرض يبحثون عن موضعي بين الأموات.. ستصف للبعض مكان القبر بدقة وبلجنة في حرف الراء تحذرهم من الوقوع في فخ تشابه القبور عند الطرف المطل على المزارع تجاه الميرغنية ... وستقوم في حزن بالغ وودٍ استثنائي بإيصال البعض الأخر حتى مشارف قبري..ذلك البعض الذين تعرف انه قد جمعتني وإياهم في الحياة الدنيا رياضُ أحاديث عذبة وفيض من الإلف.. كما ستظلُ الغالية ولفتراتِ طويلة تستقبل أصدقاء عائدين من الوقوف علىَّ وتقدم لهم الشاي عند المساء وستدور أطرافٌ من أحاديث حزينة بعضها متعلقٌ بي.. وبعضها متعلقٌ بتدافعِ الخلقِ وفضائل المعروف المنسية بين الناس .. بعد شهور على ضفة النيل ،ستجعل أسمى لابنها الوليد.. وفي ليالي حلة حمد الممطرة ستراه يدخل البيت مبتل الشعر، فيمضي خيالها إلى ليالي في كافتيريا النشاط ودموع بمقلتين، وأحاديث أوغلت في الياسمين . سياتي بقرب قبري كثيرون .. مارة .. عابري سبيل.. باعة متجولون .. رعاة يدندنون بالحانِ الإذاعة الأولى .. نساء توفى ازواجهن و ُترِكُوا على نواصي الفقر .. مرتادي مقابر مخمورين ..ومسلمون بدعواتٍِ صادقة يسألون لي الرحمة والسكنى مع الصديقين والشهداء . وعلى شاهد قبري نبتة عَََُشََر واكياس نايلون .. وبقايا صحف يومية بمقالات تمزقت مقدماتها.. سأموت يا سادة .. وسأكون هناك في حلة حمد ..سيحزنُ من يحزن ويعود غائبون ويغني الرُعاة وتمضي الحياة .. هـكذا الحياة .. غُربة ٌ تؤدي إلى أشواق.. وصمتٌ يؤدي إلى صمتٍ دائم .. ـــــــــــــــــــــــــــــــــ انا لو باريت اشواقي دي قد اصبح جزءا من شجرة عٌشرة .. جزء من نبات موسمي .. بدل ما اقعد اشتاق ليك حأقعد امثل ضوئيا .. ترِضي لي امثل ضوئيا بعد شوقي ده كلو؟؟

(عدل بواسطة حيدر حسن ميرغني on 07-28-2009, 01:53 AM)

Quote: دكين حدثته نفسه ألاماره بالسوء إنو ممكن يشتم كميه الخلق الشتمها دي كلها و الناس دي كلها تسكت حبا فيهو او خوفا من لسانو ! و لمن ده ما حصل بدل ما يرعوي ، طفق يفتح في البوستات التعيسه