شهداء كرري جسدوا للأمة معنى الحرية

أحمد على دقيدي
ان تاريخ أمتنا الملئ بالنضال والبطولات وملاحم الفداء عبر الحقب الزمنية من اجل الحرية والمجد والسؤدد، لهو مفخرة لكل سوداني محب ومخلص لهذا الوطن، وذلك يجسد مدى أصالة ونبل شعبنا متعدد الاعراق والملل.
وما أدل على ذلك من مشهد اكثر وضوحا من معركة كرري الشهيرة التي خاضها الشعب السوداني ضد الغزاة الانجليز 6981-8981م، فبالرغم من أن شهداء كرري كانوا يدركون يقيناً حتمية خسرانهم للمعركة وقتئذٍ بسبب اختلال موازين القوى لصالح العدو عدة وعتاداً، الا انهم ارادوا ان يعطوا العدو دروسا في الصمود والتحدي والجلد، ليس حباً في الموت اعتباطا ولا هروبا من الحياة انتحارا، بقدر ما هو تعبير عن مدى استشعارهم لثمن الحرية الذي تهون دونه الأنفس.
نعم فعلوا ذلك لأنهم كانوا يدركون بعمق أهداف العدو، لأن جباههم عالية ينظرون الى الافق البعيد، فقاسوا المسافة بحسابات جعلتهم يفهمون مقاصد الغزاة التي كانت تتمثل في استباحة الوطن ونهب خيراته وانتقاص سيادته، وتبديل الهوية والثقافة والتفريق بين مكوناته الاثنية والاجتماعية.
لذا كان خيار المواجهة الى النهاية هو خيارهم الوحيد، حتى ذهبت أرواحهم جميعاً. وفي مشهد لم يتكرر في تاريخ الحروب كثيراً، فتدافع شهداء كرري نحو العدو بغية الالتحام به للنيل منه، تدافع السقاة على موارد الماء والمدافع تحصد أفواجهم بالجملة، ولسان حالهم يقول للغزاة، نعم يمكنكم القضاء علينا جميعاً لكنكم لن تستطيعوا ان تنالوا من كرامتنا وعزتنا وهممنا. ونريد أن نقول لكم انكم ستبقون في السودان الى حين، ولكن لن يطول ابداً، وفي حقيقة الامر معركة كرري أبرزت حقائق كبيرة ومتعددة، فكانت محيرة لعلماء الاستراتيجيات العسكرية، والخبراءالذين تداولوا حولها كثيراً.
ثانياً الهمت الشعراء والادباء والمغنين، والعامة ومثلت الوجدان الحقيقي الذي ظل متقداً الى يومنا هذا وسيظل.
ثالثاً: كانت درساً استوعبه المستعمر جيداً، فتأدب مع الشعب السوداني بخلاف سطوته الاستعمارية التي استفزت كافة الشعوب المستعمرة.
رابعاً: ظلت معركة كرري بمثابة الموقد لنفوس السودانيين ساعات الفداء، اذا ادلهمت الخطوب فهي دائماً حاضرة في المقدمة.
ومن تلك المنطلقات تبقى هنالك أسئلة تتطلب اجابة من كافة ابناء الوطن على كل المستويات والتوجهات.
أولاً: إذا كنا جميعاً نتفق ونقر بفضل شهداء كرري على هذه الأمة، فالسؤال هل حفظنا لهم الجميل ورددنا لهم الفضل الذي يستحقون؟
ألم تتحول مقابرهم الشريفة إلى مواقف للسيارات ومرامٍ للنفايات والقاذورات وملتقى للسفاهات ويتبول المعتوهون اجتماعياً على رؤوسهم.
أليس من واجب الأمة أن تقوم بتسوير تلك المقبرة عرفانا وتقديرا لدورهم البطولي ودلالته الرمزية.
اليس هذا السلوك عقابا لشهداء كرري ونكراناً لدور كل شهيد استبسل في سبيل وطنه... أليس هذا أدل على مدى ميتة القلوب وهوان النفوس التي لا تستشعر عظمة أسلافها أمثال شهداء كرري.. أولئك الرجال كان على رأسهم الخليفة عبد الله الذي بموته في معركة أم دبيكرات انتهت معركة كرري بشرف نستقي منه اليوم معنى الصمود والتحدي.

http://www.alsahafa.sd/Raay_view.aspx?id=73530