عن البنت و حكـايـاهـا!

*
اين نسير اذا ما تبرأت منا طرقاتنا,؟
هكذا صبت كل ذاك التيه استفهاما,
هكذا حكت عن كونها فقط صبية فتية نسجت بين أعوام عمرها القلائل أحلاما ثقال, و وعود ما فتأ زيفها يتجلى يوما بعد يوم .

*
نزعت عنها السؤال على ضفة فنجان من القهوة, و كما اعتادت لم تذب السكر, تركته يرتاح في القاع هناك و يرسل لها بعض نفحات من حلاوته مرة تلو المرة
يغريها بتلك الرشفة الأخيرة المفعمة بناَ و سكر
تبدى لها العمر فنجان تهبطه صعودا , يتسارع بها الى حيث تتكالب عليها مرارته.

*
انتبهت لانحسار الرداء عن ساقها و ترددت في ان ترده أم تجذبه كاشفة المزيد أو ربما تنأى ببصرها عنه متجاهلة زهوها بالنظرات التي تنصب على جسدها
و الدوار الذي رمته بها تناقضاتها,
"هو جسدي لي أن أفخر به... أنا لست ساقا و لن أسمح لهم أن يحصروني في جسدي... لكنه جسدي لي أن أبديه كم أبدي رأيا أو ..."

*
أسكتت تلك الأصوات بانتفاضة سريعة حملتها من ذلك البمبر الى الركن المقابل , فواصلت سيرها و لم توقفها حتى الذكرى الجميلة لفنجان القهوة الذي لم تكمله . أرتمى ظلها أمامها و بدا لها الأمر و كأنما هي تتبعه الى مكان يعلمه, فلم تقاوم , بل لم ترفع نظرها عنه الا عندما انسحب الى تحت قدميها, نظرت الى أعلى لتجد أن النهار قد انتصف و الشمس ترد بصرها عن السماء و توجهه الى نقطة واحدة؛ كان فنجان قهوة آخر يستند الى خلفية تمتزج فيها حركة العربات في الكبري القديم مع (حوسة) ست الشاي و هي تبحث عن مواقع جديدة للبنابر اذا ما استولى النيل على القديمة متحججا بالخريف.

*
بدا ترتيب الأشياء كأنما صيغت فقط لأجلها, حتى ذلك الكراس الذي انزلق عن حقيبتها عندما جلست لم يبدو حضوره عرضيا, حملته تقنع نفسها بأنها اشارة كونية تسألها أن تصب على الورق شيئا ما, رغم علمها التام أنها فقط تعيش اعراض جرعة زائدة من الروحانيات الملفقة شتلتها بها رواية (الخيميائي) التي أفردت أحرفها على معظم ليلها بالأمس, فجرجرتها في ازقة اللغة الكونية تبحث عن اشارة تغنيها عناء البحث عن أجابة ...

ها مرة أخرى يطفو السؤال: اين عسانا نسير اذا ما تبرأت منا طرقاتنا؟

*
تجاهلته هذه المرة بكلمات نقشتها على الورقة المستلقية أماهها كأنما تستجديها البوح, اقتفت شبح اسمها على الورق و اختطته هناك مرة تلو المرة,
كانت تسلخه عنها قليلا قليلا مع كل حرف, كم انهكها هذا الاسم و هي تتسلق على اكتاف ذاتها لتكونه, كم تمتلئ ارتباكا و ترتدي الثبات كلما نوديت به , "... وطن !... تتني القهوة؟"

*
تشابك صوت ست الشاي مع خطوط كتابتها فرفعت اليها نظرها... كانت تجلس محتضنة كانونها و تلك الكبابي بنظرات من خوف و محبة, كانوا الاهها الذي تستجديه الرزق و تصلي له بهبابتها, "لولا ان كررت جملتها تلك, لتأكدت أنني أهذي!" ... "وطن!... تتني القهوة؟" ...

*
جدلت بين كلماتها هذه المرة نظرة اخترقت حواجز الصبية, أرادت ان تتلفت من حولها لتتشرب مظاهر المكان جميعا ربما تجد فيها ما تألف, ما يثبت انها زارته من قبل, ما يبرر معرفة هذه المرأة باسمها, الا ان شيئا ما في حدة تلك النظرات شحذ فيها توجسا من ان تظهر توترها, وضعت كفها فوق جبينها و جعلت تمسده و كأنما صداعا اصابها هو ما منعها عن الاجابة, التقطت عن رئتيها ذلك النفس الذي احتبس تضامنا مع ارتباكها و زفرته متأففة "... خليها شوية كدة!".

*
"من أين لها باسمي؟.. بل من اين لي باسمي؟ من اين لي بي لأكونني؟ بصوت ينفث للعلن كل صمتي؟ من اين لي بحرف يكتبني, يحررني, تعنتنقه افكاري دينا جديد اذ هي اثقلها السكوت...
من اين لي برحيل يحكي وجودي...", جعلت تضغط بالقلم على الورقة كأنما تصر أن تفشي بها الحبر شاهدا على وجودها .

دي المرحلة الاخيرة يا مزن

*
مؤخرا باتت تشعر ان فكرة الرحيل تتربص بها بانتظار لحظة تقفز فيها الى الواقع, حتى اضحت كثيرا ما تتقصد الاصطدام بالمارة اثناء سيرها
فتجد في التفاتهم و تضجرهم منها دلالة على كونها ما زالت هنا. ربما لهذا لم يزعجها كثيرا تطفل المرأة, خدشها الصمت اذ دعتها للفنجان الثاني ...
" المرأة حتما لن تنادي الفراغ ... المرأة حادثتني ... المرأة رأتني ... ما يهم ما اوحى لها باسمي !, لقد نادتني ... يكفي!"

*
لكنها كانت توقن ان شيئا ما بداخلها قد سبقها الى النسيان حكت لهم عن ذلك عندما كان ثلاثتهم ينثرون الخطو ليلا بين شوارع المدينة
_ "اعلم ان ذاك الذي يصيرنا ارواحا في عمر الكون ذاك الذي يجعلنا اكثر من مجرد دمى في سيناريوهاته قد غاب عني , انا الان اسير بينكم لا لشئ سوى ان ارسم ذاكرة أجمل لرحيلي"
_ ...... صمتوا
_ "ما الحضور سوى ذاكرة الغياب , كما هي الحياة ذاكرة الموت"
_ ..... صمتوا
قذفها صمتهم بشئ من الشك, هل رحلت اخيرا؟, ألهذا لا تصلهم كلماتها, أم اسكتتهم فقط حميمية الحديث التي لم يعتدها المثلث ذو الزوايا المائة الذي يجمعهم.

*
شبكة من الأحداث و العلاقات ربطتهم معا دون ان يعلموا قط اين يقع كل منهم من حكاية الاخر. سرا طالموا سعوا ان لا يجمع مكانا واحد سوى اثنين منهم و شبح الثالث,
كان ذلك درعهم في وجه السؤال
"ان اين انا من حكايتك يا صديقي؟".
اما اذا حدث و اصاب الكون بعض الملل فقرر ان يمارس ساديته في جمعهم كانوا يلجأوون الى الشوارع, يعبرونها معا جاعليين من أعينهم عدسات لكاميرا الذاكرة
يلتقطون بها عن الأرصفة و وجوه المارة انعكاس فوضاهم , و سريعا كان ما يتذكر كل منهم موعد مفتعل لابد ان يكون فيه فيتوادعون الى لقاء يلتمسون في رحمة الكون ان لا تأتي به ابدا.

,,,

متابع

واصلي يا مزن

تسجيل حضور


أحمد الشايقي

تمام

حضور وإنصات بتركيز

حلو

..
.
أدفقى ..
وابدعى

__________

تسجيل حضور

*









ــــــ
تحياتي يا صديقتي الجميلة

ربما حان الوقت لذاك الفنجان الثاني ...!
التفتت لتطلبه من ست الشاي الا ان التماعا معدنيا اخفاها عنها, كان انعكاس الشمس على تلك الصينية التي وضع فوقها فنجان من القهوة و تحتها يد غاية في الصغر للطفلة التي حملته اليها, حالت الطفلة بينها و بين وجه ست الشاي, رغم ذلك تبدى لها و بكل وضوح ملامح الابتسامة التي رسمتها و هي لا تزال تحتضن كانونها/ الاهها و تصلي له. اراحت الصغيرة الفنجان امامها و انسحبت,

"اوقن انني اذا ما سحبت يد تلك الصغيرة نحوي لأزهرت ضفائرها املا, لطالما احسست بذلك اتجاههن
صغيرة ست الشاي
صغيرات اخر يحملن دمىً يتمنينها ولا يجدن بداً من بيعها للمارة للابقاء على شرارة الحياة في محاجرٍ يفترشن دمعها ليلاً
اخريات يكبرنهن قليلا اصبح المارة لا يشترون منهن الدمى بل يشترونهن دمى
جارتنا التي اتجاهل وجودها في ذلك الماخور وحيد السيد والجارية و الذي جرت اليه قسرا بقيود الطاعـــــة!
لا يسعني سوى تجاهلهن"

" لا يسعني سوى تجاهلهن
لا لشئ سوى لعلمي التام بأنني لو التقت نظراتي بانكساراتهن لاصابتني موجة من الضحك الهيستيري تفضي بي لجنون كامل, فكل ذلك الـ(نضمي) على شاكلة الاعلان المتعلق بالمبادئ الاجتماعية والقانونية المتصلة بحماية الأطفال ورعايتهم مع الاهتمام بهذا و ذاك,,, و نموذج إبلاغ موحد بخصوص تقديم معلومات إلى المقررة الخاصة بالأمم المتحدة المعنية بمسألة العنف ضد ,,, اهـ , كل هذا يبدو على خلفية واقع كواقعي كفيلم خيال علمي تدور احداثه في العام ( اربعة الاف و مئتان و بشر آخرون)"

لم تكن تنهدات وطن منسوجة على نول خيالها الجامح _و الذي احقاقا للحق يصعب انكاره_
كانت للأسف كل من هذه الشخوص ذات حضور طاغي في أيامها المكررة الاحداث, المتفردة الآلام.

بائعة الدمى التي كثيرا ما وجدتها تضع دماها امامها , تتأمل الوان فساتينها, و لا تتجرأ ان تلمسها خوف ان تتسخ فلا تجد بين زبائنها القلائل من يشتريها , غير عالمين _او ربما غير عابئين_ انهم تواً حرموها اجرة الحافلة التي تنقلها عبر جدار الفقر الى عالم اخر يسكنه من يرون في تمكنهم من تناول الطعام كل صبيحة و مساء رفاهية ما بعدها رفاهية,

كانت اصغر مما يجب لهمٍ ان يُبكي عين, و كم كانت ابتسامتها اذا ما قصدتهم و بضاعتها زاهية الألوان بين يديها في تناقض صادم مع ردائها الذي بهت عنه الفرح, تخنق تشدقهم باخبارالقوانين المقيدة للحريات و قراءاتهم (العميقة) عن وضع الحقوق المدنية في بلاد الواق الواق,,,

لذعتها مرارة لم تعلم اجادت بها القهوة عليها ام اصابتها عدوى زمان تلك الصغيرة,,,

"كوني ما زلت استسيغ الطعام في عالم يحمل هذا الحد من القرف دلالة فاضحة على وجوب رحيلي,,,
انتهت مدة صلاحية هذا الكون, يجب ان يبدأ الرحيل"

ينصر دينك ياخ .


و دين كتابتك ..
و دين لغتك .

Quote: دلالة فاضحة على وجوب رحيلي,,, انتهت مدة صلاحية هذا الكون, يجب ان يبدأ الرحيل"

مزن..صديقتي الجميلة...


اتذكرين تلك البنت التي قرأت لي شعرها
و رقصت الفلامنقو في ذلك الركن في قهوة البرلمان ذات مساء قبل اربعة اعوام ...
.. اتتذكرينها ياصديقتي الصغيرة...

وحذرتك ساعتها ان لا تكونيها ابداً ..لانك مازلت ضغيرة على تلك الدروب الصعبة ..

ومازلت اقول لك لاتكوني تلك البنت لان دربها صعب ..
وملئ بالحزان ....

في بلاد كبلادنا يامزن الكلمة ترتد اليك حزناً وتعصر القلب .....انه موت بطئ

حبي الذي تعرفينه
منال

Quote: "هو جسدي لي أن أفخر به... أنا لست ساقا و لن أسمح لهم أن يحصروني في جسدي... مزن

وقفت في السطر ده شوية، بيلخص تناقضات جيل بحاله. جيل يتبني افكار الفيمنيزم السامع بيها،
بس ما عارف يعمل بيها شنو في حياته العمليه.


تسلم ايدينك يا مزن و عقلك
يادوب لاحظت البوست في قائمه الارشفه لبكري